• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : علماء .
                    • الموضوع : علماء قدوة/المعاشرة الحسنة .
                          • رقم العدد : العدد الخامس والعشرون .

علماء قدوة/المعاشرة الحسنة

 علماء قدوة

المعاشرة الحسنة
نقل أحد الشخصيات العلمية الذي كان قد سافر إلى سوريا لزيارة السيدة زينب سلام اللّه عليها: انّه راى المرحوم السيد محسن الأمين صاحب (أعيان الشيعة) في سوق الحميدية بالشام، وهو في تشييع جنازة أحد علماء العامّة.
قال: فلحقته وسلمت عليه وصحبته حتى وصلنا إلى المسجد الأموي، فامتلأ المسجد بالمشيعين وتقدم السيد الأمين للصلاة عليه - بطلب من أولياء الميت - ولمّا أتمّ الصلاة ازدحم الناس عليه يحيّونه ويقبلون يديه.
فتعجبت من ذلك وسألت السيد قائلاً: أو ليس هؤلاء من العامة، فكيف طلبوا منك الصلاة على جنازة عالمهم؟
ثمّ كيف يقبّلون يديك وهم يعلمون بأنّك من علماء الشيعة وشخصياتهم؟
فأجاب السيد: إنّ ذلك كلّه نتيجة الرفق بهم والمداراة طوال عشرة سنين.
ثمّ واصل كلامه وقال: إني لما قدمت الشام أغرى بعض الجهال بي أشد المخالفين عليّ، ليؤذونني حتى إنّهم علّموا أطفالهم يرمونني في السوق بالحجارة، ويسحبون عمامتي من رأسي أحياناً من الخلف، فصبرت على ذلك، وقابلت مسائهم بالإحسان، وأذاهم بالغفران، وشيّعت جنائزهم، وعدت مرضاهم، وتفقدت غائبهم، وعاشرت حاضريهم بوجه منطلق، حتى تبدّل البغض حباً، والعداء ودّاً، والفرقة الفة وإنسجاماً.

 

تصحيح عقائد الغلاة
كان من دأب الميرزا الكبير، المجدّد الشيرازي (قدس سره) إكبار رجال الدين وتوقيرهم، واحترامهم والإحتفاء بهم جميعاً، وذات مرّة دخل عليه واحد من رجال الدين، فاحترمه الميرزا غاية الاحترام، وأظهر له من العناية والإقبال ما لم يظهره لأحد، لقد استقبله بحفاوة وشيّعه بإجلال كبير، مما سبب تعجّب الحاضرين وإستغرابهم، فسألوا الميرزا بعد ذلك عن السبب؟
فقال: احترمته لإخلاصه في دينه، ولواقعيّته وصدقه مع ربّه، ولقدرته النفسيّة العجيبة، انه كان زميلي في الدراسة الحوزويّة حتّى إذا أكمل السطوح والدروس العالية وبلغ درجة الاجتهاد، عزم على الرجوع إلى بلاده ليكون هناك مرجعاً في الإفتاء ومتصدّياً لمسائل الناس وأحكام دينهم، وفي طريقه إلى بلاده مرّ على منطقة كان يسكنها الغلاة القائلين باُلوهيّة الإمام أمير المؤمنين (ع) من نواحي (كرمانشاه)، ولمّا عرف الأمر وإطّلع عليهم، رأى أنّ واجبه إرشاد هؤلاء وتصحيح عقائدهم، وانّه مقدّم شرعاً على الذهاب إلى بلاده لإفتاء الناس وتصحيح فروعهم، فترك العودة إلى بلاده وبقي هناك، وبدأ عمله من المسجد، فقد قام فيه معلناً لأهل القرية: بأنّه معلّم، ومستعدّ ليعلّمهم الكتابة والقراءة بثمن زهيد لا يتجاوز سدّ رمقه.
فتكاثر عليه التلاميذ وأخذ يعلّمهم إضافة إلى القراءة والكتابة، أصول الإعتقاد وسائر الأمور الإسلاميّة وبقي هناك حتى ربّى جيلاً مؤمناً تحوّلت القرية على أثرهم إلى قرية شيعيّة، وصار أهلها شيعة بعد أن كانوا من الغلاة، وذلك على أثر تضحية هذا الرجل وتفانيه في سبيل اللّه، والإغضاء عن مصالحه ومآربه الشخصيّة، ولذلك فهو جدير بهذا الاحترام، ولائق بالتجليل والتقدير.

الإحسان مقابل الإساءة
حكي عن الميرزا الشيرازي (قدس سره)أيّام تواجده في سامراء بأنّ جماعة من أهالي سامراء غير الشيعة كانوا قد أغروا صغارهم وشبانهم لأذيّة الميرزا والشيعة، وتحمل الشيعة منهم الأذى بأمر الميرزا، وفي ذات يوم أراد أحد أولئك الشبان أن يتزوّج، فقال في نفسه: سوف أذهب إلى الميرزا وأطلب منه مؤونة الزواج فإن أعطاني شيئاً فهو، وإلا أذيته.
وبالفعل جاء إلى الميرزا وعرض عليه أمر زواجه ثم طالبه بمساعدة مالية.
فقال له الميرزا: وكم مصرف زواجك؟
قال الشاب بمبلغ ذلك اليوم: خمسون ليرة.
فأعطاه الميرزا المبلغ من دون مماكسة، فتعجبّ الشاب كثيراً وجاء إلى أبيه وحكى له القصّة، فتعجّب أبواه أيضاً وإنبهرا من مقابلة الميرزا إساءتهم بالإحسان، وأخذ يحكي القصّة لكلّ من يراه، حتّى انه حكى ذلك في ديوان أحد شيوخهم في سامرّاء، فتعجّب الجمع، وقالوا بكلمة واحدة: لا ينبغي إيذاء مثل هذا الرجل الكريم.

ثم قام جماعة من الشيوخ ومعهم القرآن الحكيم والسيف وأتوا إلى دار الميرزا وكان مثل هذا العمل عادة منهم لإظهار التوبة عند الكبراء، فلمّا إلتقوا بالميرزا قالوا له وهم نادمون معتذرون: انّ أولادنا آذوك ولم يحفظوا حرمتك، وقد جئناك معتذرين، فإن رأيت أن تغفر لنا وهذا القرآن نحلف به أن لا نعود إلى ما يسخطك عنّا أبداً، وإن رأيت أن تقتص منّا فهذا السيف خذه واقتص به منّا.
فأجابهم الميرزا بكل عطف وحنان قائلاً: لا بأس عليكم، انّ هؤلاء الشباب أولادي، وهل يقتص الأب من أولاده؟ ثم اني مطمئنّ بحسن جواركم، وطيب تعاملكم، فلا حاجة لشيء من الأمرين، فشكروا الميرزا على قبوله عذرهم وقاموا وخرجوا من عنده وهم فرحون مستبشرون، وصار هذا الصنيع من الميرزا سبباً من أسباب الألفة بين السنّة والشيعة، والإجلال والإكبار من الأهالي للميرزا وأصحابه.

وصدّق الأمين فقد كان صورة طبق الأصل عن أستاذه، كان يشتري ما يحتاج إليه بنفسه من سوق دمشق، ويحمله بيده أو في طرف جبهته، وهو الرئيس الأكبر، وكان أهل دمشق في أول الأمر يستغربون ذلك منه، ويلحون أن يقوموا عنه بكل حوائجه، فيأبى، ثم اعتادوا أنيروه واقفاً على الدكان، وحاملاً الخبز واللحم والبقول والخضار، كما كان أستاذه الهمداني فكان إذا التقى به أحدهم اكتفى بتقبيل يده أو ثوبه دون أن يتعارف معه ويسأله التخفيف عنه.. وقال السيد الأمين يحدث عن نفسه في كتاب الأعيان ج31 عند حديثه عن الشهيد الثاني؟ وتضطرني الحال، وأنا في سن الشيخوخة إلى شراء حوائجي من السوق بنفسي، وإلى غير ذلك من الأعمال البيتية ولا أزال وقد جاوزت ال 84 من عمري أزاول ذلك. 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=515
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 12 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28