• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : صور من الظاهر والباطن .
                          • رقم العدد : العدد الواحد والثلاثون .

صور من الظاهر والباطن

 صور من الظاهر والباطن

الشيخ ابراهيم السباعي

الإيمان صفة تظهر على الإنسان من خلال تصرفاته الخارجية من عباداته وتواضعه وحركاته الظاهرية، وإذا ما باتت صفاته تلك مطابقة مع واقعه أي استبطنها فذلك هو الإيمان، قال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}([1])؛ فعندما يطابق الظاهر بالباطن يصبح مؤمناً حقيقياً.

وأما من لم يطابق ظاهره باطنه يسمى في الشريعة الإسلامية منافقاً، وقد ذكره القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ، يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ، فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ}([2])

وهاتان الصفتان مع الإنسان متلازمتان في كل مجالات حياته الدنيوية بل وحتى الأخروية، ونحن في هذه العجالة لا نريد التطرق إلى هاتين الصفتين تفصيلاً، إنما نريد التحدث عن بعض هذه الصور.

صور من هاتين الصفتين

1-             هناك قسم من الناس من شدة التعفف وعزة نفوسهم مع حاجتهم وعوزهم وفقرهم، لا يسألون الناس ولا يشتكون إليهم، بل يحاولون إظهار غناهم وكفايتهم، فهم عند الناس أغنياء وفي واقعهم فقراء محتاجين، وقد مدحهم الله في القرآن الكريم ومدح تلك الصفة الراسخة في نفوسهم؛ لأنها قمة في العبودية والتنزّه عن السؤال إلا من الله تعالى فقط، قال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}([3])

2-             الرياء صفة من أسوء الصفات الأخلاقية التي ذمها القرآن الكريم، حيث اعتبرها الشارع المقدس من الشرك بالله على صعيد الأعمال؛ حيث يقوم العبد بعمل الخير أو العمل العبادي وهو يريد في نيته غير الله تعالى، كما لو صلى بخشوع وخضوع، ليراه الناس أنه في قمة الإيمان والتقوى وهذا ظاهره، وأما في واقعه فهو يصلي لغير الله([4])، كما ورد في الحديث القدسي، قال صلى الله عليه وآله: "قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ".

فهكذا إنسان لا قيمة لعمله كما ذكر تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}، هذا حال المرائي يوم القيامة، يصدم عندما يحاسب الله العباد على ما عملوه من خير وشر، النتيجة هي لا يتحصل لهؤلاء المرائين من الأعمال ـ التي ظنوا أنها منجاة لهم ـ أي ثواب؛ وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي: وهو الإخلاص فيها.

فكل عمل لا يكون خالصاً فهو باطل، كما ورد في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا}([5])

3-             عند ساعة الاحتضار: المحتضر يتألم ويتوجع من شدة ما يلاقيه، ونحن لا نرى منه إلا أنه لا يزال على قيد الحياة، ولا نعاين ما يعانيه الميت من ألم الموت وأهوال ساعات سكرات الموت، للحجاب الذي بيننا وبينه.

أهل المحتضر لا يزالون في العالم المادي يرون فقط الجسد المادي المسجى أمامهم على فراش الموت، أما نفس الميت, فقد قطعت علاقتها بالجسد ودخلت عالم البرزخ، {فبصرك اليوم حديد} نعم، أصبحت ترى على الحقيقة عالم البرزخ وما فيه من عذاب أو نعيم.

أهل الميت لا يرون الملائكة أو نفس الميت لحظة دخولها عالم الموت،  والسبب أننا طالما نحن سجناء هذا الجسد المادي، وفى هذا العالم المادي فلا يمكن أن نرى العوالم الأخرى.

4-             عند الموت: يحدَّ النظر وتنقلب الصورة، كل شيء يُرى بوضوح، حيث لم تعد رؤية الأشياء كالسابق، بل سيرى الإنسان عند الموت الملائكة ومنهم ملك الموت، عندها يتمنى الكافر الرجوع إلى الدنيا، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}([6]) في حال نحن لا نرى شيئاً منها أبداً.

وحتى أعمال الميت تتضح صورتها وتصبح جلية، حيث كان يرى ظاهرها فالصدقة تظهر بصورة جميلة ويظهر أثرها الجميل كذلك، لوذلك لم تذكر الآية تمني الرجوع إلا لفعل الصدقة لعظيم أثرها بعد الموت، قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ}([7])، وهكذا بقية الأعمال المرضية لله تعالى، أما الأعمال الفاسدة والمحرمة فلها صورها القبيحة.

5-             في القبر: ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النيران". وبالتالي فالميت يتنعم في قبره أو يتألم ويتعذب ونحن كأحياء لا نرى شيئاً من ذلك، ونظن أنه يتعذب في قبره حالة كونه يتنعم بسبب أعمال الخير التي كان يعمل في السر أو الصدقات الكثيرة التي أعطاها ونحن عنها غافلين.

6-             المؤمن في القبر: الناس تتصور عند وضعها للميت في القبر، أنها أودته في ظلمة القبر ووحشته. وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "أشد من الموت القبر، فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته إن القبر يقول كل يوم: أنا بيت الغربة، أنا بيت التراب، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود والهوام".

ونقل الشيخ بهائي عن بعض الحكماء أنه تحسَّر عند موته، فقيل له: ما بك؟ فقال: ما ظنكم بمن يقطع سفراً طويلاً بلا زاد، ويسكن قبراً موحشاً بلا مؤنس ويقدم على حكم عدل بلا حجة.

قال الشاعر:

وأنزلوني إلى قبري على مهل         وقدموا واحداً منهم يلحِّدني

وكشف الثوب عن وجهي لينظرني   وأسبلُ الدمع في عينيه أغرقني

وقال هلّوا عليه التراب واغتنموا       حسن الثواب من الرحمن ذي المننٍ

في ظلمة القبر لا أمٌّ هناك ولا          أبٌ شفيق ولا أخٌ يؤنسني

وهذا الظاهر للناس عند دفنها للميت، ولكن الميت المؤمن وضعه خلاف تلك الصورة تماماً، فهو في نور العبادة متنور ومستأنس فهو في أنس مطلق وفي نور مطبق.

روي عن أبي سعيد الخدري: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي: "يا علي، أبشر وبشِّر، فليس على شيعتك حسرة عند الموت، ولا وحشة في القبور ولا حزن يوم النشور".

ونحن لم نكن نرى فرقاً بين هؤلاء الموتى بشيء بل كانت أجداثهم متشابهة، وفي الحقيقة كانت مختلفة كلياً، فالمؤمن نعم، متنعم مسرور وفي اطمئنان، وأما من كان خالف أوامر الله تعالى ففي جدثه يتعذب، كما ورد في النمَّامين:

فقد روى الشيخ الصدوق في حديث طويل عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "ومَن مشى في نميمة بين اثنين سلَّط الله عليه في قبره ناراً تحرقه إلى يوم القيامة، وإذا خرج مِن قبره سلَّط الله عليه تنيناً أسود ينهش لحمه حتّى يدخل النار...".

7-             شارب الخمر: في الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "إنَّ شارب الخمر يجيء يوم القيامة مسوداً وجهه، مزرقةً عيناه، مائلاً شدقاه، سائلاً لعابه، دالعاً لسانه من قفاه".

8-             ذو الوجهين واللسانين: عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "يجيء يوم القيامة ذو الوجهين دالعاً لسانه في قفاه، وآخر من قدَّامه يلتهبان ناراً حتّى يلهبا جسده ثمَّ يقال له: هذا الذي كان في الدنيا ذا وجهين ولسانين يعرف بذلك يوم القيامة". وامثلة ذلك كثيرة.

9-             حال بعض أهل النار: يتساءلون فيما بينهم عن المؤمنين الذي كانوا يستهزئون بهم في الدنيا أين هم يا ترى، فيأتي الجواب، قال تعالى: {وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} ([8])

ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لقد ذكركم الله إذ حكى عن عدوّكم في النار، بقوله: وقالوا: {ما لنا لا نرى} الآية، قال: والله ما عنى الله ولا اراد بهذا غيركم صرتم عند اهل هذا العالم من اشرار النّاس، وانتم والله في الجنّة تحبرون وفي النار تطلبون، وفي رواية اما والله لا يدخل النّار منكم إثنان، لا والله ولا واحد والله إنّكم الّذين قال الله تعالى: {وقالوا ما لنا} الآية. ثمّ قال: طلبوكم والله في النار، فما وجدوا منكم احداً.

وفي رواية أخرى عن سماعة بن مهران قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: ما حالكم عند الناس؟ قال: قلت: ما أحد أجد أسوء حالاً منا عندهم، نحن عندهم أشر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا. قال: لا والله لا يرى في النار منكم اثنان لا والله لا واحد وإنكم الذين نزلت فيهم هذه الآية: {وقالوا: ما لنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم من الأشرار اتخذناهم سخرياً أم زاغت عنهم الأبصار}([9]).

10-        المفلس يوم القيامة والاستهانة بالسيئات يوم القيامة، بعض الناس تتلاشى حسناتهم، وتزول وتذوب كالملح في الماء، والسبب يبيّنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في الرواية التالية: ورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أتدرون ما المفلسُ؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناتهُ قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار"

فالمفلس الحقيقي ليس هذا هو المعروف من المفلس بين الناس، يعني الذي ليس عنده نقود، ولا عنده متاع، ولكن وإنما هو الذي تفنى حسناته، ثواب الصلاة يذهب، وثواب الزكاة يذوب، وثواب الصيام يذهب، وكل ما عنده من حسنات تفنى بل يؤخذ من سيئات خصمائه ويطرح منها عليه، ثم يطرح في النار.

وصدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن هذا هو المفلس حقاً، أما مفلس الدنيا فإن الدنيا تأتي وتذهب، ربما يكون الإنسان فقيراً فيمسي غنياً، أو بالعكس، لكن الإفلاس كل الإفلاس أن يفلس الإنسان من حسناته التي تعب عليها ، وكانت أمامه يوم القيامة يشاهدها، ثم تؤخذ منه لفلان وفلان.

تنبيه: في هذا تحذير من العدوان على الخلق، وأنه يجب على الإنسان أن يؤدي ما للناس في حياته قبل مماته.

11-        العالم والجاهل: رجل علّم آخر أحكام الدين والتوجيهات المسلكية للوصول إلى رضا الله ورضوانه، فقام الآخر بالالتزام بكل ما علمه إياه وطبقه بحذافيره، فعند الحساب يوم القيامة يؤمر بالملتزم إلى الجنة والعالم إلى النار، يتعجب الملتزم من هذه النتيجة حيث كان يتصور أنه والعالم الذي كان له الفضل بإلتزامه أن يدخلا الجنة معاً، لكن الصور تنقلب عنده، فيسأل عن ذلك؟ فيأتيه الجواب: قال لك: فعملت، وهو لم يعمل.

 



[1] سورة الحجرات

[2] سورة البقرة، الآية 8-13

[3] سورة البقرة، آية رقم:273

[4] حتى تقول الناس عنه مصلي، أو يزيد في عمله عندما يكون بين الناس وإذا خلا وكان لوحده لم يفعل

[5] سورة البقرة، آية رقم:264

[6] سورة المؤمنون، آية رقم:99

[7] سورة المنافقون، آية رقم:10

[8] سورة ص، آية رقم: 64

[9] سورة ص، آية رقم:62 ـ 63


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=776
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 12 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29