• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : فقه .
                    • الموضوع : اضواء على مضامين الحج .

اضواء على مضامين الحج




 

 

 

عندما نتعرف على فلسفة وأسرار الحج ونحصل على الأهداف العليا لشريعة الإسلام من خلال هذه الفريضة المهمة ، فإننا حينئذٍ لن نسمح لأنفسنا بالإكتفاء في أداء مراسيم شكلية وأعمال جافة تنقصها الروحية المطلوبة ، فنشهد سنوياً هدر كثير من الطاقات والإمكانات دون الإستفادة من الآثار العظيمة لهذه الفريضة .
إن البحث عن أسراره يمكننا من التعرف علىأن هذا الحج هو حج صوري لا حياة فيه ، وإنه حج جاهلي ؟ أوأنه حج يمكنه بحق أن يكون حجة الإسلام ومحتوياً على تلك الروح العظيمة والتأثيرات الإيجابية ؟ وهنا طائفة من الروايات المرتبطة بذلك:
ذكر رسول الله "ص" في حديث عن حج آخر الزمان : يحج أغنياء أمتي للنزهة ، ويحج أوساطها للتجارة ، ويحج فقراءهم للرياء والسمعة .
وقال "ص" مخاطباًعلياً : " يا علي تارك الحج وهو مستطيع كافر "
" يا علي من سوّف الحج حتى يموت بعثه الله يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً "
وعن الإمام زين العابدين "ع" " حجوا وأعتمروا .. يصلح إيمانكم " .
لقد شرف الله تعالى البيت العتيق بإضافته إلى نفسه ، ونصبه مقصداً لعباده ، وجعل ما حوله حرماً لبيته ، تفخيماً لأمره وتعظيماً لشأنه يقصده الزوار من كل فج عميق متواضعين لرب البيت مستكينين له خضوعاً لجلاله وإستكانة لعزته ، مع الإعتراف بتنزيهه عن أن يحويه مكان .
ولذلك أوجب عليهم أعمالاً ربما لم تأنس بها نفوسهم ولا تهدي إلى معانيها عقولهم كرمي الجمارات والتردد بين الصفا والمروة .. وربما أقتضت حكمة الله سبحانه ربط نجاة الخلق بكون أعمالهم على خلاف هوى طباعهم ، وربما ليكون أبلغ في الإنقياد .
قال "ص" في الحج علىالخصوص " لبيك بحجة حقاً تعبداً ورقاً " ولكن نحن نسلم دون جدل بأن الحج أمر إلهي علينا تنفيذه دون تردد أو نقاش ،والهدف تقوية روح التعبد لا تضعيفه ، ولكن التفكر لا يؤثر علىالأخلاص فمعرفة فلسفة وأسرار حكم ما ليست دليلاً علىالعمل ولا هدفاً أو غاية له ، لأن دليل العمل هو أمر الوحي .
لقد أعطى الإسلام للعبادة معناها الجديد وطابعها المميز ودورها العملي ، فلم تعد تعيش العزلة الفردية ، ولم تعد مجرد حالة وجدانية روحية ذاتية يعيش فيها الإنسان مع ربه ، بل تحولت إلى قاعدة من قواعد التربية تنعكس بآثارها على شخصية الإنسان فردياً وإجتماعياً وتعكس حسه الإنساني وتحي شعوره بالمسؤولية .
ولكن في الوقت الذي ترفض فيه عملية التمسك بظاهر العبادة ونفي روحها وفلسفتها ، وتكون خالية من مضامينها المتعددة ، فإن أي تدخل أوتصرف لتغيير شكلها الظاهري من أعمال ومراسم بحجة التفلسف والوصول إلىأسرار وأهداف الحج ونتائجه القيمة ، مردود ومحكوم بالرفض .
وبالرغم من سكوت الوحي في الإفصاح عن بعض تلك الأحكام وبيان حكمتها ، كذلك الحال بالنسبة إلىالحج وأبعاده المجهولة وجزئيات أحكامه التي لم نتعرف على فلسفتها وأسرارها .
فإننا لا نتيح المجال للشك من الولوج إلى داخلنا لمجرد أن فلسفة هذه الأحكام ليست واضحة ، ولن نسمح لها بمساس إيماننا بحقانية وضرورة التبعية وحتى التقيد بقالب وشكل لغة الوحي الخاصتين ، وبالرغم منأن العلم والتقنية في الوقت الحاضر كشفت عن كثير من الأبعاد التي ظلت مجهولة في الأحكام الإلهية هذه ، وفلسفة وأسرار قوانين السماء ، حتى أنها فتحت ـ في هذا المجال ـ آفاقا واسعة وجديدة أمامنا ، فإننا لا نعلم حداً لفلسفة الأحكام والقرارات الإلهية أو كونها نهاية المعرفة علىالإطلاق .
بيد أنه لا مانع من الوقوف على ما ترمز إليه تلك المناسك التي نؤديها سنوياً وقد لا ندري إلى ما تشير إليه في حياتنا ، وربما البعض لا يفرق بينها وبين رموز الجاهلية !
لقد جعل الله تعالى هذه الفريضة على كل مستطيع ، حتى جعل التارك لها في حكم الخارج عن الإسلام ، وحدد لها أهدافاً لاورسم لها خطوطاً من أجل أن يحقق للإسلام الدور الكبير في الحياة ، فلم يقتصر فيه على جانب واحد من جوانب التربية ، ليبدل نزاعاته وخصاله الجامحة في إتجاه تحصيل الرغبات الذاتية بعيداً عن الإنضباط والتوازن إلى تحقيق هذه العملية فعلياً .
وعليه فنقول : الله عز وجل بين لنا في قوله تعالى : " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فأعبدون ) أنأهم واجبات الأنبياء إزالة الشرك بكافة مظاهره المتنوعة في كل آن وزمان .
من هنا ومن خلال أخذ هذاالأصل بعين الإعتبار ، فإن بعض الأعمال تبدو في ظاهرها وكأنها لا تتلاءم مع مبدأ التوحيد ، ومن قبيل التوجه نحو الكعبة أثناء الصلاة ، وما هي سوى أحجار وطين ن أو لمس " الحجر الأسود" باليد الذي لا يعدو كونه جماداً ليس إلا ، أو السعي بين " الصفا" و " المروة " وغيرها من الأعمال .. فما هو السر وما هو الوجه بينها وبين أعمال المشركين ؟ قبل البدء في بيان أسراره هذه الأعمال نشير إلىأن هذا التساؤل ليس بجديد ، فقد طرح قديماً ، ففي عصر الإمام الصادق "ع" حضر أبن أبي العوجاء ـ رئيس الماديين آنذاك ـ عند الإمام وسأله : يا أبا عبد الله .. إلى كم تدوسون هذا البيدر ، وتلوذون بهذا الحجر ،وتعبدون هذاالبيت المعمور بالطوب والمدر ،وتهرولون حوله هرولة البعير إذ نفر ، إن من فكر في هذا وقّدر علم أن هذا فعل أسسه غير حكيم ولا ذي نظر ، فقل فإنك رأس هذا الامر وسنامه وأبوك أسسه وتمامه ، فقال أبو عبد اللع "ع" " إن من أضله الله وأعمى قلبه أستوخم الحق ولم يستعذ به ، وصار الشيطان وليه وربه وقرينه ، يورده مناهل الهلكة ثم لا يصدره وهذا بيت أستعبد الله به خلقه ، ليختبر طاعتهم في إتيانه فحثهم على تعظيمه وزيارته وجعله محل أنبيائه وقبلة للمصلين إليه فهو شعبة من رضوانه ، وطريق يؤدي إلى غفرانه .. خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام فأحق من أطيع فيه أمر وأنتهى عما نهى عنه وزجر الله المنشىء للأرواح والصور "
من خلال هذاالحديث الذي بين فيه بعض أسرار الحج ، أما سر التوجه إلىالكعبة حال الصلاة ، يكمن في أنها أقدم بيت للتوحيد بني بأيدي أنبياء الله العظتام ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا ً وهدى للعاملين ) ولأجل إيجاد الوحدة بين المصلين ، فقد أوجبت الشريعة علىالجميع أداء الصلاة بلغة واحدة ، والتوجه إلىأقدم المعابد ، لتحفظ لهم وحدتهم ، أي أن يتكلم ملايين البشر في آن واحد بكلام واحد ونحو نقطة واحدة يتوجهون وأن يعلنوا وحدتهم بشكل واضح ،والتوجه حينئذٍ ليس بمعنى عبادته بل بمعنى جعله رمزاً لوحدتهم وإتحادهم حال العبادة .
وأما الحجر الأسود ، فإنه يستفاد من الأحاديث أن بناء الكعبة كان موجوداً قبل عصر إبراهيم "ع" وأن جداره تهدم على أثر طوفان نوح "ع" وبعد أن امر النبي إبرهيم بإعادة بناء الكعبة وضع " الحجر الأسود " وهو جزء من جبل " أبو قبيس" وضعه بأمر الله تعالى في جدارها .
وإستلامه يعد نوعاً من العهد والبيعة مع سيدنا إبراهيم لمحاربة مظاهر الشرك وعبادة الأوثان بأنواعها كافة ، فالهدف إذن من تقبيله وإستلامه تجسيد لميثاق قلبي على هيئة أمر محسوس ، وفي كثير من بلدان العالم يقدس الجنود أعلام بلدانهم ويقفون أمامها بإجلال وإكبار مجددين العهد باليمين ، والعلم رمز إستقلال البلد وعنوان إرادته الوطنية وإلا فهو ليس إلا بضعة أمتار من القماش ، كذلك هو الحال بالنسبة لرمي الجمار ، فإن الشيطان قد تمثل لإبراهيم "ع" في الأماكن الثلاثة هذه ورجمه بالحجر ليظهر تنفره منه ، وبقي عمل إبراهيم "ع" هذا سنّة إلهية في اعمال الحج .
وبذلك فنحن نعبر عن رجم تلك النقطة بالحجر تعبيراً عن رفضنا والبراءة من كل موجود شرير خبيث نجس ، والنفرة من النجاسة أمر معنوي يظهر بصورة ملموسة يستتبعها من حيث السلوك ترجمة عملية وليس مجرد طقس خال من أي مضمون يكون له الأثر في حياته العامة وما يلازمها من مواقف وآراء .
واليوم الشعوب المستضعفة التي تعاني من الظلم والجور تقوم بإحراق أعلام الدول المستكبرة ، معبرة عن غضبها ومنددة بإجرامها بحق الإنسانية لإظهار غضبها وسخطها وليس ذلك إلا رمز لرفض الظلم .
كذلك هو الحال في بقية المناسك والعبادات الأخرى ، فمنها ما تظهر آثاره التربوية والمعنوية والروحية وتنعكس على سلوك الإنسان وعلى مظهره ، بل وعلى صحته ـ في بعضها ـ ومنها ما لا يظهر إلا بإعمال النظر والتعمق فيها وإستلهام معانيها من خلال التفكر في دلالاتها التي يظهر شيئاً فشيئاً ما يشبهها علىمر الأيام ، وليس من الإنصاف رفض أمر لمجرد عدم فهم دلالاته مادياً كان أو معنوياً ، أو مقايسته ببعض مظاهر الجاهلية لمجرد مشاكلته من حيث الظاهر .
 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=23
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2007 / 04 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29