• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : علماء .
                    • الموضوع : علماء قدوة .
                          • رقم العدد : العدد الثالث والعشرون .

علماء قدوة

  

علماء قدوة

اعداد : هيئة التحرير

 

الشيخ مرتضى الأنصاري(ره)

حياته كلها فكر، وكل ما يخرج عن الفكر والعقل فليس من حياة الشيخ في شيء. وادع الحديث عن علومه وتحقيقاته إلى الحديث عن زهده وخلقه، إن كل معمم يحفظ هذا الحديث الشريف: "العلماء ورثة الأنبياء" وميراث النبوة لا يكون ولن يكون إلا لمن تخلق بأخلاق الأنبياء، وسار بسيرتهم كالشيخ الأنصاري الذي قال ـ وهو الصدوق ـ : ما فعلت فعلاً، ولا قلت قولاً إلا لله.. أجل ، هكذا العالم الصادق في علمه ومعرفته يعبد الله في كل شيء يوافق إرادته عز وجل لا في الصوم والصلاة فحسب.

رآه طالب مبتدئ في الحضرة الشريفة ليلة القدر، فسأله:

أي العبادات أفضل في هذه الليلة المباركة؟

الشيخ: في أي كتاب تقرأ؟

الطالب: في ألفية ابن مالك

الشيخ: أفضل الأعمال أن تعود إلى غرفتك، وتطالع الألفية حتى يأخذك النعاس.

وعلينا أن ننظر إلى هذا الدرس كمبدأ يؤمن به المبتدئون في الدراسة والمنتهون منها على السواء، فيؤثرون العلم وممارسته على كل شيء، حتى على الركوع والسجود، والتهليل والتكبير، فإن الإقبال على الله بالعلم أعظم وأفضل من الإقبال عليه بالصلوات والمناجاة.

انتهت إليه رئاسة الإمامية العامة في شرق الأرض بعد وفاة الشيخ علي بن الشيخ جعفر، وصاحب الجواهر، وصار على كتبه ودراستها معوّل أهل العلم، حتى لم يبق أحد لم يستفد منها. وقد تخرج عليه أكثر الفحول مثل الميرزا الشيرازي والميرزا حبيب الله الرشتي، وعاش مع ذلك عيشة الفقراء المعدمين، متهالكاً في إنفاق كل ما يجلب إليه على المحاويج خصوصاً في السر غير مريد الظهور والمباهاة بجميع ذلك، حتى لم يبق لوارثه ما له ذكر قط.. وكان إذا سافر للزيارة يعادله في المحمل خادمه، وتحت كل منهما لحاف بطانته من الكرابيس الأخضر بلا ظهارة، ومعهما قدر صغير، موضوع في وسط المحمل لطبخ غذائهما.

الرئيس الأول للطائفة دون مزاحم ومعارض لا يرضى بلحافه أحوج المحاويج.. الرئيس الذي يملك الأموال والنفوس يصحب معه في سفره ركوة وقدر تماماً كما تفعل الدراويش.. ولماذا فعل ذلك؟ .. وهل له من تفسير إلا علمه وإيمانه بأن الحقوق شرعت لسد حاجة المعوزين، لا ليتنعم بها الرؤساء، والسادة العلماء وأبناء العلماء؟!.. هل من سبب إلا الإقتداء بأمير المؤمنين، ومواساة أضعف المستضعفين؟ ثم الشعور بالغبطة لهذا الاقتداء، وهذه المواساة.. هل من موجب إلا أنه النائب حقاً عن المعصوم الذي قرن الله طاعته بطاعته؟

بهذا العظيم وأمثاله صار للتشيع والشيعة كيان ووجود وتاريخ.. ومحال أن يكونوا شيئاً مذكوراً بين الأمم والطوائف إذا لم يكن لهم ـ الآن وبعد الآن وفي كل آن ـ مرجع أول كالشيخ الأنصاري.. وبأي شيء يعتزون ويظهرون إذا لم يكن فيهم من يمثل محمداً والمسيح؟؟

وبالتالي، فقد كان بإمكان الشيخ الأنصاري ـ وهو المفكر الغواص الذي يدعم كل كلمة يفوه بها بحجج تخرس الناطقين، وتفحم المعاندين ـ كان بإمكانه أن يحتكر لنفسه وولده ما يشاء من الأموال، ويبرر ما يفعل بألف دليل.. ودليل ولكنه ملاك لا شيطان يلبس الحق بالباطل، وعالم أمين، لا لص محتال يتستر بثوب العلماء والأمناء..

الآقا رضا الهمداني

ترجم السيد محسن الأمين في الجزء الثاني والثلاثين من أعيان الشيعة لأستاذه الآقا رضا الهمداني وكان قد حضر عليه وقال في وصفه:

كان زاهداً في الدنيا معرضاً عنها.. عاشرناه أمداً طويلاً، فلم نعثر منه على زلة، ولا صغيرة، وقد اعترف بذلك غيرنا ممن عاشره، وكانت صفات العلماء المخبتين، والزاهدين الورعين حقاً، لم تسمع في مجلسه غيبة من أحد، وإذا شعر من أحد الجالسين أنه يريد الخوض في ذلك صرف الحديث إلى جهة أخرى

وكان شديد التواضع، حتى مع أصغر التلاميذ والطلاب، واستمر على خلقه الكريم بعد أن انتهت إليه رئاسة العلم والدين، فكان وهو الرئيس ـ يشتري لوازم بيته بنفسه، ولا يكل ذلك إلى أحد، رأيته مرة واقفاً على القصاب ينتظر فراغه، ليعطيه اللحم، والقصاب مشغول بغيره من الزبائن.. فصحت بالقصاب، وقلت له: أعط الشيخ، فقال الشيخ: "ما يخالف" أي لا بأس.. ورأيته مرة يساوم على الحطب.. فقلت له: يا شيخنا كلف غيرك.. فقال: أنا لا أغير طريقتي، وكان رئيساً مقلداً.

كان يكره الشهرة، ويحب العزلة، ولا يرغب في أن يشيّعه أحد إذا سافر، ولا أن يمشي خلفه.. فكان يسير في الطريق وحده، ولا يحمل أمامه الضياء في الليل، كعادة كبار العلماء، وإذا رآه من لا يعرفه ظنه من بعض فقراء الطلبة.. وكنت أمشي معه يوماً، فاستقبله زائر، وقال له: هل تأخذ على صلاة، وتصلي بالأجرة؟ ولم يكن يعمل لنفسه دعاية، ولا يلتمس من يعمل له ذلك، ولا يتحدث بشيء يدل على تفوقه وتميزه.

هذا هو عالم أهل البيت عليهم السلام الذي طلب العلم وأذاعه لله لا للإتجار.. هذا هو العالم الذي يحب الإمام أن يرى مثله في شيعته.. هذا هو حجة الإسلام الذي يحتج به الله على عباده، ولا يحتج عليه بعلمه، لأنه من العاملين به.

والذي يوقفنا من الشيخ الهمداني موقف الدهشة والإكبار أنه عاش أمداً طويلاً يعاني الفقر والبؤس صابراً محتسباً، حتى إذا أقبلت عليه الدنيا، وألقت الأمور إليه بأزمتها بقي على ما كان من الزهد والتواضع، يقف على القصاب والخباز والحطاب، ولم يخطر له أبداً أن يعمل لتحسين أوضاعه المادية، ويؤمن مستقبل أولاده، ولا تفسير لهذه الظاهرة الغريبة عن المألوف والمعروف إلا أن هذا العظيم لم يكن له أي هدف إلا التقوى، ولا دافع إلا الدين، ولا سعادة عنده إلا في العلم والعمل، ومن هنا كان تلاميذه في التقوى والصلاح يوازون أصحاب الأنبياء والأوصياء، قال السيد محسن الأمين: استفدنا منه في الفقه والأصول، فضلاً عما استفدناه من أخلاقه وأطواره وسيرته العملية، فإن أنفع المواعظ بالأفعال لا بالأقوال.

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=447
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 01 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28