• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : عاشوراء .
                    • الموضوع : فلسفة البکاء والعزاء على الإمام الحسين(عليه السلام) .

فلسفة البکاء والعزاء على الإمام الحسين(عليه السلام)

 

 
فلسفة البکاء والعزاء على الإمام الحسين(عليه السلام)
 
حقّاً إنّ التأکيد والوصايا التي وردت في الروايات بالنسبة لإقامة مجالس العزاء والبکاء على مصاب الإمام الحسين(عليه السلام) لم ترد في أي من الأئمّة المعصومين(عليهم السلام)حتى رسول الله(صلى الله عليه وآله). وکأنّ هنالک سرّاً في هذه المسألة بحيث وردت تلک التأکيدات من الأئمّة(عليهم السلام). وقد تحدثت الروايات عن عظم ثواب هذه المجالس بما جعل البعض يراها نوعاً من المبالغة فينکرها وينسبها إلى «الغلاة» حتى قيل: «لابدّ أن يکون هنالک تناسب بين العمل والجزاء، فکيف يکون لهذا العمل البسيط کالبکاء على الإمام الحسين(عليه السلام) مثل هذا الثواب العظيم؟!».
وبالمقابل هنالک البعض الآخر الذي سلک منهج الإفراط فزعم بنجاة کل من بکى على الإمام الحسين(عليه السلام) ولو بقدر جناح ذبابة وإن غرق في بحر الذنوب والمعاصي. فهذا يرى أن قطرة دمع تذرف على الحسين(عليه السلام) کافية لأن تغسل کل کذب وخيانة وباطل! وبالطبع ليست هنالک من صحة لأي من هاتين النظريتين اللتين تمثلان الإفراط والتفريط. فهذه الآراء إنّما تنطلق من أولئک الأفراد الذين لم يسعهم عرض تحليل صحيح وجامع لتلک الروايات الواردة بشأن عظم ثواب العزاء، والواقع أنّهم عجزوا عن إدراک فلسفة العزاء. ونبيّن هنا التحاليل الخاطئة ونعرض لها بالنقد، ثم نتطرق للتحليل المنطقي.
  
 1. الحُسن الذاتي للبکاء
زعم البعض ـ على ضوء الآثار الإيجابية البدنية والنفسية للبکاء ودوره في تنقية روح الإنسان ـ أنّ الحُسن الذاتي للبکاء هو سرّ تأکيد الأئمّة(عليهم السلام) على إقامة مراسم العزاء، ذلک لأنّ «إظهار التأثر» بواسطة البکاء من الملامح الطبيعية والتوازن العاطفي لدى الإنسان. فالأشخاص الذين يبکون قليلاً ولا يستطيعون التنفيس عن عقدهم الباطنية وتبديد همومهم وأحزانهم عن هذا الطريق لايتمتعون عادة بسلامة نفسية وبدنية متوازنة. ومن هنا يعتقد علماء النفس: «أنّ النساء أقل عقداً من الرجال بسبب سرعة تنفيسهن عن إرهاصاتهن الروحية بواسطة البکاء، وهذه إحدى أسرار سلامتهن»(1). کما يرون أنّ البکاء يحد من الضغوط الناشئة من العقد المتراکمة في باطن الإنسان وعلاج لأکثر آلامه ومعاناته الباطنية. فالواقع أنّ دمع العين بمثابة صمام الأمان الذي يؤدّي إلى الإتزان الروحي للإنسان في الظروف الطارئة.
ويعتقد هؤلاء أنّ الحُسن الذاتي للبکاء هو السبب في بکاء يعقوب(عليه السلام)لسنوات على فراق ولده، کما بکى رسول الله(صلى الله عليه وآله) بشدّة على فقد ولده إبراهيم(2) والصحابي الجليل عثمان بن مظعون(3). کما بکى حين قتل جمع من أصحابه وکذلک في شهادة عمّه الحمزة وحث نساء المدينة على البکاء على الحمزة(4). وهذا ما جعل الزهراء(عليها السلام) تبکي رسول الله(صلى الله عليه وآله) ليل نهار(5) وبکاء زين العابدين(عليه السلام) لسنوات على أبيه الحسين(عليه السلام)(6).
ولکن مهما کانت آثار البکاء إيجابية في تنقية روح الإنسان وحتى تکامله ممّا لا يمکن انکاره، إلاّ أنّ هذا التحليل لايسعه أن يکون سر کل هذه التأکيدات من جانب الأئمّة(عليهم السلام) في البکاء على الإمام الحسين(عليه السلام) وذلک الثواب العظيم. فهذا التحليل خطأ فادح، ويدرک کل من تأمل الروايات الإسلامية أنّ هنالک هدفاً آخر.
________________________________________
1 . صد و پنجاه سال جوان بمانيد (بالفارسية)، ص134. 
2 . صحيح البخاري، کتاب الجنائز، ح1277 والکافي، ج3، ص 262. 
3 . الکافي، ج 5، ص 495; بحار الأنوار، ج 79، ص 91; مسند أحمد، ج 6، ص 43. 
4 . وسائل الشيعة، ج 2، ص 70; تاريخ الطبري، ج 2، ص 210. 
5 . بحار الأنوار، ج 43، ص 155-175. 
6 . بحار الأنوار، ج 44، ص 284.
 
 
2. نيل الثواب وشفاعة أهل البيت(عليهم السلام)
وعلى ضوء هذا التحليل فإن المسلمين يقيمون مجالس العزاء من أجل حصول الثواب ونيل شفاعة الأئمّة الأطهار(عليهم السلام). وضعف وخواء هذا التحليل واضح تماماً; ففرض الثواب على عمل هو فرع وجود حکمة ومصلحة في نفس ذلک العمل، فالعمل لا يختزن أي ثواب ما لم تکن فيه مصلحة وحکمة معقولة. والذي ننشده في هذا المبحث فلسفة إقامة العزاء، أي مصلحة العمل وحکمته. طبعاً الکلام عن الثواب في إطار معلولات الحکم لا علله، لا محل له في هذه المرحلة.
أضف إلى ذلک هل يمکن إثارة عواطف ملايين الأفراد وإبکائهم طيلة التاريخ لغرض تحصيل الثواب؟ ثم هل يسع هذا الوعد إثارة العواطف مالم يکن هنالک عشق وقلب مفعم بالحب والحماس(1)؟!
________________________________________
1 . للوقوف على المزيد راجع کتاب (حمالسه حسينى) بالفارسية (الملحمة الحسينية) للأستاذ الشهيد المطهري(رحمه الله)، ج 1 الفصل الثاني بحث عوامل التحريف.
  
3. شکر الإمام الحسين(عليه السلام)
يستند هذا التحليل إلى أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) ضحى بنفسه لتغفر ذنوب الأمّة، فالإمام کفّارة معاصي الأمّة. فهو نظير الاعتقاد الباطل لدى المسيحيين بأنّ المسيح(عليه السلام)صلب ليطهرهم من ذنوبهم. فالقائلون بهذا التحليل تمسکوا ببعض العبارات من قبيل «ياباب نجاة الأمّة» ليخلصوا إلى أنّ الحسين(عليه السلام) بنيله للشهادة کان سبباً لغفران ذنوب فسقة الأمّة وفجارها وبالتالي نجاتهم وفلاحهم. وبالمقابل فإنّ الأمة بإقامتها لمجالس العزاء إنّما تشکر الإمام وتستحق النجاة. وهذا التحليل لا ينسجم مع مبادئ الدين وأصوله المسلَّمة والذي جعل البعض يظن بأنّ الإمام الحسين(عليه السلام) منح بشهادته وولده الآخرين الأمان للشيعة من عذاب الله. بعبارة أخرى: إنّما قتل الإمام(عليه السلام) وصحبه ليکون الآخرون أحراراً في مقارفة ما شاءوا من الذنوب والمعاصي، وکأنّ التکليف ساقط عنهم.
هذا التفکير جعل البعض يعتقد بأنّ النجاة والعفو سيکون عاقبة کل من بکى على الإمام الحسين(عليه السلام) مهما غرق في الذنوب وإن لم يلتزم بضروريات الدين. وقد ترسخت هذه الفکرة الخاطئة حتى اخترقت أوساط السلاطين والجبابرة الظلمة الذين أرسوا دعائم حکوماتهم على أساس الظلم والجور وتلطخت أيديهم بدماء الأبرياء فأخذوا يقيمون مجالس العزاء أو ينخرطون في هيئات العزاء يلطمون صدورهم ليعتبروا ذلک من سبل النجاة! طبعاً ليس هنالک من أحد يسعه إنکار الشفاعة، لکنها تخضع لضوابط وشروط.
 
 

  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=377
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 12 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19