• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : فى الحثّ على دوام الذكر وبيان أنواعه‏ .

فى الحثّ على دوام الذكر وبيان أنواعه‏

 فى الحثّ على دوام الذكر وبيان أنواعه‏

العالم الجليل الفيض الكاشاني   (ره)

ينبغى للعبد أن لا يغفل عن  ذكر الله فى شى‏ء من الأحوال والساعات، بل يكون متذكّراً لله على الدوام أو فى أكثر الأوقات

قال الله سبحانه: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً* وَ سَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا الأحزاب 41 و 42

وقال: «فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى‏ جُنُوبِكُمْ» النساء: 103

وقال: «رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ» النور: 37

وقال فى ذمّ قوم: «وَ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا» النساء: 142

وقال: «وَ أَنِيبُوا إِلى‏ رَبِّكُمْ» (الزمر: 54).

وقال: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ‏» (سبأ: 9)

 والإنابة هى الرجوع إلى الله بكلّ القلب.

وقال فى أيوب (ع): «نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ‏» (ص: 44) أى كثير الإنابة إلى الله.

وعن النبى (ص): «مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللهِ أَحَبَّهُ اللهُ» (الكافي: 2/ 500، كتاب الدعاء، باب ذكر الله كثيرذ، ح 3).

وقال الباقر (ع): «مَا أَجْمَلَ عَبْدٌ ذِكْرَ اللهِ أَرْبَعِينَ يوْماً إِلَّا زَهَّدَهُ اللهُ فِى الدُّنْيا، وَبَصَّرَهُ دَاءَهَا وَدَوَاءَهَا، وَأَثْبَتَ الحِكْمَةَ فِى قَلْبِهِ، وَأَنْطَقَ بِهَا لِسَانَهُ» (7)- الكافي: 2/ 16، كتاب الإيمان والكفر، باب الإخلاص، ح 6؛ وفي المصدر: ثمّ تلا هذه الآية: «إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ ذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ» (الأعراف: 152)؛ قال المؤلّف في بيان الحديث في (الوافي: 4/ 377): «بيان: لعلّ الوجه في تلاوته الآية التنبيه على أنّ من كانت عبادته لله واجتهاده فيها على وفق السنّة بصّره الله عيوب الدنيا فزهّده فيها، فصار بسبب زهده فيها عزيزاً؛ لأنّ المذلّة في الدنيا إنّما تكون بسبب الرغبة فيها؛ ومن كانت عبادته على وفق الهوى أعمى الله قلبه عن عيوب الدنيا، فصار بسبب رغبته فيها ذليلًا؛ فأصحاب البدع لا يزالون أذلّاء صغاراً، ومن هنا قال الله في متّخذي العجل ما قال».

وعن الصادق (ع): «مَا مِنْ شَى‏ءٍ إِلَّا وَلَهُ حَدٌّ ينْتَهِى إِلَيهِ إِلَّا الذِّكْرَ، فَلَيسَ لَهُ حَدٌّ ينْتَهِى إِلَيهِ». قال: «وَكَانَ أَبِى (ع) كَثِيرَ الذِّكْرِ، لَقَدْ كُنْتُ أَمْشِى مَعَهُ، وَإِنَّهُ لَيذْكُرُ اللهَ وَآكُلُ مَعَهُ الطَّعَامَ، وَإِنَّهُ لَيذْكُرُ اللهَ وَلَقَدْ كَانَ يحَدِّثُ الْقَوْمَ وَلَا يشْغَلُهُ ذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ اللهِ، وَكُنْتُ أَرَى لِسَانَهُ لَازِقاً بِحَنَكِهِ يقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهِ» (الكافي: 2/ 498- 499، كتاب الدعاء، باب ذكر الله، ح 1).

والذكر إمّا باللسان وحده، أو بالقلب وحده، أو بكليهما.

وإنّما الذكر النافع الأخيران، وهما على أنواع شتّى:

الأوّل: أن يسبّح الله ويحمّده ويهلّله ويكبّره ويمجّده ويدعوه ويناجيه، ويتلو كتابه كأنّه نزل فيه مع إحضار القلب لمعانيها والتدبّر لحافيها والتنبّه لما أودع فيها، بحيث يظهر آثارها على الأعضاء، كأنّه قد أشرف على اللقاء.

فقد ورد: «الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإنَّهُ يرَاكَ»

الثاني: أن يحضر قلبه ما أنعم الله به عليه من النعم الدنيوية والأخروية، فيشكر الله عليه بقلبه؛ بأن يعلم أنّ تلك النعمة من الله تعالى وحده لا من غيره، وأنّه سبحانه إنّما أنعم بها عليه ليصرفها فيما خلقت له، فيسعى بتمام جهده أن لا يصرفها فى غيره؛ ثمّ‏ فرح بجنانه ويحمد الله بلسانه، فإنّ التحميد باللسان تمام الشكر بالقلب، وكذلك يفعل عند تجدّد كلّ نعمة أو تذكّرها، ويسجد سجدة الشكر؛ ثمّ إن كان قد صرف نعمة من نعم الله فى غير مصرفها استغفر الله وتاب وتندّم عليه وأناب، وتداركه بقدر الوسع والإمكان فى كلّ باب.

 

الثالث: أن يحضر فى قلبه كلّ طاعة أمر الله تعالى بالإتيان بها، ثمّ ينظر: فإن كان قد امتثل الأمر على وجهه شكر الله تعالى بقلبه ولسانه، وعدّ التوفيق للامتثال من النعم، بأن يعلم أنّه لولا فضل الله عليه ورحمته بالتوفيق بالإتيان بها بتيسير أسبابها له لما أمكنه أن يمتثل؛ وإن كان قد قصر فى الإتيان بالطاعة من أصليها أو لم يأت بها على وجهها تدارك تقصيره بتمام جهده وتاب ورجع وأناب .

الرابع: أن يحضر في قلبه كلّ معصية نهاه الله عنها ولم يمتثل نهى الله تعالى بل ارتكب المعصية عمداً أو خطأً، فاستغفر الله منها وتاب إليه، وأتى بحسنة تمحوها ؛ فقد ورد: «أَتْبِعِ السَّيئَةَ بِالْحَسَنَةِ تَمْحُهَا» ؛

وإن كانت المعصية تفويت حقّ من حقوق الناس تداركها بإرضاء صاحبه كيف تيسّر، وسعى سعياً بليغاً فى ذلك؛ وإن خطر بباله معصية لم يأت بها، شكر الله تعالى على توفيقه على تركها وعصمته إياه عنها.

الخامس: أن يذكر الله تعالى فى نفسه إذا عرض له أمر من الأمور، فإن كان طاعة لله أتى بها وإن كان معصية تركها، وهذا من أشدّ ما فرض الله من الذكر.

قال الصادق (ع): «مِنْ أَشَدِّ مَا فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَى خَلْقِهِ ذِكْرُ اللهِ كَثِيراً. ثُمَّ قَالَ: لَا أَعْنِى «سُبْحَانَ اللهِ» وَ «الْحَمْدُ للهِ» وَ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» وَ «اللهُ أَكْبَرُ»، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ، وَلَكِنْ ذِكْرَ اللهِ عِنْدَ مَا أَحَلَّ وَحَرَّمَ، فَإنْ كَانَ طَاعَةً عَمِلَ بِهَا وَإِنْ كَانَ مَعْصِيةً تَرَكَهَا» (الكافي: 2/ 80، كتاب الإيمان والكفر، باب اجتناب المحارم، ح 4 ).

وسئل (ع) عن قول الله (عز و جل): « «وَ قَدِمْنا إِلى‏ ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً» (الفرقان: 23)، قَالَ: أَمَا وَاللهِ، إِنْ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ أَشَدَّ بَياضاً مِنَ الْقَبَاطِى (ثياب بيض رقيقة تجلب من مصر)، وَلَكِنْ (كَانُوا) إِذَا عَرَضَ لَهُمُ الْحَرَامُ لَمْ يدَعُوهُ» (الكافي: 2/ 81، كتاب الإيمان والكفر، باب اجتناب المحارم، ح 5 ).

وعن النبى (ص): «مَنْ تَرَكَ مَعْصِيةً للهِ مَخَافَةَ اللهِ أَرْضَاهُ اللهُ يوْمَ الْقِيامَةِ» (الكافي: 2/ 82، كتاب الإيمان والكفر، باب اجتناب المكارم، ح 6 ).

السادس: أن يذكر الله تعالى وتبارك بالتفكّر فى صنايعه وآلائه.

قال أمير المؤمنين (ع): «نَبِّهْ بِالتَّفَكُّرِ قَلْبَكَ، وَجَافِ عَنِ اللَيلِ جَنْبَكَ، وَاتَّقِ اللهَ رَبَّكَ» الكافي: 2/ 54، كتاب الإيمان والكفر، باب التفكّر، ح 1

وهذا التفكرّ إنّما يكون لكلّ أحد بحسب عقله وفهمه ورتبته؛

فتفكّر أولى الألباب إنّما يكون فى أفعال الله سبحانه وعجائب صنعه وبدايع أمره فى خلقه وما ينبّه على جلاله وكبريائه وتقدّسه وتعاليه، وفى بسط نعمائه وأياديه وما يدلّ على كمال علمه وحكمته وقدرته ونفاذ مشيته وإحاطته بالأشياء ومعيته لها ونحو ذلك.

قال الله تعالى: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَعَلى‏ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ    وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ» (آل عمران: 190 و 191)

وقال: «وَمِنْ آياتِهِ»* فى مواضع كثيرة من القرآن، فتلك الآيات هي مجارى التفكّر فى الله وفى قدرته وفى أمره.

وتفكّر المتوسّطين إنّما يكون فى المعاملة بينهم وبين ربّهم فى حسناتهم وسيئاتهم، وفيما يفعل لهم من اللطف والإحسان والحلم والعفو وغير ذلك.

فإنّه إذا تفكّر العبد فى حسناته هل هي تامّة أو ناقصة موافقة للسنّة أو مخالفة لها خالصة عن الشرك والشكّ أو مشوبة بهما، يدعوه لا محالة هذا التفكّر إلى إصلاحها وتدارك ما فيها من الخلل.

وكذا إذا تفكّر فى سيئاته وما يترتّب عليها من العقوبات والبعد عن الله سبحانه، يدعوه ذلك إلى الانتهاء عنها وتدارك ما أتى بها بالتوبة والندم.

وإذا تفكّر فى صفات الله تعالى وأفعاله من لطفه بعباده وإحسانه إليهم بسوابغ النعماء وبسط الآلاء والتكليف دون الطاقة والوعد لعمل قليل بثواب جزيل وتسخيره له ما فى السماوات والأرض وما بينهما إلى غير ذلك، يدعوه ذلك لا محالة إلى البرّ والعمل به والرغبة فى الطاعات والانتهاء عن المعاصى.

وإليه أشار أمير المؤمنين (ع) بقوله: «التَّفَكُّرُ يدْعُو إِلَى الْبِرِّ وَالْعَمَلِ بِه‏» (الكافي: 2/ 55، كتاب الإيمان والكفر، باب التفكّر، ح 5 ).

وتفكّر العامّة هو المشار إليه بقول الصادق (ع) حيث سئل عمّا يروى الناس: «إِنَّ تَفَكُّرَ سَاعَةٍ خَيرٌ مِنْ قِيامِ لَيلَةٍ. قيل: كَيفَ يتَفَكَّرُ؟ قَالَ: يمُرُّ بِالْخَرِبَةِ أَوْ بِالدَّارِ فَيقُولُ: أَينَ سَاكِنُوكِ؟ أَينَ بَانُوكِ؟ مَا لَكِ لَا تَتَكَلَّمِينِ؟»  (3)- الكافي: 2/ 54- 55، كتاب الإيمان والكفر، باب التفكّر، ح 2؛

فإنّ أمثال هذا التفكّر تؤدّى إلى ذكر الله والدار الآخرة بالقلب.

السابع: أن يذكر الله تعالى بالتأمّل فى العلوم الإلهية والمعارف اليقينية بمطالعة الكتب المصنّفة فيها أو بمذاكرتها مع أهليها أو بالإفادة والاستفادة والإرشاد والاسترشاد، فإنّ ذلك نوع من أنواع الأذكار، وهذه الأنواع إذا اجتمع كلّها أو جلّها وانضمّ بعضها إلى بعض تؤثّر فى تنوير القلب وصفائه تأثيراً بليغاً، والذكر القلبى إذا صار خلقاً وديدناً سرى إلى الإركان باستيلاء الخشوع عليها كأنّه بين يدى ملك عظيم، بحيث يكون كلّ من نظر إليه يذكر الله بآثار خضوعه وخشيته، كما أشار إليه عيسى (ع) حين سأل: من نجالس؟ قال: «جَالِسُوا مَنْ يذَكِّرُكُمُ اللهَ رُؤْيتُهُ وَيزيدُ فى عِلْمِكُمْ كَلَامَهُ» (الكافي: 1/ 39، كتاب فضل العلم، باب مجالسة العلماء، ح 3 ).

المصدر : رسايل فيض كاشانى    ج-4  , ص: 256  وما بعد _ بتصرف

  

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=630
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 02 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28