• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : سيرة .
                    • الموضوع : من كلام لأمير المؤمنين في ذكر النبي(صلى الله عليه وآله) .

من كلام لأمير المؤمنين في ذكر النبي(صلى الله عليه وآله)

 من كلام لأمير المؤمنين في ذكر النبي(صلى الله عليه وآله)

اخْتَارَهُ مِنْ شَجَرَةِ الأنبياء، وَمِشْكَاةِ الضِّيَاءِ، وَذُؤَابَةِ الْعَلْيَاءِ، وَسُرَّةِ الْبَطْحَاءِ ، وَمَصَابِيحِ الظُّلْمَةِ، وَيَنَابِيعِ الْحِكْمَةِ.


طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّهِ، قَدْ أَحْكَمَ مَرَاهِمَهُ، وَأمْضى مَوَاسِمَهُ ، يَضَعُ من ذلِكَ حَيْثُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، مِنْ قُلُوب عُمْي، وَآذَان صُمٍّ، وَأَلْسِنَة بُكْم; مُتَتَبِّعٌ بِدَوَائِهِ مَوَاضِعَ الْغَفْلَةِ، وَمَوَاطِنَ الْحَيْرَةِ; لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِأَضْوَاءِ الْحِكْمَةِ، وَلَمْ يَقْدَحُوا بِزِنَادِ الْعُلُومِ الثَّاقِبَةِ; فَهُمْ فِي ذلِكَ كَالاَْنْعَامِ السَّائِمَةِ، وَالصُّخُورِ الْقَاسِيَةِ.

 

قَدْ حَقَّرَ الدُّنْيَا وَصَغَّرَهَا، وَأَهْوَنَ بَهَا وَهَوَّنَهَا، وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ تعالى زَوَاهَا  عَنْهُ اخْتِيَاراً، وَبَسَطَهَا لِغَيْرِهِ احْتِقَاراً، فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ، وَأَمَاتَ ذِكْرَهَا عَنْ نَفْسِهَ، وَأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ، لِكَيْلاَ يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً ، أوْ يَرْجُو َفِيهَا مَقَاماً.
بَلَّغَ عَنْ رَبِّهِ مُعْذِراً ، وَنَصَحَ لاُِمَّتِهِ مُنْذِراً، وَدَعاَ إِلَى الْجَنَّةِ مُبَشِّراً،


أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَة مِنَ الرُّسُلِ، وَتَنَازُع مِنَ الألسن، فَقَفَّى بِهِ الرُّسُلَ، وَخَتَمَ بِهِ الْوَحْيَ، فَجَاهَدَ فِي اللهِ الْمُدْبِرِينَ عَنْهُ، وَالْعَادِلِينَ بِهِ.

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الْـمُجْتَبَى  مِنْ خَلاَئِقِهِ، وَالْمُعْتَامُ  لِشَرْحِ حَقَائِقِهِ، وَالْـمُخْتَصُّ بِعَقَائِلِ  كَرَامَاتِهِ ، وَالْمُصْطَفَى لِكَرَائِمِ رِسَالاَتِهِ، وَالْمُوَضَّحَةُ بِهِ أَشْرَاطُ الْهُدَى ، وَالْـمَجْلُوُّ بِهِ غِرْبِيبُ الْعَمَى.

 

 


قال أمير المؤمنين علي (ع)
َتَأَسَّ(2) بِنَبِيِّكَ الأطيب الأطهر(صلى الله عليه وآله) فَإِنَّ فِيهِ أُسْوَةً لِمَنْ تَأَسَّى، وَعَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّى ـ وَأَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللهِ الْمُتَأَسِّي بِنَبِيِّهِ، وَالْمُقْتَصُّ لاَِثَرِهِ ـ قَضَمَ الدُّنْيَا قَضْماً ، وَلَمْ يُعِرْهَا طَرْفاً، أَهْضَمُ  أَهْلِ الدُّنْيَا كَشْحاً ، وَأَخْمَصُهُمْ  مِنَ الدُّنْيَا بَطْناً، عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَبْغَضَ شَيْئاً فَأَبْغَضَهُ، وَحَقَّرَ شَيْئاً فَحَقَّرَهُ، وَصَغَّرَ شَيْئاً فَصَغَّرَهُ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِينَا إِلاَّ حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ اللهُ، وَتَعْظِيمُنَا مَا صَغَّرَ اللهُ، لَكَفَى بِهِ شِقَاقاً للهِِ، وَمُحَادَّةً عَنْ أَمْرِ اللهِ.
وَلَقَدْ كَانَ(صلى الله عليه وآله) يَأْكُلُ عَلَى الاَْرْضِ، وَيَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ، وَيَخْصِفُ بَيَدِهِ نَعْلَهُ ، وَيَرْقَعُ بِيَدِهِ ثَوْبَهُ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَارِيَ ، وَيُرْدِفُ خَلْفَهُ  ، وَيَكُونُ السِّتْرُ عَلَى بَابِ بَيْتِهِ فَتَكُونُ فِيهِ التَّصَاوِيرُ فَيَقُولُ: «يَا فُلاَنَةُ ـ لإحدى أَزْوَاجِهِ ـ غَيِّبِيهِ عَنِّي، فَإِنِّي إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا وَزَخَارِفَهَا».
فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ، وَأَمَاتَ ذِكْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ، وَأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ، لِكَيْلاَ يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً ، وَلاَ يَعْتَقِدَهَا قَرَاراً، وَلاَ يَرْجُو فِيهَا مُقَاماً، فَأَخْرَجَهَا مِنَ النَّفْسِ، وَأَشْخَصَهَا عَنِ الْقَلْبِ، وَغَيَّبَهَا عَنِ الْبَصَرِ.
وَكَذلِكَ مَنْ أَبْغَضَ شَيْئاً أَبْغَضَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَأَنْ يُذْكَرَ عِنْدَهُ.
وَلَقَدْ كَانَ فِي رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) مَا يَدُلُّكَ عَلَى مساوئ الدُّنْيَا وَعُيُوبِهَا: إِذْ
جَاعَ فِيهَا مَعَ خَاصَّتِهِ ، وَزُوِيَتْ عَنْهُ  زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِيمِ) زُلْفَتِهِ
فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ: أَكْرَمَ اللهُ مُحَمَّداً(عليه السلام) بِذلِكَ أَمْ أَهَانَهُ! فَإِنْ قَالَ: أَهَانَهُ، فَقَدْ كَذَبَ ـ وَاللهِ الْعَظِيمِ ـ وَإِنْ قَالَ: أَكْرَمَهُ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهَانَ غَيْرَهُ حَيْثُ بَسَطَ الدُّنْيَا لَهُ، وَزَوَاهَا عَنْ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ.
فَتَأسَّى مُتَأَسٍّ بِنَبِيِّهِ، وَاقْتَصَّ أَثَرَهُ، وَوَلَجَ مَوْلِجَهُ، وَإِلاَّ فَلاَ يَأْمَنِ الْهَلَكَةَ، فَإِنَّ اللهَ عزّوجلّ جَعَلَ مُحَمَّداً(صلى الله عليه وآله) عَلَماً لِلسَّاعَةِ ، وَمُبَشِّراً بِالْجَنَّةِ، وَمُنْذِراً بِالعُقُوبَةِ.

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=120
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2008 / 03 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29