• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : مفاهيم .
                    • الموضوع : من حكم أمير المؤمنين في مكارم الأخلاق .

من حكم أمير المؤمنين في مكارم الأخلاق

من حكم أمير المؤمنين في مكارم الأخلاق قال عليه السّلام : أزرى بنفسه من استشعر الطّمع ، و رضى بالذّلّ من كشف ضرّه ( عن ضرّه خ ) ، و هانت عليه نفسه من أمّر عليها لسانه . ( 3 ) و قال عليه السّلام : البخل عار ، و الجبن منقصة ، و الفقر يخرس الفطن عن حجّته ، و المقلّ غريب في بلدته ، و العجز آفة ، و الصّبر شجاعة ، و الزّهد ثروة ، و الورع جنّة . ( 4 ) و قال عليه السّلام : نعم القرين الرّضا ، و العلم وراثة كريمة و الاداب حلل مجدّدة ، و الفكر مرآة صافية ( 5 ) و قال عليه السّلام : صدر العاقل صندوق سرّه ، و البشاشة حبالة المودّة ، و الاحتمال قبر العيوب . و قال عليه السّلام : من رضي عن نفسه كثر السّاخط عليه ،و الصّدقة دواء منجح ، و أعمال العباد في عاجلهم نصب أعينهم في آجلهم . المعنى ( الطمع ) توقّع ما لا يستحقّ أو ما ليس بحقّ ، فقد يكون مباحا كطمع الجائزة من الأمراء و الهبة من الأغنياء ، و قد يكون أمرا محرّما كالطمع فيما لا يحلّ له من مال أو جمال ، و هو مذموم و ممنوع أخلاقا و هو من الصّفات العامّة قلّما يخلو عنه إنسان إلاّ من ارتاض نفسه و أزال أصل هذه الصّفة الذميمة عن نفسه ، فانه من لهبات الشهوة الكامنة في الطبائع الإنسانيّة . و قد اشتهر أشعب أحد التابعين بهذه الصفة و نسب إليه مطامع عجيبة إلى حدّ السخف و السفه . فمنها : أنّه اجتمع عليه الصّبيان يؤذونه فأراد تفريقهم و طردهم ، فأشار إليهم إلى بيت أنه يقسم فيه الحلوى ، فشرعوا يركضون نحوه ، و ركض معهم فقيل له في ذلك فأجاب أنه ربّما يكون صادقا . فالطمع بما في أيدي النّاس يستلزم الخضوع لهم و يجرّ الهوان و سقوط المنزلة عندهم و عند اللَّه ، و قد ورد في ذمّ الطمع أخبار و أحاديث كثيرة . في الكافي عن أبي جعفر عليه السّلام : بئس العبد عبد له طمع يقوده ، و بئس العبد عبد له رغبة تذلّه ( كشف الضرّ ) للنّاس شكوى من اللَّه إلى عباده و هو خلاف رسم العبودية و هتك ستر الرّبوبيّة ، و قد ورد فيه ذمّ كثير . سمع الأحنف رجلا يقول : لم أنم الليلة من وجع ضرسي ، فجعل يكثر فقال : يا هذا لم تكثر فو اللَّه ذهبت عيني منذ ثلاث سنين فما شكوت ذلك إلى أحد و لا أعلمت بها أحدا ، و هو مع ذلك يوجب تنفير النّاس و مذلّة عندهم . و أمّا حفظ اللّسان و التسلّط عليه فممّا حثّ عليه في غير واحد من الأخبار و كان يقال : ربّ كلمة سفكت دما و أورثت ندما ، و في الحديث أنّ لسان ابن آدم يشرف صبيحة كلّ يوم على أعضائه و يقول لهم : كيف أنتم ؟ فقالوا : بخير إن تركتنا و في شرح ابن ميثم : احفظ لسانك أيّها الانسان لا يلدغنّك إنّه ثعبان كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه الأقران ( و البخل ) حبس ما يقدر على إنفاقه من مال أو معاونة بيد و لسان ، فقد يصل إلى حدّ منع أداء الحقوق الواجبة كمنع النفقة على الأهل و الأقرباء الواجبة النفقة ، أو منع حق الزكاة للفقراء و سائر مصارفه ، أو الخمس عن أربابه فيوجب العقاب و المؤاخذة ، و قد يكون سببا لمنع ذوي الحقوق العامّة فيبلغ إلى حدّ الوبال و النكال ، و في الحديث أنّه لا يؤمن باللّه و اليوم الاخر من بات شبعانا و جاره جائع ، فلذا قال عليه السّلام : انّه ( عار ) . ( و الجبن منقصة ) لمضادّته مع الشجاعة الّتي هي ركن من أركان الإيمان و حلية لنفس الانسان ، فالجبون لا يقوم بالدّفاع عن عرضه و دينه ، و يخاف في كلّ موطن على نفسه . ( و أمّا الفقر ) قد ورد فيه الأخبار و كلمات الأخيار بالمدح تارة و الذّمّ أخرى ، فقد ورد في الكافي في باب الكفر و الايمان عن السّكوني ، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال : قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله : كاد الفقر أن يكون كفرا ، و كاد الحسد أن يغلب القدر . و قد وصف عليّ عليه السّلام الفقر في هذه العبارة بطبعه المؤثر في الفقير بالنظر إلى الاجتماع ، فانّ النّاس عبيد الدينار و لا ينظرون إلى الفقير إلاّ بعين الاحتقار و لا يتوجّهون إلى كلامه و حجته و إن كان حقّا و يؤثّر هذا الأمر في الفقير فلا نشاط له في إظهار حجّته عند المخاصمة حتّى كأنّه أخرس ، و نعم ما قيل : فصاحة سحبان و خطّ ابن مقلة و حكمة لقمان و زهد ابن أدهم لو اجتمعت في المرء و المرء مفلس فليس له قدر بمقدار درهم و قد بيّن عليه السّلام سوء أثر الفقر بأبلغ بيان في الفقرة التالية و هي قوله عليه السّلام : ( و المقلّ غريب في بلدته ) و إن يمكن التفريق بين الفقير و المقلّ حيث إنّ الفقير من أظهر حاجته للنّاس ، و المقلّ ربّما يظهر الغناء و الاستغناء و لكنّ النّاس لا يفرّقون بينهما ، فإنهم غالبا كالذباب يدورون حول الحلوى ، فإذا كان الانسان مقلاّ لا يقدر على جلبهم ببذل المال يعرضون عنه و لا يتقرّبون إليه و لا يسألون عن حاله و لا يتوجّهون إليه ، و بهذا النّظر يصير غريبا و إن كان في بلدته و بين عشيرته ، فانّ الغريب من لا يتوجّه إليه و لا يسأل عن حاله ، و نعم ما قال : لا تظن أنّ الغريب هو النائي و لكن الغريب المقلّ و تلحق الفقرة التالية و هو قوله عليه السّلام ( و العجز آفة ) بهاتين الفقرتين فانّ العجز في الانسان نوع من الفقر و الاقلال لأنّه عوز ما يحتاج إليه في العمل و إنفاد الامور الدّنيويّة أو الدّينية ، فكما أنّ الفقر و عدم المال نوع من العجز حيث إنّ الفقير لا يقدر على إنفاد الأمر المحتاجة إلى بذل المال ، فهو عاجز عن كثير من الأعمال أىّ عاجز ، فكذا العاجز الجسمي مثل الأعمى و الزمنى و الأشل ، و العاجز النّفساني كالسفيه و الكسلان لا يقدر على كثير من الأعمال ، فهو كمن عراه مرض أو عاهة منعته عن العمل . ( الشجاعة ) هي المقاومة تجاه العدوّ المهاجم و دفع هجومه بما تيسّر ، أو الهجوم على العدوّ اللّدود لدفعه ، و كلّما لا يلائم عدوّ كالبلاء و هجران الأصدقاء و مفارقة الأقرباء و ترك التمتّع بما اشتهاه الانسان ( و الصبر ) هو المقاومة تجاه عدوّ المكاره و البلايا ، فحقيقة الشجاعة هو الصّبر ، و هو من الصفات الممدوحة الّتي ورد في الحثّ عليها آيات الكتاب و مستفيض السنّة بغير حساب . ( و الثروة ) المال و المتاع المصروفان في إنجاز الحوائج ، و الزاهد هو الّذي ترك الحوائج العادية و رغب عنها و كرهها ، فيتحصّل بالزهد للزاهد ما يحصّله غيره بصرف الثروة مضافا إلى أنّ الزاهد في راحة عن تحصيل الحاجة و عواقبها ، فمن صرف الدّينار و الدرهم في تحصيل غذاء لذيذ تعب نفسه بتحصيله و تحمّل ألم ما يعقبه من البطنة و الكسل و الدّفع ، و ربّما بعض الأمراض ، و لكن الزاهد في راحة عن ذلك كلّه ، فالزهد ثروة بلا تعب . ( و الورع ) هو التحرّز عما يضرّ عاجلا أو آجلا فهو ( جنّة ) دون أيّ بلية و عاهة في الدّنيا ، و دون أيّ عذاب و عقوبة في الاخرة . ( و الرّضا ) هو حسن الاستقبال عمّا يعرض للانسان في كلّ حال من حيث لا يقدر على تغييره بتدبيره ، فمن تلبّس بالرّضا تجاه ما قدر و قضى فقد قرن بما حسن حاله في كلّ حين ، و جعل لنفسه من نفسه رفيقا يفيض السرور في قلبه . ( و العلم ) فطري و هو موهبة إلهيّة الهم على قلب العالم بعناية اللَّه ، أو اكتسابي أوحى إليه بعد تحصيل مقدّماته المفضية إليه ، و التعبير عنه بأنّه ( وراثة ) تشير إلى أنّ العلم و هو النور الساطع من باطن العالم ينكشف به الأشياء المجهولة لديه ، موهبة من اللَّه و إن تكلّف تحصيل مقدّماته في العلوم الاكتسابيّة ، فهو كالرزق للأبدان بذله اللَّه لكلّ من يستحقّه مؤمنا كان أو غيره ، إلاّ ما كان من العلوم الإلهيّة و المعارف القدسيّة الّتي تختصّ بالمؤمن و من يرد اللَّه أن يهديه . و الإرث ما يتحصّل للوارث بلا عوض ، و بهذا الاعتبار عبّر عنه بالوراثة و ليس المقصود أنّ العلم ميراث من العلماء و الأساتذة ، كما في الشرحين لابن ميثم و ابن أبي الحديد ، فانّ العلم أعمّ ، و المقصود أتمّ . ( و الآداب حلل مجدّدة ) الأدب لفظة يشعر بالنظم و الترتيب ، و منه مأدبة لسفرة الغذاء ، لأنّه يراعى فيه النظم و الأدب رعاية القوانين المقرّرة في الشرع و تنظيم الوظائف الدّينيّة و رعاية القوانين المقرّرة في المعاشرة و المعاملة مع الناس فرعاية الأدب التحلّي بأعمال و أقوال تجاه الخالق أو الخلق . و حيث إنّ الانسان دائما مسؤول من فعله و قوله أمام الخالق و المخلوق و لا بدّ له من رعاية وظائفه حينا بعد حين فكأنه برعاية الآداب يجدّد حلية جماله المعنوي ، و يلبس حللا و يبدلها بأخرى ، و هذا من أحسن التعبيرات و الاستعارات . ( و صدر العاقل صندوق سرّه ) كتمان الأسرار دأب العقلاء الأخيار ، و قد أمر في غير واحد من الأخبار بكتمان السرّ ، و صدر الوصاية به عن غير واحد من الحكماء و ذوى البصيرة سواء كان سرّ نفسه أو السرّ المودع عنده من غيره . و قد كان سرّ الشّيعة في دولة الخلفاء الجائرة ما أفاده إليهم أئمّة الحقّ من الأحكام و الآداب الخاصّة و أمروهم بحفظه و صيانته عن الأعداء ، و وردت أخبار كثيرة في ذمّ من يذيع هذه الأسرار عند الأغيار . ( و البشاشة حبالة المودّة ) البشر و حسن الخلق مما يجلب به و يحفظ مودّة النّاس ، و كما يصاد بالحبالة الطيور النافرة يصاد بالبشاشة و حسن الخلق القلوب الوحشيّة ، و قد وصّى عليه السّلام ابنه الحسن في حديث المعاشرة بقوله : و بشرك للعامّة يعني أنّ حسن الخلق أدب مع كلّ النّاس . ( و الاحتمال قبر العيوب ) الاحتمال نوع من الحلم تجاه ما يكره من قول أو فعل يصدر عن المعاشر من صديق أو عدوّ ، فاذا تحمّله الانسان و لم يظهر الضّجر يصير سببا لدفن العيوب من وجهين : 1 أنّ كثيرا من العيوب يتولّد من عدم الاحتمال نفسه ، فكم من شخص غاظ من قول مكروه أو فعل غير ملائم فارتكب الجرائم و المعاصي و الذّمائم و المآثم . 2 أنّه إذا لم يتحمّل تلك المكاره و قام في وجه المرتكب بالانتقام و السّفه يبدون معائبه المكنونة و يفضحونه بما يعلمون من سرائر حاله ، فتحمّل المكاره موجب لستر العيوب . و قال في شرح ابن الميثم : و روي أنّه عليه السّلام قال في العبارة عن هذا المعنى أيضا : ( المسالمة خباء العيوب ) قال الجوهريّ : الخباء : واحد الأخبية بيت من وبر أو صوف و لا يكون من شعر و يكون على عمودين أو ثلاثة ، و ما فوق ذلك فهو بيت و المسالمة فضيلة تحت العفّة انتهى . و الأنسب أن يجعل المسالمة من فروع الشجاعة الأدبيّة فانّ مرجعها إلى المقاومة في قبال هجوم الغضب و الطمأنينة في موقع الاستفزاز . و في الشرح : إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السّكوت سكتّ عن السّفيه فظنّ أنّي عيبت عن الجواب و ما عييت ( من رضي عن نفسه كثر الساخط عليه ) الرّضا عن النّفس من شعب العجب الّذي عدّ في غير واحد من الأخبار من المهلكات ، ففي الحديث : ثلاث من المهلكات : شحّ مطاع ، و هوى متّبع ، و إعجاب المرء بنفسه . و أثر هذه الخصلة توقّع الاحترام عن النّاس و تحميل الوظائف المربوطة به عليهم ، فعند اللقاء يتوقّع منهم الابتداء بالسلام و التحيّة ، و في الورود على المحافل و المجالس يتوقّع منهم التعظيم و القيام ، و عند البحث و إبداء الرأى يتوقّع منهم قبول قوله و هكذا ، و هذه التوقّعات ثقيلة على النّاس فيحصل الناقم عليه و الساخط و المنتقد . ( و الصّدقة دواء منجح ) الصّدقة تمليك مال للمستحقّ مجّانا قربة إلى اللَّه تعالى و هي واجبة كالزكاة المقرّر في الشرع ، و مندوبة و هي على مقدرة المتصدّق و سخائه ، و كلّ منهما دواء منجح للالام الاجتماعيّة و الفرديّة . فانّ من مصارف الزكاة الواجبة أداء الديون و تحرير الرقاب و الاعانة للفقراء و المساكين و الصرف في الامور العامّة من تسبيل السبل و تأمين الصحّة و إيجاد البيمارستانات و المساجد و الاعانة على الجهاد ، و كلّ هذه الامور معالجة باتة نافعة لالام محسوسة و موجعة للجمع و الفرد ، و يؤثر ذلك في رفع آلام المتصدّق و ينتفع به كغيره . كما أنّ الصدقة المندوبة دواء منجح في معالجة ألم الجوع و الحاجة للمستحق فتوجّه بقلبه على المتصدّق و المنفق فيدفع آلامه و يقضي حوائجه باذن اللَّه و قال صلّى اللَّه عليه و آله : داووا مرضاكم بالصّدقة و في زكاة الجواهر : و يكفيك فيما ورد في فضل الصدقة الشاملة لها من أنّ اللَّه يربيها لصاحبها كما يربى الرّجل فصيله فيأتي بها يوم القيامة مثل احد ، و أنها تدفع ميتة السوء و تفكّ من سبعمائة شيطان ، و لا شي ء أثقل على الشيطان منها و صدقة الليل تطفى ء غضب الربّ و تمحق الذّنب العظيم و تهوّن الحساب ، و صدقة المال تنمي المال و تزيد في العمر . ( و أعمال العباد في عاجلهم نصب أعينهم في آجلهم ) هذه الجملة تدلّ على تجسّم الأعمال و يستفاد منها أنّ كلّ عمل يتجسّم بصورة يناسبها من خير أو شرّ ، و حسن أو قبح ، و يراها العامل بعينه في آجله و هو حين حلول الموت الّذي يرفع الحجاب و يكشف الغطاء إلى القبر و البرزخ و القيامة . و يؤيّدها ظاهر قوله تعالى « فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرّة شراً يره » فانّ ظاهر الرؤية بمفعول واحد هي الرؤية بالبصر .

  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=307
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 10 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29