• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : الوشم .
                          • رقم العدد : العدد التاسع والثلاثون .

الوشم

الوشم

الشيخ علي سمير

من مظاهر تكريم الله -تعالى- للإنسان أن جعله بأحسنِ صورةٍ، وأتمَّ خَلقه، وجعل خلق الإنسان معجزةً من حيث التكوين، والشكل، وجعل هيئته خاصةً به دون سائر المخلوقات، ووهبه عقلاً راجحاً، وفِكراً سليماً، ليُحسِن استغلال تلك الخِلقة، ولا يسيء التصرّف بها، فإن فعل ما يُناقِض ذلك فأضرّ بنفسه أو ظلمها، فقد يُعاقَب على ذلك، حيث جاءت عدّة نصوص شرعيّة لمنع ما يمسُّ النفس البشريّة بأيّ ضرر،

ولكن الإنسان لم يرض بما وهبه الله تعالى فتعدى على جسده محاولا التغيير فيه والتعديل عليه متناسيا قوله تعالى { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } فباءت محاولاته بالفشل منتهيا بالتشويه وبمنظر قبيح ينفر منه كل إنسان سليم

ومن هذه الطرق والأساليب محاولة الكتابة على الجسد التي بدأت بطرق ووسائل بدائية وانتهت في زماننا بأحدث الأجهزة والتقنيات وقد عرفت هذه الطريق باسم الوشم الذي

عرفته معظم الشعوب منذ القدم أمثال الحضارات القديمة كالفراعنة والمايا وقبائل أوروبا وغيرهم  

ما هو الوشم

الوشم هو رمز أو علامة أو تصميم بأشكال مختلفة يتم رسمه على الجلد عن طريق الوخز بالإبر باستخدام ألوان وأصباغ مختلفة يتم إدخالها إلى داخل الجلد ، أو بطريقة الختم بالنار الذي كان أكثر ما يستعمل لإظهار ملكيتها للحيوانات والعبيد

 

واستخدمت بعض الشعوب في المجتمعات الطبقية الوشم للتعبير عن مكانة الفرد في المجتمع الذي يعيش فيه، أو انتمائه لقومية أو لطبقة أو لمذهب ديني أو فكري معين ويختلف الوشم أيضا حسب الطقوس الحياتية والدينية، كالموت،الحياة،والحب والزواج، وكتعاويذ دينية  واستخدم للزينة والتجميل خاصة عند النساء ،وتطور الأمر في زماننا بحيث أصبح الشبان يستخدمون أشكالا وزخارف وكتابات يظنون أنها تعبر عن شخصياتهم، بل حتى أصبح الوشم يعبر لديهم عن التمرد على الواقع الذي يعيشونه

 

 

 

 

 

إن السبب الرئيسي في انتشار الوشم ، هو البعد عن الله والفراغ الروحي وانعدام  دور الأسرة في التوعية الدينية وزرع القيم والمفاهيم الأخلاقية  

يضاف إلى ذلك الانبهار بالمجتمع الغربي ومحاولة تقليدهم في  عاداتهم وحياتهم،

إضافة إلى الإحساس بالفراغ، والقلق والخوف من المستقبل المتعلق بهذا الإنسان،

 

أيضا إن الإحساس بالضعف أو الشعور بالعجز تجاه موضوع معين، وعدم الثقة في النفس يقود لهذا السلوك.

 

وأكدت الدراسات النفس اجتماعية  أن انحدار بعض القيم الأخلاقية ، والتقصير في التوعية الاجتماعية له دور هام  ، حيث أصبح مفهوم الوشم الآن ، هو الأناقة والتجميل، مطالبة بتفعيل القيم الأخلاقية والدينية في تعليم وتهذيب الطفل ، وبث القيم والروحانيات

والأخلاق والتوعية ، بالإضافة إلى تشجعيهم على ممارسة الأنشطة الرياضية .

 

الوشم في الإسلام

الإسلام دين البشرية جمعاء إلى يوم القيامة وكذلك أحكامه وهذا يستدعي أن تكون أحكامه وإرشاداته مراعية لمصلحة الجنس البشري في أرجاء المعمورة وفي كل زمان ومكان  وانطلاقا من هذا المبدأ نجد روايات النبي صلى الله عليه واله وسلم وأهل البيت عليهم السلام فنجد أن رواياتهم عليهم السلام قد تطرقت إلى جميع نواحي الحياة بدء من الحياة الشخصية الخاصة إلى الحياة الاجتماعية العامة والعلاقة مع الله  وبالتالي لم يتركوا صغيرة أو كبيرة إلا وأشاروا إليها وبينوا حكمها

فنجد الروايات الشريفة التي تناولت الجهة الاجتماعية من الكثرة بمكان وهي قطعا تتقاطع مع الجنبة الشخصية للإنسان  التي غايتها أن تصنع من الإنسان شخص رسالي مميز وتنهاه عن الأعمال والتصرفات التي تنتقص من مروءة الإنسان واحترامه .

ويمكن لنا أن نستكشف حالة وأحكام أمور كثيرة لم تتطرق أليها الروايات الشريفة أو لم تصل ألينا بشكل واضح وجلي  ومن هذه الأمور قضية الوشم وقبل الدخول في تفاصيل الموضوع من الجيد التطرق إلى بعض الأحاديث التي تفيدنا في بحثنا هذا أمثال الروايات التي تتحدث عن اللباس والشعر والتختم فنحاول أن نكشف الجهة المشتركة مع الوشم ونستنبط العلة في ذلك ولان الشكل الخارجي هو مرآة للداخل وصورة عن العقل نبرزها للآخرين كي يحكموا علينا من خلال هذه الصورة

روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): (يُعرف عقل الرجل من ثلاث : *من كنيته وطول لحيته ونقش خاتمه)، مستدرك سفينة البحار - الشيخ علي النمازي الشاهرودي - ج ٩ - الصفحة ٢٤٤

نستفيد من هذا الحديث بعد التأمل وأيضا العقل يحكم بان جسد الإنسان هو عنوان عقله وفكره وخُلقه فهذا الجسد إنما هو صفحة يقرؤها الآخرون بما يملؤها من علامات وإشارات  قد تتغير من زمنا إلى زمن ومن بلدا إلى بلد ومن أهم هذه الرموز والإشارات في زمننا هذا الوشم حيث أصبح من الأمور المنتشرة

 

 

 

 

 

 

 

 وهذه العلامات تنبئ عن عقل الرجل ، فإن للعقل أحكاماً توجه سلوك الفرد في المجتمع على انه  شخصية تستفز المجتمع؟ أم هو شخصية متهورة لا قيمة للقيم والدين أو الاخلاق والعادات لديه ولا يشكل  المجتمع رادعاً نفسياً له بل يظهر للناس بما يفكر من أفكار.

فالوشم فمع ما يمثله من نزق وطيش *وتشويه لجمال الخلقة والجسد الذي منحه الله لنا :* هو إفصاح عن افكار الشخص وجرأته على اتخاذ قرارات طائشة لا يُسمح بتغييرها ،

 

ولعلها تقليد أعمى لشخصيات مشهورة *ينظر إليها في تلك المرحلة من عمره بإعجاب وإكبار ،* ولا يسمح لنفسه بالتفكير في معاني تلك النقوش وعبقرية الشخصيات التي قلدها في النقش شكله .

 

... والوشم مقترن بنظرة سلبية تخبر عن علاقة الشخص بمجموعات شبابية تجترئ على الممنوع الاجتماعي.

 

إن أول خسارة ينالها الواشم أنه يخبر المجتمع عن عقله ومستواه من التفكير بمجمل النقش أو بما يختاره لنفسه من نقش  وثانيا أنه لا يرضى بما اختاره الله سبحانه لجلده من شكل ولون .

 

وللوشم دلالة عن نفسية إجرامية في بعض الأحيان، فقد دلت دراسة حديثة أن كثيراً من أصحاب السوابق يكونون مولعين بالوشم ومن تجربتي في مجال تأهيل المدمنين نجدهم يولون الوشم اهمية قصوى

 

وغالباً ما يعقب هذا الوشم الندم، فبعد فترة زمنية يندم كثير من الذين وشموا أنفسهم، فيضطرون إلى إزالته بطريقة أو أخرى، يقول الدكتور برين كيني: "إن العديد من الناس الذين قاموا برسم الوشم يتداركون أمرهم في وقت لاحق وكأنهم يقولون لأنفسهم يا إلهي.. ما هذا؟ هذا ليس بالضبط ما كنت أريده، فما بدا أنه رائع في سن 17 أو 20 لا يبدو رائعا الآن"

 

أضرار الوشم الصحية:1

تنبهت كثير من الدول إلى ضرر الوشم فحذرت من أن رسم الوشوم على الأجسام هو في الحقيقة حقن للجلد بمواد كيمياوية سامة في صبغات الوشم.

 

لأنها صبغات صناعية صنعت في الأصل لطلأ السيارات أو أحبار الكتابة تسبب الحساسية والتهيجات والتشققات الجلدية، والبعض منها يسبب أمراض السرطان وقد تؤدي إلى الأورام الجلدية

 

والأدوات المستعملة في الوشم هي السبب الرئيسي للإيدز والتهاب الكبد أو الإصابات البكتيرية الناجمة عن تلوث الإبر وأيضا فإن الوشم يمكن أن يتسبب في الإصابة بسرطان الجلد والصدفية والالتهاب الحاد بسبب التسمم.

ووفقاً لما يقوله الأطباء فإنه بعد فترة من عمل الوشم (التاتو) يرفض الجسم المادة المحقونة داخله، ويفرز أجساماً مضادة ليهاجم هذه المادة الغريبة، مما يسبب تشوهات في مكان التاتو، وعند الرغبة في إزالة التاتو يتم حفر الجلد والدخول في عملية جراحية، وهي عبارة عن زراعة جلد جديد لترقيع المكان، وقد يلجأ الأطباء للعلاج بالليزر أو بالصنفرة أو بالتقشير الكيميائي وكل ذلك يسبب أضراراً وتشوهات للجلد،

1- من مقالة الاعجاز التشريعي في تحريم الوشم

حكم الوشم فقهيا

أنواع الوشم وأحكامها

فرق جمهور فقهاء اهل السنة بين الزينة الدائمة التي تغير لون العضو وشكله كالوشم بالإبرة، وبين الزينة المؤقتة التي هي مجرد لون ويزول كالحناء وغيرها.

فالزينة الدائمة إذا كانت بسبب غرز إبرة في الجسم وذرّ مادة عليه فهي محرمة لأنها من باب تغيير خلق الله تعالى، وفي الحديث الشريف: (لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله)

أما الوشم المؤقت فهناك ما يستخدم فيه من الوسائل ما يحدد الشفاه أو الحاجب بحيث يبقى أثره ستة أشهر أو أقل أو أكثر ثم يزول، فهذا يأخذ حكم الوشم الدائم

وإذا كان الوشم المؤقت من قبيل ما يسمى التاتو، فله حكم الخضاب أي الجواز لأنه مجرد لون كالحناء ولا يستخدم فيه الغرز.

والفرق بين الوشم والرسم بالحناء  أن ما يرسم بالوشم يبقى أثره ولا يزول بالغسل أو بمرور الزمن، وما يرسم بالحناء رسم ظاهري يمكن أن يُزال أو يزول بعد فترة، وهو لون ولا جسم له.

كما أن الوشم فيه تغيير لخلق الله تعالى بالغرز، والتاتو لون كالخضاب ويزول.

 

وقد استثنى بعض الفقهاء حالتين من حُرمة الوشم، هما:

إذا كان القصد من الوشم التداوي من مرض لأنّ القاعدة الفقهيّة تنصُّ على أنّ الضّرورات تُبيح المحظورات.

 إذا كان القصد من الوشم تزيّن المرأة لزوجها، ويكون ذلك بإذنه.

واستدل من قال بالحرمة بقوله تعالى: (وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ) فالوشم يُعدّ من تغيير خلق الله.

 ودليل السنة النبوية  بالحديث المتقدم (لعَنَ اللهُ الواصلةَ والمستوصِلةَ، والواشمةَ والمستوشِمة)،[١] فاللعن لا يكون إلّا على ما هو مُحرَّم.

 

الحِكمة من تحريم الوشم

 تعددت أقوال الفُقَهاء في الحكمة من تحريم الوشم:

 فقيل: لأنّ فيه إخفاءً للعيوب وغِشّاً وتزييفاً

 وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الحكمة من تحريم الوشم هي عدم تغيير خلق الله تعالى، ولِما في الوشم من تعذيبٍ لجسم الإنسان دون حاجةٍ أو ضرورةٍ لذلك

 

حكم الوشم عند فقهاء الشيعة

وردت روايات آحادية بطرق الشيعة والسنّة وهي قليلة العدد وبعضها ضعيف السند (وما في مصادر الإماميّة ضعيف السند) في ذمّ الوشم للنساء ولعن المرأة الواشمة والمستوشمة، وهي لو ثبتت يُفهم منها أو يتيقّن من ظهورها ـ بقرينة سائر الروايات ـ أنّه الوشم الذي يكون بقصد التبرّج أمام الأجنبي أو بقصد التدليس، لا الوشم في حدّ نفسه.

ويبدو من أنواع الوشم مؤخراً ما يتعارف اليوم عند النساء وبعض الرجال (التاتو)، فإذا كان ضمن القيدين المذكورين ـ ترك الغش والتدليس، وترك التبرّج بزينة في مواقع الظهور أمام الأجانب ـ فهو جائز.

لكن لا يجوز الوشم اذا اوجب هتك حرمة المؤمن الواضع لذلك الوشم.

او كان مضمونه منافياً للأخلاق او مثيراً للغرائز او كان يحمل الشعارات والرسوم الباطلة.

وعلى كل حال، فإن الأجدر بالمؤمن والمؤمنة ترك ذلك لأنه لا ينسجم مع عاداتنا وتقاليدنا الإسلامية

وأما وشم آية قرآنية أو لفظ الجلالة فإنه لا يجوز، لطروّ الجنابة والنجاسة ونحو ذلك

اما وشم صور الائمة الاطهار، واسمائهم المقدسة فلا یجوز اذا عد هتكا.

حكم الوضوء والغسل

إذا كان تحت الجلد لا يوجب بطلان الوضوء أو الغسل، نعم ما كان منه فوق الجلد بحيث يشكّل حاجباً عن وصول الماء إلى البشرة فهو ممنوع، ويلزم رفعه مع الإمكان.

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1104
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 07 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20