• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : العائلة في الإسلام .

العائلة في الإسلام

العائلة في الإسلام

العلامة الشيخ ابراهيم الاميني (قده)

العائلة عبارة عن وحدة اجتماعية صغيرة تبدأ من عقد الزواج بين إمرأة و رجل، و تتسع دائرتها بانضياف ولدٍ أو ولدين إليهما.

إن الزواج ينشأ إنطلاقاً من حاجةٍ طبيعيّةٍ و جاذبيّة جنسيّة، و تتخذ صفةً شرعيةً و رسميةً باجراء عقد الزواج .

إن الإسلام يهتم إهتماماً كبيراً بالزواج و تأسيس العائلة، و يعتبر ذلك أمراً مقدساً و ضرورياً، و يصفه في الأحاديث بانه أفضل بناءٍ يبني، واحسن صرحٍ يشيّد.

عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلّي الله عليه و آله: ما بني بناء في الإسلام أحبّ إلي الله عزّوجلّ من التزويج.(1

و عن أبي عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلّي الله عليه و آله (في حديث): و ما من شيءٍ أحبّ إلي الله عزّ وجلّ من بيتٍ يعمر في الإسلام بالنكاح وما من شيء أبغض إلي الله من بيتٍ يخرب في الإسلام بالفرقة يعني الطلاق.(2

إن الزواج سنة إسلامية قيمة و ثمينة أكّد رسول الإسلام و الأئمة المعصومون صلوات الله عليهم أجمعين علي لزوم إتباعها. و ايقاعها.

قال أميرالمؤمنين عليه السلام: تزوّجوا فإنّ رسول الله صلّي الله عليه و آله قال: من أحبّ أن يتبع سنّتي فإنّ من سنّتي التزويج.(3

قال رسول الله صلّي الله عليه و آله: النّكاح سنّتي فمن رغب عن سنتي فليس منّي.(4

إن الزواج في نظر الإسلام ليس أمراً غير مبغوض وغير مذمومٍ فحسب بل على العكس من ذلك إن ترك الزواج و التبتّل أمر مكروه مرغوب عنه .. وقد وصف الزواج بأنه خير وسيلةٍ لتكميل العبادة

قال أبو عبدالله الصادق عليه السلام: ركعتان يصلّيهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصلّيها أعزب.(5

وقال النبي صلّي الله عليه وآله: ركعتان يصليهما متزوج أفضل من رجل عزب يقوم ليله ويصوم نهاره (6

وعن أبي عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلّي الله عليه وآله: رذّال موتاكم العزّاب.(7

إن الزواج و تكوين العائلة في نظر الإسلام مسألة قيمة و أمر ثمين جداً، وهو ينطوي علي منافع و فوائد كثيرة نشير هنا إلي طائفة منها

1ـ أنها كهف المحبّة والانس، فإنّ الإنسان في خضّم هذه الحياة و أمواجها المتلاطمة يحتاج إلي ملاذ يجد فيه الانس و المحبّة .. انه يحتاج إلي شخصٍ يكون أمين أسراره، و شريك آلامه، وصديقه الوفيّ، و حاميه المخلص، ليستأنس به، و يسكن إليه، و ينتفع بألطافه ومساعداته، وبمحبته الصادقة، وحمايته المخلصة، وليشعر إلي جانبه بالسكينة و الطمأنينة..

و لضمان هذه الحاجة الروحية و النفسية الملحّة ليس هناك أحد أفضل من الزوجة، و ليس ثمة مكان أفضل من كهف العائلة، الدافيء و حصن الاسرة المنيع. وقد قال القرآن الكريم في هذا المجال : وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدّةً وَرحْمَةً إِنَّ في ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ).(8

 

2 ـ المساعدة علي حفظ العفّة، والعصمة من المعصية: إن الغريزة الجنسيّة غريزة قوية جدّاً وهي تلحّ علي صاحبها بارضائها، وان السيطرة عليها، و التحكّم فيها أمر صعب ومشكل جداً. واذا ارضيت عن الطريق غير المشروع جرّت الإنسان إلى الفساد والإنحراف والمصير الوبيء.

وعلى هذا فإن الزواج أفضل وسيلة للحفاظ علي العفّة، و العصمة من الذنب و المعصية

وقد اشير إلي هذه الحقيقة في أحاديث عديدة نشير إلي بعضها

قال رسول الله صلّي الله عليه و آله: من أحبّ أن يلقي الله طاهراً مطهّراً فليلقه بزوجة.(9

وعن ابي عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من تزوّج احرز نصف دينه.(10

و عن موسي بن جعفر عليه السلام عن آبائه عن النبي(ص) قال: ما من شابّ تزوّج في حداثة سنّه إلّا عجّ شيطانه ياويلاه يا ويلاه عصم منّي ثلثي دينه فليتّق الله العبد في الثلث الباقي.(11

 

3 ـ سلامة الجسد و النفس: ان الزواج وإرضاء الغريزة الجنسيّة حاجة طبيعية تفرض نفسها على الإنسان في سنين معيّنة من العمر، وعمليّة الإرضاء هذه تؤثر في سلامة الجسم والأعصاب وتكون سبباً لعافيتها، واعتدالها، على حين يوجّه قمع الغريزة الجنسية وكبتها ضغطاً خطيراً علي الأعصاب، ويخرجها عن حدّ الاعتدال، و السلامة، ولطالما أوجب ذلك الأمراض النفسيّة نظير: الاكتئاب، اليأس، الإضطراب، والعبثية، اللاهدفية، العصبية، إنعدام الثقة بالنفس، سوء الظن، الخوف، القلق.

 

وعلي هذا فإنّ الزواج الذي يتحقق في وقته المناسب وأوانه الطبيعي، و إرضاء الغريزة الجنسية من الطريق المشروع يمكن أن يكون مفيداً وضرورياً جداً في سلامة الجسد و الأعصاب

وقد اشير في الأحاديث إلي هذا الأمر أيضاً

قال رسول الله صلّي الله عليه و آله: زوّجوا أيامكم فان الله يحسن لهم في أخلاقهم و يوسع لهم في أرزاقهم و يزيدهم في مرواتهم.(12

4 ـ الحيلولة دون بعض المفاسد الإجتماعية: إذا أقدم الشباب على الزواج وتكوين الاسرة في مطلع شبابهم، ارتبطوا بالحياة العائلية وانشدّوا إليها، وحفظوا من اللاهدفية، والتسيّب وهذا من شأنه ان يقلّل من المفاسد الإجتماعية نظير: الخداع، والزنا، واللواط، والإستمناء، وتعاطي المخدرات، بل وحتى القتل والجريمة والسرقة.

ولهذا يؤكّد الإسلام علي الشباب والشابات بأن يبكّروا في الزواج، ويوصي آباءهم وأمهاتهم و المسؤولين والمصلحين المخلصين بأن يهيئوا مقدّمات الزواج وتكوين الاسرة للرّجال والنساء غير المتزوجين.

جاء في القرآن الكريم: (وَأَنْكِحُواْ اْلأَيامى‏ مِنْكُمْ وَ الصّالِحِيْنَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُواْ فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّهُ واسِعٌ عَليمٌ).(13)

وعن النبي صلّي الله عليه و آله قال: من حقّ الولد على والده ثلاثة: يحسن اسمه، ويعلّمه الكتابة ويزوّجه إذا بلغ.(14

5 ـ الحصول علي أولاد و تكثير النسل: لقد اهتم الإسلام بانجاب النسل و تكثيره و اعتبره أحد أهداف الزواج و غاياته

 

عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما يَمنَعُ المُؤمن أنَ يَتّخذَ أهلاً لَعَلّ الله يرزقه نسمَةً تثقِلُ الأرضَ بلا إله إلّا الله.(15

وقال النبي صلّي الله عليه وآله: تناكحوا تَكثُروا فإنّي أباهي بكُم الأممَ يومَ الِقيامة وَلَو بالسّقط.(16

6 ـ اللذة و الاستمتاع ـ إن إرضاء الغريزة الجنسية، والإستلذاذات و الاستمتاعات المشروعة ليست في نظر الإسلام غير مذمومة فحسب، بل هو عمل مشروع ومطابق للحاجة الطبيعية، ولو تمّ ذلك بنيّة القربة إلي الله عدّ عبادةً .. بل هو في بعض الأحيان واجب شرعي.

وصفوة القول؛ أن الإسلام يهتمّ بالزواج وبتكوين الاسرة إهتماماً كبيراً وبالغاً، ويعتبره أمراً مفيداً بل وضروريا.

في هذا الميثاق المقدّس يتعهد المرأة والرجل (الزوجان) بان يظلّا أوفياء إلى آخر العمر، وان يجتهدوا معاً لدعمه، وتقويته، وان يتعاونا في إدارة دفة الحياة المشتركة، ويراعيا الحقوق المتقابلة.

إن أعضاء الاسرة لا يقتصرون على العضوين الأصليّين (اي الزوجان) بل تشمل طائفتين اخريين يحسبان من العائلة أيضاً.

الاولى: الأولاد الذين ينضافون إلى العضوين الأصليّين في العائلة (اعني الأبوين) ويشكّل مجموعهم عائلةً كبيرةً أو عائلة صغيرة.

إن للوالدين والأبناء حقوقاً و مسؤوليات متقابلة

إن الآباء و الامهات مكلّفون بان يجتهدوا في أمر تربية أولادهم و تعليمهم، وأن يهيّئوهم للحياة الإجتماعية ولتحمل المسؤولية، والاستقلال والأكتفاء الذاتي، و أن يساعدوهم في مراحل إختيارهم الزوجة أو الزوج و العقد والزواج.

وهكذا الأولاد مكلّفون كذلك بأن يحترموا آباءهم و امهاتهم، و يراعوا حقوقهم، و يسارعوا إلى مساعدتهم عند الحاجة إلى ذلك.

إنّ التعاون، ووجود الإرتباط بين الوالدين والأبناء يجب ـ حسب نظر الإسلام ـ أن يستمّر إلى آخر العمر، وأن لا ينقطع أبداً سواء كانوا يعيشون في بيت واحد، أو في بيوتٍ متعددةٍ، وبصورةٍ منفصلة.

الطائفة الثانية: الآباء و الامهات و أحياناً الأجداد و الجدات

إن الإسلام يري أنّ أولاد العائلة عندما يكبرون، ويؤسّسون حياةً عائليةً مستقلة، يجب أن ينسوا أتعاب آبائهم وأمهاتهم، وجهودهم وتضحياتهم، وعواطفهم وألطافهم، فلا يتركوهم، ولا يبتعدوا عنهم، بل من وظيفتهم ـ وتقديراً لجهودهم و خدماتهم ـ أن يحيطوهم بالعناية والمراقبة، ولا يمتنعوا عن إظهار الحب لهم، و احترامهم و مدّ يد العون إليهم.

فاذا شاخ الوالدان أو عجزا عن العمل ورغبوا في العيش الى جانب أولادهم يجب أن لا يهجروهما و يجرحوا عواطفهما.

قال في القرآن الكريم: (وَقَضَى‏ رَبُكَ أَلاّ تَعْبُدُواْ إِلاّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفًّ وَ لا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَريماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَناحَ الذّلِ‏ِ مِنَ الرّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ‏ِ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبّيَانِي صَغيراً ).(17

 

(وَوَصّيْنَا اْلإِنْسَانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمّهُ وهْناً عَلَى‏ وَهْنٍ وَ فِصَالُهُ في عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لي وَ لِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).(18

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: ثلاث لم يجعل الله عزّ وجلّ لأحدٍ فيهنّ الرخصة: أداءَ الأمانِة إلي البرّ والفاجِر، والوفاء بالِعَهد للبرّ والفاجِر، وبرّ الوالدَينِ، برّين كَانا أو فاجِرَين. 19

وعن إبراهيم بن شعيب قال قلت لأبي عبدالله عليه السلام: إنَّ ابي قد كَبُرَ جداً وضعف فنحن نحمله إذا أرادِ الحاجةَ؟

فقال: إن استطعتَ أن تلي ذلَكَ مِنهُ فافَعل، وَ لَقَّمهُ بِيَدِكَ فانّه جُنَةُ لَكَ غَداً.(20

1ـ الوسائل ج 14 ص 3.

2ـ الوسائل ج 14 ص 5.

3ـ الوسائل ج 14 ص 65.

4ـ بحار الأنوار ج 103 ص 220.

5ـ الوسائل ج 14 ص 6.

6ـ الوسائل ج 14 ص 7.

7ـ الوسائل ج 14 ص 7.

8ـ الروم ـ 21.

9ـ الوسائل ج 14 ص 6.

10ـ الوسائل ج 14 ص 5.

11ـ بحار الأنوار ج 103 ص 221.

12ـ البحار ج 103 ص 222.

13ـ النور 32.

14ـ مكارم الإخلاق ج 1 ص 253.

15ـ الوسائل ج 14 ص 3.

16ـ البحار ج 103 ص 220.

17ـ الاسراء : 23ـ 24

18ـ لقمان: 14.

19ـ الكافي ج 2 ص 162.

20ـ الكافي ج 2 ص 62.


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1060
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 12 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19