• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : عيد الغدير أمان من الضلالة في أمة محمد(ص) .

عيد الغدير أمان من الضلالة في أمة محمد(ص)

بسم الله الرحمن الرحيم

عيد الغدير أمان من الضلالة في أمة محمد(ص)

الشيخ إبراهيم نايف السباعي

المناسبات التي يُحتفى بها كثيرة، وأكثر منها تلك التي لا تُعرف مناسبتها، وهذا حال الكثير من المجتمعات، ترى الناس تحتفل بمناسبة ما وعند سؤالها عن المناسبة تجيب بعدم المعرفة، كالمفطر في شهر رمضان المبارك تراه يحتفل بعيد الفطر السعيد، مع أن عيد الفطر السعيد لمن صام الشهر، وليس هو عيد يأتي بعد تمام شهر رمضان.

ويحتفلون بعيد الكريسماس، ويأتون بشجرة الصنوبر ويزينونها، على أنها شجرة مقدسة مباركة في ميلاد السيد المسيح، ويأتون برجل الكريسماس الـ سانتا كروز في المناسبة؟ فالسؤال ما شجرة الميلاد وال سانتا كروز بالسيد المسيح وبميلاده؟

كيف نثبت المعلومة في الذاكرة؟

عناصر تثبيت المعلومات والذكريات في الذهن والذاكرة كثيرة، من أهمها بعد التكرار والكتابة... احياء المناسبة والاحتفاء بها؛ لأنها تاريخ والتاريخ إن لم يُكتب ويحيى في الذاكرة، فسوف يُنسى ويذوب ويزول ويندثر، لدينا اليوم كثير من العادات والتقاليد، لو تأملنا فيها لوجدنا أنها كانت حدثاً ثم نسيت فباتت تاريخاً، والتاريخ مع مرور الأيام والسنين إلى زوال فلا يبقى في الذاكرة شيء.

الحج وما يتضمنه من لباس الإحرام والطواف حول الكعبة والصلاة خلف مقام نبي الله إبراهيم(ع) والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف في عرفات والنزول في المزدلفة ورمي الجمرات الصغرى والوسطى والكبرى، والمبيت في منى والتقصير، والأضحية والإفاضة، هي أحداث ووقائع مرت على نبي الله إبراهيم(ع) وإسماعيل(ع) وسارة وهاجر، الشيطان وما يعني في تلك الواقعة، لذا أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نتدبر في تلك المناسك ونتفاعل فيها ونتدبر ونتفقه في تلك الشعائر؛ كل ذلك للتغلب على النفس الأمارة بالسوء وإبليس الرجيم.

نلبي نداء الرحمن بالحج، ثم نؤدي المناسك كاملة لكن نؤديها خاوية من أي مضمون، كيف ذلك؟ عند دخولنا لمكة المكرمة همنا الإحرام في الميقات ـ ماذا يعني الميقات؟ وأي ميقات لمن أتى اليمن أو العراق؟ وهل يختلف في ذلك؟ـ ثم همنا أن لا نتظلل ـ لماذا كان التظليل حراماً ـ وعلينا أن لا ننظر في المرآة حال الإحرام فذلك حرام ـ فنعود لنسأل، لماذا كان النظر في المرآة حراماً؟ ـ غاية همنا أن لا نضع على أجسادنا شيئاً من الطيب، لأن ذلك حرام ويوجب الفدية، ونطوف سبعة أشواط حول الكعبة المشرفة، تبدأ من الحجر الأسود وننتهي به، ثم نصلي خلف مقام نبي الله إبراهيم، ثم نسعي بين الصفا والمروة، ثم التقصير، ولدينا وقفة عرفة والمزدلفة ورمي الجمرات الشيطان الأصغر والأوسط والشيطان الأكبر، والمبيت في منى وبعدها الأضحية، بالمجموع لو سألنا أي حاج عن واحدة من تلك المناسك إلامَ ترمز؟ لماذا لا تؤدى مناسك الحج إلا في مكة المكرمة وحولها؟ قليل من يعلم قصة المكان والمناسبة والواقعة، نعم لم يبق من تلك الأحداث شيء، بل أصبحت أثراً بعد عين، قال تعالى: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}الحج/32

ما أشبه اليوم بالأمس

نحتفل اليوم بكثير من المناسبات، فإذا أردنا بقاء المناسبة شاهداً حياً في عقولنا لا بد من احيائها بشكل واع؛ بأن نستذكر الواقعة  بكل تفاصيلها، فنتعمق في المضمون ونتفاعل مع الحادثة؛ سواء كانت تلك الواقعة حزينة كيوم عاشوراء وأيام شهادات المعصومين(ع) ووفياتهم، أو كانت مفرحة كيوم ولاداتهم، لأنها تجسيد لقوله تعالى: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}الحج/32، فتمدنا بالطاقة وتجعلنا أقوى إيماناً وأشد صلابة، مثال ذلك إقامة مجالس عاشوراء، أو عيد الغدير الأغر يوم تنصيب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) في الثامن عشر من ذي الحجة إماماً وولياً للمؤمنين والناس أجمعين.

عيد الغدير الأغر

 نقيم كل عام لهذه المناسبة الاحتفالات والمهرجانات والندوات ومجالس الشعر والأفراح؛ لأن الله عصمنا وعصم أمة محمد (ص) من الضلالة والانحراف من بعده، حيث أكمل الله لنا فيه الدين وأتم فيه النعمة، وأوضح لنا السبيل والطريق الذي علينا وعلى الناس أجمعين سلوكه بعد وفاة النبي محمد(ص).

نعم، نصر الله تعالى أنبياءه وأتباعهم من المؤمنين على أعدائهم، وجعل الطريق إلى الله عزَّ وجلَّ واضحاً لا لبس فيه ولا شك أو ريب يعتريه، لكن تبقى نوازع الشر أو ضعف الإرادة عند الإنسان موجودة؛ فيضل عن السبيل ويبتعد عن الصراط المستقيم، هذا قابيل سلك طريق الشيطان فقتل هابيل، وكان هابيل أول شهيد في الإنسانية، وهذه أمة نوح عليه السلام أسلمت وآمنت به، ثم كفرت وانحرفت بسبب عدم الصبر والوعي، وكذلك حصل لأمم كثيرة من قبلنا. ونبينا محمد (ص) أنزل الله عليه أماناً من انحراف أمته (ص) كي لا يضلوا من بعده، فكان تنصيب علي بن أبي طالب(ع) أماناً لهذه الأمة وأماناً من انحرافها، لذا نزل قوله تعالى: {بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس}المائدة/67 وبعد أن تم تنصيب علي إماماً على الأمة بعد النبي (ص) أصبحت أمة محمد (ص) في أمان بولاية علي(ع)، قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}المائدة/3.

عيد الولاية أمان للأمة من الضلالة

عيد الغدير أكبر الأعياد عند المسلمين كما عبر عنه رسول الله(ص)، اختصت بإحيائها الشيعة الإمامية، ذلك لأسباب سياسية عند الحكام؛ لأن من يحيها يعترف ضمناً بولاية أمير المؤمنين (ع) وهذا مخالف لرغباتهم وسياستهم.

وقد كان هذا الحدث التاريخي الهام والمفصلي في 18 ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة، حيث قام النبي (ص) وبأمر من الله بتنصيب علي (ع) خليفةً وإماماً للمسلمين وذلك في مكان يُسمى غدير خم، ومن هنا اقترنت الواقعة باسم هذا المكان.

وقد ذكرت المناسبة المصادر السنية والشيعية، إلا أن التعابير اختلفت عن واقعة غدير خم، فسمّيت تارة بـ عيد الله الأكبر، وتارة أخرى بعيد أهل بيت محمد (ص)، وتارة ثالثة بأشرف الأعياد، وعيد الولاية.

حجة الوداع وتنصيب علي (ع)

حينما عزم رسول الله (ص) على أداء فريضة الحج، أذّن في الناس، فتجهّز الناس، وتأهبوا للخروج معه، وحضر أهل المدينة وضواحيها وما يقرب منها خلق كثير -  على حد تعبير بعض الروايات بلغ 120 الفاً- وتهيئوا للخروج معه؛ فخرج النبي بهم لخمس بقين من ذي القعدة. السيرة الحلبية، ج 3، ص 308

فلما أتمّ مناسك الحج رجع إلى المدينة وكان معه المسلمون، وصل في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة إلى منطقة تدعى غدير خم، وتقع في مفترق طرق، وذلك بموكب كبير من الحجيج، وقبل تفرّق الحجاج إلى بلدانهم نزلت عليه آية التبليغ تأمره بتبليغ وتعيين الإمام خليفة من بعده، فأمر الناس بتجهيز مقدّمات ذلك الأمر مثل الإعلان بتريّث المسلمين الحجّاج وتوقّفهم في ذلك المكان، وأمر (ص) بإرجاع الّذين سبقوا الآخرين بالذهاب وإيقاف القادمين، حتى تجمّع عدد غفير من الحجاج. النسائي، السنن الكبرى، ص 25

خطبة الغدير

 فأمر النبي (ص) الناس أن يصنعوا له منبراً من أحداج الإبل حتى يراه الحاضرون جميعاً، ويسمعون كلامه، فارتقى النبيّ ذاك المنبر وخطب الناس خطبة غرّاء وقال فيما قاله: أيّها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ - ثلاثا- وهم يجيبونه بالتصديق والاعتراف، ثم رفع يد علي (ع) وقال: من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله... ثم قال: فليبلّغ الحاضر الغائب. فطفق القوم يهنئون أمير المؤمنين (ع)، وممن هنأه في مقدّم الصحابة: عمر بن الخطاب، كلٌ يقول: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. مسند أحمد بن حنبل، ج 4، ص 281

ثم جلس (ص) في خيمته وأمر علياً عليه السلام أن يجلس في خيمة له بإزائه، وأمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً فيهنئونه بالولاية، ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين، ففعل الناس ذلك كلهم. الأميني، موسوعة الغدير ج 1، ص 9 ــ 30.

 

أحاديث وأخبار ذكرت أهمية يوم الغدير

رَوَى عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ يَحْيَى عَنْ جَدِّهِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قَالَ: قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ لِلْمُسْلِمِينَ عِيدٌ غَيْرَ الْعِيدَيْنِ؟

قَالَ: "نَعَمْ يَا حَسَنُ أَعْظَمُهُمَا وَأَشْرَفُهُمَا". قُلْتُ: وَأَيُّ يَوْمٍ هُوَ؟ قَالَ: "هُوَ يَوْمٌ نُصِبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَ سَلَامُهُ عَلَيْهِ فِيهِ عَلَماً لِلنَّاسِ". قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَصْنَعَ فِيهِ؟ قَالَ: "تَصُومُهُ يَا حَسَنُ، وَتُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَتَبَرَّأُ إِلَى اللَّهِ مِمَّنْ ظَلَمَهُمْ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَانَتْ تَأْمُرُ الْأَوْصِيَاءَ بِالْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يُقَامُ فِيهِ الْوَصِيُّ أَنْ يُتَّخَذَ عِيداً". قَالَ قُلْتُ: فَمَا لِمَنْ صَامَهُ؟ قَالَ: "صِيَامُ سِتِّينَ شَهْراً ...". الكافي : 4 / 148

وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنّه قال: "أَعظم الاعياد وأَشرفها يومُ الثامن عشر من شهر ذي الحجَّة، وهو اليوم الَّذي أَقام فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أَميرَ المؤمنين عليه السلام ونصبهُ للنَّاس علماً". وسائل الشيعة، ج 5، ص 224.

قال الراوي قلْت: ما يجبُ علينا في ذلك اليوم؟ قال: يجبُ عليكم صيامُهُ شُكراً للَّه وحمداً له «مع أَنَّهُ أَهلٌ أَنْ يُشكر كلَّ ساعة»، ومنْ صامهُ كان أَفضل منْ عملِ ستِّينَ سنة". وسائل الشيعة ج 10، ص 443.

وعن الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام في بيان عظمة هذا اليوم: "إِنَّ يومَ الغدير في السَّماءِ أَشهرُ منهُ في الأَرضِ... واللَّه لو عرف النَّاسُ فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهمُ الملائكةُ في كلِّ يوم عشر مرَّات". تهذيب الأحكام، ج 6، ص 24

عيد الغدير في أحاديث العامة اعتراف

ورد في بعض مصادر العامة: من صام يوم ثمانية عشرة خلت من ذي الحجة كتب له «صيام ستين شهرا» وهو يوم غدير خم. الخطيب البغدادي ج 8، ص 290.

وعن رسول الله (ص) أنّه قال: يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب عَلماً لأمتي يهتدون به من بعدي وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتمّ على أمتي فيه النعمة ورضي لهم الإسلام ديناً. الصدوق، الأمالي ص 125.

روى الخطيب البغدادي بأكثر من سند عن أبي هريرة قال: من صام يوم ثماني عشر من ذي الحجّة كتب له صيام ستّين شهراً، وهو يوم غدير خمّ، لمّا أخذ النبيّ صلّى الله عليه وآله بيد عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: ألست وليّ المؤمنين؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، فقال عمر بن الخطّاب: بخٍّ بخٍّ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم، فأنزل الله {اليَوْمَ أَكْمَلتُ لَكُمْ دِينَكُمْ..}. ورواه ابن عساكر وابن المغازلي، تاريخ بغداد – الخطيب البغدادي ج9 / ص221

فقد كان عيد الغدير معروفاً في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وفي العصور التي تلت، إلى أنْ جاء عصر الوضع والتحريف والتدوين المعلب بحسب رغبات الحاكم والسلطة الحاقدة المبغضة لعليّ وأهل بيته عليهم السلام، فالأحاديث الواردة في هذا اليوم والآيات النازلة واضحة الدلالة على فضله وعلو شأنه، ومن الجميل أننا نرى الروايات قد وردت عند الخاصة والعامّة على حدّ سواء.

قال تعالى في سورة المائدة: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَل فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الكافِرِينَ}.المائدة/3

هذه الآية الشريفة نزلت في أواخر عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله عند عودته من ما يعرف بحجّة الوداع بين مكّة والمدينة عند غدير خمّ، وقد مضى من دعوته صلّى الله عليه وآله أكثر من عشرين عاماً، كان فيها رسول الله قد بلّغ كلّ أمور الشريعة وعرّفها للمسلمين من صلاة وصوم وحجّ وأحكام الزكاة وغيرها من أحكام الشريعة، ولم يبق شيء إلّا وبلغه، فماذا يعني هذا الأمر الإلهي بتبليغ ما أنزل إليه؟ وما هو الأمر الذي أمر بتبليغه للناس وأمام عشرات الألوف من المسلمين؟

قال السيوطيّ في الدرّ المنثور: أخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن عساكر، عن أبي سعيد الخدريّ قال: نزلت هذه الآية: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} على رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم غدير خمّ ، في عليّ بن أبي طالب.

وقال السيوطي: أخرج ابن مردويه، عن ابن مسعود قال: كنّا نقرأ على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} إنّ عليّاً مولى المؤمنين {وَإِنْ لَمْ تَفْعَل فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}المائدة/67.

وبعد أنْ أعلن رسول الله صلّى الله عليه وآله تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام أمام كلّ تلك الحشود في غدير خمّ، وبذلك تمّت النعمة، وكمل الدين بولاية سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين عليه السلام، نزلت بعد ذلك آية إكمال الدين وإتمام النعمة، لتعلن ذلك اليوم عيداً للولاية.

قال تعالى: {اليَوْمَ أَكْمَلتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً}.المائدة/3

وقد قال السيوطيّ في الدرّ المنثور: أخرج ابن مردويه، والخطيب، وابن عساكر، عن أبي هريرة قال: لمّا كان يوم غدير خمّ، وهو يوم ثماني عشر من ذي الحجّة، قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعليّ مولاه. فأنزل الله {اليَوْمَ أَكْمَلتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}. راجع تفسير السيوطي في الدر المنثور/ الآية/3

تاريخ ووقت الاحتفال بعيد الغدير

ما زال المسلمون وخاصة الشيعة يعظّمون يوم الغدير، ويعتبرونه من الأعياد الكبيرة عندهم، وقد عرف في أوساطهم بعيد الغدير. ابو ريحان البيروني، الآثار الباقية، ص 95.

وقد سجّل المسعودي المتوفى 346 هجرية في كتابه التنبيه والاشراف ذلك التعظيم بقوله: «ووُلدُ عليٍ رضي الله عنه وشيعتُه يعظمون هذا اليوم». المسعودي، التنبيه والاشراف، ص 221

وهذا إن دل فإنه يدل على أن الاحتفال به أبعد مما يتصور، وعمق المناسبة أبعد من الزمان والمكان.

مكانة واقعة الغدير

روى الفياض بن محمد بن عمر الطوسي عن الإمام الرضا (ع) المتوفى سنة 203 هـ، أنه كان يحتفل بذلك اليوم، حيث قال: حضرتُ مجلسَ مولانَا عليِّ بن موسى الرِّضا (ع) في يوم الغدير وبِحضرته جماعةٌ من خواصِّه قد احتبسهُمْ عندهُ للإِفطار معهُ قد قدَّم إِلى منازلهمْ الطَّعام والْبُرَّ وأَلبسهمُ الصِّلاةَ والكسْوَةَ حتَّى الخواتيمَ والنِّعال. المجلسي، بحار الأنوار ج 95، ص 322، وهذا يكشف عن سابقة تاريخية أطول مما مر للاحتفال بالغدير.

ولم تنقطع عملية الاحتفاء تلك، بل واصل المسلمون تعظيمهم لذلك اليوم حتى أنّ الخليفة الفاطمي المستعلي بن المستنصر بويع في يوم عيد الغدير، وهو الثامن عشر من ذي الحجة سنة 487 هـ. ابن خلكان ج 1 ص 60، بل وصلت الحالة في القرون المتأخرة إلى حدّ أصبح الاحتفال بعيد الغدير شعاراً للشيعة، وكان الفاطميون في مصر قد أضفوا على عيد الغدير صفة رسمية، وهكذا الأمر في إيران حيث يحتفل بذلك اليوم منذ حكم الشاه اسماعيل الصفوي البلاد سنة 907 هـ وحتى يومنا هذا بصورة رسمية.

ونحن اليوم نرى الاحتفال بعيد الغدير الأغر يملأ الدنيا بهجة وسروراً، ونرى المسلمين الشيعة في كل أصقاع العالم في لبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران وباكستان وبلاد المغرب العربي وشمال أفريقيا وكل بلاد الإسلام، يباركون لبعضهم البعض، ويتبادلون التهاني ويوزعون الحلوى والهدايا على بعضهم بهذه المناسبة المباركة الطيبة، ورد عن الإمام علي بن موسى الرضا(ع) في يوم الغدير: .. وهو يوم التهنئة، يهنئ بعضكم بعضاً، فإذا لقي المؤمن أخاه يقول:

الحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين والأئمة(ع). اقبال الأعمال لابن طاووس ج 2 ص 261 اللهم آمين اللهم آمين اللهم آمين.

لماذا اصبح يوم الغدير عيداً؟

العيد هو كل يوم يجمع الناس عامة، وأصله من العود لأنه يعود كل عام ويتكرر، وقيل معناه اليوم الذي يعود فيه الفرح والسرور.

لكن الاسلام ينظر الى الاعياد بنظرة متميزة، فيرى أن العيد فرصة للاجتماع الإيماني الكبير بهدف ذكر الله وإحياء السنن وذكر الله والتوجه بالدعاء والابتهال اليه، فعَنِ الامام علي بن موسى الرِّضَا عليه السلام: "أَنَّهُ إِنَّمَا جُعِلَ يَوْمُ الْفِطْرِ الْعِيدَ لِيَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ مُجْتَمَعاً يَجْتَمِعُونَ فِيهِ وَ يَبْرُزُونَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَيُمَجِّدُونَهُ عَلَى مَا مَنَّ عَلَيْهِمْ فَيَكُونُ يَوْمَ عِيدٍ وَ يَوْمَ اجْتِمَاعٍ ..." من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 522

فيوم العيد إنما هو يوم يعود العبد إلى الله، فنشكره على نعمه وما حبانا به، فنفرح ونجتمع على طاعته سبحانه وعبادته، لذا أكثر ما نقيم هذه المناسبة وغيرها في مساجدنا والحسينيات.

سبب التسمية

ونسبة التسمية ـ بعيد الغديرـ إلى مكان الواقعة التي حدثت عندها الخطبة، وغدير خم مكان قريب من مسجد الجحفة تحت شجرة هناك. السيرة النبوية ابن كثير ج4، ص414-428.

ومعنى الغدير: هو وبحسب معجم اللغة العربية المعاصر "مياه راكدة، قليلة العمق، يغادرها السَّيلُ".

كما يُسمَّى أيضًا عند الشيعة بـعيد الولاية كونه اليوم الذي ولّى فيه الرسول محمد(ص) علي بن أبي طالب(ع) وليًّا للمسلمين كما يعتقدون.

وكما ورد أيضاً عن الإمام علي بن موسى الرضا(ع) أنه قال: .. وهو يوم الزينة، فمن تزين ليوم الغدير غفر الله له كل خطيئة عملها صغيرة أو كبيرة، وبعث الله إليه ملائكة يكتبون له الحسنات ويرفعون له الدرجات إلى قابل مثل ذلك اليوم، فإن مات مات شهيداً، وإن عاش عاش سعيداً. إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس ج 2 ص 262

وليوم الغدير أيضاً أسماء أخرى عندهم، فاسمه في السماء يوم العهد المعهود، وفي الأرض يوم الميثاق المأخوذ، والجمع المشهود. الشيخ عباس القمي، مفاتيح الجنان، ص302

شعر حسان بن ثابت بعد بيعة أمير المؤمنين(ع)

يناديهم يوم الغدير نبيهم   بخمٍّ واسمع بالرسول مناديا

وقد جاءه جبريل عن أمر ربه  بأنك معصوم فلا تك وانيا

وبلّغهم ما أَنزَل الله ربهم  إليك ولا تخشَ هناك الأعاديا

فقام به إذ ذاك رافع كفه   بكف علي معلن الصوت عاليا

فقال:

فمن مولاكم ونبيكم         فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت نبينا    ولم تلق منا في الولاية عاصيا

فقال له :

قم يا علي فإنني            رضيتك من بعدي إمامًا وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه        فكونوا له أتباع صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليه         وكن للذي عادا عليًّا معاديا

فيا رب انصر ناصريه لنصرهم           إمام هدىً كالبدر يجلو الدياجيا

كتاب الغدير - الشيخ الأميني - ج ٢ - الصفحة ٣٤


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1022
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 07 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29