• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : فكر .
                    • الموضوع : صفات المؤمنين .

صفات المؤمنين

 

 
 
صفات المؤمنين 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4)
وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلى‏ أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغى‏ وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7) وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ (8) وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (9)
أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (11
 
تبين هذه الآيات ابرز صفات المؤمنين و التي تمتاز بأنها سلوك متأصل في شخصيتهم، و ليست مجرد اعمال عارضة، و الفرق بين السلوك و العمل هو
1_ ان العمل يمارس حينا، و يترك حينا، بينما السلوك يبقى مستمرا مع اختلاف الظروف و الأحوال
2_ ان السلوك نابع عن قناعة فكرية، بينما العمل قد لا يكون كذلك، فانه يخضع لمختلف النيّات و العوامل النفسية، فلربما يصدر من شخص عمل ما في وقتين، و لكن بنيتين متناقضتين، فالصلاة تكون مرة عبادة للّه و مرة اخرى رئاء الناس
اما الصفات المثلى التي يتحلى بها المؤمنون فهي
 1_ الخشوع و هو الايمان حقا. 
   2_ الاعراض عن اللغو  
 3_ العطاء (الزكاة
 4_ تحديد الشهوات
  5_ رعاية الأمانات و العهود
 6_ المحافظة على الفرائض و الحدود 
و لا شك ان هذه الصفات سوف تنتهي بصاحبها الى جنة الفردوس بفضل اللّه.
الخشوع للّه
و الخشوع هو جذوة الايمان التي تلتهب في القلب، و ينتشر شعاعها الى سائر أنحاء السلوك، فالإيمان حقيقة هو الخشوع الذي يعني تسليم النفس الى ارادة اللّه من خلال الالتزام برسالته، و اطاعة أوليائه، فقد يصبح الإنسان عالما بشي‏ء و لكنه لا يؤمن به. إذ الايمان ليس مجرد العلم، بل المؤمن هو الذي تسلم نفسه للمعرفة، و تخشع للحق.
و النفس الخاشعة لا تتكبر، لأنه لو وجد في قلب الإنسان و لو بمقدار حبة الخردل فانه سيمنع الخشوع، كما ان النفس الخاشعة ابعد ما تكون عن القساوة، لأن  القساوة تجعل النفس كالصخرة، لا ينبت عليها الزرع، و لا تستقبل أمواج النور
اذن الخشوع هي الصّفة الاساسية التي يتحلى بها المؤمنون، بل هو الايمان ذاته
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ ان فلاح المؤمنين، و نيلهم سعادتهم يكون بتأديتهم الصلاة بخشوع، لان الخشوع يتجلى عند الصلاة أكثر من أيّ وقت آخر، و لهذا كان الامام الحسن (ع) إذا توضأ لها اصفر لونه، و تغيّرت ملامحه حتى ينكره الذي يعرفه، و قد أمر الدين بالخشوع القلبي دون الظاهري في الصلاة
فقد جاء في الأثر عن رسول اللّه (ص) انه قال ما زاد خشوع الجسد على ما في القلب فهو عندنا نفاق
و نهى الدين عن العبث أثناء الصلاة لأنه يتنافى و خشوع القلب
قال أمير المؤمنين (ع  ليخشع الرجل في صلاته، فانه من خشع قلبه للّه عز و جل خشعت جوارحه، فلا يعبث بشي‏ء نور الثقلين ج 3 ص 528
 
2_ الاعراض عن اللغو
لان القلب المؤمن خاشع فهو يعي مسؤوليته، أو ليس يسلّم للحق، و يعرف أنه سيسأل عن كل صغيرة و كبيرة، و يحاسب عليها، و يعلم أن الحياة جدّ، لا عبث فيها، و لا لغوا بينما الذي لا يعرف ان وراء حياته جزاء، و انه يجب ان يكيف حياته على هدى ذلك الجزاء، فانه يتخذ الحياة لهوا و لعبا
وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ الذي يكون لديه مريض في حالة خطيرة لو مر على جماعة يلعبون فهل سيقف معهم؟ كلا .. و هكذا حال المؤمن فانّ قلبه مهموم بأهدافه و مسئولياته في الحياة، مما يجعله يترفع عن صغائرها و توافهها. و حتى لو جاءه اللغو يسعى فانه لا يعيره أي اهتمام، و لا يقول القرآن عنهم: انهم لا يفتشون عن اللغو، بل قال «عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ» اي لو حاول أحد ان يؤثر عليهم، فهم لا يتأثرون به و بلغوه.
و قد فسر اللغو في كلمات أئمة أهل البيت (ع) بالاصغاء الى ما لا يحل الإصغاء له، مما يشمل الفحش، و الغيبة، و الخوض في آيات اللّه
و جاء في حديث مأثور عن أبي عبد اللّه الصادق (ع) في تفسير الآية ان يتقول الرجل عليك بالباطل، أو يأتيك بما ليس فيك فتعرض عنه اللّه
و جاء في حديث آخر تفسير اللغو بالغناء، و الملاهي، و فسر في حديث آخر بالاستماع الى القصّاص، اما الامام أمير المؤمنين (ع) فيقول كل قول ليس فيه للّه ذكر فهو لغو  المصدر ص (529
هذه المعاني مصاديق ذلك المفهوم العام
 
3_ العطاء
وَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ و الزكاة التي يذكرها القرآن هنا، ليست مجرد العشر الذي يعطيه المسلم على تسعة أشياء هي الغلاة الأربع، و الانعام الثلاث، و النقدين، و انما كل زكاة، و زكاة كل شي‏ء بحسبه، فزكاة العلم نشره، و زكاة الجاه بذله، و زكاة المال إنفاقه، و زكاة الصحة النشاط
ان نظرة المؤمنين الى الحياة تنبع من خشوعهم للحق المتمثل في رسالات ربهم، فلأنهم خاشعون للّه يعملون بشرائعه، و يشكرون ربهم على نعمائه بالإنفاق، لأنهم يرون كل نعمة منه، و كلمة «فاعلون» تختلف عن معطون. إذ توحي باستمرار الإنفاق، و انه سلوك لا حالة طارئة، اي ان فعلهم و عملهم هو الزكاة، و الواقع ان الزكاة قرينة الصلاة في القرآن دائما، و لا تقبل الصلاة الا بها، و قد أكد الإسلام عليها، و
جاء في الحديث عن الامام الصادق (ع  من منع قيراطا من الزكاة فليس هو بمؤمن، و لا مسلم، و لا كرامة  المصدر ص (529
 4_ تحديد و توجيه الشهوات
لقد خلق اللّه الإنسان مزوّدا بشتى الغرائز، و ليس ذلك الا ليستفيد منها، و لكن بالشكل المناسب، و المؤمنون وحدهم الذين يستثمرونها لصالحهم، لأنهم يهيمنون على أنفسهم، و يكبحون جماح الشهوات بالخشوع و التسليم للحق
وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ و قد يعني الحفظ هنا بالاضافة للالتزام بالشريعة، و توجيه الغريزة وفقها، الحفاظ على فرج الإنسان من الناحية الصحية أيضا، و ذلك بعدم الإفراط في الشهوة، و الالتزام بالمنافذ الشرعية لها.
إِلَّا عَلى‏ أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ
 اي غير مؤاخذين عند اللّه، لأنهم يصرفون شهواتهم في محلها المناسب، و لعل في الآية اشارة الى خطأ الابتعاد كليّا عن الشهوات، و ان وساوس الشيطان هي التي تزرع اللوم في افئدة البعض إذا ما رسوا الشهوات بقدرها، و على المؤمن الا يأبه بها
فَمَنِ ابْتَغى‏ وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ
 الذين يستحقون الجزاء في الدنيا بالحدود الشرعية، و في الآخرة بالعذاب المهين
 و العادي أو المعتدي: الذي يتجاوز الحدود
وفي الآية بيان فساد كل استغلال للشهوة في غير موردها مثل استثارة الشهوة بالنظر الى الاجنبية، و الصورة الخليعة، و الأفلام الجنسية، أو باستماع قصص الغرام
اما الشذوذ الجنسي، و العادة السرية (الاستمناء)، و نكاح البهائم، فان الآية تنطق بحرمتها صراحة.
وجاء في الحديث: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام ابعد ما يكون العبد من اللّه إذا كان همه فرجه و بطنه
و عنه أيضا تحل الفروج بثلاثة وجوه: نكاح بميراث، و نكاح بلا ميراث، و نكاح بملك يمين  المصدر ص 530/ 531.
 
 5_ أداء الأمانات و العهود
و علاقات المؤمنين مع الناس قائمة على أساس الالتزام و المسؤولية، و ليس اللامبالاة، فاذا أخذوا شيئا من أحد تحول في نظرهم الى كرامة، تتضرر شخصيتهم لو لم يردوه إليهم، و أكثر من هذا الوازع يدفعهم لرده الخشوع و الايمان خوفا من اللّه
دافع انساني و دافع ديني، لذلك يرعون الامانة و العهد
والعهد و الامانة هما شي‏ء واحد، فالإنسان مسؤول امام الآخرين فيما يأخذ و فيما يقول
وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ و التعبير في هذه الآية دقيق جدا حيث استخدم القرآن كلمة «راعون» فلم يقل: ردوا الامانة و ذلك لسببين
الاول: حتى تشمل الكلمتين العهد و الامانة، فالعهد لا يرد لأنه شي‏ء معنوي لا مادي
الثاني: كلمة «راعون» أدق حتى في موضوع الأمانة من كلمة (الرد) إذ تبين حرص المؤمنين على أموال الآخرين، فليس همهم ان ترد الامانة بأية صورة، و انما يظلّون يرعونها و يحافظون عليها ربما أكثر من ممتلكاتهم الشخصية حتى تسلم الى صاحبها، بينما نجد ان أكثر الناس يكون حفاظهم على ممتلكاتهم الشخصية أشد من ممتلكات غيرهم.
و هكذا يرعون العهد بالثبات عليه، و تأكيد الالتزام به، و من أعظم العهود التي يرعاها المؤمنون حق رعايتها، عهد الولاية. حيث يؤدونها الى أهلها، و قد جاء في أحاديث آل البيت- عليهم السّلام- تفسير العهد بالولاية.
 
 6_ المحافظة على الفرائض و الحدود
بعد تبيان هذه المجموعة من الصفات يذكرنا القرآن باهمية المحافظة على الصلاة، و ربما تختلف الصلاة التي يذكرها في أول الصفات عن هذه التي في آخرها، فبينما الخشوع في الصلاة يعني في ذات الصلاة، و هو أصل الايمان و حقيقته، اما المحافظة على الصلاة فهي المحافظة على حدودها، و هذا يوضح ما للصلاة من انعكاس على جميع أبعاد الحياة لدى الفرد، فأيّ انحراف في ايّ بعد يؤثر على صلاته، و هكذا تعني المحافظة عليها الالتزام بسائر الحدود الشرعية، و المؤمنون لا يتهاونون في الأحكام الشرعية بحدودها، و شرائطها، باسم جوهرها. فلا يتركون الصلاة مثلا بحجة ان الخشوع هو الأصل فيها، فاذا تحقق فلا أهمية للركوع و السجود، كما يتصور ذلك بعض المتصوفة، إذ تراهم لا يحترمون الحدود الشرعية بزعم انها وسائل للوصول الى الحق، و انهم يصلون اليه عبر وسائل اخرى، و انهم إذا بلغوا الحق و اتصلوا به سقطت عنهم التكاليف لان اللّه يقول: «وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» و هم- في زعمهم- قد أوتوا اليقين.
كلا .. المؤمنون حقا هم المحافظون على حدود الصلاة، و لكنهم لا يلتزمون بالحدود فقط بعيدا عن جوهر الصلاة، و سائر العبادات، فهم من جهة في صلاتهم خاشعون مراعون لجوهرها، و هم من جهة اخرى على صلواتهم يحافظون، و يراعون حدودها
 7_ وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ
وممّا يلفت النظر أنّ أوّل صفة للمؤمنين كانت الخشوع في الصلاة، و آخرها المحافظة عليها، بدأت بالصلاة و انتهت به. لماذا؟ لأنّ الصلاة أهمّ رابطة بين الخالق و المخلوق، و أغنى مدرسة للتربية الإنسانية
الصلاة وسيلة ليقظة الإنسان و خير وقاية من الذنوب
والخلاصة، إنّ الصلاة إن أقيمت على وفق آدابها اللازمة، أصبحت أرضية أمينة لأعمال الخير جميعا
و جدير بالذكر إلى أنّ الآيتين الأولى و الأخيرة تضمنّت كلّ واحدة منها  موضوعا يختلف عن الآخر، فالآية الأولى تضمّنت الصلاة بصورة مفردة، و الأخيرة بصورة جماعية. الأولى تضمنّت الخشوع و التوجّه الباطني إلى اللّه. هذا الخشوع الذي يعتبر جوهر الصلاة، لأنّ له تأثيرا في جميع أعضاء جسم الإنسان، و الآية الأخيرة أشارت إلى آداب و شروط صحّة الصلاة من حيث الزمان و المكان و العدد، فأوضحت للمؤمنين الحقيقيين ضرورة مراعاة هذه الآداب و الشروط في صلاتهم.
وراثة الفردوس
الفردوس»- على قول- هي مفردة رومية. و ذهب آخرون إلى أنّها عربية، و قيل فارسية بمعنى «البستان». أو بستان خاص اجتمعت فيه جميع تسميتها بالجنّة العالية، و أفضل البساتين
ويمكن أن تكون عبارة «يرثون» إشارة إلى نيل المؤمنين لها دون تعب مثلما يحصل الوارث الإرث دون تعب. و صحيح أنّ الإنسان يبذل جهودا واسعة و يضحي بوقته و يسلب راحته في بناء ذاته و التقرّب إلى اللّه، إلّا أنّ هذا الجزاء الجميل أكثر بكثير من قدر هذه الأعمال البسيطة، و كأنّ المؤمن ينال الفردوس دون تعب و مشقّة
أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ و لهذه الآية معنيان
الأول: ما جاء في الأحاديث من ان لكل إنسان بيتين. أحدهما في الجنة، و الآخر في النار، فمن أصبح من أهل النار ورث المتقون بيته في الجنة،
فقد روي عن النبي (ص ما منكم من أحد الا له منزلان، منزل في الجنة، و منزل في النار، فان مات و دخل النار، ورث أهل الجنة منزله المصدر ص 532
الثاني: انهم يرثون الفردوس و هي أعلى مراتب الجنة من دون عمل يذكر، الا انتسابه للجنة، كالذي يرث مال أبيه لا بعمله و كده، بل لانتسابه اليه
و اللّه سبحانه و تعالى يريد من الإنسان ان يتصل بسبب الى الجنة، حتى إذا مات ورثها
الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ
 

  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=527
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 03 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28