• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : مفاهيم .
                    • الموضوع : الكلمة الطيبة صدقة وحسنة .
                          • رقم العدد : العدد الواحد والعشرون .

الكلمة الطيبة صدقة وحسنة

الشيخ إبراهيم نايف السباعي

والحمد لله والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
الكلمة الطيبة هي الدواء المعالج لجميع أمراض الحقد والكراهية وسوء فهم الآخر، هي الأكسير الذي يقارب بين المتباعدين ويؤالف بين المتباغضين، بل العلاج الذي يتبعه الأنبياء ليداووا به خشونة الناس والدخول إلى قلوبهم بكل هدوء ومحبة وسكينة.
الكلمة الطيبة ليست كلمة نقولها ساعة وتنتهي مدة صلاحية تأثيرها، حيث إنها كلمة طيبة نقولها وفعل طيب نقوم به مع الآخرين فيدوم ويدوم، بل ويعطي النور ويغطي كل الظلام الذي قد يمرره الشيطان بيننا من تصرفاتنا مع بعضنا من خلال عادات أو طباع سيئة عشنا مدة فيها فأوصلتنا إلى اليأس وتظهر ذلك جلياً عن طريق الانحطاط في المجتمعات والانحراف بين أفراده وتسود بينهم مظاهر الغش والخداع...
الكلمة الطيبة هي مفتاح لأسماع القلوب، لأنها تدخل دون استئذان وبلا أدنى تحرز ويعطي الاهتمام والإنصات الكاملين التامين للإنسان.
الإنسان يتأثر عادة من طريقين إما بالقول أو بالفعل، لذا كان الحساب والعتاب من رب الأرباب عليهما جاء في قوله تعالى:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}([1]) فكانت الكلمة هي المؤثرة، من هنا لم يكن يقبل إسلام أحد إلا بالنطق بالشهادتين والتي هي أساس الإسلام إلا من عجز عنها فيعوض عن ذلك بما يقدر عليه لأنه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
الكلمة الطيبة صدقة وحسنة:
الكلمة الطيبة هي السر الأساس وأهم رابط من الروابط الاجتماعية التي تقارب بين أفراد المجتمعات الإنسانية وهي التي تميز بين مجتمع الإنسان ومجتمع الغاب، فمن خلال الكلمة الطيبة تتقارب الشعوب أو تتباعد وأجمل ما عبر عن ذلك قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}([2]) وقد ترجمها النبي| لعلي× عندما أرسله إلى اليمن قام النبي| فأوصاه قائلاً: "قرب ولا تبعد حبب ولا تبغض اجمع ولا تفرق سهل ولا تصعب"([3])، وقد جاء النبي | برسالة سهلة سمحاء.
مثَّل سبحانه وتعالى على الكلمة الطيبة بالشجرة لعدة مسائل منها: لأن الشجرة تتركب من جسم وجذور وأوراق وثمار وظل... : 
منها: أن الشجرة عطاء لا ينتهي ما دامت، وما دامت العناية والاهتمام بها حاصلين، فلا يأتي ثمر العطاء من الفراغ أبداً، بل من الكلمة والفعل الطيبين.
منها: عطاء الشجرة متنوع ومختلف ألوانه، ولذة للإنسان من اللون والطعم والرائحة.
منها: الثبات والاستمرار فالشجرة ستبقى ما دام الدوام، والإنسان سيستفيد ويتأثر بطعمها ورائحتها وكل أنواع الفوائد ما دام متجاوباً معها، وعلى المدى البعيد ومع دوام الاستمرار يحصل التفاعل وتعطي الكلمة الطيبة ثمرة محبوبة مرغوبة.
قصة صغيرة جميلة:
يروى أن عجوزاً مسلماً يعيش في مزرعة في منطقة نائية من مناطق إيران مع حفيده الصغير.
في كل صباح كان يستيقظ الجد باكراً، ويجلس على طاولة المطبخ ويقرأالقرآن الكريم.
حفيده الصغير كان يريد أن يصبح مثل جده لهذا كان يحاول تقليدهبكل طريقة ممكنة.
في أحد الأيام سأل الحفيد جده قائلا: جدي! أناأحاول أن اقرأ القرآن مثلك لكنني لم افهم كلماته لأن القرآن باللغة العربية وأنا أتكلم الفارسية, والذي افهمه أنساه وسرعان ما أغلقالكتاب، ما هي الفائدة المرجاة من قراءة القرآن.
قام الجد بهدوء ووضع الفحم فيالمدفئة ثم قال له: خذ سلة الفحم إلى النهر وأملأها بالماء.
قام الولد بعمل ماطلبه منه جده, لكن كل الماء تسرب من السلة قبل أن يصل عائدا إلى المنزل. ضحك الجدوقال: يجب عليك أن تكون اسر ع في المرة القادمة، ثم بعثه مرة أخرى إلى النهر مع السلة, ولكن مرة أخرى السلة فرغت قبل وصوله المنزل.
كان يتنفس لاهثا، وأخبر جده أنه منالمستحيل أن احمل الماء بهذه السلة, وذهب ليحضر دلواً بدلا منالسلة.
الرجل العجوز قال: أنا لا أريد دلواً من الماء, بل أريد سلة منالماء. أنت فقط لم تحاول بجهد كاف، ثم خرج ليشاهد الولد يحاول مرةأخرى.
في هذه الأثناء أدرك الولد أنها مهمة مستحيلة, لكنه أراد أنيثبت لجده انه حتى لو ركض بأسرع ما يستطيع فالماء سوف يتسرب قبل أن يصل عائداً إلىالمنزل. فقام الولد ورمى بالسلة في النهر وركض بسرعة وبجهد. ولكنه عندما وصل إلىالبيت وجد أن السلة فارغة مرة ثالثة.
فقال وهو يلهث, انظر جدي ...أنها غيرمجدية
أجاب الجد إذن أنت تظن أنها غير مجدية؟
انظر إلىالسلةنظر الولد إلى السلة وللمرة الأولى أدرك أن السلة مختلفة.كانت سلةمتسخة تنقل الفحم القديم والآن أصبحت نظيفة من الداخل والخارج.
بني،أجابه الجد: هذا ما يحصل عندما تقرأ القرآن. من الممكن أن لا تفهم شيئاً أو تتذكر أيشيء ولكن عندما تقرؤه مرة بعد مرة بعد مرة .سوف تتغير داخلياً وخارجياً هذا عمل اللهفي حياتنا .
إذن: الكلمة الطيبة إن خرجت طيبة فإن أثرها في قلوب المخاطبين والسامعين ثابت لن يزول ولو بعد حين، فهي تبقى كما ورد على لسان نبينا الكريم(ص): "من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر العامل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء".([4])
إذن: الكلمة الطيبة كالسنة الحسنة التي من يراها ويعمل بها لك ثوابه دون أن ينقص منه شيئاً.
الأعمال والأقوال توأم صدق:
الأقوال لها الأفضلية على الأفعال، لأن الأقوال لها الأسبقية ولها الأثر الأكبر من الفعل بنحو ما، حيث لا يخفى أن الأقوال تترجم بالأفعال وأن الثابت هو القول والمؤثر هو القول والذي يؤاخذ عليه القول ومن ثم الفعل، قال تعالى :{كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}([5])
لأن من يقول ولا يفعل يتصف بعدم المصداقية التي تطلبه البشر في معرض معاملاتهم ومحاوراتهم والتخاطب فيما بينهم، والكلمة الطيبة خاصة هي طريق طبيعي وسكة البشر التي خلقنا الله تعالى عليها فلا يصدر من البشر خطأ أو أذية إلا كان آثار الشيطان عليها ووسوساته، من هنا كان التنبيه والتحذير في القرآن الكريم دائم للإنسان بعدم الاستماع للشيطان وعدم الانصياع له لأنه لا يريد نصحاً للإنسان ولا مصلحته، قال تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى}([6])
الكلمة الطيبة والتبسم:
في كل يوم صباحاً يخرج أحدنا من بيته عابساً مكفهر الوجه مقطب الحاجبين ولا أدري لِمَ كل ذلك، مع وجود كمٌّ هائل من الأحاديث التي فيها حث على فعل المعروف ولو بطلاقة الوجه والبشر والتبسم في وجه من يلاقيه.
عالج النبي| هذه القضايا بطريقة الأحاديث الاجتماعية الجميلة فقال: "تبسمك في وجه أخيك صدقة لك"([7]).
وعليه فلو قام أحدنا صباحاً فليرسم على وجهه المكفهر ابتسامة جميلة تخدمه إلى آخر النهار، وليقل الكلام الطيب أدناه صباح الخير مرحبا بالعربي أو بغيره لأن ذلك يدخل السرور إلى قلب الناس وذلك في حد ذاته يعطي المجتمع والإنسان التفاؤل والفرح والسرور وينشر المحبة بين الناس.
ورد في فقه الإمام الرضا× : "واجتهد أن لا تلقى أخاً من أخوانك إلا تبسمت في وجهه وضحكت معه في مرضاة الله فإنه نروي عن أبي عبد الله× أنه قال: من ضحك في وجه أخيه المؤمن تواضعاً لله عز وجل أدخله الجنة([8]).
لعلنا لو طرحنا هذه المسألة بطريقة القرآن الكريم ـ وهي القصص ـ لفهمناها أسرع وتكون لنا أوضح.
هكذا الكلام الطيب يفعل بالناس، فإنه سحر يؤثر على كل الناس حتى على الظالم المستبد كفرعون، أنظروا إلى القرآن الكريم كيف أن الله تعالى عندما أمر موسى× بالذهاب إلى فرعون نبه موسى× بعدم النطق بالكلام القاسي لأن ذلك سيسيء إلى الرسالة وبعد الناس وقلة المؤمنين حتى ولو كان الشخص فرعون، حيث للكلام القاسي مردود سلبي وينتج ردة فعل عند السامع فيقوم بإقفال كل منافذ  السمع والإنصات، لذا أمر الله تعالى موسى× بأن يقول كلاماً طيباً.
قال تعالى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}([9])
 
الكلمة الطيبة حسنة:
الكلام الطيب يؤثر في الإنسان قائلاً كان أو سامعاً بل ومن يحيط بهما أو من يصل إليه، بل وله قدرة على إزالة الأوساخ من النفوس المريضة والضعيفة وبل له القدرة على تطهير القلوب من الأمراض وغسل الضغائن والأحقاد من قلوب الناس بشكل عجيب، وهذا ما كان يفعله النبي الأكرم | مع أصحابه وحتى أعدائه.
كلنا سمعنا وقرأنا قصة النبي| والجار اليهودي الذي كان يؤذيه ولا ينفك عن ذلك تارة بالكلام السيئ وأخرى برمي الأوساخ أمام بيت النبي| وقد حاول أصحاب النبي (رض) ضربه وطرده وحتى قتله، ولكن كان كلام النبي| واحداً:" ما لكم وللرجل، أنا خصمه وأنا أعالجه".
بقي النبي يعالج الرجل بالكلام الطيب والصبر الجميل حتى آمن الرجل بدين النبي | وكفر بدين اليهود.
والكلمة الطيبة كما ذكرنا تشبه الحسنة فالحسنات كما وردت في قوله تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}([10])  
فالكلام الطيب بشكل عام له تأثير ومفعول عجيب بل الإنسان يتفاعل معه بشكل كبير وينسجم مع كل واحدة من مفرداته، ولكن يحتاج إلى تكرار كما مرّ في قصة تكرار تلاوة القرآن إن لم ينفع في الأولى ففي الثانية وهكذا فالنصر في النهاية للكلام الطيب.
 الكلمة الطيبة جواز مرورإلى كل القلوب
على الكلمة الطيبة خاصة اعتمد الأنبياء والأوصياء^ ومن اتصل بحبل الله تعالى، استطاعوا كلهم أجمعون قيادة بني البشر منذ آدم × إلى نبينا محمد| بهذه الكلمة الطيبة السحرية العجيبة التي أوجدها الله تعالى كما أوجد باقي الخلق بكن فيكون، لأنها تجوز الفم إلى القلوب فتطرقه بهدوء وسكينة وبلطف ومحبة فيفتح لها حتى القلوب القاسية فتدخل لتستقر فيه، بل إنها تتفاعل معه ليصبح القاسي طيب ويصبح العاصي تائباً عائد خاضعاً لله تعالى، وفي التاريخ والسير الكثير من الشواهد على صحة ما أقول.
 
حقيقة الكلمة الطيبة:
 لا بد من شروط وأشياء تذكر فيها، فالكلمة الطيبة هي التي تسر السامع ويتآلف معها القلب ويستقر. وهي التي تحدث أثراً مهماً وطيباً في نفوس الآخرين، كالعبرة والحكمة أو القصة التي تترك أثراً مهماً في قلوب الناس، ولا بد من أن تنتج وتثمر عملاً صالحاً وبشكل دائم، وهي التي تفتح أمام الناس أبواب الخير، وتغلق أبواب الشر.

خصائـص الكلمـة الطيبـة
أنها جميلة رقيقة لا تؤذي المشاعر ولا تخدش النفوس، جميلة في اللفظ والمعنى
يشتاق إليها السامع ويطرب لها القلب، نتائجها مفيدة، وغايتها بناءة، ومنفعتها واضحة قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}([11])
الدعوة إلى الكلمة الطيبة في القرآن الكريم:
قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}([12])  
قالالله تعالى : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً}([13])
وقال سبحانه:-{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }([14])
 وقال سبحانه : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }([15])
الدعوة إلىالكلمة الطيبة في السنة النبوية
قال صلى الله عليه وآله وسلم: "اتقوا النار ولو بشقتمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة"([16])
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن العبد ليتكلمبالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاًيرفعه بها درجات" ……([17])
وقال|: "والكلمةالطيبة صدقة"([18])
وقال|: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"([19])
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " في الجنة غرفة يُـرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها" فقال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسول الله ؟ قال: " لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات والناس نيام"([20])
فوائـد الكلمـة الطيبـة
الكلمة الطيبة شعار لقائلها ودليل على طيب قائلها، الكلمة الطيبة تحول العدو إلى صديق بإذن الله، وتقلب الضغائن التي في القلوب إلى محبة ومودة تثمر عملاً صالحاً في كل وقت بإذن الله، تصعد إلى السماء فتفتح لها أبواب السماء، وتقبل بإذن الله: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ..}[21]
أنها من هداية الله وفضله للعباده، قال تعالى : {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}[22]
والكلمة الطيبة ثوابها ثواب الصدقة تطيب قلوب الآخرين، وتمسح دموع المحزونين، وتصلح بين المتباعدين.
مجالات الكلمة الطيبة
مجالات الكلمة الطيبة لا تعد ولا تحصى ما دمت تعيش فعليك بالكلمة الطيبة التي سوف تقربك من الناس وتقرب الناس منك وتبعدك عن الشر وتبعد الشر والشيطان عنك، فلا أعداء مع الكلمة الطيبة ولا وساوس مع الكلمة الطيبة، فالكلمة الطيبة كما ورد عن لقمان الحكيم× لابنه: " يا بني اتخذ ألف صديق وألف قليل، ولا تتخذ عدواً واحداً والواحد كثير"([23])
قال أمير المؤمنين× في ذلك شعراً:
عليك بإخوان الصفا فإنهم     عماد إذا استنجدتهم وظهور
وليس كثيراً ألف خل وصاحب    وإن عدواً واحداً لكثير([24])
 فبالكلمة تعادي وبالكلمة تصادق، من هنا إذا أردت سفراً موفقاً ومريحاً في أي وسيلة من وسائل النقل فلتكن الكلمة الطيبة رفيقك دربك الدائم.
وإن كنت داعية وعالم دين فعليك في اللقاءات العابرة وفي المجالس والعزائم والمناسبات بأنواعها بالكلمة الطيبة فهي الفاكهة التي لا ينساك من أكل منها، ولتكن على قاعدة من جربني مرة طلبني ألف مرة.  
في لحظات راحتك وفي مكتبك إن كنت تاجراً أو صاحب شركة، أو كنت في مطعم أو ناد أو مستشفى أو أي مكان تلتقي فيه بالناس لا تترك الكلمة الطيبة، بل وأجعلها جليستك الدائمة فإنها تسهل عليك تيسر عملك وتعجل لك بأملك.
هل أنت طالب في مدرسة؟ فاجعل الكلمة الطيبة كراسك في المدرسة والصف والمرافق الدائم لك فتعطيك الاحترام والحب والتقدير والدرجات العالية في كل مجالات النجاح.
إن كنت تسعى لنجاح على صعيد التجارة والمعاملات التجارية فعليك بحسن الأداء والطيب في الكلام فإنه ناجع ناجح.
أما في المسجد أو السوق أو الحسينيات أو الأماكن التي يكثر فيها الناس فعليك بالكلمة الطيبة والكلام المنمق الطيب فإنه يؤثر في القلوب كما تأثر السيوف في الأجساد تماماً من حيث ظهور الأثر وسرعته وعمقه.
الكلمة الطيبة في الميزان:
إن ليوم القيامة معنى خاصاً في نفس المؤمن، حيث هو يوم اللقاء الرباني الحقيقي؛ الذي سيأتي على المؤمن بالراحة الأبدية، التي لا تعب بعدها ولا نصب، بل هي دار الحيوان ضد الموتان التي ينتظرها المؤمن التقي الذي عانى ما عانى في الدنيا ولاقى ما لاقى.
لا تنطق يوم القيامة إلا الأعمال، فهي النافعة التي تأتي على العباد بالخير والفوائد، قال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}([25])
إذن هي الأعمال، والأعمال تختلف من حيث الشكل والمضمون، ومن حيث الوزن والمحتوى، وأهم عمل يستفيد منه المؤمن يوم القيامة حسن الخلق والكلام الطيب والعمل الطيب، وقد ورد عن النبي| الكثير من الأحاديث الدالة على هذا المعنى حتى أن النبي| حث عليها وأعتبرها هي المثقلة لميزان أعمال العباد يوم القيامة.
قال رسول الله|: "ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن..."([26])
وقارن النبي| بينها وبين الإيمان نفسه فاعتبر الأخلاق دالة على الإيمان وليس العكس، قال رسول الله|: "... قلت: أي الإيمان أفضل؟ قال|: خلق حسن..."([27])
وقال |: "ما يوضع في الميزان يوم القيامة أثقل من خلق حسن"([28])
خلاصة ما أريد قوله من أن الكلمة الطيبة تسهل وتيسر أعمالك مع العباد ويوم القيامة تثقل لك ميزان أعمالك، وهي ما أوصى بها رب العالمين الناس أجمعين.
من أراد الفوز بالرضوان يوم القيامة، والفوز بمحبة الناس في الدنيا، وعليه أن يلتزم بما أوصى به رب العالمين رسوله الأمين| بقوله: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}([29])
وقد أوصانا بها النبي الكريم| عندما قال: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم"([30]) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
 


[1] سورة ق، آية رقم: 18
[2] سورة إبراهيم، آية رقم:24.
[3] هذا بعض فيما أوصى به النبي(ص) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) حينما وجهه إلى اليمن.
[4]كتاب الكافي للكليني ج 5 ص 9، وكتاب الخصال ص 240، وكتاب تحف العقول ص 243. وكتاب روضة الطالبين (محي الدين النووي)ج 1 ص 73.
[5]سورة الصف، آية رقم: 3
[6]سورة طه، آية رقم:120
[7] كتاب سبل السلام للكحلاني ج 4 ص 168، وكتاب سنن الترمذي ج 3 ص 228
[8] كتاب جامع أحاديث الشيعة 15 ص 544
[9]سورة طه، آية رقم: 43 ـ 44
[10]سورة هود، آية رقم:114
[11]سورة إبراهيم، آية رقم: 24
[12]سورة النحل، آية رقم: 125
[13]سورة البقرة، آية رقم: 83
[14]سورة الإسراء، آية رقم: 53
[15]سورة فاطر، آية رقم: 10
[16]كتاب الرسالة السعدية ص 155، وكتاب هداية العباد ج 2 ص 209
[17]كتاب مسند أحمد ج 2 ص 334، وكتاب صحيح البخاري ج 7 ص 185
[18]كتاب جواهر الكلام ج 14 ص 112، وكتاب مصباح الفقيه ج 2 ص 707
[19]كتاب شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد ج 11 ص 189، وكتاب الموطأ ج 2 ص 929
[20]كتاب مجمع الزوائد(للهيثمي)ج2 ص 254، وكتاب فتح الباري ج 11 ص 10
[21]سورة فاطر، آية رقم: 10
[22]سورة الحج، آية رقم: 24
[23] كتاب أمالي الصدوق ص 766، وكتاب وسائل الشيعة ج 12 ص 16
[24] كتاب بحار الأنوار ج 13 ص 414، وكتاب جامع أحاديث الشيعة ج 16 ص 30
[25] سورة آل عمران، آية رقم: 30
[26] كتاب سنن الترمذي ج 3 ص 244، وكتاب السنن الكبرى للبيهقي ج 10 ص 193
[27] كتاب مجمع الزوائد ج 1 ص 54، ومثله كتاب مكارم الأخلاق لأبن أبي الدنيا ص 31
[28] كتاب فتح الباري ج 13 ص 450، وكتاب تحفة الأحوذي (المباركفوري) ج 9 ص 306
[29]سورة آل عمران، آية رقم: 159
[30]كتاب إرشاد الأذهان ج 1 ص 174، وكتاب كشف اللثام للفاضل الهندي ج 11 ص 533

  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=391
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 01 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29