• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : سيرة .
                    • الموضوع : الإمام موسى الكاظم .

الإمام موسى الكاظم

الإمام موسى الكاظم "ع" مواقف وأدوار

 الشيخ ابراهيم السباعي

لقد نص على إمامته الإمام الصادق "ع" في أكثر من موقع ومناسبة ،فقد ورد عن محمد بن الوليد سمعت علي بن جعفر بن محمد الصادق "ع" يقول : سمعت أبي جعفر بن محمد "ع"  يقول لجماعة من خاصته : إستوصوا بأبني موسى خيراً ، فإنه أفضل ولدي ،ومن أخلفه من بعدي وهو القائم مقامي ، والحجة على كافة خلقه من بعدي .

إكمال للدور : لقد إستمر الإمام موسى بن جعفر "ع" على نفس المحور والنهج الذي رسم ،حيث التخطيط الذي رسمه الإمام الصادق في مواجهة الإنحراف الفكري في المجتمع فقسم الإمام "ع" مواجهته إلى أقسام :

النحو الأول : إستمرار المواجهة الفكرية من خلال التوعية ،ودفع الشبهات  ،والعقائد المنحرفة ،والنزعات التي لأقت إنتعاشاً في زمن بني العباس ، مثل : الشعوبية ، والزندقة ،والعنصرية والنحل الدينية .

خطورة الأفكار المشبوهة : وكان من أخطرها الدعوة إلى الأفكار الإلحادية ، والتي أخذت تنشيط في نفوس الناشئة الإسلامية الضعيفة ،وموقف الإمام هو التصدي ،والنقد لها بالأدلة المقنعة المنطقية الواضحة والصريحة ، وبالمقابل تبيان تهافت طروحات الطرف المقابل ، وهشاشة فكمره ، وبعده عن العقل والمنطق حتى أعترفت جماعات كثير  بعد الدخول بمحاورات معه بإنحرافهم وأعلنوا توبتهم ،وبراءتهم والإلتحاق بركب الإمام والتمسك بمبادئه "ع" .

ذاعت قدرة الإمام العلمية ، حتى دان بها قسم كبير من المسلمين ،وقد صعب هذا الأمر على المسؤولين ورجال الحكم ، فتصدوا لذلك بإلإضطهاد والتنكيل ،ومنعوهم من الكلام في مجالات العقيدة ، إلى حد تهديد بالقتل ،وهذا ما جعل الإمام يستعمل التقية ، وإضطره إلى أن بعث إلى أصحابه آمراً إياهم بالسكوت ،فمثلاً يبعث إلى هشام بن الحكم ( وهو أحد أصحابه ) أن يكف عن الكلام نظراً لخطورة الموقف ، فنرى الإطاعة من أصحاب الأئمة فيتوقف هشام عن ذلك إلى أن هلك المهدي .

علم الإمام "ع: لا ينضب :  وكان الإمام أينما حل ، إجتمع حوله أصحاب العلم ،والمثقفون ،والمتعطشون للعلوم ، للنهل من معين الإمام موسى "ع" الذي لا ينضب ، فنرى أثناء إقامته في يثرب التفاف جمع غفير من كبار العلماء ، ورواة الحديث ممن تتلمذوا في جامعة أبيه الكبرى وكانوا لا يفارقونه ، ولا يفترقون عنه ، يسجلون أحاديثه وأبحاثه وفتاواه ، فقد روى السيد أبن طاووس أن أصحاب الإمام وخواصه ، كانوا يحضرون مجلسه ومعهم في أكمامهم ألواح أبنوس وأمبال ـ نوع من الأخشاب ـ فإذا نطق بكلمة أو أفتى في نازلة بادروا إلى تسجيل ذلك .

والخلاصة هي أن العلوم التي أعطاها في فترة حريته ، قد رواها العلماء بأختلاف أبعادهم ومذاهبهم السياسية والفكرية وقد عمت جهوده العلمية جميع المراكز الإسلامية ،وأصبح عطاؤه العلمي يتناقل عبر العلماء جيلاً بعد جيل .

لكل مقام مقال : والنحو الثاني : كان الإشراف المباشر على قواعده الشعبية ومواليه ،والتنسيق معهم في إتخاذ المواقف المناهضة للحكام ،لأضعافه سياسياً ،ومقاطعته ومنع الإتصال به ، وعدم الترافع إلى مجالس قضائه ، فنراه  في حواره مع أحد أصحابه ، صفوان الجمال يقول له : يا صفوان كل شيء منك حسن جميل ماخلا شيئاً واحداً ، فيقول صفوان  : جعلت فداك كل شيء منك حسن جميل ماخلا شيئاً واحداً ، فيقول صفوان : جعلت فداك أي شيء ؟ قال : إكرؤك جمالك من هذا الطاغية ـ هارون ـ قال ما أكريته أشراً ولا بطرا ولا للصيد ولا للهو ،ولكن أكريته لهذا الطريق ـ طريق مكة ـ ولا أتولاه بنفسي ، ولكن أبعث معه غلماني ، فقال له الإمام : يا صفوان أيقع كراك عليهم قال : نعم جعلت فداك قال : أتحب بقاءهم حتى يخرج كراك ، قال نعم فقال : من أحب بقاءهم فهو منهم ومن كان منهم فقد ورد النار ،ونرى ألإطاعة الصادقة منه ـ رض ـ فيذهب فيبيع ما لديه من جمال التزاما بالأمر وإطاعة للإمام "ع" .

الإشراف المباشر : وكان الإمام يوزع المصالح بنفسه ، فنراه ينهى أحد أصحابه عن الإلتحاق بالحكم والعمل فيه ، كما قال لصفوان وكذلك قال : لزياد أبي سلمة عندما سأله العمل معهم : يازياد لأن أسقط من شاهق فأتقطع قطعة قطعة ، أحب إلي من أن أتولى لهم عملاً أو أطأ بساط رجل منهم .

ولكنه في الوقت نفسه يسمح لعلي بن يقطين بالعمل معهم إلى أن أصبح أحد الوزراء المرموقين في حكومة هارون ، وقد طلب من الإمام الأذن في ترك المنصب ، والإستقالة منه ، فينهاه عن ذلك ويقول له : لا تفعل فإن لنا بك أنساً ،ولأخوانك بك عزاً وعسى الله أن يجبر بك كسراً أو يكسر لك ثائرة المخالفين عن أوليائه ، يا علي كفارة أعمالكم ، الإحسان إلى أخوانكم ، أضمن لي واحدة ،اضمن لك ثلاثاً : اضمن لي أن تلقى أحداً من أوليائنا ،إلا قضيت حاجته وأكرمته ،واضمن لك أن لا يضلك سقف سجن أبداً ،ولا ينالك حد السيف أبداً ،ولا يدخل الفقر بيتك أبداً ، ياعلي من سر مؤمناً فبالله بدأ وبالنبي وبنا ثلث .

كلمة حق أمام سلطان جائر : والنحو الثالث : إحتجاجه العلني بالأسلوب المقنع ، فنراه في إحدى جلساته في مسجد النبي "ص" ، يدخل هارون الرشيد ، لزيارة مرقد النبي "ص" ومعه حشد غفير من الأشراف ،والقواد والجند ،وكبار الموظفين في الدولة ، فيبدأ هارون الرشيد بالزيارة قائلاً بصوت مسموع من الجميع : السلام عليك يا أبن العم ، كي يعلم الآخرون قرابته ومدى صلته بالنبي "ص" كي يثبت أحقيته بالخلافة ، فنرى الإمام موسى "ع" يبتدر السكون داخل المسجد قائلاً بصوت مسموع من الجميع : السلام عليك يا أبت ، هنا بقفد الرشيد رشده ، ويضل صوابه ، فقال هارون : لم قلت أنك أقرب إلى رسول الله "ص" ؟ فأجابه الإمام مفحم ، لو بعث النبي "ص" حياً وخطب منك كريمتك ، هل كنت تجيبه إلى ذلك ؟ فقال هارون : سبحان الله ، وكنت أفخر على العرب والعجم ، فأنبرى الإمام قائلاً : لكنه لا يخطب مني ، ولا أزوجه ! لأنه والدنا لا والدكم ، فلذلك نحن أقرب إليه منكم .

تأثير الأسلوب على الظلمة : ومثل هذا الموقف وغيره من المواقف جعلت الخطر كبيراً على هارون الرشيد من بقاء الإمام سلام الله عليه حراً طليقاً ، فأمر بإعتقال الإمام "ع" وزوجه في السجن .

( مواقف الإمام مع هارون الرشيد كثيرة لا حدود لها ،ولا يسعنا ذكرها وإستعراضها لضيق هذه العجالة ) .

سأل هارون الرشيد يوماً موسى بن جعفر "ع" عن فدك وحدودها ، فقال الرشيد : ماحدودها ؟ فقال : إن حددتها لم تردها ، فأصر هارون عليه أن يبينها له ، ولم يجد الإمام بدا من إجابته ، فقال : أما الحد الأول فعدن والحد الثاني سمرقند والحد الثالث أفريقيا ، والحد الرابع فسيف البحر مما يلي الجزر وأرمينية ، فثار غضب الرشيد ولم يملك أعصابه فقال : لم يبق لنا شيء ، فقال "ع" : قد علمت أنك لا تردها ، ولم يكن الإمام في صدد تحديد فدك جغرافياً ، وإلا فحدود أرضها أقل من ذلك وإنما أراد الإمام كما قال عمر لأبي بكر : لو تعطيها اليوم فدكاً ـ يعني فاطمة "ع" ـ فعليك أن تعطي الخلافة غداً .

القيادة المسلمة : والنحو الرابع : تشجيع الثورات التي كان تقوم بها بنو الحسن من العلويين ومباركة ثوراتهم وإنتفاضاتهم ، والتشجيع من قبل الإمام ، لا يعني وقوف المتفرج عليهم لخوف أو غيره ـ، بل لعدم وجود ثقة أمين ، يمكن الأعتماد عليه والإطمئنان إليه ، فمثلاً عندما عزم الحسين بن علي بن الحسين ـ صاحب وقعة الفخ المشهور ـ اقبل إلى الإمام "ع" يستشيره في ثورته ،وعرض عليه فكرة الثورة ـ فالتفت إليه الإمام قائلاً : إنك مقتول فأحد الضراب فإن القوم فساق يظهرون إيماناً ،ويضمرون نفاقاً وشركاً ،فإنا لله وإنا إليه راجعون وعند الله أحتسبكم من عصبة ، فعندما سمع بمقتله بكى وأبنه قائلاً : إنا لله وإنا إليه راجعون ، مضى والله مسلماً صالحاً صواماً قواماً ، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ، ما كان من أهل بيته مثله ، مثل هذه الكلمات دلت على الرضا لما فعله والتأييد لما قام به ،  لذلك نرى أصحابه "ع" يأتونه مسرعين فزعين يشيرون عليه ، أن يختفى عن الأنظار ليسلم من شر الطاغية ، فيبتسم ويتمثل بقول الشاعر كعب من مالك :

زعمت سخينة أن ستغلب ربها       وليغلبن مغالب الغلاب .

الخوف لدى الحكام وسبل علاجهم له :

أصبح الإمام "ع" يشكل خطراً على هارون الرشيد ،وهو حر طليق نتيجة سعي الحساد والطامعين والمتضررون من وجوده ، فسعى يحيى البرمكي إلى هارون فعبأ على الإمام بأحقاده وأفهمه أن الإمام يعمل على طلب الخلافة لنفسه ،وأنه كتب إلى قواعده في سائر الأقطار الإسلامية يدعوهم ويحفزهم على الثورة ضد الحكومة ، فقام هارون بسجن الإمام أولاً ، للتخفيف من خطورته ، ولفصله عن القاعدة الشعبية ثانياً ، ولحد تحركاته ثالثاً ،فقضى الإمام "ع: زمناً طويلاً ، يقال بلغ ست عشر سنة في السجون ، سئم الإمام من السجن ،وضاق صدره من طول المدة ،وهو يتنقل من سجن إلى آخر ،وفي نهاية المطاف قام يحي البرمكي إرضاء لهارون الرشيد بالذهاب إلى بغداد ثم دعا السندي ـ رئيس الشرطة ـ فأمره فيه بأمره ، ثم دفع إليه رطباً مسمومة ،وأمره بتقديمها لموسى "ع: وعدم الخروج من عنده إلا بعد أكلها فقدمها إليه .

وبرواية السندي بن شاهك : أنه بعث إليه بالرطب ، ثم أتاه ليرى ما فعل ، فوجد أنه تناول عشراً منها ، فطلب منه أن يستوفيها ، فقال "ع: : حسبك قد بلغت ما يحتاج إليه في ما أمرت به ، وهكذا قضى سلام الله عليه مسموما ً شهيداً فسلام الله عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا .

والحمد لله رب العالمين .


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=10
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2007 / 04 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28