• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : عاشوراء .
                    • الموضوع : الحسين (ع) ميراث الأنبياء .

الحسين (ع) ميراث الأنبياء

الحسين (ع) ميراث الأنبياء

قال تعالى﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ فاطر: 32.

مَنْ هم الذين اصطفاهم الله لوراثة الكتاب؟

إنّهم الصفوة من ذرّيّة النبي محمّدٍ(ص)

عن الإمام الباقر(ع) قال: ”الظالم لنفسه مَنْ يحوم حول نفسه « الذي لا يهتم إلا بمصلحته» والمقتصد مَنْ يحوم حول قلبه « الذي يجهد نفسَه في إصلاح قلبه وتهذيب روحه»

والسّابق بالخيرات هو الإمام“

وعن الإمام الرّضا سُئِلَ: مَنْ هم المصطفون الذي أورثوا الكتاب؟ قال: ”هم وِلْدُ فاطمة، فالسّابق بالخيرات هو الإمام، والمقتصد العارف بالإمام، والظالم لنفسه من لم يعرف الإمام“

 وعن الإمام الكاظم(ع): ”فأمّا قوله عز وجل: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ فنحن المصطفون، ونحن الوارثون علمَ هذا القرآن الذي فيه تبيان كلّ شيءٍ.“

ولماذا الله خصّ الإرث بالمصطفين؟! وليس لكلّ عبادنا؟!

 أجابت الآية: لأنّ عبادنا منهم ظالمٌ لنفسه، ومنهم مقتصدٌ، ومنهم سابقٌ بالخيرات.

 فكلمة ﴿فَمِنْهُمْ﴾﴿وَمِنْهُمْ﴾ تقسيمٌ  لكلمة ﴿عِبَادِنَا﴾ وليست تقسيمًا ل ﴿الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا﴾، سيقت مساقَ التعليل، فكأنّه قال: إنّما اصطفينا جماعة وأورثناهم الكتاب لا كلّ عبادنا لأنّ عبادنا منهم ظالمٌ لنفسه، ومنهم مقتصدٌ، وسابقٌ بالخيرات.

ومن صغريات ومصاديق الآية المباركة ما نصّت زيارة وارث عليه، زيارة الإمام الحسين(ع) 

وهذا المقطع من الزيارة لم يختص بالإمام الحسين(ع)، فقد ورد في زيارة الإمام علي(ع)  ، وفي زيارة الإمام الرّضا(ع) ، وورد ما مضمونه في زيارة الإمامَيْن الكاظمَيْن(ع) ، والإمامَيْن العسكريَيْن(ع) ، ولكن تكرّر في زيارة الحسين(ع)، في زيارة وارث، زيارة العيدَيْن ، زيارة عرفة، زيارة أول رجب، زيارة ليلة القدر...  مما يظهر أنّ للحسين خاصيّة.

الوراثة هنا لها مضامينُ أربعة

المضمون الأول: الوراثة الماديّة

هناك شيءٌ ماديٌ محسوسٌ انتقل من الأنبياء السّابقين إلى الحسين(ع)، فما هو ؟

عندنا رواية سعيد السمّان، يقول: دخل رجلان من الزيديّة على الإمام الصّادق(ع)   يناقشانه في مسألة الإمام، وقالا له: أفيكم إمامٌ مفترض الطاعة؟!

قال: ”إنّ عندي سيفَ رسول الله، ودرعَه، ولامتَه، ومِغْفرَه، ورايتَه، وإنّ عندي ألواحَ موسى، وعصا موسى، وقميصَ يوسف، وخاتمَ سليمان، وإنّ عندي الطست الذي يقرّب به موسى القربانَ، وإنّ عندي التابوت التي جاءت به الملائكة تحمله، فالسلاح منا كالتابوت في بني إسرائيل، فإذا وقف التابوتُ على باب دار أحدهم أوتِيَ النبوة، وكذلك نحن فمَنْ صار السّلاح إليه منا فقد أوتي الإمامة“

ثم قال: ”وإنّ أبي لبِسَ درعَ رسول الله  فخطت على الأرض خطيطة، ولبستها فكانت كذلك، فإذا قام قائمُنا لبسها فملأها إنْ شاء الله.

وفي رواية المفضّل الجعفي، يسأل الإمام، يقول له: ما قميص يوسف؟  قال له : ”إنّ إبراهيم لما أوقدت له النارُ نزل جبرئيلُ بقميصٍ من الجنة، فألبسه إبراهيمَ، فلم يضرّه بعده حرٌ ولا بردٌ، ولما جاء إبراهيمَ الموتُ قلده ابنه إسحاق، فلما جاءه الموتُ قلده ابنه يعقوب، فلما وُلِدَ يوسفُ قلد إبراهيمُ القميصَ ليوسفَ، فلمّا خرج به وأخرجه يوسفُ من تميمته وأرجعه إلى أبيه قال: ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ﴾ يوسف: 94

فهذا القميص ثوبٌ من الجنة“، فقال له المفضّلُ الجعفيُ: وأين صار القميص؟ قال إلى أهله، قال: ومن هم أهله؟! قال: ”كلّ نبي ورّث علمًا أو غيره فقد انتهى إلى النبي وإلى أهل بيته مِنْ بعده.

المضمون الثاني: الوراثة الرّوحيّة

أنّ هناك مخلوقًا أعظم من الملائكة يسمّى بروح القدس وظيفته التأييد والتسديد للأنبياء والمؤمنينكما قال تعالى: ﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ البقرة: 87

 روح القدس إذا اتصل بكل نبي برزت له صفة، فلكل نبي من أنبياء الله صفة يتميّز بها على غيره، والإمام الحسين(ع) وغيره من الأئمة ورثوا من كلّ نبي صفته التي تميّز بها.

وهذا ما نعبّر عنه بالإرث الرّوحي، أو بالميراث الرّوحي.

 الرّسولُ(ص) : ”مَنْ أراد أنْ ينظر إلى آدم في جلالته، وإلى شيث في حكمته، وإلى إدريس في مهابته، وإلى نوح في شُكْرِه لربّه، وإلى إبراهيم في خلته، وإلى موسى في بغضه لكلّ عدوٍ لله ومنابذته، وإلى عيسى في محبّته لكلّ مؤمنٍ ومعاشرته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب

 

المضمون الثالث: الوراثة القياديّة

والمقصود بها الولاية، ثبتت للأنبياء(ع)  وللأئمة (ع) 

والولاية تنقسم إلى قسمين: ولاية على التشريع، وولاية على التكوين

1ولاية التشريع: بمعنى أنّ للنبي - بمقتضى علمه بأسرار التّشريع - الولاية على أن يشرّع، فإذا شرّع أمضى اللهُ تشريعَه، ففي الرّواية الصّحيحة: ”إنّ الله حرّم الخمرَ بعينه، وحرّم رسولُ الله المسكرَ من كلّ شرابٍ، فأجاز اللهُ له ذلك، وإنّ الله فرض الصّلاة ركعتين ركعتين عشرَ ركعاتٍ، فأضاف رسولُ الله إلى الرّكعتين ركعتين فصارت عديلة الفريضة لا يجوز تركهنّ إلا في سفرٍ، وأفرد للمغرب ركعة وأقامها فلا تسقط في سفرٍ ولا حضرٍ، فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة، فأجاز اللهُ له ذلك“، فالنبي مشرّعٌ.

وعن الصّادق قال: ”إنّ الله فوّض إلى نبيه أمرَ دينه فقال: ﴿مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ الحشر: 7 وما فوّض إلى نبيّه فقد فوّض إلينا“ إذن لهم الولاية على التشريع

2 ولاية التكوين: ولهم الولاية على التكوين

الولاية التي ثبتت لسليمان، ولاية على الوجود، القرآن الكريم يقول: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ﴾ ص: 36 - 37

وسُخّرَ لداوود ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ﴾ الأنبياء: 79 وعُلم منطقَ الطير

 وأيضًا أعطيت  الولاية لعيسى ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ آل عمران: 49

هذه الولاية على الوجود التي ثبتت للأنبياء ثبتت للنبي وأهل بيته، ومنهم الحسين(ع)   ولذلك ورد في زيارة الجامعة: ”بكم فتح اللهُ، وبكم يختم، وبكم ينزل الغيثَ، وبكم يمسك السّماءَ أنْ تقع على الأرض إلا بإذنه، وبكم ينفس الهمّ، وبكم يكشف الغمّ، وعندكم ما نزلت به رسله وهبطت به ملائكته.“.

والولاية بقسميها - سواءً ولاية على التشريع أو ولاية على التكوين - تحتاج إلى العلم، الولاية فرع العلم، من أوتي العلمَ بأسرار التشريع أوتي الولاية على التشريع، ومن أوتي العلمَ بأسرار الكون ومفاتيح الكون أوتي الولاية على الكون، وهذا ما يؤكّده الأئمة الطاهرون «صلوات الله عليهم أجمعين» في هذه الرّواية عن أبي الحسن موسى بن جعفر(ع) ، يقول له الرّاوي: هل ورث النبيُ علمَ الأنبياء كلهم؟ قال: نعم، قال: من لدن آدم إلى أنْ انتهى إليه؟! قال: ”نعم، ما بعث اللهُ نبيًا قط إلا وكان محمّدٌ أعلم منه“، قلتُ: إنّ عيسى يحيي الموتى بإذن الله وإنّ سليمان علم منطقَ الطير فأين النبيُ من ذلك؟! قال له الإمامُ: ”إنّ النبيَ يقدر على هذه المنازل كلها، وكذلك نحن أهل البيت ورثنا هذا القرآن الذي تُسَيّر به الجبالُ وتُقطع به البلدانُ ويُحْيَى به الموتى بإذن الله؛ لأنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ النحل: 89

يعني: هذا القرآن يضمّ بين دفتيه أسرارًا لا يتعرّف عليها إلا النبيُ وأهلُ بيته، وتلك الأسرار هي مفتاح الولاية والتحكّم في هذا الكون كله، ﴿تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾

وقال جلّ وعلا: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ فنحن المصطفون، ونحن ورثنا علم هذا القرآن الذي فيه تبيان كل شيء.“.

المضمون الرابع: الوراثة الجهاديّة

التاريخ لا يسير عبثًا وانما على ضوء سننٍ أشار إليها القرآنُ الكريمُ بقوله:(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) آل عمران: 137

ومن هذه السنن: أنّ الأحداث التي تقع في الأمم السّابقة تعكس تأثيرها على الأمم اللاحقة، تجارب الأمم السّابقة تؤثر في الأمم اللاحقة

وكذلك معركة الحقّ والباطل، معركة الحقّ والباطل بدأت منذ يوم آدم ومرّت بفصولٍ وتجاربَ، كلّ تجربةٍ منها صارت تمهيدًا للتجربة التي بعدها، تجربة آدم صارت تمهيدًا لتجربة نوح، وتجربة نوح صارت تمهيدًا لتجربة إبراهيم، وتجربة إبراهيم تمهيدٌ لتجربة موسى، وهكذا...

فصول المعركة بين الحقّ والباطل مرّت بأدوارٍ وتجاربَ ومشاهدَ إلى أن تلخصت تلك التجارب في رسالة النبي (ص) ، وتلخصت تجربة النبي في صراعه مع الكفر والشّرك في الإمام علي (ع) الذي قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وتلخصت كل فصول الصّراع بين الحق والباطل من يوم آدم إلى يوم علي تجسّدت وتمثلت في الحسين (ع) يوم كربلاء، فهو وارث الأنبياء في حركة الصّراع، وهو وارث الأنبياء في الإرث الجهادي، ووارث الأنبياء في فصول المعركة الحاسمة بين الحقّ والباطل، لم يبلغ نبيٌ ما بلغ الحسينُ (ع) .

الحسين بذل دمَه ونفسَه ونفيسَه في سبيل دعم الحقّ وتشييده، فكان الحسينُ خلاصة جهود الأنبياء وخلاصة تجارب الأنبياء، وكان دمُ الحسين هو القربان الذي تقرّب به كلُ الأنبياء إلى الله تبارك وتعالى، الحسين(ع)  هو إرث الأنبياء، دم الحسين(ع)  هو قربان الأنبياء الذي أقبلت إليه العقيلة زينبُ ومدّت يديها ورفعته وقالت: ”اللهم تقبّل منا هذا القربانَ“، يوم العاشر يوم معركة الحقّ ضدّ الباطل، يوم الدم الحسيني الذي تدفق وكلّ قطرةٍ منه تقول: ”لا واللهِ لا أعطيكم بيدي إعطاءَ الذليل ولا أقرّ إقرارَ العبيد، ألا وإنّ الدّعي ابن الدّعي قد ركز بين اثنتين: بين السّلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى اللهُ لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وجذورٌ طابت، وحجورٌ طهرت، وأنوفٌ حمية، ونفوسٌ أبية، أنْ تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإنّي متقدّمٌ بهذه الأسرة مع قلة العدد وخذلان الناصر .


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=880
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 09 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29