• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : مفاهيم .
                    • الموضوع : الامام الصادق عليه السلام ودوره الريادي في الامة .

الامام الصادق عليه السلام ودوره الريادي في الامة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الامام الصادق عليه السلام ودوره الريادي في الامة

الشيخ علي سليم سليم

بذل الإمام جعفر الصادق عليه السلام كل جهده داخل الأمة وانصرف كلياً عن مسألة الحكم، وليس عن دوره السياسي، وهو أوسع دائرة من شؤون الحكم، التي تتطلب قاعدة واعية صلبة وظروفاً اجتماعية مواتية، وهو القائل عليه السلام لسدير الصيرفي: "... والله يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود" الكافي الكليني ج 2 ص 242

وكان قد دخل عليه وسأله قائلاً للإمام عليه السلام: والله ما يسعك القعود!

"فمناهج الأئمة عليهم السلام في ممارسة التغيير لم تكن في أي وقت مناهج مغامرات تتخذ العفوية والارتجال أساساً في تقرير العمل التغييري الشامل، بل كانت خططهم كلها ومناهج التغيير عندهم قائمة على أسس علمية وموضوعية واضحة. الأئمة الأثنا عشر ص 181

ولهذا رأى الإمام عليه السلام أن ينصرف شخصياً وبصورة كلية عن ممارسة التحدي السياسي، ويبني قواعده الشعبية بناء واعياً لتكون أداة تنظيمية لنشر كل أفكاره ومبادئه، وإعداد القوة الفكرية وطليعتها المؤمنة لكي تتابع السير بقناعة وإيمان من أجل إقامة حكم الله في الأرض، أو على الأقل لإبقاء الأسس النظرية لمثله محفوظة لدى الأمة، ولا يهم الإمام كثيراً أن لا يحصل هو على نتيجة سعيه في هذا المجال، فقد سبقه آباؤه في العمل على هذا المستوى مبشرين الأمة، أن دولتهم ستظهر يوماً ما ما دامت أسسها النظرية محفوظة لدى الأمة. الأئمة الأثنا عشر: عادل أديب ص 168

من لدنه انطلقت الحركة العلمية والفكرية الرائدة التي تخرج منها كبار الفقهاء والعلماء، تاركاً خلفه ثروة علمية ذاعت في الآفاق. "حتى أن حركته العلمية اتسعت اتساعاً هائلاً شملت جميع المناطق الإسلامية" تاريخ العرب سيد أمير علي ص 179

"ونقل عنه الناس من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان" الصواعق المحرقة: ابن حجر الهيثمي ص 120

ويذكر الجاحظ في رسائله: وفجر جعفر بن محمد ينابيع العلم والحكمة في الأرض، وفتح للناس أبواباً من العلوم لم يعهدوها من قبل وقد ملأ الدنيا بعلمه"؛ من الفلسفة وعلم الكلام والكيمياء والرياضيات بالإضافة إلى الفقه ومسائل الأصول وقواعد الأصول والقواعد الفقهية كقاعدة البراءة، والتخيير، والاستصحاب، وقاعدة التجاوز وقاعدة الفراغ واليد والضمان وغيرها.

وكان من جملة تلامذته أئمة المذاهب الإسلامية كمالك بن أنس، وسفيان الثوري، وابن عيينة، وأبي حنيفة، والشيباني، ويحيى بن سعيد، وغيرهم من العلماء والفقهاء والمحدثين أمثال أيوب السجستاني وشعث بن الحجاج وعبد الملك بن جريح وغيرهم.

وقد بلغ مجموع تلامذة الإمام عليه السلام أربعة آلاف تلميذ. الإمام الصادق عليه السلام والمذاهب الأربعة، أسد حيدر ج3 ص 46

كما اشتهر من تلامذته الخواص أمثال المفضل بن عمرو ومؤمن الطاق وهشام بن الحكم وهشام بن سالم وجابر بن حيان وزرارة ومحمد بن مسلم وجميل بن دراج وحمران بن أعين وأبي بصير وعبد الله بن سنان. الإمام الصادق عليه السلام، المظفر، ج 1 ص 157

فمدرسته الإسلام ومنارته المضيئة لكل طالب علم ومعرفة، وكذلك كان أبو جعفر عليه السلام حيث يذكر ابن شهر آشوب الكثير من الرواة عن الإمام من بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين، فمن الصحابة جابر بن عبد الله الأنصاري ومن التابعين جابر بن يزيد الجحفي، وكيسان السجستاني، ومن الفقهاء: ابن المبارك والزهري والأوزاعي، وأبي حنيفة، ومالك، والشافعي وزياد بن المنذر، ومن المصنفين: الطبري، والبلاذري، والسلامي، والخطيب في تواريخهم. الأئمة الاثنا عشر، عادل أديب، ص 159

وتلامذة الإمام جعفر الصادق عليه السلام هم من كتبوا عنه 400 مصنف سميت بالأصول الأربعمائة، ثم جمعت في أربعة كتب وهي: الكافي للشيخ الكليني، ومن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق، والتهذيب والإستبصار للشيخ الطوسي، وهذه الكتب من أهم المراجع لمعرفة أحاديث الأحكام عند الإمامية، والتي تسمى المذهب الجعفري وفقاً للاستناد إلى الإمام جعفر عليه السلام في الجانب الفقهي والتشريعي.

ولقد ورث الإمام عليه السلام تركة رهيبة مما افتعله بنو أمية من اختلاق الأحاديث والدس، وجندت الأبواق الدنيئة لطمس الإسلام وإحلال النهج الأموي الجاهلي مكانه.

وقد عملت أحاديث عمرو بن العاص، وأبي هريرة، والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن الزبير عملها السام، وأعطت ثمارها الخبيثة في صورة تسليم تام وخضوع أعمى للحكم الأموي. الحركات السرية في الإسلام، محمود إسماعيل ص 93

واختلاف الفرق الدينية والتخدير الديني وتحريم الاعتراض على الحاكم مهما ظلم، وصياغة مفاهيم دينية مضللة مزيفة باسم الإسلام كالجبر لإصباغ شرعية كاذبة مثل المرجئة الذين كانوا عوناً وسنداً لحكم معاوية، جاءت آراؤهم ومعتقداتهم تبريراً لخلافته، وإقناعاً للمسلمين بوجوب طاعته. اليمين واليسار في الإسلام: أحمد عباس صالح ص 158

حتى كانوا يقولون: إن الإيمان تصديق بالقول دون العمل(مقالات اسلامية للأشعري ص 141، مكذبين بذلك قول الرسول صلى الله عليه وآله، الإيمان والعمل أخوان شريكان في قرن، لا يقبل الله أحدهما إلا بصاحبه.

لذا كان الصادق عليه السلام يعمل من صميم واجبه كحافظ للدين من محاولات التحريف والتضليل والتزوير، قال: ملعون ملعون من قال: الإيمان قول بلا عمل!! أصول الكافي ج2 ص 300

ولم يأل جهداً في محاربة هؤلاء المبتدعة، داعياً إلى مقاطعتهم وتحريم التردد عليهم ومصاحبتهم: "من زعم أن الله يجبر عباده على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون، فلا تأكلوا ذبيحته، ولا تقبلوا شهادته، ولا تصلوا وراءه ولا تعطوه من الزكاة شيئاً" أصول الكافي ج1 الجبر

لقد كان هدف الأئمة عليه السلام عامة هو تحصين الإسلام من التشويه والإنحراف والدس والتزوير الذي عمد على فعله بنو أمية وبنو العباس والتركيز على اشاعة مفهوم التشيع باعتباره عقيدة كتلة واعية لها طريقتها الخاصة في تفسير الإسلام. وفي الوقت نفسه كانوا دعاة الوحدة، فكان الإمام الباقر عليه السلام يقول: إنما شيعتنا، المتباذلون في ولايتنا، المتحابون في مودتنا المتآزرون لإحياء الدين، إذا غضبوا لم يظلموا وإذا رضوا لم يسرفوا، بركة على من جاورهم وسلم لمن خالفهم..

نعم، قد أساء بعض المؤرخين فهم فكرة التشيع، واعتبروها ظاهرة طارئة في التاريخ الإسلامي، مستندين في قولهم هذا إلى بروز التشيع متدرجاً متطوراً من خلال أحداث اجتماعية دفعت به في التاريخ الإسلامي إلى أن انجلت مظاهره إبان هذه المرحلة في زمن الباقرين عليهما السلام. الأئمة الإثنا عشر عليهم السلام، 153 ـ 159 بتصرف

ويشير إلى ذلك والرد عليه السيد الصدر في بحثه في الولاية.

أما التشيع في واقعه الصحيح، فقد جاء في إطار الدعوة الإسلامية متمثلاً في الأطروحة النبوية التي وضعها الرسول صلى الله عليه وآله بأمر من الله للحفاظ على مستقبل الدعوة، وهكذا وجد التشيع لا كظاهرة طارئة على مسرح الأحداث، بل كنتيجة ضرورية لطبيعة تكّون الدعوة وحاجاتها وظروفها الأصلية، وكانت تفرض على الإسلام أن يلد التشيع.

فالتشيع لا يعني مذهبة الإسلام، بل يعني الحفاظ عليه عقيدة وشريعة، ومواجهة التيارات والأفكار والاتجاهات التي انحرفت عن الإسلام لأجل المصالح السلطوية والدنيوية عموماً، فكان الإمام جعفر الصادق عليه السلام بحق حارساً أميناً لشريعة جده المصطفى صلى الله عليه وآله، بل المجدد لدينه والمحيي لتعاليمه والمبقي على آثاره صافية نقية من لوثة بني أمية وجاهليتها.

فالإمام عليه السلام لم يكن مذهبياً في العلم، بل كان يعطي علومه للجميع، فكان الجميع يدرسون عنده، وهذا أبو حنيفة ومالك أخذوا من علمه وتتلمذوا عليه وأقوال علماء السنة في أن الإمام الصادق عليه السلام أعلم أهل زمانه أكثر من أن تسطر ها هنا.

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1010
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 05 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29