عاشوراء في ضوء فكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)
روي عن الإمام الرضا(عليه السلام): «إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهليّة يحرّمون فيه القتال، فاستحلّت فيه دماؤنا وهُتِكت فيه حرمتنا وسُبِي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأُضرِمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حرمة في أمرنا. لا إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا وأذلّ عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، وأورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فلْيبكِ الباكون، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام»( 1
يركّز الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في العديد من الأمور والثوابت العاشورائيّة التي ينبغي الاهتمام بها، وملاحظتها بشكل دائم، ومنها:
أ. محرّم شهر العاطفة والحزن:
للعاطفة -كما يذكر الإمام الخامنئيّ- دورٌ مميزٌ في واقعة كربلاء وفي استمرارها، أدّى إلى إيجاد برزخٍ بين النهضة الحسينيّة والشيعيّة من جهة وبين النهضات الأخرى من جهة ثانية، فواقعة كربلاء ليست قضية جافّة ومقتصرة على الاستدلال المنطقيّ فحسب، بل قضيّة اتّحد فيها الحبّ والعاطفة والشفقة والبكاء.
إنَّ الجانب العاطفيّ جانب مهمّ؛ ولهذا أمرنا بالبكاء والتباكي، وتفصيل جوانب الفاجعة، فلقد كانت زينب الكبرى(عليها السلام) تخطب في الكوفة والشام خطباً منطقيّة، إلّا أنّها في الوقت نفسه تقيم مآتم العزاء، وقد كان الإمام السجاد (عليه السلام) بتلك القوّة والصلابة ينزل كالصاعقة على رؤوس بني أميّة عندما يصعد المنبر، إلّا أنّه كان يعقد مجالس العزاء في الوقت نفسه.
ب. أهميّة إحياء عاشوراء:
لقد تحدّث الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في أكثر من مناسبة شارحاً خصائص عاشوراء وضرورة الاهتمام بإحيائها: قائلاً: «إنّ مراسم عزاء الإمام الحسين(عليه السلام) وفضل إحياء ذكرى عاشوراء، من أهمّ ما يميّز الشيعة عن سائر إخوتهم المسلمين، فمنذ أن أصبحت ذكرى مصيبة الإمام الحسين (عليه السلام) سنّة يعمل بها، تفجّرت فيوض ومعنويّات في قلوب محبّي أهل البيت (عليهم السلام) وأذهانهم، وما زالت تتفجّر إلى يومنا هذا وستبقى كذلك بفعل ذكرى عاشوراء. فإحياء هذه الذكرى هو في الحقيقة عمل ذو فضل عظيم، ومن هنا كانت مسألة البكاء والإبكاء على مصاب الحسين(عليه السلام) سائدة حتى زمن أئمتنا (عليهم السلام)، وينبغي أن لا يفكّر أحد بعدم جدوى البكاء، في زمن الفكر والمنطق والاستدلال، فهذا فكر خاطئ؛ لأنّ لكلّ شيء مكانه، ولكلّ سهمه في بناء شخصية الإنسان، العاطفة من جهة والمنطق والاستدلال من جهة أخرى، أمور كثيرة لا تحلّ إلّا عن طريق العاطفة والمحبّة، ولن يؤثر فيها المنطق والاستدلال(2
ج. الإسهام في حبّ أهل البيت (عليهم السلام):
ينبغي - كما يذكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)- أن تسهم هذه المجالس في زيادة حبّ آل البيت في قلوب الناس؛ لأنّ الرابطة العاطفيّة رابطة ذات قيمة عظيمة، عليكم أن تعملوا ما من شأنه أن يزيد من حبّ الناس المشاركين للحسين بن عليّ (عليه السلام) وآل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومصادر المعرفة الإلهيّة، وإذا ما قمتم في هذه المجالس، لا قدر الله، بما من شأنه عدم تقريب المستمع عاطفيّاً من أهل البيت (عليهم السلام)، أو قمتم بما من شأنه إبعاده عنهم لا سمح الله، وانزجاره ممّا يسمع، يعني نقلتم الواقعة بشكل يبعد المستمع عاطفياً عن أهل البيت (عليهم السلام)، عندها ستفقد مجالس العزاء أحد أكبر فائدة قامت من أجلها، بل ستصبح أحياناً مضرّة، عليكم أن تعلموا ما ستفعلونه، أنتم القائمين على المجالس والخطباء فيها، اعرفوا كيف تزيدون من عواطف الناس تجاه الحسين بن علي(عليه السلام) وأهل بيت النبوة 3
د. إيضاح مبادئ الثورة الحسينيّة:
يجب - كما يؤكّد الإمام الخامنئيّ (دام ظله)- أن تتوضّح مبادئ قيام عاشوراء للناس، فيجب أن لا نأتي إلى مجالس الحسين بن عليّ (عليه السلام) ونرتقي المنابر ونخطب ويخرج - وهو من أهل الفكر والتأمل وما أكثرهم في مجتمعنا اليوم من شباب وشيوخ ونساء ورجال-، هذا المستمع وهو يتساءل: لم جئتُ إلى هنا وعلام ذرفت الدموع؟ ما القضية؟ لماذا يجب البكاء على الحسين(عليه السلام)؟ لماذا قدم الحسين إلى كربلاء لتحصل واقعة عاشوراء؟ يجب أن تجيبوا عن هذه الأسئلة قبل أن تتبادر لأحد، يجب أن تتوضّح مبادئ واقعة كربلاء( 4
ه. المحافظة على مجالس العزاء التقليديّة:
يحرص الإمام الخامنئي } على المحافظة على مجالس العزاء التقليديّة وإثارة عواطف الناس اتّجاه الحسين (عليه السلام) وأهل بيت النبوّة (عليهم السلام)، فيقول: هناك أمور تقرّب الناس من الله ومن الدين، مجالس العزاء التقليديّة هذه تقرّب الناس من الدين، وهذا ما أوصى به الإمام الراحل، إنّ الجلوس في المجالس والاستماع إلى العزاء والبكاء واللطم على الرؤوس والصدور والخروج في مواكب العزاء، كلّ ذلك يثير عواطف الناس تجاه أهل بيت النبوة (عليهم السلام) وهذا أمر عظيم 5
ويقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّ هذه المواكب الحسينيّة التي تتحرّك وتنشط في الأيّام العشرة الأُولى من شهر محرّم في كلّ عام هي كماء المطر الذي يجري على الأرض فيطهّرها وينظّفها ويزيل الأوساخ والأقذار كافّة منها، وهكذا تلك المواكب، فهي تطهّر بيئتنا الاجتماعيّة من كلّ الوساوس والشبهات والتلقينات الفاسدة التي يبثّها الأعداء، وتضفي عليها روحاً جديدة عابقةً بالعشق لله تعالى والإيمان به( 6
1الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص ١٩٠.
2 من خطاب لسماحته لدى استقباله العلماء والفضلاء وطلبة محافظة كهكيلويه وبوير أحمد في مصلّى مدينة ياسوج بتاريخ ٢٩ ذي الحجة ١٤١٤ه.
3 من خطاب لسماحته لدى استقباله العلماء والفضلاء وطلبة محافظة كهكيلويه وبوير أحمد في مصلّى مدينة ياسوج بتاريخ ٢٩ ذي الحجة ١٤١٤ه.
4 من خطاب لسماحته لدى استقباله العلماء والفضلاء وطلبة محافظة كهكيلويه وبوير أحمد في مصلّى مدينة ياسوج بتاريخ ٢٩ ذي الحجة ١٤١٤ه.
5 المصدر نفسه.
6 المصدر نفسه.
|