• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : عاشوراء .
                    • الموضوع : شهر محرم شهر حزن ام فرح .

شهر محرم شهر حزن ام فرح

بسم الله الرحمن الرحيم

القداسة ليست بالمكان بالمكين

الشيخ إبراهيم نايف السباعي

عاشت العرب في شبه الجزيرة العربية حياة جاهلية بما للكلمة من معنى، حيث كانت الحروب وسفك الدماء طعامهم وشرابهم اليومي.

كانت بيئة العرب وحياتهم يسودها شريعة الغاب، والحكم فيها للأقوى فلا أمن ولا أمان فالخوف والحذر دائمان، فأيامهم قتل وخطف للنساء والأطفال، وسرقة الأموال مصدر رزقهم.

عند العرب الجاهلية كما عند غيرهم يقسمون السنة إلى أيام وأسابيع وأشهر، والأشهر عندهم أثنا عشر شهراً، حيث كانت تعرف بالأشهر القمرية لكون العد فيها يعود إلى حركة القمر والهلال، فكانت بداية الشهر ولادة الهلال ونهايته دخوله، ومن بين تلك الأشهر أربعة سموها بالأشهر الحرم وهي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، كمساحة زمنية يعيشون فيها في أمن وأمان، ويتزودون فيها بالطعام والشراب ويؤدون فيها مناسك الحج إلى أن يعودوا إلى بلادهم، فيحرم فيها القتال والاغتيال وسفك الدماء والخطف والسبي وغيرها، وهذا القانون يسري على جميع سكان شبه الجزيرة العربية، فلا يجرؤ أحد على انتهاكه أو نقض العهد والوعد فيه، فكانوا يحملون لهذه الأشهر شيئاً من القدسية لذا سموها بالأشهر الحرم.

وعندما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله بالإسلام كرسالة سماوية تحمل القيم والأخلاق للعالمين من رب العالمين، أقر النبي صلى الله عليه وآله العرب على ما تعارفت عليه من عادات الاحترام والتقدير والتبجيل والحرمة لهذه الأشهر الحرم، قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَِلكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ..}توبة/36

وشهر محرم الحرام هو واحد من تلك الأشهر، التي كانت تمارس العرب فيها حياتها بشكل طبيعي، فتبدأ نشاطاتها في هذه الأشهر بالتهيؤ لأداء مناسك الحج وشراء الحاجات، وإقامة المراسم التي كان يمنع من إقامتها عدم الشعور بالأمن، كالزواج والزيارات والمصالحات، فالأشهر الأربعة كافية بخلق مساحة من الزمن لإشعار سكان الجزيرة العربية بالأمن والأمان والاطمئنان.

وهذه الأشهر تعد موسماً مهماً لإقامة الأسواق للبيع والشراء، واجتماع الشعراء في مجالس الشعر لنظم القوافي ونقل الأخبار وإلقاء القصائد والقصص، وتعتبر من أهم الأزمنة التي تعقد فيها المصالحات بين القبائل المتقاتلة والمتناحرة، ليعم الصلح والسلام والوئام بينهم، كل ذلك كان يتم في الأشهر الحرم الأربعة.

بنو أمية الشجرة الملعونة في القرآن

جرت قوانين أشهر الحرم في شبه الجزيرة العربية عشرات ومئات السنين، إلى أن جاءت اللحظة التي هتكت فيه حرمة هذا الشهر وانقلبت الأمور رأساً على عقب، عندما قام سليل بنو أمية بقيادة يزيد بن معاوية (الشجرة الملعونة في القرآن)، بهتك حرمة هذا الشهر الحرام، واستبيحت فيه الحرمات وسفكت دماء آل بيت النبي عليهم السلام وسبيت نساؤه صلى الله عليه وآله في كربلاء.

وكانوا من قبل قد قتلوا بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام كل صحابي مخالف وكل تابعي مناوئ لهم، وعاثوا في المدينة ذبحاً وقتلاً واغتصاباً لكثير من نساء المهاجرين والأنصار ورجموا الكعبة بالمنجنيق فساداً، وارتكبوا الجرائم بعد أن حاصروها أياماً ناهيك عما فعلوا في العراق، إلى الحدث الأعظم حيث قتلوا الإمام الحسين عليه السلام و73 من أهل بيته وأقربائه وأصحابه ولم يبقوا لهم باقية.

نعم، قتلوا الحسين عليه السلام ومن معه من رجال في يوم العاشر من المحرم الحرام من رجال، وقطعوا رؤوسهم ورفعوها على رؤوس الرماح تمثيلاً وتشهيراً بهم، وسبوا نساء بيت النبي صلى الله عليه وآله وباقي النسوة، ولم يراعوا حرمة لله ولا لرسوله صلى الله عليه وآله.

هل تتبدل الفرحة إلى حزن؟

نعم، كانوا يحتفون ونحتفل بمحرم والعاشر منه كغيره من أيام محرم الحرام بالفرح والبهجة والسرور، لما فيه من وقف للقتال وحلول الأمن والأمان والاطمئنان، لكن بعد أن هتكت بنو أمية حرمته بقتل الإمام الحسين عليه السلام بات شهر حزن وبكاء ولبس سواد.

وما تفعله الشيعة اليوم من إقامة مجالس عزاء ورثاء وندوات ومؤتمرات ومحاضرات وخطب وكلمات، تتضمن شرحاً وافياً لأسباب نهضة الإمام عليه السلام تلك والمسؤولية الملقاة على عاتق كل واحد منا، فللتذكير الدائم للناس بالحسين بن علي بن أبي طالب، وقضيته المحقة وبيان أهدافه، وهذا ما هو إلا مصداق لقوله تعالى: {ذَلكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}الحج/32 وامتثالاً لقول الإمام الصادق عليه السلام: أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا. بحار الأنوار، ج44، ص282، الحديث رقم 14، وأحياؤنا لتلك المناسبة ما هو إلا من باب الاحياء وتعظيم الشعائر، ولتبقى هذه المناسبة في الذاكرة فلا تزول.

أليس لآدم من يوم حزن على شهادة ولده هابيل؟ ألم تبكي حواء على ولدها؟ ألم تحزن السماء والملائكة على ذبح يحيى؟ ألم يبكِ النبي صلى الله عليه وآله ويحزن على قتل وذبح 70 قارئاً في بئر معونة؟ ألم يحزن النبي صلى الله عليه وآله على شهادة عمه حمزة سيد الشهداء؟

مناسبات كثيرة زماناً أو مكاناً كانت تقام فيها الافراح، فتبدلت بحزن بسبب من قتل فيها أو مات، هذا النبي صلى الله عليه وآله أول من بدأ بعام الحزن على إحدى سيدات نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، ووفاة شيخ البطحاء مؤمن قريش عمه أبو طالب عليه السلام.

نعم، في شهر محرم كنا نحتفل ونفرح لكن بعد العمل الشنيع تبدل وتغير، انقلب شهر محرم إلى شهر حزن وبكاء ولبس للسواد، نحن قوم نحب الحياة ونفرح بها ونستفيد من كل لحظات وجودنا فيها، ونكره الدماء والحروب والقتال، لكن كما علمنا الحسين عليه السلام: الموت أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النار، نحب الحياة نعم، لكن مع كرامتنا لأن الحياة مع الذل ليست حياة.

تعلمنا من عاشوراء أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إنما هو أمر شرعي علينا أن نلتزم به، كالصلاة والصوم والحج.. حتى لو كلفنا الغالي والنفيس، لأنه علينا أن نحيى حياة الإسلام ونموت على الإسلام؛ وبذلك سطر الإمام الحسين عليه السلام أجمل صفات العز، والذوبان في الإسلام عندما، قال:

إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني، وعندما شاهد القتل في أهل بيته واخوانه وأصحابه، نظر إلى السماء وقال: يا رب هل رضيت خذ حتى ترضى.

هذه عاشوراء، هذه مدرسة الحسين عليه السلام هذه الحياة التي نعيشها كل سنة في بحر العشق مع الحسين عليه السلام في عاشوراء وفي قلب شهر الحب والإيثار والتسامي محرم الحرام، لنحيي حياة محمد ونموت على حب محمد وآل محمد عليهم السلام.

فشهر محرم شهر الشهادة وعشرة محرم دورة نتعلم فيها أن البذل والعطاء لا حدود له إن كان من أجل الإسلام ولإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، فالروح ترخص والنفوس تبذل في سبيل الله وحب محمد وآل محمد عليهم السلام.

هل يوجد جمعة سوداء أم خميس أسود أم سبت أسود؟ هل يوجد رزية يوم الخميس؟ كما أطلق عليها ابن عباس.

بالطبع لا لكن بما أن الحدث قد غلب على يوم وزمان الحدث غلبة المناسبة على الزمن والتاريخ، ولا قيمة للمكان بما هو هو من القداسة أو القيمة في شيء، إنما تنشأ القداسة من حركة المعصوم فيه، ماذا يعني لنا جبل عرفة أو جبل الصفا والمروة، سوى أحداث مر بها نبي الله إبراهيم عليه السلام وولده إسماعيل والسيدة هاجر، فصارت مقدسة ومحترمة تيمناً بالمعصومين عليه السلام.

وكذلك بالنسبة لقداسة الزمان، فماذا يعني لنا الفرح والسرور في شهر ربيع الأول من كل سنة لولا ولادة رسولنا محمد صلى الله عليه وآله فيه؟ وماذا تعني المدينة المنورة من قداسة وشرف لنا إلا كونها مكاناً عاش ومات فيه النبي صلى الله عليه وآله. اذاً القداسة والشرف فيها إنما يعود لوجود النبي صلى الله عليه وآله فيها، وكذلك بالنسبة إلى الكعبة المشرفة، فقد أصبحت مقدسة ومشرفة بسبب الحجر الأسود ـ الأسعد ـ فيها ولأن الله قد أمرنا بزيارتها والقصد إليها.

إذن: القداسة والشرف والطهارة ليست بالمكان بل بالمكين، نعم هكذا يقول العلماء المكان بالمكين؛ وقيمة المكان بمن يحل فيه المعصوم ويمكث فيه.

أخيراً: ماذا يعني شهر رمضان عند العرب؟ قالوا: إن أول من سماها بهذه الأسماء "كلاب بن مرة" من قريش، وقيل كذلك إن العرب كانوا يرمضون أسلحتهم في رمضان أي يدقونها، ويشحذونها بين الحجارة استعدادا للحرب في شوال قبل حلول الأشهر الحرم".

يقول عمار يحيى(محرر لغوي)، إن الجذر "ر م ض" يدل على معنى الحِدّة في شيء من حَرّ وغيره.

ويشرح "الرَّمَضُ" هو شدّة الحَرّ، ومن هنا سُمي ما تسبّبه الشمس من شدّة الحرارة في الحجارة أو الرمل "رمضاء". وكان القدماء يستغلون هذه الحرارة الشديدة في صيد الظباء، فيتبعون الظبي في وقت الهاجرة حتى إذا أرهقوه وتفسّخت قوائمه من شدّة الحَر أخذوه، ويسمون ذلك: "التّرمُّض"، أما رَمْض الغنم فهو أن ترعَى في شدّة الحَرّ".

ماذا يعني شهر رمضان اليوم؟

هو الشهر المبارك من بين كل الشهور، فيه نزل القرآن الكريم، فيه ليلة القدر المباركة التي هي خير من ألف شهر، فيه الذنوب تغفر والحسنات والأعمال الصالحات ترفع، فيه الدعاء مستجاب والعمل مقبول، فيه نومكم عبادة وأنفاسكم تسبيح.. رأينا كيف كان وكيف أصبح، وهذا إنما يثبت لنا أن القداسة والبركة بالمكين وليس بالمكان.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

القداسة ليست بالمكان بالمكين

الشيخ إبراهيم نايف السباعي

عاشت العرب في شبه الجزيرة العربية حياة جاهلية بما للكلمة من معنى، حيث كانت الحروب وسفك الدماء طعامهم وشرابهم اليومي.

كانت بيئة العرب وحياتهم يسودها شريعة الغاب، والحكم فيها للأقوى فلا أمن ولا أمان فالخوف والحذر دائمان، فأيامهم قتل وخطف للنساء والأطفال، وسرقة الأموال مصدر رزقهم.

عند العرب الجاهلية كما عند غيرهم يقسمون السنة إلى أيام وأسابيع وأشهر، والأشهر عندهم أثنا عشر شهراً، حيث كانت تعرف بالأشهر القمرية لكون العد فيها يعود إلى حركة القمر والهلال، فكانت بداية الشهر ولادة الهلال ونهايته دخوله، ومن بين تلك الأشهر أربعة سموها بالأشهر الحرم وهي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، كمساحة زمنية يعيشون فيها في أمن وأمان، ويتزودون فيها بالطعام والشراب ويؤدون فيها مناسك الحج إلى أن يعودوا إلى بلادهم، فيحرم فيها القتال والاغتيال وسفك الدماء والخطف والسبي وغيرها، وهذا القانون يسري على جميع سكان شبه الجزيرة العربية، فلا يجرؤ أحد على انتهاكه أو نقض العهد والوعد فيه، فكانوا يحملون لهذه الأشهر شيئاً من القدسية لذا سموها بالأشهر الحرم.

وعندما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله بالإسلام كرسالة سماوية تحمل القيم والأخلاق للعالمين من رب العالمين، أقر النبي صلى الله عليه وآله العرب على ما تعارفت عليه من عادات الاحترام والتقدير والتبجيل والحرمة لهذه الأشهر الحرم، قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَِلكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ..}توبة/36

وشهر محرم الحرام هو واحد من تلك الأشهر، التي كانت تمارس العرب فيها حياتها بشكل طبيعي، فتبدأ نشاطاتها في هذه الأشهر بالتهيؤ لأداء مناسك الحج وشراء الحاجات، وإقامة المراسم التي كان يمنع من إقامتها عدم الشعور بالأمن، كالزواج والزيارات والمصالحات، فالأشهر الأربعة كافية بخلق مساحة من الزمن لإشعار سكان الجزيرة العربية بالأمن والأمان والاطمئنان.

وهذه الأشهر تعد موسماً مهماً لإقامة الأسواق للبيع والشراء، واجتماع الشعراء في مجالس الشعر لنظم القوافي ونقل الأخبار وإلقاء القصائد والقصص، وتعتبر من أهم الأزمنة التي تعقد فيها المصالحات بين القبائل المتقاتلة والمتناحرة، ليعم الصلح والسلام والوئام بينهم، كل ذلك كان يتم في الأشهر الحرم الأربعة.

بنو أمية الشجرة الملعونة في القرآن

جرت قوانين أشهر الحرم في شبه الجزيرة العربية عشرات ومئات السنين، إلى أن جاءت اللحظة التي هتكت فيه حرمة هذا الشهر وانقلبت الأمور رأساً على عقب، عندما قام سليل بنو أمية بقيادة يزيد بن معاوية (الشجرة الملعونة في القرآن)، بهتك حرمة هذا الشهر الحرام، واستبيحت فيه الحرمات وسفكت دماء آل بيت النبي عليهم السلام وسبيت نساؤه صلى الله عليه وآله في كربلاء.

وكانوا من قبل قد قتلوا بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام كل صحابي مخالف وكل تابعي مناوئ لهم، وعاثوا في المدينة ذبحاً وقتلاً واغتصاباً لكثير من نساء المهاجرين والأنصار ورجموا الكعبة بالمنجنيق فساداً، وارتكبوا الجرائم بعد أن حاصروها أياماً ناهيك عما فعلوا في العراق، إلى الحدث الأعظم حيث قتلوا الإمام الحسين عليه السلام و73 من أهل بيته وأقربائه وأصحابه ولم يبقوا لهم باقية.

نعم، قتلوا الحسين عليه السلام ومن معه من رجال في يوم العاشر من المحرم الحرام من رجال، وقطعوا رؤوسهم ورفعوها على رؤوس الرماح تمثيلاً وتشهيراً بهم، وسبوا نساء بيت النبي صلى الله عليه وآله وباقي النسوة، ولم يراعوا حرمة لله ولا لرسوله صلى الله عليه وآله.

هل تتبدل الفرحة إلى حزن؟

نعم، كانوا يحتفون ونحتفل بمحرم والعاشر منه كغيره من أيام محرم الحرام بالفرح والبهجة والسرور، لما فيه من وقف للقتال وحلول الأمن والأمان والاطمئنان، لكن بعد أن هتكت بنو أمية حرمته بقتل الإمام الحسين عليه السلام بات شهر حزن وبكاء ولبس سواد.

وما تفعله الشيعة اليوم من إقامة مجالس عزاء ورثاء وندوات ومؤتمرات ومحاضرات وخطب وكلمات، تتضمن شرحاً وافياً لأسباب نهضة الإمام عليه السلام تلك والمسؤولية الملقاة على عاتق كل واحد منا، فللتذكير الدائم للناس بالحسين بن علي بن أبي طالب، وقضيته المحقة وبيان أهدافه، وهذا ما هو إلا مصداق لقوله تعالى: {ذَلكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}الحج/32 وامتثالاً لقول الإمام الصادق عليه السلام: أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا. بحار الأنوار، ج44، ص282، الحديث رقم 14، وأحياؤنا لتلك المناسبة ما هو إلا من باب الاحياء وتعظيم الشعائر، ولتبقى هذه المناسبة في الذاكرة فلا تزول.

أليس لآدم من يوم حزن على شهادة ولده هابيل؟ ألم تبكي حواء على ولدها؟ ألم تحزن السماء والملائكة على ذبح يحيى؟ ألم يبكِ النبي صلى الله عليه وآله ويحزن على قتل وذبح 70 قارئاً في بئر معونة؟ ألم يحزن النبي صلى الله عليه وآله على شهادة عمه حمزة سيد الشهداء؟

مناسبات كثيرة زماناً أو مكاناً كانت تقام فيها الافراح، فتبدلت بحزن بسبب من قتل فيها أو مات، هذا النبي صلى الله عليه وآله أول من بدأ بعام الحزن على إحدى سيدات نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، ووفاة شيخ البطحاء مؤمن قريش عمه أبو طالب عليه السلام.

نعم، في شهر محرم كنا نحتفل ونفرح لكن بعد العمل الشنيع تبدل وتغير، انقلب شهر محرم إلى شهر حزن وبكاء ولبس للسواد، نحن قوم نحب الحياة ونفرح بها ونستفيد من كل لحظات وجودنا فيها، ونكره الدماء والحروب والقتال، لكن كما علمنا الحسين عليه السلام: الموت أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النار، نحب الحياة نعم، لكن مع كرامتنا لأن الحياة مع الذل ليست حياة.

تعلمنا من عاشوراء أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إنما هو أمر شرعي علينا أن نلتزم به، كالصلاة والصوم والحج.. حتى لو كلفنا الغالي والنفيس، لأنه علينا أن نحيى حياة الإسلام ونموت على الإسلام؛ وبذلك سطر الإمام الحسين عليه السلام أجمل صفات العز، والذوبان في الإسلام عندما، قال:

إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني، وعندما شاهد القتل في أهل بيته واخوانه وأصحابه، نظر إلى السماء وقال: يا رب هل رضيت خذ حتى ترضى.

هذه عاشوراء، هذه مدرسة الحسين عليه السلام هذه الحياة التي نعيشها كل سنة في بحر العشق مع الحسين عليه السلام في عاشوراء وفي قلب شهر الحب والإيثار والتسامي محرم الحرام، لنحيي حياة محمد ونموت على حب محمد وآل محمد عليهم السلام.

فشهر محرم شهر الشهادة وعشرة محرم دورة نتعلم فيها أن البذل والعطاء لا حدود له إن كان من أجل الإسلام ولإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، فالروح ترخص والنفوس تبذل في سبيل الله وحب محمد وآل محمد عليهم السلام.

هل يوجد جمعة سوداء أم خميس أسود أم سبت أسود؟ هل يوجد رزية يوم الخميس؟ كما أطلق عليها ابن عباس.

بالطبع لا لكن بما أن الحدث قد غلب على يوم وزمان الحدث غلبة المناسبة على الزمن والتاريخ، ولا قيمة للمكان بما هو هو من القداسة أو القيمة في شيء، إنما تنشأ القداسة من حركة المعصوم فيه، ماذا يعني لنا جبل عرفة أو جبل الصفا والمروة، سوى أحداث مر بها نبي الله إبراهيم عليه السلام وولده إسماعيل والسيدة هاجر، فصارت مقدسة ومحترمة تيمناً بالمعصومين عليه السلام.

وكذلك بالنسبة لقداسة الزمان، فماذا يعني لنا الفرح والسرور في شهر ربيع الأول من كل سنة لولا ولادة رسولنا محمد صلى الله عليه وآله فيه؟ وماذا تعني المدينة المنورة من قداسة وشرف لنا إلا كونها مكاناً عاش ومات فيه النبي صلى الله عليه وآله. اذاً القداسة والشرف فيها إنما يعود لوجود النبي صلى الله عليه وآله فيها، وكذلك بالنسبة إلى الكعبة المشرفة، فقد أصبحت مقدسة ومشرفة بسبب الحجر الأسود ـ الأسعد ـ فيها ولأن الله قد أمرنا بزيارتها والقصد إليها.

إذن: القداسة والشرف والطهارة ليست بالمكان بل بالمكين، نعم هكذا يقول العلماء المكان بالمكين؛ وقيمة المكان بمن يحل فيه المعصوم ويمكث فيه.

أخيراً: ماذا يعني شهر رمضان عند العرب؟ قالوا: إن أول من سماها بهذه الأسماء "كلاب بن مرة" من قريش، وقيل كذلك إن العرب كانوا يرمضون أسلحتهم في رمضان أي يدقونها، ويشحذونها بين الحجارة استعدادا للحرب في شوال قبل حلول الأشهر الحرم".

يقول عمار يحيى(محرر لغوي)، إن الجذر "ر م ض" يدل على معنى الحِدّة في شيء من حَرّ وغيره.

ويشرح "الرَّمَضُ" هو شدّة الحَرّ، ومن هنا سُمي ما تسبّبه الشمس من شدّة الحرارة في الحجارة أو الرمل "رمضاء". وكان القدماء يستغلون هذه الحرارة الشديدة في صيد الظباء، فيتبعون الظبي في وقت الهاجرة حتى إذا أرهقوه وتفسّخت قوائمه من شدّة الحَر أخذوه، ويسمون ذلك: "التّرمُّض"، أما رَمْض الغنم فهو أن ترعَى في شدّة الحَرّ".

ماذا يعني شهر رمضان اليوم؟

هو الشهر المبارك من بين كل الشهور، فيه نزل القرآن الكريم، فيه ليلة القدر المباركة التي هي خير من ألف شهر، فيه الذنوب تغفر والحسنات والأعمال الصالحات ترفع، فيه الدعاء مستجاب والعمل مقبول، فيه نومكم عبادة وأنفاسكم تسبيح.. رأينا كيف كان وكيف أصبح، وهذا إنما يثبت لنا أن القداسة والبركة بالمكين وليس بالمكان.

 

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1026
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 08 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29