• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : ورفعنا لَكَ ذِكْرَكَ .

ورفعنا لَكَ ذِكْرَكَ

ورفعنا لَكَ ذِكْرَكَ

قال تعالى : الَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَ وَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (4)

رَفَعْنا : ورفع الشّي‏ء يكون بإعلائه، حتّى يراه جميع الرّائين، فلا يكون محجوبا عن أحد منهم، و منه رفع الرّايات، و رفع المنارات، و رفع المباني، و منه الإذن برفع بيوت اللّه حتّى تكون أعلى من سائر المباني حولها، للاهتداء إليها.

(ذكرك) أي: صيتك الحسن بين كلّ ذوي الإدراك، إنّ انتشار الذكر الحسن بين الخلائق من أجلّ عناصر المجد الّتي يحرص عليها كرام النّاس و عظماؤهم.

فأبان اللّه عزّ وجلّ لرسوله في هذه الآية منّة تكريمه بمجد الذّكر الحسن، والصّيت العظيم، و الثناء الرّفيع بين أهل الأرض، و بين أهل السّماوات.

والذكر هو الاحضار العلمى سواء كان بلسان الحال ام بلسان القال و الرفع هنا عبارة عن القران بالمبدء الاعلى.

اما الاول بلسان الحال ففى مراحل عديدة :

منها اصل التحقق و الوجود : اول ما خلق اللّه نورى.

و منها مرحلة الافاضة و التفضل لقوله تعالى‏ وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ‏

و منها مرحلة المحبة و العشق لقوله تعالى‏ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ س 3 ى 31.

و منها مرحلة الرضا لقوله تعالى‏ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ‏

ومنها مرحلة البيعة لقوله تعالى‏ إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ‏

فَوْقَ أَيْدِيهِمْ‏

و منها مرحلة الطاعة لقوله تعالى‏ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ‏

ومنها مرحلة المحادّة و المعاداة لقوله تعالى‏ أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ‏

واما الثانى (بلسان القال) ففى موارد كثيرة

كالشهادة لتحقق الاسلام و التشهد فى الصلوة و الاذان و الاقامة و الخطب و مفاتيح الرسائل و الكتب.

 

ولهذا التكريم وقائع و تطبيقات كثيرة، منها ما يلي:

* ذكر صفاته والبشارة به في التوراة و الإنجيل، و على ألسنة كثير من الأنبياء والمرسلين.

* اقتران اسمه باسم اللّه جلّ جلاله في الشهادتين.

* أنّ له الشّفاعة يوم القيامة، حين يتخلّى عنها جميع الأنبياء و المرسلين.

* ثناء اللّه عليه بقوله له كما جاء في سورة (القلم/ 68 مصحف): وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ‏ (4).

 

ورفع الذكر فيه أقاويل:

أحدها: ما روى أبو سعيد الخدريّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أنه سأل جبريل عن هذه الآية فقال: قال اللّه عزّ و جلّ: إذا ذكرت ذكرت معي

فليس خطيب، و لا متشهّد، و لا صاحب صلاة إلّا يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه

عن القمّيّ قال: تذكر إذا ذكرت و هو قول الناس أشهد أن لا إله إلّا اللَّه و انّ محمّداً رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله.

و في المجمع عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله في هذه الآية قال: قال لي جبرئيل قال اللَّه عزّ و جلّ إذا ذكِرْتُ ذكِرتَ معي.

و أي شي‏ء أعلى و أرفع من اقتران اسم محمد باسم اللّه، و طاعته بطاعته‏ «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ»- 80 النساء.

 «وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً»- 36 الأحزاب.

والثاني: رفعنا لك ذكرك بالنّبوة.

 و الثالث: رفعنا لك ذكرك في الآخرة كما رفعناه في الدنيا

و ذكر الرسول مرفوع في الدنيا بتأييد اللّه لدينه الذي يظهره على الدين كله و بقبول شفاعته في الاخرة التي يرضيه بها

و الرابع: رفعنا لك ذكرك عند الملائكة في السماء.

والخامس: بأخذ الميثاق لك على الأنبياء، و إلزامهم الإيمان بك، و الإقرار بفضلك،

وَرفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ‏ أي أعلناه، فذكرناك في الكتب المنزلة على الأنبياء قبلك، و أمرناهم بالبشارة بك، و لا دين إلا دينك يظهر عليه، و أخذنا على الأنبياء العهد إن ظهرت و أحدهم حي، ليؤمنن بك و لينصرنك، و هم يأخذون على أممهم ذلك العهد، كما في قوله تعالى: وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ الآية

رفع الذكر إعلاؤه عن مستوى ذكر غيره من الناس و قد فعل سبحانه به ذلك، و من رفع ذكره أن قرن الله اسمه (ص) باسمه فاسمه قرين اسم ربه في الشهادتين اللتين هما أساس دين الله، و على كل مسلم أن يذكره مع ربه كل يوم في الصلوات الخمس المفروضة

تنويه : وهذه السّورة مكيّة، بينما الآية الكريمة تتحدث عن انتشار الإسلام، و تجاوز عقبات الدعوة، و إزالة الأعباء التي كانت تثقل كاهل الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ارتفاع ذكر النّبي في الآفاق ... وهذا ما حدث في المدينة لا في مكّة.

قيل: إنّ السّورة تبشّر النّبي بما سيلقاه في المستقبل، و كان ذلك سببا لزوال الحزن والهم من قلبه

و قيل أيضا: إنّ الفعل الماضي هنا يعني المستقبل.

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=960
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 11 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29