• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : عاشوراء .
                    • الموضوع : إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام .

إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام

إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام

روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال للفضيل بن يسار:

 يا فضيل « أتجلسون وتتحدثون؟ »قال: نعم جعلت فداك. قال الإمام الصادق عليه السلام: «إن تلك المجالس أحبها. فاحيوا أمرنا، فرحم الله من أحيا أمرنا »

أولاً: ما هو أمر أهل البيت عليهم السلام ؟

لا نحتاج لاجتهاد حتى نفسر هذه الكلمة، فإن أهل البيت أنفسهم فسروا لنا هذه الكلمة. يقول الهروي سمعت الإمام أبا الحسن علي بن موسى الرضا يقول:«أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا. قلت: يا بن رسول الله وكيف يحيا أمركم؟ قال: أن يتعلم علومنا ويعلمها الناس؛ فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا»

ويقول الامام علي (ع) ليس امري وامركم واحدا انني اريدكم لله وانتم تريدونني لانفسكم .

مشروعه هو ارتقاء الإنسان إلى الله، ومن يرتقي إلى الله لا يمكن له إلا أن يبتعد عن الأطماع الشخصيّة، والعصبيات الذاتية، وأن يكون الحقّ رائده، والعدل سائسه حتّى مع أعدائه

 هذا أمر أهل البيت، ولم يكن أمرهم المناصب والمواقع والكراسي، كلا بل أمر أهل البيت عليهم السلام هو الإسلام والرسالة الإسلامية، وكانوا يريدون إيصال رسالة الإسلام إلى الناس، هذه الرسالة التي جاءت على يد جدهم الاعظم محمد (ص) ، وهم كانوا يتحملون مسؤولية توضيحها وتبيينها؛ لأن الفترة التي عاشها لرسول  لم تكن كافية لكي تتضح كل التفاصيل وكل المعالم، بالإضافة إلى الأشياء التي تستجد في حياة الأمة

صارت هناك انحرافات وتشويهات بسبب أناس لم يكونوا مؤهلين لفهم أحكام الدين ولمعرفة مفاهيمه ممن تصدوا لتبيين الأحكام والإفتاء، وبعضهم كانوا مغرضين، إضافة إلى أن السلطات الأموية والعباسية أرادت أن تكيف الدين حسب أغراضها ومصالحها، نتج عن كل ذلك تشويه وتحريف في الدين.

إذن أمر أهل البيت هو الرسالة الإسلامية الخالصة النقية السليمة دون تحريف أو تزييف أو تزوير. وسلوك أهل البيت انعكاس للإسلام؛ فهم معصومون لا ينفكون عن القرآن

وأهل البيت يريدون من أتباعهم وشيعتهم إحياء أمرهم «أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا» وهو كما يقول الإمام: «يتعلم علومنا ويعلمها الناس»، وخاصة إذا علمنا أن هناك عوامل وأسباباً عديدة ترمي إلى التعتيم والكتمان، وتريد إماتة أمر أهل البيت وذكرهم. فإن السلطات المناوئة إلى أهل البيت من الأمويين العباسيين قد بذلوا كل جهودهم من أجل أن يمنعوا الناس ويفصلوهم عن أهل البيت(ع)

كانت الرواية عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب تكلف الإنسان حياته، والمرسوم الذي أصدره معاوية بن أبي سفيان واضح، فمن يروي أحاديث عن أمير المؤمنين  يهدم بيته، ويقطع رزقه، ويتعرض للقتل والتصفية.

وهكذا السلطات التي توالت على الحكم وكانت مناوئة لأهل البيت كانت تسعى بكل قوتها وجهدها لمنع ظهور فكر أهل البيت.

وأهل البيت يجدون أنفسهم مسؤولون عن تبليغ الرسالة، إلا أن السلطة والوسائل الإعلامية والإمكانات المادية لم تكن متاحة لهم، ووسائل التبليغ كمنابر الجمعة والإفتاء والتدريس غالباً كانت بيد الآخرين، وإلى جانب كل ذلك كانت السلطات تحارب أهل البيت وتقف حائلاً دون توجيهات أهل البيت.

فحاول أهل البيت عليهم السلام أن يشقوا لهم طريقاً مناسباً لكي يقوموا بمسؤوليتهم

ما هو هذا الطريق؟

حملوا كل إنسان مؤمن المسؤولية في مساعدة أهل البيت في هذا الدور «رحم الله من أحيا أمرنا»

كل إنسان لابد أن يقوم بدور حتى نستطيع أن نؤدي هذه المهمة «رحم الله من أحيا أمرنا

 

كيف نحيي أمر أهل البيت؟

إحياء أمر أهل البيت يكون في ثلاث دوائر

الدائرة الأولى: أتباع أهل البيت

يحيا أمرهم بتوضيح تعاليمهم والدفع والتشجيع للاقتداء والأخذ بتعاليمهم؛ حتى لا يكون الاتباع مجرد اسم وانتماء اجتماعي فإنه لا يكفي من يعتقد بإمامة أهل البيت مجرد الاعتقاد القلبي فقط، وإنما لابد أن يتبعه التزام سلوكي.

يقول أمير المؤمنين علي (ع): «ألا وإن لكل مأموم إمام يقتدي به ويستضيء بنور علمه»

المطلوب هو الاقتداء. وشيعة أهل البيت حينما يحضرون مجالس أهل البيت ويحيون أمر أهل البيت في وسطهم هذا يعني أنهم يتشجعون ويتعهدون بالسير في طريق أهل البيت عليهم السلام وبالأخذ بتعاليم أهل البيت

يقول الإمام الصادق : «ما شيعتنا إلاّ من اتقى الله وأطاعه»

وعندنا روايات كثيرة تؤكد أن التشيع ليس مجرد الاعتقاد أو المحبة القلبية، وإنما هو الالتزام السلوكي أيضا

يقول الإمام الصادق :«ليس من شيعتنا من يكون في مصر وفيه آلاف ويكون في المصر أورع منه»  شيعتهم بالنسبة إلى سائر الناس ينبغي أن يكونوا هم الأتقى والأورع الأفضل التزاماً وسلوكا .

يقول الإمام الصادق عليه السلام : «يا مفضل: القبيح من كل أحد قبيح، ومنك أقبح لمكانتك منا، والحسن من كل أحد حسن، ومنك أحسن لمكانك منا».

 الإنسان الموالي والمشايع لأهل البيت عليهم السلام عليه أن يعرف أن انتسابه إلى أهل البيت يحمله مسؤولية سلوكياً.

فإحياء أمر أهل البيت في وسط أتباعهم وشيعتهم يكون بمعنى المزيد من الاقتداء والالتزام والاتباع لأهل البيت ولذلك هذه المجالس حينما تحيى ونجتمع في فيها في هذه المناسبات لابد تكون دافعاً لنا للالتزام والتقيد بالدين وبأوامر أهل البيت

الدائرة الثانية: الدائرة الاسلامية

لدى أهل البيت رسالة لكل المسلمين، وهم هداة لكل المسلمين. ولذلك يجب أن يصل فكرهم إلى كل المسلمين. فيجب أن يحيى ذكر أهل البيت وأمرهم في الدائرة الإسلامية العامة. أبناء الأمة الإسلامية ينبغي أن يعرفوا فكر أهل البيت

ولذلك أكد الإمام الرضا(ع) : «أن يتعلم علومنا ويعلمها الناس». لماذا؟ «فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا .

فإذا اتضحت سيرة أهل البيت للناس، وإذا انتشر فكرهم بين الناس حتى من غير أتباعهم والموالين لهم؛ فإنه يكون لهذا أثر كبير في استقطاب الناس إلى خط أهل البيت وإلى منهجهم .

وهذه التوعية ينبغي أن تكون بالأسلوب المناسب: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾.

ولذلك يقول مدرك الهزهاز قال لي الإمام الصادق: «أقرئ أصحابنا السلام ورحمة الله وبركاته، وقل لهم: رحم الله امرأً اجتر مودة الناس إلينا، فحدّثهم بما يعرفون وترك ما ينكرون»

خاطبوا الناس على قدر عقولهم، على قدر تقبلهم. ليس من الصحيح أن تتحدث مع الناس عن أشياء حينما يسمعونها ينفرون منها، أو يواجهونها بردة فعل، هذا خطأ.

فاللازم أين يكون الكلام معقولاً ومنطقياً ومستوعَباَ عند الآخرين، وإلا فأنت تسيء إلى أهل البيت فيما إذا أخرجت شيئًا لا يمكن استيعابه وتقبله .

 ومن الخطأ أن يتحدث الإنسان في أي شيء سواء كان مناسباً أم غير مناسب، يفهمه الطرف المقابل أم لا يفهمه.

فمن المؤسف أن الكثير من المسلمين لم يصلهم شيء من مدرسة أهل البيت. أين روايات أهل البيت؟! أين كتب أهل البيت؟! فنهج البلاغة لابد أن يصل لكل مسلم، وكذا الصحيفة السجادية. وينبغي أن تكون سيرة أهل البيت وحياتهم واضحةً لكل مسلم

من يتحمل هذه المسؤولية؟

أتباع أهل البيت عليهم السلام هم الذين يتحملون هذه المسؤولية؛ فإن الشيعة السابقون ضحوا بنفوسهم وحياتهم، بدمائهم أموالهم حتى يحفظوا تراث أهل البيت وينقلوه للناس، ونحن مؤتمنون على هذا التراث، وهذه الخزائن من الثروة الهائلة، «فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا .

 الدائرة الثالثة: الدائرة الإنسانية العامة

العالم اليوم تسوده حالة الوعي، مما يساعد على استيعاب القيم والمفاهيم والمبادئ الإنسانية التي تنسجم مع فطرة الإنسان ومصلحته. وهذا الوقت مناسب جداً لعرض سيرة أهل البيت ومفاهيمهم .

عن ماذا يتحدث الناس في العالم من القيم والمبادئ؟

إنهم يتحدثون عن حقوق الإنسان. وفي سيرة أهل البيت تتجلى وثائق عظيمة ورائعة عن حقوق الإنسان.

ولو أن كلام أهل البيت عليهم السلام وسيرتهم فيما يرتبط بحقوق الإنسان يبرز للعالم ويطرح أمام البشرية العالم من هم أهل البيت، ولعرفوا قيمة أهل البيت العالم .

في مدرسة أهل البيت عليهم السلام وكلامهم تجد أروع المفاهيم والضوابط والمواقف والممارسات لاحترام الحرية .

وكذا تتحدث البشرية عن الحفاظ عن البيئة. اقرأ في مدرسة أهل البيت لترى كيف يعرضون هذا الأمر بالتفاصيل .

ولذا علينا أن نجتهد حينما تمر هذه المناسبة؛ لأن موسم محرم موسم الولاء لأهل البيت، فينبغي أن يكون صدى هذه مناسبة هذه الأيام العشرة في بداية كل عام هجري واسعا وكبيرا على مستوى العالم والبشرية كلها ينبغي أن تعيش ذكرى أبي عبدالله الحسين عليه السلام.

فالفكر موجود عند أهل البيت وشيعتهم، والإمكانيات موجودة عند أهل البيت (ع)، لكن تحمل المسؤولية غير موجود

لماذا نترك الساحة فارغة أمامهم يبثون سمومهم وينشرون دعاياتهم ونحن عندنا هذا الفكر النير المشرق، والحقائق الواضحة .

وأيام عاشوراء موسم لإحياء أمر أهل البيت، وهذه المراسيم لم نبتدعها بل أهل البيت وضعوا أسسها وكلامهم وفعلهم حجة عندنا، وقد أمرونا بإحياء هذه المناسبات، ونحن ملزمون بالامتثال. وقد ورد عنهم تفصيل إحياء الذكرى والبكاء على مصيبة الإمام

لأنها تخدم إحياء أمرهم «رحم الله من أحيا أمرنا.

 

 

 

_ من محاضرة للشيخ حسن الصفار _ بتصرف


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=941
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 08 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16