• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : عاشوراء .
                    • الموضوع : تاريخ إقامة العزاء على مظلومية الحسين(عليه السلام) .

تاريخ إقامة العزاء على مظلومية الحسين(عليه السلام)

 

 
تاريخ إقامة العزاء على مظلومية الحسين(عليه السلام)
 
کانت عظمة مصيبة ومظلومية خامس آل العباء بحيث اقترن اسمه دائماً بالنياحة والعزاء; کما اختلط اسمه بالتحرر والشجاعة والدفاع عن الدين والقيم الإسلامية. فقد عم مصابه جميع أهل القبلة، کما شق على حملة العرش وملائکة الأرض والسماء(1). وسنتابع تاريخ إقامة العزاء والبکاء على مظلومية سيد الشهداء(عليه السلام)بصورة  عابرة ـ من خلال ثلاثة أقسام: 
1. «وجَلّتْ وَعَظُمَتِ المصِيبةُ بِکَ عَلَينا وَعلَى جَمِيعِ أَهلِ الإِسلامِ وَجَلّتْ وَعظُمَتْ مُصِيبَتُکَ فِي السَّمـواتِ عَلَى جَمِيعِ أَهلِ السَّمـواتِ» (زيارة عاشوراء).
وکذلک ووردت في الزيارة الأولى المطلقة للإمام الحسين(عليه السلام) في (مفاتيح الجنان)، «واقشَعَرَّتْ لَهُ أَظِلَّةِ العَرشِ وَبَکى لَهُ جَمِيعُ الخَلائقِ وَبَکَتْ لَهُ السَّمـواتُ وَالأرضُونَ السَّبعِ».
 
1. البکاء على الحسين(عليه السلام) قبل ولادته
ورد في بعض الروايات أنّ بعض الأنبياء قبيل ولادة الإمام الحسين(عليه السلام) بآلاف السنين بکوا على مظلوميته لما اطلعوا على حادثة کربلاء ـ ففي الخبر أنّ جبرائيل لما علم آدم(عليه السلام)کلمات التوبة ودعاه بأولئک الخمسة کان يبکي حين يبلغ اسم الحسين(عليه السلام) وحين سأل جبرائيل عن السبب. أخبره بما يجري عليه من مصيبة وأنّه يقتل عطشاناً وغريباً، ثم أخبره بسائر المصائب التي تجري على أهل بيته (فَبَکى آدَمُ وَجِبْرَائِيلُ بُکاءَ الثَّکْلى)(1).
کما بکى موسى(عليه السلام) لما أخبره الله بمظلومية الإمام الحسين(عليه السلام) وسبي أهل بيته والطواف برؤوس الشهداء في المدن(2).
کما بکاه نبي الله زکريا(عليه السلام) وکان يخاطب الله بزوال همه وغمه بمحمّد وعلي وفاطمة والحسن(عليهم السلام) ولکن لا يکاد يذکر الحسين(عليه السلام) حتى تجري دموعه. فاطلعه الله على بعض مصائب الحسين(عليه السلام)، فلما سمع بذلک زکريا(عليه السلام) لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام ومنع فيهن الناس من الدخول عليه وأقبل على البکاء والنحيب وکان يرثيه: «إِلِهي أَتُفْجِعَ خَيْرَ جَمِيعِ خَلْقِکَ بِوَلَدِهِ...»(3).
وجاء في الخبر المروي عن أميرالمؤمنين(عليه السلام) أنّ عيسى(عليه السلام) مرّ بکربلاء ومعه الحواريون فبکى(عليه السلام) وبکى الحواريون. فسألوه يا روح الله ما يبکيک؟ قال: هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد(صلى الله عليه وآله) وفرخ الحرة البتول(عليها السلام)(4).
________________________________________
1 . بحار الأنوار، ج 44، ص 245. 
2 . معالي السبطين، ج1، ص 186. 
3 . الاحتجاج، ج2، ص 529. 
4 . بحار الأنوار، ج 44، ص 253.
 
2. البکاء على الحسين(عليه السلام) بعد الولادة
بکى الحسين(عليه السلام) منذ ولادته وما تبعها رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعلي(عليه السلام) وفاطمة الزهراء(عليها السلام)حين اطلعوا على عظم مظلوميته في المستقبل.
 
 
بکاء النبي(صلى الله عليه وآله)
نقرأ في الرواية: قالت أسماء: فلما کان بعد حول ولد الحسين(عليه السلام) وجاءني النبي(صلى الله عليه وآله)فقال: هلمّي ابني، فدفعته إلية في خرقة بيضاء فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى ووضعه في حجره وبکى، فقالت أسماء: فداک أبي وأمّي ممّ بکاؤک؟
قال: «من ابني هذا».
فقلت: إنّه ولد الساعة.
وقال: «تَقَتُلُهُ الْفِئَةُ الْباغِيَةُ مِنْ بَعْدِي، لا أَنالَهُمُ اللهُ شَفاعَتِي».
ثم قال: «يا أَسْماءُ لا تُخْبِرِي فاطِمَةَ بِهذا فَإِنَّها قَرِيبَةُ عَهْد بِوِلادَتِهِ»(1).
________________________________________
1. بحار الأنوار، ج23، ص 239; نقل هذا الحديث المرحوم الطبرسي في أعلام الورى بأعلام الهدى، ج1، ص427، وکذلک نقله الشيخ سليمان القندوزي الحنفي، في کتابه «ينابيع المودة»، ج2، ص 300. 
 
  
بکاء علي(عليه السلام) على الحسين(عليه السلام)
قال ابن عباس: کنت مع أمير المؤمنين في خروجه إلى صفين فلما نزل بنينوى قال بأعلى صوته: يا ابن عباس أتعرف هذا الموضع؟ قلت له: ما أعرفه. قال: لو عرفته کمعرفتي لم تکن تجوزه حتى تبکي کبکائي، قال فبکى طويلاً حتى اخظلت لحيته وسالت الدموع على صدره وبکينا معاً وهو يقول:
«أَوِّهِ أَوِّهِ مالِي وَلاِلِ أَبِي سُفْيانَ؟ مالِي وِلاِلِ حَرْب حِزْبِ الشَّيْطانِ؟ وَأَوْلِياءِ الْکُفْرِ؟ صَبْراً يا أَبا عَبْدِ اللهِ فَقَدْ لَقِىَ أَبُوک مِثْلَ الَّذِي تَلْقى مِنْهُم»( بحار الأنوار، ج44، ص 252 (باختصار)).
  
▲بکاء الزهراء(عليها السلام)
لما أخبر النبي(صلى الله عليه وآله) ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين وما يجري عليه من المحن بکت بکاءً شديداً وقالت: متى يکون ذلک؟
قال(صلى الله عليه وآله): في زمان خال منّي ومنک ومن علي. فاشتد بکاؤها وقالت: من يبکيه؟
فقال(صلى الله عليه وآله): نساء أمتي يبکين على نساء أهل بيتي ورجالهم يبکون على رجال أهل بيتي وبَين لها ثواب ذلک البکاء(بحار الأنوار، ج 44، ص 292 (باختصار)).
3. النوح والبکاء على الحسين(عليه السلام) بعد شهادته
وأخيراً وقعت تلک الحادثة المؤلمة التي أطلع عليها أولياء الله منذ البداية الخلقة. حقّاً إنّ الفاجعة التي قرحت القلوب قبل وقوعها وأجرت الدموع، حين وقعت يوم عاشوراء عام 61 ه خلقت حرارة في النفوس واقترنت بالمآتم والعزاء، إلى جانب الدروس العظيمة في مقارعة الظلم والظالمين من أجل حرية الإنسان وتحقيق الأهداف والدفاع عن الکرامة والاستماتة من أجل العقيدة، وبلغت الفاجعة درجة بحيث انطلقت مراسم العزاء والنوح والبکاء على الحسين(عليه السلام)وصحبه الأوفياء منذ يوم عاشوراء، وما زالت مستمرة وستتواصل ما بقى في الدنيا رمق من حياة، فقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله):
«إِنَّ لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ حَرارَةً فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لا تَبْرَدُ أَبَداً»( مستدرک الوسائل، ج 10، ص 318، ح 13).
ونستعرض هنا بعض نماذج البکاء والعزاء على الإمام الحسين(عليه السلام) بعد شهادته:
 
إقامة مراسم العزاء في دار يزيد
حين حملت السبايا إلى الکوفة والشام تغيرت أوضاع الشام بعد خطبتي الإمام زين العابدين(عليه السلام)وزينب الکبرى(عليها السلام) حيث خلقتا أجواءً مناهضة للجهاز الأموي الحاکم، فلم يجد يزيد بداً من إظهار الندم. وفي ظلّ هذه الظروف أقامت بنات الرسالة مراسم العزاء في الشام حتى اشترکت فيها نساء بني أمية واستمرت ثلاثة أيّام(«... فخرجن حتى دخلن دار يزيد فلم تبقى من آل معاوية امرأة إلا استقبلهنّ تبکي وتنوح على الحسين(عليه السلام)فأقاموا عليه المناحة ثلاثا» تاريخ الطبري، ج 4، ص 353، کما ورد هذا الحادث بصورة مفصلة في بحار الأنوار، ج 45، ص 142.
  
عزاء زوجة الإمام الحسين(عليه السلام)
جاء في الرواية عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّ زوجة الإمام الحسين(عليه السلام) (التي تدعى الرباب)(1) أقامت مراسم العزاء وشارکتها النسوة وخادماتهن(2).
________________________________________
1 . کتب المرحوم الشيخ المفيد إحدى زوجات الإمام الحسين (عليه السلام) هي الرباب بنت أمرء القيس الکلبي وهي أم سُکينة (عليها السلام) (الإرشاد، تاريخ حياة الإمام الحسين(عليه السلام) الباب 5، ص 491). 
2 . «لما قتل الحسين أقامت امرأته الکلبية عليه مأتماً و...» الکافي، ج 1، ص 466. 
 
▲مراسم العزاء عند الإمامين الباقر والصادق(عليهما السلام)
مرّ علينا سابقاً إقامة مراسم العزاء على الإمام الحسين(عليه السلام) عند الإمام الباقر(عليه السلام)(1)، وأمّا بشأن الإمام الصادق(عليه السلام) فأحياناً کان يدخل عليه بعض شعراء أهل البيت(عليهم السلام)فيطلب منهم رثاء سيد الشهداء(عليه السلام). کما کان(عليه السلام) يطلب من أهل البيت الجلوس خلف الستار لسماع الرثاء، وفي الواقع کانت تعقد مجالس من قبل خلص أهل البيت(عليهم السلام)لإقامة مراسم العزاء على سيد الشهداء(عليه السلام). وقد ذکرنا قصة أبي هارون المکفوف، وإليک نموذج آخر. قال عبد الله بن غالب دخلت على الإمام الصادق(عليه السلام) فرثيت الإمام الحسين(عليه السلام)فلما بلغت بيتاً سمعت صوت امرأة من خلف الستار صرخت باکية «يا أبتاه»(2).
________________________________________
1 . النموذج الآخر من العزاء عند الإمام الباقر (عليه السلام) الشعر الذي کان ينشده کميت الأسدي عند الإمام في رثاء شهداء کربلاء فکان (عليه السلام) يبکي ويسمع بکاء الخادمة من خلف الستار، وکان بعدها يدع للکميت. (بحار الأنوار، ج36، ص 390-391). 
2 . بحار الأنوار، ج 44، ص 286; والنموذج الآخر رثاء أبي عمارة عند الإمام الصادق(عليه السلام) وبکاء الإمام وأهل بيته (المصدر السابق، ص 282).
 
 
مراسم العزاء عند الإمام الرضا(عليه السلام)
حکى دعبل قال دخلت على الإمام الرضا(عليه السلام) أيّام العزاء فرأيته جالساً جلسة الحزين الکئيب وأصحابه من حوله فلما رآني قال لي: مرحباً بناصرنا بيده ولسانه. أجلسني إلى جانبه وقال لي: يا دعبل أحبّ أن تنشدني شعراً فإنّ هذه الأيّام أيّام حزن کانت علينا أهل البيت وأيّام سرور کانت على أعدائنا خصوصاً بني أمية. ثم ذکر ثواب البکاء والإبکاء على مصائب أهل البيت خصوصاً مصيبة الحسين(عليه السلام)(1). فأنشد دعبل:
أَفاطِمُ لَوْ خِلْتِ الْحُسَيْنَ مُجَدَّلا *** وَقَدْ ماتَ عَطْشاناً بِشَطِّ فُراتِ
 
إِذاً لَلَطَمْتِ الْخَدَّ فاطِمُ عِنْدَهُ *** وَأَجْرَيْتِ دَمْعَ الْعَيْنِ فِي الْوَجَناتِ
أَفاطِمُ قُومِي يَا ابْنَةَ الْخَيْرِ وَانْدُبِي *** نُجُومَ سَماوات بِأَرْضِ فَلاتِ
بَناتُ زِياد فِي الْقُصُورِ مَصُونَةٌ *** وَآلُ رَسُولِ اللهِ مُنْهَتِکاتِ
وَآلُ زِياد فِي الْحُصُونِ مَنِيعةٌ *** وَآلُ رَسُولِ اللهِ فِي الْفَلَواتِ
سَأَبْکِيهِمُ ما ذَرَّ فِي الاْرْضِ شارِقٌ *** وَنادى مُنادِي الْخَيْرِ لِلصَّلَواتِ
وَمَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَحانَ غُرُوبُها *** وَبِاللَّيْلِ أَبْکيهِمْ وَبِالْغَدَواتِ(2)
________________________________________
1 . «ثم إنّه نهض، وضرب ستراً بيننا وبين حرمه، وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبکوا على مصاب جدّهم الحسين (عليه السلام)...» (بحار الأنوار، ج 45، ص 257). 
s2. بحار الأنوار، ج45، ص 257 (باختصار).
 
 
مراسم العزاء عند قبور شهداء کربلاء
تفيد بعض التواريخ أنّ الشيعة کانوا يستغلون بعض المناسبات (حينما کانوا يرون الظروف ممهدة) ليقيموا مراسم العزاء عند قبر الحسين(عليه السلام) في کربلاء، وکان الأئمّة(عليهم السلام)يسرون ويشجعونهم على ذلک. على سبيل المثال: قال عبد الله بن حماد البصري قال الإمام الصادق(عليه السلام):
«بَلَغَنِي أَنَّ قَوماً يَأْتُونَهُ مِنْ نَواحِي الْکُوفَةِ وَناساً مِنْ غَيْرِهِمْ وَنِساءً يَنْدُبْنَهُ وَذلِکَ فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَمِنْ بَيْنِ قارِئ يَقْرَأُ وَقاصّ يَقُصُّ وَنادِب يَنْدُبُ وَقائِل يَقُولُ الْمَراثِي؟ فَقُلْتُ لَهُ: نَعَمْ جُعِلْتُ فِداک قَدْ شَهِدْتُ بَعْضَ ما تَصِفُ. فَقالَ(عليه السلام): اَلْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ فِي النّاسِ مَنْ يَفِدُ إِلَيْنا وَيَمْدَحُنا وَيَرْثِي لَنا وَجَعَلَ عَدُوَّنا مَنْ يُطْعِنُ عَلَيْهِمْ مِنْ قَرابَتِنا أَوْ غَيْرِهِمْ يَهْدِرُونَهُمْ ويُقَبِّحُونَ مَا يَصْنَعُونَ»(1).
وزبدة الکلام: تواصلت مراسم العزاء على الإمام الحسين(عليه السلام) وصحبه الميامين سيما في أيّام محرم وعاشوراء في الماضي والحاضر، حيث تقيمها شيعة آل البيت(عليهم السلام) في کافة أنحاء العالم بأساليب متنوعة وتذرف الدموع على مصاب الحسين(عليه السلام)وصحبه ضمن تخليدها لتلک التضحيات والبطولات. 
1 . بحار الأنوار، ج98، ص 74 نقلا عن کامل الزيارات، ص 325، باب 108، ح 1.
 
 

  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=379
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 12 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28