• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : فكر .
                    • الموضوع : النتاج البشري لفهم الإسلام: التداعيات بين الحرفية والمقاصد الجوهرية .
                          • رقم العدد : العدد الثامن والعشرون .

النتاج البشري لفهم الإسلام: التداعيات بين الحرفية والمقاصد الجوهرية

  

 النتاج البشري لفهم الإسلام: التداعيات بين الحرفية والمقاصد الجوهرية

 

الشيخ علي سليم سليم

يظلم الإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله‘ لإنقاذ البشرية من الوثنية، والوحشية، عندما يقدم للعالم بالصورة التي تقدم على أنها الإسلام .(الوهابية التكفيرية نموذجا)والأشد ظلماً ان ينسب إلى الإسلام بسلوك لا علاقة له بالإسلام خصوصاً عندما يتصدى بعض منهم للإفتاء وإدعاء أن الإسلام هو هذا الذي أفهمه ومن يخالف فهمي فهو كافر أو مرتد، فحصرية هذا الفهم البشري هي التي جلبت المصائب على الإسلام منذ ما قبل ابن تيمية الذي جعلته السلطة المملوكية "شيخ الإسلام"، وإلى الآن.

 كيف يكون ذلك، وقد شرع باب الاجتهاد للمؤهلين له ليفهموا أن القرآن يفسر بعضه بعضاً، والإسلام منظومة متكاملة تحتاج إلى إعمال العقل، وضم النقل إليه، ليظهر أنه دين الحياة المواكب لكل الأزمنة من دون أي إخلال بالثوابت والكليات الأساسية التي تحفظ للإسلام مرونته أما الفرعيات وآليات تطبيقها فلن تعجز فقيه.

وأود الإضاءة على من فهموا الإسلام بشكل متزن فنقول:

"لما كانت الحقائق التي يمكن أن يعلمها الإنسان كثيرة.. وقضت الحكمة أن يبين الشارع للناس ما يجب عليهم أن يؤمنوا به في سبيل الحصول على السعادة وذلك عند التحقيق يرجع إلى الأصول التي اشتركت فيها الأديان السماوية جميعها، من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

وقد اتفق العلماء على أن الدليل العقلي الذي سلمت مقدماته، وانتهت في أحكامها إلى الحسن أو الضرورة يفيد ذلك اليقين ويحقق الإيمان المطلوب.

أما الأدلة النقلية فقد ذهب أكثر العلماء إلى أنها لا تفيد اليقين، ولا تحصّل الإيمان المطلوب، ولا تثبت بها وحدها عقيدة، وقالوا: وذلك مجال واسع لاحتمالات كثيرة تحول دون هذا الاثبات، والذين ذهبوا إلى أن الدليل النقلي يفيد اليقين ويثبت العقيدة شرطوا فيه أن يكون قطعياً في صدوره، قطعياً في دلالته، ومعنى كونه قطعياً في وروده ألا يكون هناك أية شبهة في ثبوته عن الرسول ‘، وذلك إنما يكون في المتواتر فقط.

ومعنى كونه قطعياً في دلالته أن يكون نصاً محكماً في معناه، وذلك إنما يكون في ما لا يحتمل التأويل.

من هنا نستطيع أن نقرر أن العلميات التي وردت بطريق قطعي، ولكن لابسها احتمال في الدلالة فاختلف فيها العلماء، ليست من العقائد التي يكلفنا بها الدين، والتي تعتبر حداً بين الذين يؤمنون والذين لا يؤمنون!

وإنك لتجد كثيراً من هذا النوع في كتب التوحيد إلى جانب العقائد التي كلفنا الله أن نؤمن بها، فهي تذكر إلى جانب الايمان بوجود الله ووحدانيته وبالرسل واليوم الآخر مسائل: رؤية الله بالأبصار، وزيادة الصفات على الذات، ومرتكب الكبيرة، وما يكون آخر الزمان من ظهور المهدي والدجال والدابة والدخان ونزول عيسى وما إلى ذلك. والتاريخ العلمي يدل على أن هذه المسائل جر إليها البحث في العقائد حين تعددت الفرق وكثرت الآراء والمذاهب الكلامية، فكانت محل اجتهاد بين العلماء، كل يرى رأيه فيها، ويدلي بحجته عليها، ملتمساً الوصول إلى ما يلائم في نظره العقيدة المتفق عليها، فالمسلمون جميعاً قد اتفقوا على أن الله تعالى منزه عن كل نقص ومتصف بكل كمال، فهذه عقيدة قاطعة لا يختلف فيها عالم مع عالم..

فأنت ترى أن هؤلاء جميعاً لم يختلفوا في الأصل الذي كلفنا الله الإيمان به، وهو تنزيه الله تعالى عن النقص ووصفه بالكمال ولكنهم اختلفوا في أشياء: هل هي نقص فلا يتصف الله بها، أو ليست بنقص فيتصف بها، وقد ذكرت كتب التوحيد ما اتفقوا عليه وما اختلفوا فيه، وأوردت الأدلة النقلية التي استدل بها كل على ما يرى.

 وهو خلاف كخلاف الفقهاء في أحكام الفروع التي لم يرد فيها نص قاطع محكم، خلاف لا يصح أن يرمى أحد فيه بأنه حاد عن الصراط المستقيم، أو ضل، أو فسق، أو أنكر مسألة من مسائل الدين...

ولكن عصور التعصب المذهبي العنيف حملت للمسلمين تراثاً بغيضاً من التراشق بالتهم وبالترامي بالفسوق والضلال، فتبادل الفقهاء ـ أصحاب الفروع ـ نوعاً من التهم، وتبادل المتكلمون ـ أصحاب العقائد ـ مثل ذلك وتلقف المخدوعون من الخلف هذه التهم وملأوا بها كتبهم، وأسرفوا في الاعتداد بها حتى جعلوها مقياس ما يقبل من الآراء أو يرفض.

ونتيجة هذا كله أن القول بأن كذا عقيدة يجب الإيمان بها لأن ظاهر الآية أو المروي من الحديث يدل عليه، أو لأنه مذكور في كتب التوحيد ـ كل ذلك قول من لا يفهم معنى (العقيدة) ولا يعرف أساسها التي تبنى عليه.

فالطريق الوحيد لثبوت العقائد هو القرآن الكريم، وذلك فيما إذا كان من آياته قطعي الدلالة... أما ما كان غير قطعي الدلالة، يحتمل أكثر من معنى، فهذا لا يصلح أن يتخذ دليلاً على عقيدة يحكم على منكرها بأنه كافر، وذلك كالآيات التي استدل بها بعض العلماء على رؤية الله بالأبصار في الدار الآخرة: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}يونس/26 ، حيث فسروا الزيادة بأنها رؤية الله، و{إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون}المطففين/22و23، حيث قالوا: إن السياق يجعل المنظور إليه هو الله تعالى، و{وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة}القيامة/22و23، ولم يسلم لهم آخرون من العلماء فهمهم فيها، بل نفوا الرؤية المذكورة بآية أخرى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}([1])الأنعام/103.

وهناك نموذجا من نماذج الإسلام المتمثل بالأزهر الشريف، والإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت هو أحد علمائه الكبار الذي شغل منصب شيخ الأزهر، بما يمثله هذا المنصب

من تأثير في العالم الإسلامي السني، انعكس إيجاباً على مستوى العلاقة مع مرجعية النجف الأشرف، وفي الحد الأدنى لم تكن هناك علاقة صدامية أو متشنجة.

وشخصية الشيخ شلتوت شخصية جامعة مقبولة في الأوساط الإسلامية وشخصية معتدلة تنبذ التطرف، وقد قام بمهمة تقريبية توحيدية عندما اعترف بالمذهب الشيعي الجعفري كأحد المذاهب الإسلامية الخمسة التي يجوز التعبد بها.

 

 هذا الاعتراف قد شكل اللبنة الأولى في أساس الوحدة الإسلامية التي دعا إليها الإمام الخميني(قده) في ما بات يعرف بأسبوع الوحدة الإسلامية بمناسبة ولادة الرسول الأعظم‘.

 كذلك صدرت سنة 2005 وثيقة رسمية وهي "رسالة عمان"  أقرت في اجتماع واسع للعلماء المسلمين من كل المذاهب ، واقرها شيخ الأزهر وآية الله السيد علي السيستاني معاً وتنص على "ان كل من يتبع احد المذاهب الأربعة من أهل السنة والجماعة ( الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي) والمذهب الجعفري والمذهب الزيدي والمذهب الأباضي والمذهب الظاهري فهو مسلم ولا يجوز تكفيره ويحرم دمه وعرضه وماله ".وينطبق ذلك على " الأشعرية والصوفية والسلفية الصحيحة "وكل فئات المسلمين الملتزمة أركان الإسلام الخمسة وأركان الإيمان .([2])

إذا أردنا تحقيق الوحدة بين الجميع ينبغي أن نعترف رسمياً بالمذاهب الإسلامية كفروع لهذا الدين الحنيف، ومن أجل مصالحنا ومصالح العالم الإسلامي يجب أن نكون متحدين ونبتعد عن الخلاف والفرقة.

وفي هذا الإطار من المناسب جداً الدعوة لإحياء نهج الشيخ شلتوت والشيخ محمد عبده، والإمام الخميني ونبذ الذين لوثوا سمعة الإسلام الأصيل وأساءوا إلى الرسول ‘ باسم الإسلام.

وإذا كان الشيخ محمود شلتوت من العلماء المتنورين الواعين المدركين لأهمية وحدة الكلمة وجمع الصف الإسلامي بكل تلاوينه ومذاهبه التي تغني بتنوع الآراء والأفكار والابتكار والتطوير وعدم الجمود الحرفي في النصوص، وإعطاء الاجتهاد مداه في خدمة الإسلام والمسلمين.

فإذا كان الشيخ من هذا المستوى فإن الإمام الخميني يعتبر رائد الوحدة الإسلامية في العصر الحديث، وهذا ما سنسهب بالحديث عنه  في ما يأتي.

ومن المفيد ذكر نبذة عن حياة الإمام الراحل الخميني(ره)؟

هو روح الله بن مصطفى بن أحمد الموسوي الخميني.

ولد روح الله في 24 سبتمبر عام 1902م في مدينة خمين من قرى أصفهان.

كان والده السيد مصطفى الخميني أحد علماء الدين الشيعة، حيث درس علوم الفقه في النجف لعدة سنوات، وعاد بعدها إلى مدينة خمين، وعندما كان في طريقه إلى خمين في منطقة آراك اعترضه مسلحون أطلقوا النار عليه وأردوه قتيلاً، وكان عمر روح الله إذ ذاك خمسة أشهر.

أصل العائلة:

هاجر أجداد الإمام الخميني من موطنهم الأصلي، نيشابور الواقعة في الشمال الشرقي في إيران إلى مملكة أوده الواقعة في شمال الهند والتي كان يحكمها حاكم شيعي من أصول فارسية.

وقد كانت دولة أوده تجذب علماء الفارسية من المهندسين والفقهاء والشعراء وغيرهم من العلماء.

استقرت العائلة المهاجرة في قرية صغيرة تدعى كنتور قريبة من العاصمة لكناو، وجد الخميني هو السيد أحمد الموسوي الهندي ولد في كنتور، وكان معاصراً لآية الله حامد حسين الكنتوري اللكهنوي وبسبب الانتشار البريطاني في الهند أضطر السيد أحمد لمغادرة الهند عام 1830 م إلى مدينة النجف في العراق حيث مرقد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بلا رجعة.

وفي سنة 1834م غادر السيد أحمد النجف الأشرف ليتجه إلى فارس ليستقر عام 1839م في مدينة خمين.

تزوج في خمين لاحقاً فأنجب ثلاثة أبناء وثلاث بنات، وأحدهم كان السيد مصطفى والد الإمام الخميني، وتزوج السيد مصطفى نحو 1882م من هاجر آغا خانم بنت آغا ميرزا أحمد وهو من مدينة خوانسار وكان أحد أولادهم السيد روح الله الخميني الذي سيقود أعظم ثورة بتاريخ إيران.

 بدأ روح الله بدراسة القرآن الكريم وهو في السادسة من عمره، وقد أهتم الخميني بالدراسات الدينية وارتياد الحوزات العلمية، حيث هاجر في العام 1919م إلى آراك ليدرس في حوزتها.

وكان من الرجال العظام في تاريخ إيران، توفي في 3 حزيران سنة 1989م الموافق 24 شوال من سنة 1368هـ.ق. ودفن في طهران، حضر جنازته ما يقارب تسعة ملايين شخص، حيث كان أكبر تشييع عرفته إيران ذاك الوقت، وله ضريح معروف بالقرب من مقبرة جنة الزهراء.

الإمام الخميني ظاهرة هزت كل شيء.. التاريخ والوجدان.. دخل فجأة ليصوغ العالم من جديد، ويعيد تركيب المفاهيم في كل مجالات الحياة..

لهذا كان مدوياً في ظهوره، وكان مدوياً في غيابه، فهو الغائب الحاضر والشاهد الشهيد والإنسان الإلهي.. الإنسان الذي صاغه الإسلام وقدمه إلى العالم.

ففي زمن يلفه الضباب.. في زمن يعربد فيه الشيطان، وفي زمن تولول فيه رياح عاتية، وهي تجوس المدن الخائفة.. وبدا الإنسان مستسلماً.. إذا بالأرض تهتز وتربو وتنجب روح الله.. وإذا بالعالم يرنو إلى وجه مشرق يحمل شارات الأنبياء.. وعندما أشرق بدأ عصر الزوابع.. لأن الخميني بدأ وكأنه قادم من أعماق التاريخ.. تاريخ الرسالات الإلهية.. كان بشارة هذا العصر..

أية روح ينطوي عليها روح الله الخميني؟! أية روح هي روحك الكبيرة؟ حتى يرفض قبرك صمت المقابر.. وحتى يدوي صمتك الآن بلغة مدهشة هي أبلغ من كل أبجديات الدنيا.([3])

قاد الإمام الخميني(ره) ثورة الشعب الإيراني على حكم الشاه الدكتاتوري على مدى عقدين من الزمن، قدم فيها الشعب الإيراني تضحيات جليلة.

وبفعل تلك التضحيات، ولد أهم إنجاز، بقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تعتبر نموذجاً فريداً وباهراً ..

 وقد راهن الأعداء على فشل هذه التجربة، لكنها نجحت بكل المقاييس وصمدت أمام التحديات من الحرب المدمرة إلى العقوبات الظالمة وأصبحت في مصاف الدول القادرة على إثبات نفسها بقدراتها الذاتية. حتى غدت نموذج الدولة المستقلة في المنطقة.

في مقابل بعض الدول المرتهنة للقوى الكبرى، الذي انتهج منهجاً سلبياً خارج المنطق وخارج التاريخ، مخالفاً لكل مبادئ الإنسانية، تحركه ضغائن وإحن وأحقاد، وعصبية موروثة من جاهلية الصحاري الغابرة.

قال الإمام (قدس سره): بعض المسلمين شيعة وبعضهم سنة، وهذا حنفي وذلك حنبلي والآخر إخباري، في الواقع إن طرح هذه الأمور ليس صحيحاً، ولا يجب أن نشير إلى أمور كهذه في ظل مجتمع يسعى جميع أفراده لخدمة الإسلام وعزته، فالجميع إخوة في الدين، والفرق الوحيد بينهم هو أن البعض عمل بفتوى معينة فصار حنفياً، والآخر شافعياً، والثالث شيعياً، وهذا كله ليس مسوغاً للاختلاف.( اين المصدر؟)

وفي بيان في موسم الحج سنة 1979م عام إنتصار الثورة الإسلامية، وفي وقت ذروة الانتصار تجد كلاماً حكيماً يدعو إلى وحدة الصف والكلمة: يجب على الأخوة الإيرانيين والشيعة من بقية البلدان، إجتناب الممارسات الجاهلية التي تقود إلى زرع التفرقة بين صفوف المسلمين، والامتناع عن إقامة صلاة الجماعة في المنازل.. والامتناع بنحو مؤكد عن الارتماء على القبور المطهرة.

معروف أن الدولة العثمانية كانت على مذهب واحد أو تقبل بعض المذاهب الإسلامية، لكنها كانت ترفض مذهب الشيعة وتعاقب عليه بالقتل الشنيع وتلاحق أتباعه وتمارس في حقهم أبشع الممارسات الظالمة، ومع ذلك يقول(قده): في الزمن العثماني، وحيث كانت للمسلمين حكومة قوية تقريباً، كانت قوة تحارب اليابان أو الاتحاد السوفياتي أحياناً وتنتصر عليهم، مع ذلك فلخوف الاجانب من هذه الوحدة، فإنهم عندما انتصروا في العالمية الأولى، قطعوا الحكومة العثمانية أرباً إرباً وعينوا شخصاً على كل قطعة، وسعوا لإيجاد العداوة بين الحكومات لأنهم كانوا يعلمون إذا اتحد المسلمون مع هذه الثروات، وهذا العدد الضخم، فلن يبقى نصيب لأمريكا والغرب، وربما كان المسلمون يهددونهم، ولذلك فإنهم جعلوا الحكومات خصماء مع بعضها وكان الرؤساء مأمورين من قبلهم.([4])

وفي معرض بيانه الأعداء الحقيقين للإسلام قال (قده):

على المسلمين المشاركين في المواقف الكريمة من أية ملة ومذهب، أن يعلموا جيداً أن العدو الأصلي للإسلام والقرآن والنبي العظيم‘ هو القوى العظمى خصوصاً أمريكا، ووليدتها غير الشرعية إسرائيل الطامعة بالدول الإسلامية، وهي لا تتورع من أجل نهب ثرواتها عن ممارسة أية جريمة.. ففي موسم الحج قد يوجد أشخاص أمثال المعممين المرتبطين بهم، يدفعونهم إلى إيجاد الفتنة بين الشيعة والسنة، ويظلون يلحون على هذه الظاهرة الشيطانية حتى يصدقهم بعض البسطاء من الناس مما يؤدي إلى التفرقة والفساد. فيجب أن يكون الأخوة والأخوات من الفريقين يقظين لهذه اللعبة الخبيثة، وليعلموا أن المرتزقة عمي القلوب يحاولون باسم الإسلام والقرآن المجيد وسنة النبي أن يجتثوا جذور الإسلام والقرآن والسنة بين المسلمين.([5])

الإسلام دين الدولة في إيران، على أساس المذهب الجعفري الأثني عشري، وهذا ما لايمنع أتباع المذاهب الأخرى من حقوقهم، والعمل وفق قناعاتهم، والالتزام بأحوالهم الشخصية، هذا الاختلاف هو جزء من الحرية الفردية في الاختيار، والتي يؤمن بها الإسلام.

وقد سأل المحاور الفرنسي الإمام الخميني(قده) في نوفل لوشاتو في باريس، قبل انتصار الثورة الإسلامية بقوله: أشرتم في نداءاتكم إلى أن الجمهورية الإسلامية ستكون ديمقراطية، وكل من فيها سيكون حراً، فهل يمكن ذلك في ظل نظام يقتصر فقط على عقيدة واحدة، وماذا سيكون مصير غير المسلمين وغير المعتقدين بالدين في هذا النظام؟

فأجابه: "الديمقراطية في الإسلام، والناس فيه أحرار في إظهار عقائدهم طالما أنهم لا يتآمرون على النظام، ولم يبرزوا القضايا التي تضلل الشباب الإيراني..

إن الإسلام منح الحرية للأقليات الدينية أكثر من أي دين وأي مذهب، وعلى هؤلاء أيضاً الاستفادة من حقوقهم الطبيعية التي منحها الله تعالى لكافة البشر نحن نحافظ على هؤلاء بأفضل وجه.. الشيوعيون كذلك أحرار في إبداء آرائهم..

ولممثل الفاتيكان تحدث الإمام عن نظرة الإسلام إلى الرسالات السماوية التي كانت محترمة دائماً في ظل الدولة الإسلامية.. وإن الوفاق بين الأديان الموحدة الكبرى أمر ضروري لتحقيق التقدم للبشر.

وعند استقباله أعضاء الطائفة اليهودية في إيران في قم المقدسة، قال: "وأما الطائفة اليهودية، وسائر الطوائف الموجودة في إيران، وهي من هذا الشعب، فإن الإسلام يتعامل معهم كما يتعامل مع بقية طوائف هذا الشعب، إن الإسلام لا يجيز الإجحاف بحقهم أبداً، ولا محاربتهم في معيشتهم، فهذا مخالف لأصل التربية الإسلامية.."

كما جاء في الدستور هذا الحق الذي كفل لجميع المذاهب الإسلامية بحرية ممارسة شعائرهم وفقاً لمذاهبهم، ولحرية التعليم الديني والأحوال الشخصية طبقاً لمذاهبهم.([6])

 

عن الوحدة الإسلامية:

يتوقف فهم حقيقة "الوحدة الإسلامية" على اليقين بأن النواصب ليسوا من الأمة وحيث إن النصب يقوم في غالبه على اعتماد مغالطات ابن تيمية وشبهاته تمس الحاجة إلى  معرفة آراء  كبار علماء الأمة من اهل السنة  بهذاالخصوص وهذا بعضها:

قال المحقق أبو الحسن السبكي في مطلع رسالته (الدرة المضية في الرد على ابن تيمية) ما نصه:

"أما بعد، فإنه لما أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد، ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد، بعد أن كان مستتراً بتبعية الكتاب والسنة، مظهراً أنه داع إلى الحق، هاد إلى الجنة، فخرج عن الأتباع إلى الابتداع، وشذ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع وقال بما يقتضي الجسمية والتركيب (قال في كتاب شرح حديث النزول: "إذا جلس تبارك وتعالى على الكرسي سمع له أطيط الرحل الجديد)  وهو تصريح بالتجسيم في الذات المقدسة ، وأن الأفتقار إلى الجزء ليس بمحال، وقال بحلول الحوادث بذات الله تعالى، وأنه يتكلم ويسكت ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات، فقال بحوادث لا أول لها، فأثبت الصفة القديمة حادثة، والمخلوق الحادث قديماً، ولم يجمع أحد هذين القولين في ملة من الملل ولا نحلة من النحل فلم يدخل في فرقة من الفرق الثلاثة والسبعين التي افترقت عليها الأمة.. وكل ذلك ـ وإن كان كفراً شنيعاً ـ قليل بالنسبة إلى ما أحدث في الفروع فإن متلقي الأصول عنه، وفاهم ذلك منه، هم الأقلون، والداعي إليه من أصحابه هم الأرذلون وإذا حومقوا في ذلك أنكروه وفروا منه، كما يفرون من المكروه...

ومما قاله أبن حجر العسقلاني في (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة): "واقتضى له (ابن تيمية) ذلك العجب بنفسه حتى زها على أبناء جنسه وأستشعر أنه مجتهد، فصار يرد على صغير العلماء وكبيرهم، قويهم وحديثهم.. وقال في حق علي: أخطأ في سبعة عشر شيئاً!! ثم خالف فيها نص الكتاب، منها اعتداد المتوفى عنها زوجها أطول الأجلين.

وكان لتعصبه لمذهب الحنابلة يقع في الأشاعرة، حتى أنه سب الغزالي فقام عليه قوم كادوا يقتلونه..وأطلق ابن تيمية إلى الشام، وافترق الناس فيه شيعاً، فمنهم من نسبه إلى التجسيم لما ذكر في العقيدة الحموية والواسطية وغيرهما، من ذلك كقوله إن اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقية لله، وإنه مستوٍ على العرش بذاته.. ومنهم من ينسبه إلى الزندقة لقوله إن النبي ‘ لا يستغاث به، وإن في ذلك تنقيصاً من تعظيم النبي‘ .. ومنهم من ينسبه إلى النفاق لقوله في علي ما تقدم.. وإنه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها، وإنما قاتل للرياسة لا للديانة، ولقوله أنه كان يحب الرياسة.. ولقوله أبو بكر أسلم شيخاً يدري ما يقول وعلي أسلم صبياً والصبي لا يصح إسلامه.. فألزموه بالنفاق لقوله ‘: (ولا يبغضك إلا منافق..)([7])

 وهذا غيض من فيض من أفكار ابن تيمية وعقائده المتشابهة كثيراً مع اليهودية.

والكثيرون من علماء السنة ينكرون عليه بشدة، فقد عارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وأنكر ما تكلم به، عندما قال: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر، فقامت العامة إليه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتى سقطت عمامته.. وهذا ما رواه ابن بطوطة حيث قال: وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع، وصدّر ابن بطوطة الفقرة التي ترجم فيها لابن تيمية بعنوان "الفقيه ذو اللوثة"، ثم قال: وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيمية، كبير الشام يتكلم في الفنون إلا أن في عقله شيئاً".

أجل إن هذه الأفكار كما قلنا لم تأت من عدم، بل لها جذورها، ساهم في تجذيرها فقهاء المسلمين، وساعدت الأنظمة السياسية كذلك في إنشاء إسلام جديد لا علاقة له بصحيح الإسلام، خصوصاً في مجال فهم الحلال والحرام، والكفر والإيمان، والجهاد والحرب، ومصادر الفقيه والتشريع والحقوق والواجبات.. والعقوبات والحدود.. ووجدت المنظمات الإرهابية فكان ضالتها ،العنف أمراً مشروعاً، والذبح سنة والممارسات الوحشية جهاداً ووضعت عقوبات"إسلامية" و"حدوداً" كما يروق لها، وشرعت أساليب وحشية جديدة لتنفيذ العقوبات، وجعلت كل شيء حراماً باستثناء ما تراه، كل ذلك اعتماداً على أحاديث ضعيفة وأقوال وخرافات.

فالأمر يتعلق بموروث تاريخي وسياق مجتمعي  عمره مئات السنين ،شاءت الظروف ان يتكشف على شكل ممارسة تطبيقية في عصرنا .

هذه الظاهرة أدت إلى نشوء تيار يدعو إلى الإلحاد نتيجة ما يحصل من جرائم باسم الإسلام واستنادا إلى القران والسنة النبوية .

كما أن هناك دعوات إلى إعادة النظر في قانون العقوبات الإسلامي والبحث في احتمال أن يكون قانونا تاريخيا لا يصلح تطبيقه في هذا العصر، والبحث في إمكانية اعتبار بعض الآيات الواردة في القران الكريم جزءا من "الخطاب التاريخي"والدعوة إلى استهداء روح النص ومقاصد الشريعة، وأيضاً إلى إعادة قراءة الأمور بذهنية جديدة للنهوض بالواقع الحالي والدعوة إلى تصحيح المناهج الحوزوية، وإعادة تدريس الأديان بطريقة معرفية بحثية، من دون الاقتصار على التلقين الديني المذهبي الذي لا يحتمل معه النقاش والسؤال، وصور للطالب انه يستحوذ الحقيقة كاملة، ومراجعة التراث الإسلامي وإخضاعه للدراسة، وتطبيق المنهج التاريخي على النصوص الدينية ومراجعة آليات النص أو تقديم قراءة تاريخية له ..([8])( 8 )

ولا يخفى ما تحمله هذه الدعوات من  التشكيك ، ومن التحامل على ما هو ديني ، وان كنت مع القراءة الجديدة ..

وعلى أي حال هذا موكول إلى المراجع الدينية العليا للنظر فيها بمعزل عن صوابية هذه الدعوات وعدمها .. كما انه ينبغي التأكيد على أن الاجتهاد لا يتنافى مع القراءة الجديدة والتصحيح والنهوض بالواقع الحالي .

والذي يدعو إلى العجب أن بعض الكتّاب، لا يرى عدواً له في الدنيا سوى "ولاية الفقيه"

والحكم باسم الله، ووصمها بالاستبداد، والشمولية" لكننا لم نر قلمه الحر كتب ولو لمرة واحدة عن الحرية والعدالة التي تنعم بها المملكة السعودية!! وأكثر من ذلك فهو يحمل

 المؤسسات الفقهية الإسلامية السنية والشيعية أوزار "داعش" وإن هذا التنظيم لم يقم بتنفيذ أي حكم من تلك التي رآها العالم تجاه الأسرى أو المختلفين دينياً.. إلا وكان مستنداً إلى نص ديني سواء كان من القرآن نفسه أو من السنة النبوية.

كما أن سطوة الأحكام الداعشية كشفت كم أن باب الاجتهاد في مسيرة الإسلام شبه مغلق، إن لم يكن مغلقا تماماً، من دون فرق بين المؤسسة الفقهية في المجال السني وفي المجال الشيعي.([9])

إن المساواة بين هذين النهجين ، هو ظلم وتجهيل أو جهل، لأن التكفيريين وهابيين أو سواهم ليسوا من المجتهدين الذين يعرفون كيف يستنبطون الأحكام من القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، ولا يعرفون كيف يطبقونها، إلا بشكل حرفي متحجر صحراوي. بينما الفقهاء خصوصاً في المؤسسة الفقهية الشيعية  فتحت أبواب الاجتهاد مذ غاب الإمام المهدي(عج)، ومن لا يعرف ذلك بإمكانه المراجعة في هذا الشأن، لا ان يتكلم بلا علم !

يحق لنا  أن نقارن بين مؤسّيسي دولتين أحدهما يشفق على اليهود وكأن هناك مشكلة مع اليهود كديانة! أو كأن الآتين من جهات أربع الأرض إلى فلسطين أتوا إليها بصفة سائحين!.

قال مؤسس المملكة العربية السعودية: "بسم الله الرحمن الرحيم.. أنا السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن آل الفيصل آل سعود أقر واعترف ألف مرة لسير برسي كوكس، مندوب بريطانيا التي لا أخرج عن رأيها حتى تصيح الساعة..! هذا التعهد الخطي كتبه أثناء التوقيع على معاهدة العقير لترسم الحدود بين كل من المملكة السعودية والعراق والكويت في 2 من كانون الأول 1922م ، ذكر هذا التعهد جون فليبي في كتابه (الرسالة) مشيراً إلى أنه هدد سنة 1952م ([10]) وتحت عنوان: عبد الإنكليز.. عن نشأة مملكة آل سعود قال الكاتب جعفر البكلي: طأطأ سلطان نجد عبد العزيز آل سعود رأسه أمام المندوب السامي البريطاني في العراق بيرسي كوكس، وتهدج صوته، ثم أخذ يتوسل بمذلة قائلاً: "جنابك أنت أبوي وأنت أمي وأنا مستحيل أن أنسى فضلك عليّ، انتو اللي سويتوني.. إنتو اللي رفعتوني وشلتوني وأنا مستعد بإشارة منك أتنازل لك هالحين عن نص مملكتي.. لا والله أتنازل عن كل مملكتي إذا جنابك تأمرني."

كان هذا كل ما استطاعه السلطان عبد العزيز آل سعود من رد على توبيخ ضابط بريطاني له أثناء اجتماعهما في مؤتمر العقير سنة 1922م والذي تم فيه رسم الحدود بين سلطنة نجد ومملكة العراق ومشيخة الكويت، وكان سبب التوبيخ أن الجنرال كوكس قرر انتزاع مناطق من بادية السماوة وإلحاقها بالعراق متجاهلاً مطالبة ابن سعود بها ، فلما ابدى الاخير اعتراضا على ما اعتبره اجحافا لحق بحدود مملكته، ناله من مندوب التاج البريطاني تقريع استوجب من سلطان نجد أن يرد عليه بالتوسل والضراعة.

ولقد دون محضر ذلك الاجتماع، بما جرى من توبيخ ومن توسلات، في وثائق رسمية كتبها الوكيل وأرسلها إلى وزارة الخارجية في لندن هارولد ديكسون السياسي البريطاني في البحرين يوم 26 تشرين الثاني 1922م([11])

بينما نجد الإمام الخميني مؤسسة الجمهورية الإسلامية في إيران يرفع القضية الفلسطينية إلى مستوى قضية الأمة العربية والإسلامية: "إن قضية القدس ليست قضية شخصية، وليست مختصة بدولة معينة لوحدها، ولا تخص المسلمين المعاصرين، بل هي قضية تخص جميع الموحدين والمؤمنين في جميع العصور الماضية والحالية والقادمة..."([12])

أما اليهود الذين حدت الشفقة بهم حد إعطائهم فلسطين قال الإمام: "الصهاينة ليسوا يهوداً، إننا نفصل بين اليهود وبين الصهاينة، فالصهيونية لا علاقة لها باليهودية لأن تعاليم موسى عليه السلام تعاليم إلهية قيمة... وذكر القرآن تاريخ موسى مع فرعون ومواجهة طغيانه بهؤلاء المؤمنين به من الناس العاديين بمواجهة كل المستكبرين.. وهذا مخالف تماماً للمشروع الصهيوني".([13])

وقال: "أيها الناس أيها العالم! اعلموا أن شعبنا يعارض التحالف مع إسرائيل، فإن ديننا يقضي أن لا نتفق مع عدو الإسلام، ويقضي قرآننا أن لا نتحالف مع عدو الإسلام مقابل جبهة المسلمين.."([14])

وعندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران ألغى السفارة الإسرائيلية في طهران وجعلها سفارة فلسطين ورفع علم فلسطين عليها، وألغى كل العقود والاتفاقيات التي أبرمها الشاه مع الكيان الصهيوني، وجعل آخر جمعة من شهر رمضان يوم القدس العالمي تأكيدا منه على أهمية هذه القضية الأم.

وعندما سئل الإمام: "ماذا ترون في إعطاء الزكاة وسهم الإمام إلى المجاهدين الأبطال الذين يحاربون العدو في جبهات القتال وميادين الشرف تحت قيادة حركة فتح؟

أجاب: من المؤكد أن ذلك أمر مناسب، بل من الواجب تخصيص جزء كاف من الحقوق الشرعية من قبيل الزكاوات وسهم الإمام لهؤلاء المجاهدين في سبيل الله، ممن يقفون في جبهات التضحية والفداء للقضاء على عدوة البشرية الصهيونية الكافرة، وممن يهدفون إلى أحياء أمجاد الإسلام وإعادة العزة والشرف إليه، وإحياء التاريخ الإسلامي المجيد، على كل مسلم مؤمن بالله واليوم الآخر توظيف جميع طاقاته في هذا السبيل، لينال في النهاية إحدى الحسنيين، إما الشهادة أو النصر..([15])

 

الحركة الوهابية:

هكذا عرفها أتباعها، إنها حركة إصلاحية قامت على أساس تنقية التوحيد مما علق به من رذائل الشرك، وكان ميدان هذه الدعوة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب منطقة شبه الجزيرة العربية، وكما هو معروف قد تم الاتفاق بينه وبين محمد بن سعود على تقاسم النفوذ والغنائم على أن تكون الزعامة الدينية للشيخ والزعامة السياسية والزمنية لابن سعود. أسست على إثرها الدولة السعودية الأولى سنة 1744م في الدرعية بعد معارك ضارية مع حكام المناطق وبعض الأمراء الآخرين، وانتهت بسقوطها على يد القوات المصرية بقيادة إبراهيم باشا سنة 1818م.

واجهت دعوة محمد بن عبد الوهاب العديد من الانتقادات في البدايات، لكنها لم تتمكن من الحد من أعماله ودعوته، وحديثاً ألف العديد من الكتب تنتقد دعوته وتصف مذهبه بالتشدد، وأصبح أتباعه يوصفون بالوهابية، على الرغم من رفضهم لهذه التسمية بحجة أن دعوته لا تختلف عن المذهب الحنبلي.مع انهم يطلقون التسميات التي تحلو لهم على غيرهم من باب النبز والذم.

وأكثر هذه المؤلفات تصف الوهابية بتشويه الإسلام وخطرها عليه من كتّاب علماء السنة، وقد أحصى ما يزيد على ثمانين مؤلفاً، بعضها موسوعات([16])، كذلك لم ير الأوربيون في الأعمال الوحشية التي ترتكب باسم الإسلام إلا أنها من تعليمات الإسلام نفسه، فأصبح الإسلام بنظرهم ديناً عنفياً في بنيته وتعليماته.([17])

والوهابية معادية لكل أشكال العقلنة الدينية، أو حتى الصوفية وقد أحرز هذا التيار نجاحاً كبيراً بسبب معارضته للإمبراطورية العثمانية..

كما أن الثروة البترولية للملكة ساهمت في نشر هذه النظرة عن الإسلام في العالم أجمع.. حتى أن أوروبا أصبحت المكان المفضل للحركات الإسلامية الأصولية الخاضعة للسعودية، أو لسواها من التيارات السلفية.

أما تأصلها فيعود إلى قدرتها السريعة على تقديم تعليم إسلامي أساسي لأشخاص لا يملكون المعارف وحسب، بل أيضاً لا يملكون المصادر لبلوغها، فالتعليم المقدم ذو طابع محافظ، كما يميل إلى التشجيع على الإنطواء، ورفض الوسط المحيط.. وعندما يحدث التوافق بين الإسلام والهامشية يزداد الميل للتماهي بالإسلام كرد فعل تجاه عداء أو احتقار الوسط المحيط.([18])

 

نشوء الوهابية:

لم تكن بوادي نجد الصحراوية تعرف بشيء مميز قبل ظهور محمد بن عبد الوهاب، وتحالفه الشخصي، ثم تحالف أسرته آل الشيخ من بعده مع سلالة آل سعود، ونشأة جيل من الوهابيين الدمويين الذي أثاروا الخراب والدمار والموت حيثما حلوا ووصلوا.

لقد كان أهل نجد في معظمهم مسلمين يتبعون المذهب الحنبلي أكثر مذاهب الإسلام تقيداً في تغليب النقل على العقل، والأكثر تشديداً في اتباعه أقوال السلف وأفعالهم، والإلتزام بمناهج عيشهم الماضية، والأكثر تزمتاً في أخذه بحرفية النص الديني وظاهر ألفاظه، واجتناب تأويله أو التفكير في رحاب معانيه أو التدبر في روحه.. ولعل المذهب الحنبلي المتشدد كان ملائماً للطبيعة الصحراوية القاسية! لكن ظهور الشيخ ابن عبد الوهاب بينهم في أواسط القرن الثامن عشر، وأدخل عليهم وعلى شعوب حولهم نكالاً لعله ما زال متواصلاً إلى يومنا هذا!

وبعد أن توطد حكم آل سعود في نجد.. ونشر معتقدهم بحد السيف، فدخل الناس في الدعوة الوهابية حباً أو كرهاً.. فمن دخل في الدعوة طوعاً كان بها، وإلا فإعمال السيف وضرب الرقاب.. بدأوا حينذاك ينظرون إلى الأقاليم الأخرى.

وفي عام 1801م غزا الوهابيون يقودهم السعوديون مراكز التشيع في جنوب العراق، حتى وصلوا كربلاء، فأعملوا في رقاب أهلها السيف، ولم ينج من مقتلة "المشركين الروافض" (كما سموا الشيعة) إلا من هرب! ودخل الوهابيون إلى مقام الإمام الحسين عليه السلام فهدموا القبة فوق ضريحه، ونهبوا ما وجدوه من الذهب والمال والمتاع في المشهد.

وهكذا غزوا مراكز التسنن في الحجاز، فبدوأ بمدينة الطائف التي قاومتهم فكان مصيرها مروعاً، إذ ذبح كل فرد ذكر من سكانها، وسبيت نساؤها ثم دخل الوهابيون مكة المكرمة التي استسلم أهلها تحت أثر الرعب والهلع الذين انتاباهم، وكذلك الحال في المدينة المنورة، وقد هدموا كل المعالم التاريخية وكل ما يمت إلى النبي بصلة، وأرادوا هدم القبة الخضراء فوق ضريحه، مما آثار سخط أهل الحجاز وهلعهم، فلما خشي الوهابيون منهم التمرد والتفلت، تراجعوا عن الفكرة، واكتفوا بالسطو على الزينة والحلي الموضوعة على قبر النبي ‘.

واشتد غضب السلطان العثماني محمود الثاني حين تناهى إليه ما أصاب الحرمين الشريفين من النهب ، ومنع الحجاج من أداء فريضة الحج، فأمر السلطان واليه على مصر محمد علي باشا بمعاقبتهم، فجرد أسطولا إلى الحجاز سنة1893 وتمكن الجيش المصري من استعادة مكة والمدينة بسهولة.

وكانت نهايتهم فظيعة بعد أن استسلم عبد الله بن سعود بن عبد العزيز آل سعود وحفيد ابن عبد الوهاب، للإعدام بطريقة مشينة ومرعبة.([19])

سيرة آل سعود:

تتحكم القبضة السعودية بمعظم المنابر ودور النشر والمنتديات وعلى الرغم من  مرور ما يقارب 300 عام على ولادة الحركة الوهابية، إلا أنها لا تزال مقصاة عن البحث والتحليل إلى حد بعيد.. وتحرص على إبعاد هذه المسألة عن تداول الباحثين إلا ضمن بوتقة محددة الأهداف والتوجهات، ولذا يكون من الطبيعي أن أي كتاب جديد يصدر عن الوهابية بمثابة كنز حقيقي، وهو ما حصل بالفعل. وتكمن أهمية ما أعده هاشم ناجي"الوهابية بتقارير القنصلية الفرنسية في بغداد 1806ـ 1808م الذي صدر أخيراً عن "دار الوراق" (بغداد ـ بيروت) متضمناً دراسة عن الحركة الوهابية للمؤرخ العراقي علي الوردي (1913ـ 1995م) ويشير الوردي الى أن فكرة "إعادة الإسلام إلى أصوله الأولى" لم تكن وليدة أفكار محمد بن عبد الوهاب، إذ إن ابن تيمية سبقه إليها قبل خمسة قرون وبسبب اختلاف بيئة الدعوة، من بدوية إلى حضرية، فنجح الأول وأخفق الثاني، ويخلص إلى أن العنف الذي رافق انتشار الوهابية كان سبباً في إثارة الخوف الذي نبع بأشكال متعددة عند السلطة القائمة آنذاك، أي العثمانيين، وعند الناس خشيت بعض القبائل بطش الوهابيين فانضوت تحت رايتهم..

أما ما خص التقارير الفرنسية التي تتحدث عن نشوء الوهابية فتختلف بالنظر إلى طبيعة "العقيدة" الوهابية، فالبعض يعتبرها: "ديانة جديدة مختلفة عن المحمدية" فيما يعتبرها آخر "طائفة لا ديانة" لكنها تشترك في تأكيد أن الحركة اتخذت شعار "القرآن في يد والسيف في يد" منذ انطلاقتها، وبأنها لم تقبل وجود مناوئين لها ضمن حدود الجزيرة أو خارجها، كما أن الحال لم تختلف بين عهدي سعود وابنه عبد العزيز اللذين اعتنقا العقيدة الوهابية بإخلاص شرط إبقاء السلطة السياسية لهما، مع التخلي عن السلطة الدينية للوهابيين، كذلك العهدان متماثلان في الاعتماد على النهب والسلب والغزو كوسيلتين أساسيتين للعيش من جهة وكوسيلة أتبعها محمد بن عبد الوهاب لإشغال أفراد الجيش عن توجيه النزعة العنيفة لديهم نحوه..([20])

 

لأجل التوضيح :

 قبل أي شيء ينبغي التحديد أن النصوص الدينية أو الموروث الديني خصوصا النصوص القرآنية هي إلهية المصدر بالنسبة لنا كمسلمين، وليست من صنع البشر، بخلاف الأفهام التي تسمى الفكر الديني، وهو نتاج بشري يمكن قبوله أو رفضه، ويعتريه القصور ربما، فيحتاج معه إلى إعادة النظر. ومن يرى خلاف ذلك، يكون من الصعب حينئذ ترتيب المقدمات والنتائج، وذلك بسبب اختلاف الرؤية والموقف منها.

ولا يعني ذلك أقفال باب النقاش بين هذين الاعتقادين، كما انه فرق بين ذات النص والفهم الناتج عن الاجتهاد في داخل النص كون النص يمثل المرجعية بمؤازرة العقل، وبعدئذ لا يتحمل الإسلام وزر الأفهام الخاطئة أو القاصرة، ما يعني أن مجال التطوير ضمن موازين ومعايير محددة يسير جنبا إلى جنب مع متطلبات الحياة ومواكبتها، وليس العيش ضمن دائرة مغلقة وفي غربة عن الواقع ، وذلك بالاستناد إلى الماضي وأدواته إلى حد القطيعة شبه التامة مع الحاضر. فـ"الإشكالية لا تكمن في استناد الأمة إلى تاريخها وارثها الفكري والحضاري والديني، والاستعانة به لمعالجة قضاياها الراهنة والمستقبلية، وإنما في تجاوزها حدود العلاقة المعقولة والموضوعية به، فترهن نفسها بالكامل لهذا الموروث "بمعنى الجمود الحرفي التام، والفشل في استنطاق النصوص وإبراز حيويتها القدرة على التعامل مع الوقائع الحاضرة، وبمعنى التقوقع على كل الآتي من السلف وكأنه منزل ،وهذا الارتهان  هو المسؤول عن ولادة "داعش " وأضرابها، لا يختلف بعضهم عن بعض سوى بالتسميات ، فهم يقرؤون من كتاب واحد .

يضاف الى ذلك فعل السلطة التي عبثت بالكثير من المفاهيم والمعتقدات، كاختراع قضية الجبر لتخدير الناس وافتعال الملهاة كمحنة خلق القران، وحجب ما لا ترتضيه، إلى غير ذلك ،لدرجة تحديد أدوات التفكير لدى الناس، وتقديم التاريخ  على "انه قطعة واحدة جامدة سارت برتابة ومثالية، ولا نتجرأ على أن نطرحه بإيقاعاته وتناقضاته وتعقيدات حركته، كما ندرسه من ارتباط بالحاضر، وكأنه عالم بحد ذاته لا يؤثر فينا.

إذا نحن إمام علاقة إيمانية بالتاريخ والموروث بمجمل عناصره، ولسنا بعلاقة معرفية لذلك فنحن على سبيل المثال نتعامل مع أشخاص ساهموا في بناء حضارتنا السابقة فكريا وعلميا بمنطق الفخر والاعتزاز بهم دون القدرة على هضم إنتاجهم في سياقه الزمني ، بل لا نمتلك أصلا الأدوات المعرفية اللازمة لذلك"([21])

ويتبين لنا أن الماضي بما هو ماضي ليس هو المشكلة، إنما المشكلة في وضع "تابويات" على المس بكل التراث لكأنه مقدس! في الماضي دروس وعبر .

ومع كل ذلك ، فبالرغم من كل ظلامية "الفكر" التكفيري ، يوجد نقطة ضوء لا بد ان تعمل على كي ذاكرتنا ، وتلزمنا بضرورة مواجهة الذات ، وليس جلده ، فالمواجهة العسكرية على اهميتها ، غير كافية ، لان هذا "الفكر" المتعشعش في العقول والاذهان من الصعب محوه ، وهو قابل للتفريخ حالما تصبح الظروف مؤاتية  للوغول من جديد .

 

نبذة عن حركة الإصلاح الديني:

شكل الإصلاح الديني محوراً مفصلياً في البنية المعرفية التأسيسية لرواد النهضة الإسلامية بقيادة جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده لجهة التأصيل لمرحلة في مسار التعامل مع التراث الإسلامي، بما يكرس القطيعة مع ما رسب منه من آليات تقليدية، تقيد الاجتهاد وتغيب العقل في التعامل مع النص الديني بما يحوله لعائق معرفي لأي مشروع فكري ينشد التحرر من التأويلات البشرية التي لبست لبوس القداسة.

لقد أبتعد هؤلاء عن الذهنية الإقصائية، سواء تعلق الأمر بالمذاهب ضمن الدائرة الإسلامية، بإعطاء الأولوية للإنتماء للدين كهوية جامعة أوسع من الإطار المذهبي الضيق. كذلك استحضار روحية النص المقدس من خلال التأويل العقلاني له، بما تتطلبه مقتضيات العصر.. بيد أن ما تعرض له هذا المسار على يد رشيد رضا، صاحب تفسير المنار ـ الذي عمل على إفراغ مضامين المنظومة المعرفية لجيل النهضة الأول. لمصلحة مسار إرتدادي نحو خط فكري مرتبط بمحمد بن عبد الوهاب وابن تيمية، بكل ما يحمله ذلك من نصوص متحجرة وآليات تفكير جامدة غارقة في أدبيات التكفير والإقصاء لتتموضع السلفية الوهابية بدل السلفية التجديدية الإصلاحية في الفكر العربي.

لقد استبدل رشيد رضا ما جاء به الأفغاني وعبده من قيم التسامح والقبول بين اتباع المذاهب الإسلامية، والدعوة إلى النهضة الإسلامية من دون تفرقة إثنية أو مذهبية، بلغة طائفية استعلائية مطلقة تحتكر "الفهم الديني الصحيح" وما عداها ضلال، ليؤسس للعقل الطائفي الإقصائي الذي ينخر الوعي الجمعي العربي اليوم.

وقد زاد من إنتشار هذا الفكر على حساب الفكر الإصلاحي التنويري ظهور الإسلام السياسي" الاخوان المسلمون" تحديداً، من رحم فكر رشيد رضا.. والأخطر في ذلك تجيير مفهوم الجهاد في الفكر الإسلامي لمصلحة فكرة التوسل بالعنف لتحقيق الأهداف عبر تعزيز الاحتراب الداخلي وتهشيم للنسيج الاجتماعي والثقافي لمجتمعات متنوعة دينياً ومذهبياً.. وشكل ظهور هذا الفكر الظلامي في حيز جغرافي تتمركز فيه كيانات وظيفية ذات إمكانات مادية هائلة مرتبطة بالمشاريع الاستعمارية، قوة دفع مكنته من الانتشار والاختراق للمؤسسات الدينية التقليدية الكبرى في العالم الإسلامي ـ الأزهر نموذجاً ـ هذا الاختراق وجه الوعي العربي نحو المزيد من النكوص والارتداد عن التراث التنويري الإصلاحي.. وباتت السلفية الوهابية تجسد العائق أمام نهضة العرب، والخطر الذي يتهدد كينونتهم كدول وكأمة، وتمنع تقدمهم ووحدتهم، ليتحولوا إلى تجمعات وعشائر متقاتلة وقبائل متناحرة، تماماً كما كانوا في جاهلية ما قبل الإسلام، وتأجيل الصراع مع المشروع الصهيوني بحجة "أولوية الجهاد ضد المرتدين" . هكذا كانوا يقولون، أما وقد شاهت الوجوه وسقطت الأقنعة، وظهر التقاطع، بل التحالف مع "إسرائيل" المتمثل بالدعم العلني للمجموعات التكفيرية المنتجة من رحم الدولة الوهابية، واتضحت الكذبة في التأجيل المزعوم، وظهر أن مشروع الأنظمة الخليجية وإسرائيل" هو مشروع واحد، لمجابهة إيران. فهم لأجل ذلك يعملون جاهدين على استحضار ما تزخر به كتب التراث من مصطلحات فتنوية تزيد من تأجيج الروح الطائفية، مثل: الروافض" " والصليبيين" ...إلخ

إن الإصلاح الديني، يجب أن يعمل عليه من خلال النخب العلمائية الإسلامية من كافة المذاهب والأطياف، رفقاً ورحمة بهذا الإسلام الذي ناله الكثير من التشويه والمسخ، إن من خلال فوضى الفتاوى أو من خلال السلوك والأشكال المنفرة والمتوحشة، والتي لا تمت إلى الإسلام بأية صلة.

إن هذا الإصلاح معني بإزالة اللبس القائم حول العلاقة الجدلية بين الديني والسياسي، أو بين النص المقدس والسياق التاريخي الذي نزل فيه، عبر تفعيل الاجتهاد العقلاني المتحرر..([22])

السؤال الأهم الذي يطرح نفسه أمام المشهد العام في المنطقة والعالم، هل يحتاج الإسلام الراهن، على تعدد القوميات والاثنيات التي تعتنقه إلى تسريع عملية الإصلاح الديني؟ هل يمكن تكوين رؤية متوازنة وعادلة للآخر المختلف  بعض المسلمين إلى الآخر والعالم المحيط بهم على أسس تأخذ في الاعتبار تقبل النقد وتجاوز المقدس الأصولي؟ أي دور للإرث الديني التاريخي في تأطير ثقافة العنف؟

لا شك أن الإصلاح هذا، حاجة ملحة وضرورية لتغير العقول، تستدعي إجراء خطة طوارئ وجراحة مؤلمة للخروج من ماض قابض على الأنفاس،

تعمل المناهج الإسلامية التي تُدرّس في بعض المعاهد الدينية وجزء من المدارس على خلق صور معادية تجاه الآخر المختلف، وتبلور نوعاً من القمعية التي لا ترى العالم إلا من مرآة الذات.

إن انعكاسات الاصلاح الديني الجذري ستكون لها تأثيرات إيجابية في تبديل الأفكار، وعلى الجهات العربية والإسلامية الرسمية المعنية في الملفات التربوية والتعليمية العمل على تنقية المقررات الإسلامية، من قوالب العنف وتكفير الخصوم بين أبناء الدين نفسه والديانات الأخرى، وتقليص تدين المناهج ( على الطريقة الوهابية) التي شهدت حالة من الفوران في العقود الأخيرة، من المهم تربية الأجيال على التفكير الحر والاستقلالية وتقبّل النقد البناء وعدم الركون إلى تأليه الدنيوي والنظر إليه كمقدس متعال.

بالطبع لم تكن المسيحية القروسطية)ذهنية القرون الوسطى)

في تاريخها المديد أقل عنفاً، فقد ارتكبت باسم المسيح مجازر كبرى وأصدرت صكوك الموت ضد مخالفيها، وأعدمت وجاهدت تحت راية الصليب، مرت بمخاض كبير وأدارت إصلاحاً من الداخل خاضه لاهوتيون إلى جانب العلماء والفلاسفة من أشد منتقدي الدين.([23])

أكثر من ذلك نقول: إن الإصلاح الناجح في وجه التفكير التكفيري، هو مراجعة جريئة لتنقية التراث، من مجاميع حديثية، تحمل الكثير من مضامين انتجت هذه الظاهرة الظلامية، التي تغذت من هذا التراث، والذي يراجع كل التاريخ بدءاً من عهد السلطة الأموية وأخلاقياتها الدموية، مروراً بكل السلاطين الذين حكموا باسم الإسلام وشوهوا صورته النقية بسلوكياتهم المشينة تحت راية الدين، وإلى يومنا هذا والصورة واحدة.

هذا تاريخنا !:

ولا بأس بالإطلالة على بعض هذا التراث المسلكي بالحد الأدنى، ولا نحمله للإسلام الذي يبرأ من كل سلوك مشين، ففي كتاب "من تاريخ التعذيب في الإسلام" وهو كتاب لم يأخذ حقه في الشيوع، يقول المفكر العراقي، هادي العلوي، إن الحجاج بن يوسف الثقفي(660ـ714م) كان يستمني كلما قتل أو أعدم أو سحل، في حين أن المعتمد بن عباد (1040ـ 1095م) أقام مزرعة من الرؤوس البشرية المقطوعة في إحدى حدائق قصره في إشبيليا.

ويروي البلاذري(ت892م) في كتابه (أنساب الأشراف) أن مسلم بن عقبة القائد العسكري المعروف خلال ولاية يزيد بن معاوية، استباح المدينة المنورة لثلاثة أيام، بمن فيها من الصحابة والتابعين ، نهباً واغتصاباً وقطعاً للرؤوس، وأن آلاف من الولادات حصلت جراء "جهاد الاغتصاب"حتى ذكروا ان الف حامل من بنات المسلمين حملت سفاحا ، ومع ذلك، حين قارب الموت أشهد الله على إيمانه قائلاً: "اللهم إنك تعلم أني لم أشاق خليفة ولم أفارق جماعة ولم أعص إماماً".

وفي المأثور التاريخي الإسلامي، أن الحجاج قتل وأحرق وصلب وذبح ما يتجاوز مائة ألف شخص، لكن سابقه زياد بن أبيه (ت673م) تعداه في الأثم والعدوان، عدواً وأمثولات جهادية، ومن مشهورات أفعاله، كما يروي المؤرخ الطبري(ت924م) أنه كان يدفن معارضيه أحياء، ويفقأ عيونهم، ويحرقهم على نار هادئة ثم يجز رؤوسهم، وكانت تأخذ منه نشوات القهقهة مأخذاً حين يطلق كلابه الجائعة على مسجونيه، ويعزى إليه أولية إنزال عقوبة قطع اللسان في الدولة الأموية المتغلبة، فقد قطع لسان رشيد الهجري ثم صلبه لخلاف في العقيدة، وكذا ميثم التمار، وبحسب المرويات التاريخية أن زياد بن أبيه هو أول من أباح قطع الرأس وحمله على السيف، وكان ذلك الرأس لعمرو بن الحمق الخزاعي فجرت بعده العادة، كأنها ذهبت مثلاً.

وإذا كان الحرق غير مألوف ومعروف في الجاهلية الأولى ولا في الإسلام الأول فالخليفة الأموي هشام بن عبد الملك(690ـ 744م) أباحه واستكثر منه مضيفاً إليه قطع الأطراف، مثلما فعل مع غيلان الدمشقي(وما فعله مع زيد بن علي بن الحسين، حيث تم صلبه ميتاً، بعد نبش قبره وإخراجه منه، ثم حرقه) أو كما فعل عامله على العراق خالد القسري، مع الجعد بن درهم، حيث تم ذبحه وحرقه وهو المصير نفسه الذي حل بالمغيرة بن سعيد وأتباعه، والحارث بن سريج وأنصاره، على ما يقول الطبري.

وحين استحكم العباسيون وأصبحوا من ذوي الشوكة والغلبة، قتل أبو مسلم الخراساني(ت755م) مئات الآلاف، وقيل إن آلاف المذبوحين غطوا بقاع الشام والعراق، ويروي أبو الفرج الأصفهاني أن أبا جعفر المنصور(ت776م) أوغل في الشناعة، فكان يدفن معارضيه أحياء حتى الموت، وبعدما كان تقطيع الأوصال يجري دفعة واحدة، غدا في عهد هارون(الرشيد) (ت ـ 810م) أربع عشرة دفعة، وهذا بالضبط ما فعله (الرشيد) ببشير بن الليث وفقاً لرواية الطبري.

وتشعبت أسباب الذبح والقتل من ولاية متغلبة إلى أخرى، وتراوحت بين سبب سياسي أو عقيدي، أو هروب من الجيوش، أو إنعدام القدرة على دفع الخراج، أو لوشايات يصعب حصرها، وأبدع العباسيون والسلاجقة والمماليك والعثمانيون في فن التلذذ بضحاياهم ومن أمثلة ذلك.

1-             التشميس: تترك الضحية تحت الشمس الحارقة.

2-             المسمرة: دق المسامير في أيدي الضحية على جذوع الأشجار حتى يلقى حتفه.

3-             الحشو: حشو أنف الضحية وفمه وعينيه بالتبن، حتى تخرج روحه من خلفه، إذ كان الأعتقاد سائداً، أن الروح تخرج من الفم، فيسدون المنافذ..

4-             السلخ: ويعني سلخ جلود البشر، وقد أورد أبن الأثير أن الخليفة العباسي المعتضد بالله(ت904م) سلخ جلد معارضه محمد بن عبادة، وكذلك فعل السلاجقة بقيادة محمد بن ملكشاه مع أحمد بن العطاش وأصحابه ممن وقعوا في الأسر.

وفي العصر العباسي، شاعت طريقة سمل عيون الخلفاء لإسقاط خلافتهم شرعاً، فالأعمى لا يجوز له الولاية، وعلى ذلك تم تعطيل أهلية القاهر بالله بسمل عينيه من قبل أخيه الراضي بن المقتدر، ومثل ذلك جرى مع المتقي بالله حيث سمل عينيه عمه المستكفي، ولا يخرج عن السياق المتوكل (ت861م) فقد ذبح ابنه المنتصر، وكان ولي عهده وقال فيه البحتري شعراً

أكان ولي العهد أضمر غدرة؟     فمن عجب أن ولي العهد غادره

ولأن المتوكل كان شديد العداء لآل بيت رسول الله‘ قام بذبح ولده! والسلطان العثماني مراد الأول(1326م) سمل عيني ابنه صاروجي بعدما نازعه الملك، على ما يقول محمد فريد بك المحامي صاحب الكتاب المعروف "تاريخ الدولة العلية العثمانية" فيما فاتح مدينة القسطنطينية (1453م) محمد الثاني، قتل أخاه الرضيع أحمد، في حين أن السلطان سليم الأول دس السم لوالده بايزيد الثاني، واستولى على الحكم في العام 1512م ثم قتل خمسة من أولاد أخوته، ولاحق أخويه أحمد وكركود فقتلهما في العام 1513م.

وفي معركة "غالديران" العام 1514م مع الشاه الصفوي إسماعيل سبيت زوجة الأخير فأهداها السلطان سليم الأول لكاتبه، تبعاً لما يقول محمد فريد بك المحامي.

لم يخرج السلاطين العثمانيون، كما يقول المؤرخ خليل إينالجيك في كتابه "تاريخ السلطة العثمانية" (ترجمة محمد الارناؤوط) عما هو معروف "بقانون ناما" الذي وضعه محمد الفاتح، بعدما استحصل على "فتاوى شرعية" أجازت قتل الإخوة والأشقاء والأقارب حفاظاً على مصلحة السلطنة العليا ويرد في القانون: "يمكن لأي من أبنائي، الذي سيهبه الله السلطنة، أن يتخلص من أخوته وهو ما تقره غالبية العلماء". ووفقاً لهذا القانون، حيث يقرر الله مصير الممالك والملوك، فسليمان الأول قتل ولديه، مصطفى(1553م) وبايزيد(1561م) وخنق مراد الثالث خمسة من إخوته، ومحمد الثالث(1595ـ 1603م) أعدم تسعة عشر من إخوته، وعثمان الثاني (ت1622م) حاز فتوى "مباشرة بقتل شقيقه الأكبر محمد"

واعتمد السلاطين العثمانيون حبس أشقائهم في غرف خاصة بالقصور وقد غدت تعرف لاحقاً بالأقفاص وتمتد لسنوات.

ولما دعي سليمان الثاني للحكم، كان يقضي أربعين سنة في "القفص" إلى جوار الخصيان والجواري والعبيد، وبطبيعة الحال، بعد أن تؤول السلطة لسلطان السلطنة الجديد، يزور ضريح الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري.

ويؤم المصلين جماعة في أول يوم جمعة يلي إعلان سلطانه.

من نافل القول، أنه من الصعب حصر السير الشخصية للولاة المتغلبين أو إيجاز تاريخ تداولهم السلطة وإدارة الأمر، ولكن السؤال الذي يبهظ الحاضر، يكمن في الحيز المسموح والمطلوب لفصل القداسة عن التاريخ، ذاك التاريخ الذي أعيد إحياؤه ممثلاً "بداعش" وخلافتها وشرائعها القائمة على السبي والذبح والقتل باسم الشريعة وأحكامها.([24])

واليوم الفكر التكفيري، هو صدى ، أو امتداد لهذا التاريخ الأسود، وليس منعزلاً أو مخترعاً ، أو هو من صنيعة الغرب، ليس الأمر كذلك ، فما تفعله العصابات التكفيرية من القاعدة وإفرازاتها وداعش وأخواتها هو تجسيد أمين لتراث سمي زوراً تراثاً إسلامياً..يريدون أن يعيدوا أمجاد هذه الخلافة التي ينادون بها!!

وعليه فلا مناص من مكافحة هذه الظاهرة المتطرفة، التي قد تقف وراءها مصالح سياسية أو مادية، والتي يمكن أن تتحول مع الوقت إلى تعصب حقيقي وكراهية متبادلة بين المسلمين فالعالم الإسلامي اليوم يعوم على بحر من الكراهية، والعداء المذهبي، وكراهية عمياء تأكل الأخضر واليابس، عشرات بل مئات من وسائل الإعلام تبث معتقداتها المذهبية على الهواء مباشرة مستخدمة حقها في حرية التعبير، والنتيجة فورية ومذهلة، تجييش وشحن مذهبي وانفلات غرائز وحروب بالواسطة تديرها استخبارات دولية، وهو ما يعني في التحليل النهائي أن موجات التعصب الديني تشكل الأرضية الخصبة لكل من يريد العبث بمصير الشعوب العربية والإسلامية.

هذه المآلات الكارثية التي وصلت إليها هذه الشعوب تستوجب إعادة النظر في استخدام وسائل الإعلام العامة والمدارس والجامعات ومؤسسات الدولة والشوارع والساحات التي تحولت إلى منابر تدور فوقها منافسات مذهبية حادة (برغم كل قصائد الغزل في الوحدة الإسلامية) إنه التطور الأبرز الذي وفر للغرب المنكفئ والخارج من النافذة رغماً عن إرادته  الفرصة الذهبية لكي يعود إلينا فاتحاً من الأبواب العريضة أبواب الفتنة والشرذمة والتقسيم والكانتونات..([25])

 

إن المشكلة  تكمن في تفسير معنى قدسية النصوص والأحكام الفقهية، وإضفاء صفة القداسة حتى على اقوال العلماء.. هل هو حرمة أي مساس بها. بمعنى الأخذ بها بطريقة حرفية جامدة لا تنسجم مع مقاصد الشريعة .

هذه النظرة إلى معنى القداسة جمدت الدين وأحكامه داخل القوالب التي صيغ بموجبها زمن نزول الوحي، أي في القرن السابع الميلادي، والقرون التي تلتها مباشرة وصولاً إلى القرن العاشر. وفي العصور اللاحقة أقفل باب الاجتهاد ـ عند المذاهب الإسلامية ما عدا المذهب الشيعي ـ .

 لقد تصور القيمون على شؤون الدين أن في ذلك حفظاً للدين من التشويه والتلاعب والتحريف لكن النتيجة أتت معاكسة لما أرتأوه فقد أتى التشويه من هذا الجمود وأصبح القالب الذي حبس فيه الدين غير قادر على استيعاب المستجدات والتطورات الهائلة للبشرية، وأضحى عاجزاً عن تلبية متطلبات الحياة العصرية، لا بل أنتج الصورة التي هي عليه غالبية المجتمعات الإسلامية من تخلف، وانتج بعض الحركات الإسلامية التي تمارس عنفا مماثلا لما كانت تمارسه مجتمعات العصور الوسطى ـ حيث لم يكن حكراً على المجتمعات الإسلامية، ولا ابتكاراً إسلامياً فقد ظلت الشعوب تمارس العنف حتى ما بعد الثورات الأوروبية والأميركية وشهدت أوروبا فظائع وإرتكابات استمرت إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية وما تلته من مواثيق وإعلان عالمي لحقوق الإنسان.

وقد فشل الرجوع إلى الاجتهاد بعد طول المطالبة به، في إستيلاد التجديد المنشود..

إن ما يرتكب باسم الإسلام من عنف وجرائم وفظائع يدفع إلى السؤال عن مصدر هذا العنف، هل هو عنصر تكويني في الإسلام؟ إذا كان القرآن الكريم يحوي آيات تحض على الجهاد والحرب والغلظة، وإذا كان الرسول‘ وصحابته قد سمحوا بارتكاب بعض ما تقتضيه الحرب من  قسوة أو عنف، لكنه لم يؤثر عنه ‘ أنه أمر بذبح أسير أو قلع شجر أو تدمير أو... لكن هل يعني ذلك أن الإسلام بتكوينه هو دين يدعو للعنف ويؤدي إلى ترهيب الناس؟ وإذا كان الجواب بالنفي كيف نفسر هذه الممارسات في التاريخ الإسلامي والتي أعيد إحياؤها مع بعض الحركات الإسلامية المعاصرة؟ وكيف السبيل للخروج من هذه الدوامة؟؟

إن قراءة التاريخ الإسلامي تجعلنا ندرك إلى أي حد كان للسياسة والمصالح تأثير في التأويلات والتفسيرات المتعددة للدين، بما لا يرتبط بالاجتهاد بأي وجه، وهذا الأمر لا يخص الدين الإسلامي وحده بل ينسحب على الأديان كلها.فليس معقولا ولا مقبولا أن يبرر للذين قتلوا وحرضوا على القتل وعلى محاربة الإمام المعصوم والخروج عليه، أنهم تأولوا واجتهدوا فأخطئوا، إن اختراع مثل هذه الترهات وتضمينها التراث الديني، إلى غير ذلك مما يشابهه من الوضع والدس والتزوير، هي من أنتجت هذه الزمر الوحشية التي تعيث في الأرض فساداً، والتي ابتلي بها الإسلام والمسلمون .

في زمن الرسول‘ استمر نزول الوحي على مدى ثلاث وعشرين سنة، وخلال هذه المدة، بعض النصوص أو الأوامر تطورت مع ظروف المتلقي، فهذا يعني أن التطور والعلاقة مع السياق الاجتماعي والتاريخي هي من سمات النصوص، ما يجعل منها أحكاماً حية متحركة ضمن الثوابت الأساسية للعقيدة والإيمان.

هذا الأمر لم يسلم به كل الفقهاء وعلماء الأصول.. كان هناك مدارس متعددة في ذلك..

لقد أدى التفسير الحرفي عند السلفية إلى عواقب خطيرة على الفكر الإسلامي، وأدى إلى عدم السماح بأي إصلاح في قراءة النصوص وفهمها وتطبيقها في سياق تاريخي جديد، إذ يمكن أن تكون المبادئ ثابتة ومطلقة وخالدة لكن تطبيقها من الناحية الزمنية أو التاريخية نسبي ومتغير، وفي تحول مستمر.

ولا يستطيع المسلمون الاقتصار على محاكاة نموذج تاريخي تكيف مع زمن معين ولم يعد يستجيب لمقتضيات زمنهم أو إعادة إنتاجه وتكراره.

نحن لا نقول بضرورة اخضاع نصوص الشريعة بالشكل الذي يناسب "العصرنة" حتى لو ادى الامر الى المسخ والابتعاد روح الشريعة ، فمهمات الفقيه هو استنطاق الادلة والاجتهاد داخل النص، ليظفر الفقيه بما يحل المشكلات الطارئة في المجتمع الاسلامي من دون احداث اي تناقض او خلل ،وهذه هي المهمة الشاقة التي القيت على عاتق الفقيه

معظم المدارس الفقهية، حتى التقليدية فيها يشترك في ضرورة الأخذ بنظر الاعتبار السياق التاريخي والاجتماعي هذا.. بالطبع من دون إهمال توافق التفسيرات والاجتهادات مع المنطق العقلي السليم.

فلأجل فهم الآيات والأحكام القرآنية، لا بد من وضعها ضمن سياقها المكاني والتاريخي، واستنباط أحكام تلائم السياقات التاريخية والمكانية الحديثة، من هنا قال الإمام الخميني(ره) بدخالة الزمان والمكان وعلاقتهما وتأثيرهما في فهم الأحكام.

فالقرآن نزل في هذا العصر الذي كان فيه العنف شائعاً، من التناحر القبلي والعشائري، والغزو والغزو المضاد، لا بل إن القرآن والسنة، بدعوتهما إلى التراحم والمودة والرحمة والعفو والتآخي، شكلا نقلة نوعية نسبة إلى زمانهما وإلى البيئة التي وجدا فيها.

وبالإمكان القول وبكل ثقة، لكل هؤلاء الناس الذين جمدوا عقولهم، وقدموا الإسلام بصورة الوحش القادم من أغوار التاريخ، عن قصد، وربما عن غير قصد قد أساءوا إليه وشوهوا صورته النقية، وجردوه عن كل إنسانية.

وهنا دعوة بعيدة عن التحجر والحرفية، إلى العلماء للتبصر والتفكير بأن أية مقاربة للقرآن لا بد أن تنطلق من تأويل حي مفتوح يعيد وصل القواعد الدينية مع متطلبات الحياة المعاصرة.. إن النص المنزل لا يعيق عقل الإنسان، بل العكس هو الصحيح.

والقرآن مليء بالحوار والسجال والمناظرة والرفض والقبول، ليس فقط مع أو ضد المعايير والثقافات السابقة عليه، لكن مع معاييره هو ومع تأكيداته هو ومع أحكامه، والدليل هو وجود ظاهرة اختلاف الأحكام وتعددها، وهي لا تمثل تناقضاً، بل تمثل أفقاً مفتوحاً أمام الجميع لاختيار الأنسب للظروف والسياق المتغيرين.([26])

خلاصات:

هذان نموذجان ماثلان أمام العيان لكل من أراد المقاربة بينهما، نموذج أعطى الصورة المشرقة للإسلام المتعايش مع الآخر على قاعدة الندية، التي تحفظ المصالح والكرامة القومية للأمة التي يمثل، وهذا ما تجلى بالتجربة المميزة من خلال تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران، والتي أثبتت حضورها في كل الميادين الفكرية والعلمية، بكل أسباب القوة التي مكنتها من الصمود إلى الآن.

والنموذج الآخر الذي أظهر الصورة غير الواقعية، والتي لا تشبه الإسلام بشيء هو الفكر التكفيري الرافض لكل آخر لا يشبههم، والذي نبت وترعرع في المملكة العربية السعودية، وصدر إلى باقي العالم الإسلامي، وهو قائم على عصبية وأحقاد وضغائن موروثة من البيئة الصحراوية القاسية، أفرزت هذه الأشكال التي رآها العالم كله، والتي نفر منها العالم، بما فيه بعض البلدان الإسلامية، ما ينذر بولادة ظاهرة إلحاد وكفر بالإسلام الحقيقي حيث تشتبه الامور على ضعفاء الايمان  بالتأكيد لا نبرر ذلك، ولكن المسؤول عن هذه الظاهرة يتحمله الفكر التكفيري الذي يفعل كل ما يفعله من جرائم باسم الإسلام.

تاريخنا المسمى إسلامي، هو تاريخ السلاطين، بدءاً من سلاطين بني أمية، وصولاً إلى الأنظمة العربية والوظيفية، تحديداً الخليجية منها، وهو تاريخ إجرامي استبدادي، ليس فيه أي وجه يمكن تسميته مشرقاً، بل هو متماهٍ مع المشاريع الاستعمارية الغربية..

بماذا يمكن تفسير ما قاله أحد الحاخامات الإسرائيلية: "إن "داعش" نعمة من الله، فقد حقق ما لم تتمكن إسرائيل من تحقيقه" أليس "داعش" "مارينر تكفيرية". هذه هي انجازات العرب، وهذا هو ربيعهم الآتي بالتدمير والفوضى، وبالذبح والسبي والتحريق وجهاد النكاح..

وما نشهده اليوم، لم يصدره إلينا أحد، ولم يستورد من الخارج بل هو تاريخ من تراث السلاطين الذين حكموا باسم الإسلام، وعبث المستشرقين بتراثنا ، بينما ما صدرته إيران، هو الوجه المشرق لأصالة الإسلام العزيز الكريم المتحرر من الشرق والغرب، هو النبت الطيب والزرع الصالح الذي يأتي أكله في كل حين، الفكر المقاوم، الأبي والوفي الصادق، الذي لم ينس أهم قضاياه الكبرى وهي فلسطين السليبة، التي باعها أعراب الخليج في سوق النخاسة قبل قيام الكيان الغاصب لها، ورموا الراية فتلقفتها إيران الثورة الإسلامية، وأعلوا شأنها  فقامت قيامتهم حروباً وصرفوا مئات مليارات الدولارات للقضاء عليها، وفشلوا، وخرجوا بالفكر التكفيري لمحاربتها وتحالفوا مع إسرائيل الغاصبة لفلسطين..ويتحدثون عن الإمبراطورية الفارسية والنفوذ الإيراني والمشروع الفارسي ، وكأنما الحضارة الفارسية التي تلاقحت مع الحضارة العربية  عبر التاريخ صارت تهمة .  كأنه لا يوجد إمبراطورية صهيوأمريكية في منطقتنا، ليس غريباً ممن اعتاد أن يكون أمعة، تابعا، وتافها، وممن ليس لديه سوى عبارات رنانة يرددها صباح مساء وهي خالية من أي مضمون.

هذان نموذجان: نموذج تمثله السعودية، فكراً ووظيفة ونموذج تمثله إيران، فعلى العالم أن يميز ويختار...



[1] سورة الأنعام، آية رقم:103، كتاب الإسلام عقيدة وشريعة(الإمام محمود شلتوت ص 53 ـ 58

[2] ناهض حتر: الأخبار: 2537

[3] الإمام الخميني ثورة العشق الإلهي، الشيخ جوادي آملي من مقدمة المترجم كمال السيد ص 7

[4] توجيهات الإمام الخميني إلى المسلمين ص 49

[5] صحيفة الإمام ج 14 ص 398و ج19 ص 30

[6] الإمام الخميني: الأصالة والتجديد: الشيخ نعيم قاسم ص 236 ـ 240

[7] من أرآء العلماء السنة في ابن تيمية: مجلة شعائر العدد 48 ص 12

[8] ملاك عبد الله السفير: 13014

[9] علي الأمين: صدى البلد 27 شباط 2015

[10] اليهودية والوهابية، مجلة شعائر العدد 48 ص 8

[11] عبد الإنكليز..للكاتب جعفر البكلي: الأخبار 2203

[12] خلاصة أحاديث الإمام الخميني ص 244

[13] صحيفة الإمام ج 7 ص 220

[14] خلاصة أحاديث الإمام الخميني ص 260

[15] الإمام الخميني وأصالة التجديد: الشيخ نعيم قاسم ص 348

[16] الموسوعة الحرة: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي.

[17] حسين العودات: حول الحرية والاستبداد والدين، السفير 12974

[18] الإسلام في أوروبا: جوسلين سيزاري، ترجمة د. جورجيت حداد مجلة مدارات غربية عدد 4

[19] جعفر البكلي: يوم قطع رأس عبد الله... الأخبار : 24 ت1 ـ 2013

[20] هاشم ناجي: وثائق عن الوهابية الأخبار: 2512

 

 

[21] معز كراجة. الأخبار: 2535

[22] عبد الله بن عمارة: في ضرورة الإصلاح الديني... عود على بدء، السفير: 12992 بتصرف.

[23] ريتا فرج: الإسلام الجهادي وعولمة الخوف، السفير: 12972

[24] "داعش" وتاريخنا: هي منا ونحن منها. توفيق شومان السفير: 12866

[25] فؤاد مرعي: أي حكمة في انتصار الدين على الدولة. السفير: 12974

[26] العنف وتفسير المقدس، هالة أبو حمدان، السفير: 12974


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=577
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 04 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28