• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : مفاهيم .
                    • الموضوع : الإمام الصادق عليه السلام والمشروع الثقافي .

الإمام الصادق عليه السلام والمشروع الثقافي

الإمام الصادق عليه السلام والمشروع الثقافي

مر التشيع بمراحل ثلاث

التشيع العقائدي: بدأ منذ زمان النبي محمّدٍ (ص) الإيمان بأن الإمام بالنص وأن الإمام منصوصٌ عليه.

التشيع السياسي: بدأ يوم مقتل الحسين (ع) ، تحول التشيع لا إلى عقيدة فقط بل إلى حركة معارضة، وتطور من الحسين، زيد بن علي، الحسين بن علي صاحب معركة فخ.

التشيع المدرسي: تحول التشيع إلى مدرسة، ذات أصول فكرية وجذور ثقافية في عهد الإمامين الباقر والصادق صلوات الله وسلامه عليهما.

 كيف تحول إلى مدرسة؟

الظرف الذي عاش فيه الإمام الحسين يختلف عن الظرف الذي عاش فيه الإمام الصادق، المشكلة في عصر الإمام الحسين هي في القيادة وليست في المفاهيم، المفاهيم كانت مفاهيم أصيلة، المشكلة كانت في القيادة، فصار هَمّ الحسين إصلاح القيادة، ”ما خرجتُ أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا وإنما خرجتُ لطلب الإصلاح“،”ولعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب الدائم بالقسط الحابس نفسه على ذات الله

لما جاء عصر الإمام الصادق ع صارت المشكلة أكبر، لم تكن المشكلة في القيادة فقط، كانت المشكلة في المفاهيم، ونتيجة الانفتاح الحضاري تداخلت الثقافات، وتشابكت المفاهيم، أصبحت الأمة الإسلامية تعجّ بحركة ثقافية تغييرية رهيبة جدًا، خط الملاحدة، خط الصوفية، خط القدرية، خط المرجئة، خط القياس، خط الحديث... مدارس مختلفة  

لذلك رأى الإمام الصادق ع أن يقود حركة كما قاد جده الحسين لكن حركة ثقافية، حركة علمية لا حركة عسكرية، كلاهما قاد حركة معارضة، لكن المعارضة من قِبَلِ الحسين كانت معارضة عسكرية ضد القيادة، والمعارضة من قِبَلِ الإمام الصادق كانت معارضة للمفاهيم، للأسس، للجذور الثقافية.

 

معالم  المشروع الثقافي للإمام الصادق (ع )

اعتمد المشروع الثقافي للإمام الصادق (ع ) على عدة معالم:

معلم الأصالة _ معلم الشمولية _ معلم الصيانة والحصانة _ معلم القيادة

المعلم الأول: الأصالة

ثقافة تنبع من الجذور العقلية للإنسان، من الثوابت الفطرية للإنسان، حتى يكون مشروعًا أصيلاً ”حديثي حديث أبي، ...حديث رسول الله  “”لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين، إنما هي أصول علم نتوارثها كابرًا عن كابر عن محمّدٍ رسول الله  “

كيف أسّس الإمام الصادق للأصالة وجعل التشيع فكرًا أصيلاً ؟

أسّس أربعة مناهج

المنهج الأول: المنهج الكلامي

اعتمد الإمام الصادق(ع ) في مجال علم الكلام على ركيزة العقل، العقل هو الحاكم في علم الكلام، سواء كان عقلاً نظريًا أو عقلاً عمليًا .

 دخل عليه أبو شاكر الديصاني وكان قائد الحركة - حركة الإلحاد - كان ملحدًا لا يعترف بوجود الله، قال: يا أبا عبد الله كيف تثبت لي أن لك صانعًا  قال: ”لأنني وجدتُ نفسي إما أنا صنعتها أو أن لي صانعًا، فإن كنتُ صنعتها فإما صنعتها وهي موجودة أو صنعتها وهي معدومة، فإن صنعتها وهي موجودة فقد استغنت بوجودها عن صنعتي تحصيل حاصل» وإن كانت معدومة فإن المعدوم لا يحدث شيئًا «فاقد الشيء لا يعطيه» فإذا لم أكن صنعتُ نفسي إذن فلي صانعٌ“

 هذا برهانٌ عقليٌ فلسفيٌ دائرٌ بين النفي والإثبات، مبنيٌ على مبدأ استحالة التناقض

دليل حساب الاحتمالات في علم الرياضيات، هو عبارة عن أن تقرأ ظواهر متعددة ونتيجة قراءة الظواهر المتعددة يحصل تراكم في درجة الاحتمال إلى أن يصل إلى درجة اليقين

مثلاً بالنسبة إلى وجود الله نحن نحتمل أن الله موجود بنسبة 5% مثلاً ونحتمل أن الله ليس بموجود نقوم بقراءة الظواهر الكونية، كلما قرأنا ظاهرة كونية تصاعد احتمال وجود الله، تتراكم درجة الاحتمال إلى أن تصل إلى درجة اليقين بوجود خالق هذا دليل حساب الاحتمالات أسّسه الإمام الصادق

قال ابن أبي العوجاء: دلني على معبود، أخذ بيضة، قال: هل رأيت البيضة؟ قال: بلى قال: ما تقول؟ قال: ماذا؟ قال: ”هذا حصنٌ مكنونٌ، تحته جلدٌ غليظ، تحت الجلد الغليظ جلدٌ رقيقٌ، تحت الجلد الرقيق فضة ذائبة، تحت الفضة الذائبة ذهبة مائعة، لا تختلط الفضة الذائبة بالذهبة المائعة، ولا يدرى ألذكر ذلك أم لأنثى، أما ترى أن لذلك خالقًا مدبرًا؟!“

مثالٌ بسيط لكن الإمام يريد أن يعلمه على دليل حساب الاحتمالات، قراءة الظواهر، ”أما ترى أن لذلك خالقًا مدبرًا؟! إذن الإمام أصّل على مستوى علم الكلام أن المركز هو العقل سواء كان عقلاً فلسفيًا أو كان عقلاً رياضيًا.

 

المنهج الثاني: ماذا أسسه الإمام على مستوى علم الفقه؟

تعرفون أن استنباط الحكم الشرعي له أربعة مصادر: الكتاب، السنة، الإجماع  العقل، لكن ما هو المراد بالعقل؟

الإمام الصادق(ع ) يرى أن العقل الذي يُعْتَمَدُ عليه هو العقل القطعي، يعني: العقل الذي تتفق جميعُ العقلاء عليه، هذا الذي نعتبره مصدرًا من مصادر الحكم.

أما إذا كان العقل ظنيًا لا قطعيًا، عقلٌ يختلف فيه العقلاء، يختلف في مدركه العقلاءُ فلا يصلح أن يكون مصدرًا للحكم الشرعي وهو العقل المسمى بالعقل القياسي

مبدأ القياس أن تقيس حكم شيء على حكم شيء آخر لعلةٍ ظنيةٍ

ما رأيك في حلق شعر الرأس حرامٌ أم حلالٌ؟ حلال، إذا كان حلق شعر الرأس حلالاً إذن حلق اللحية حلالٌ! هذا شعرٌ وهذا شعرٌ! وهذه نظافة وهذه أيضًا نظافة! هذا يسمّى قياسًا، يعني: قسنا حكم شيء على حكم شيء آخر لا لعقل قطعي بل لعقل ظني

العقل الظني الذي أعْتُمِدَ عليه في القياس، في الاستحسان، في سد الذرائع، في المصالح المرسلة، ليس مصدرًا من مصادر الحكم الشرعي لأنه ظنيٌ، وقد ورد عنه سلام الله عليه: ”إنّ دين الله لا يصاب بالعقول“ يعني: العقول الظنية، لأننا نحتمل أن هناك ملاكاتٍ وعللاً غير العلل التي اكتشفتها عقولنا على نحو الظن

دخل أبو حنيفة على الإمام الصادق ، قال: يا أبا حنيفة بِمَ تفتي أهل العراق؟ قال: أفتيهم بكتاب الله، قال: أنت تعرف كتاب الله ناسخه، منسوخه، محكمه، متشابهه؟ قال: بلى، قال: إذن أسألك ما معنى قوله تعالى: ﴿وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ قال: هذه بين مكة والمدينة، قال: أنشدكم الله هل من يسير بين مكة والمدينة يأمن على أمواله أو على دمائه؟ فقال الناس: لا، قال: إذن كيف الآية قالت: ﴿آمِنِينَ﴾؟! قال: أنا صاحب قياس، سلني في القياس وأنا أجيبك

 قال: أسألك: أيهما أعظم القتل أم الزنا؟ قال: القتل يا ابن رسول الله، قال: فلماذا الشرع الحنيف يكتفي في القتل بشاهدين ولا يكتفي في الزنا إلا بأربعة شهود؟!

 أيهما أعظم الصلاة أم الصوم؟ قال: الصلاة يا ابن رسول الله عمود الدين، قال: فعلى قياسك على الحائض أن تقضي صلاتها لا أن تقضي صومها بينما الثابت في الشريعة أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، كيف الصلاة أعظم؟!

 أيهما أقذر: البول أم المني؟ قال: البول يا ابن رسول الله، قال: فلِمَ يُغْتَسَلُ من المني ولا يُغْتَسَلُ من البول؟ التطهير واجبٌ في الجميع لكن الغسل لا يجب في حال البول

 قال: يا أبا حنيفة لا تقس الدين برأيك إن أول من قاس إبليس، قال: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ، قال: أنا صاحب رأي

إذن الإمام الصادق سلام الله عليه أسّس منهجًا على مستوى علم الفقه وهو الاعتماد على العقل القطعي لا على العقل الظني.

منهج التعامل مع القرآن

الإمام الصادق وضع منهجًا في مجال تفسير القرآن، تفسير القرآن بأدوات ثلاثة

تفسير القرآن بالقرآن _ تفسير القرآن باللغة _ تفسير القرآن بالقرينة العقلية

تفسير القرآن بالقرآن

جاء إليه أحد أصحابه، قال: يا أبا عبد الله ما تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ من هم الراسخون في العلم؟

وقوله تعالى: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ من هم الذين أوتوا العلم؟ قال: نحن أهل البيت

قال: دلني على ذلك من القرآن.

قال له الإمام الصادق: قال تعالى: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ

 وقال في آية أخرى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ

 المس بمعنى النيل، كما قال تعالى في آية أخرى: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ لا يمسه إلا المطهرون يعني لا يفهمه إلا جماعة هم المطهرون.

 فعرفنا أن الراسخين في العلم هم المطهرون، وما هم المطهرون؟

آية ثالثة قالت: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا فعلمنا أن المطهرين هم أهل البيت، إذن الراسخون في العلم هم أهل بيت النبوة.

تفسير القرآن باللغة

يا أبا عبد الله ما هو الوضوء «كيفية الوضوء»؟ غسل الإمامُ وجهه من قصاص الشعر إلى الذقن، ثم غسل يديه من المرفقين إلى أطراف الأصابع، ثم مسح مقدم رأسه، مقدم الشعر، ثم مسح رجله

من أين علمتَ أن المسح على بعض الرأس؟ قال: لمكان الباء، قال: قال تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فعرفنا أن الوجه يغسل كله، ثم قال: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ﴾ لو لم يقل إلى المرافق لغسلنا اليد كلها، لكن قال: إلى المرافق، يعني: هناك حد، المرافق، ولما جاء إلى المسح قال: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ فلو كان المسح على كل الرأس لقال: «وامسحوا رؤوسكم» كما قال: «اغسلوا وجوهكم»، لكنه قال: امسحوا برؤوسكم، والباء بمعنى التبعيض فعلمنا أن المسح على بعض الرأس لا على جميع الرأس.

تفسير القرآن بالقرينة العقلية

سأله أحد أصحابه، قال: ما معنى قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى

 قال: إنه ليس مادة يكون لها جلوسٌ أو قيامٌ، استوى يعني استوت نسبة الأشياء إليه فليس شيءٌ أقرب إليه من شيء، لم يقرب منه قريبٌ ولم يبعد منه بعيدٌ استواء النسبة.

العرش هو المركز - مركز الكون - لما خلق المركز صار الأشياء في الكون متساوية في النسبة، جعل الأشياء متساوية النسبة بخلق العرش وبإيجاد العرش، وليس معنى استوى يعني جلس، فالإمام فسّر الآية من خلال القرينة العقلية التي تقرّر أن الله ليس بجسم حتى يتصور له قيامٌ أو قعودٌ.

المنهج الرابع: منهجه في الإمامة

الإمام الصادق (ع ) أسّس من خلال القرآن ومن خلال الأحاديث النبوية أن الإمامة بالنص لا بالشورى، قال في تفسير قوله تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) إنّ الله اختار إبراهيم عبدًا قبل أن يتخذه نبيًا، وإن الله اتخذه نبيًا قبل أن يتخذه رسولاً، وإن الله اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً، ثم ابتلاه، إذ قال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ  فلما فاز في الابتلاء اتخذه إمامًا، ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾

إذن الإمامة درجة أعلى من درجة النبوة وأعلى من درجة الرسالة لأن الإمامة لم تعط لإبراهيم إلا آخر عمره ؟! وهذا لا يعني أننا نحن نقول: أئمتنا أفضل من النبي، لا، لأن الأنبياء أيضًا كانوا أئمة، نوح كان نبيًا وكان إمامًا، وكذلك النبي ابراهيم وموسى وعيسى ونبينا محمّدٌ ص  أيضًا كان نبيًا وكان إمامًا، لكن الإمامة أرقى درجة لأن الإمامة هي عبارة عن الولاية على النفوس، أن يكون الإمام أولى بك من نفسك، ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ الولاية على النفوس هي الإمامة، لذلك ما حصل عليها إبراهيم إلا آخر عمره، لذلك الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أفضل من الأنبياء ما عدا النبي محمد ص  لأنهم أئمة منذ خلقهم الله تبارك وتعالى، أعطاهم الولاية على النفوس ”ألستُ أولى بكم من أنفسكم؟“ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ”فمن كنتُ مولاه فهذا عليٌ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.

& دخل عليه عمرو بن عبيد رائد المعتزلة ، قال له الإمام: لو أن الأمة طلبت منك - أنت يا عمرو بن عبيد - أن تولي أحدًا عليها من تولي؟ قال: لا أولي أحدًا، قال: إذن كيف؟ قال: أجعلها شورى لأن الله تعالى يقول: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ قال: يا ابن عبيد أتتولى أبا بكر وعمر؟ تعتبرهم أئمة لك أم لا؟ قال: بلى، قال: إذن خالفت أبا بكر وعمر فإن أبا بكر عهد بها لعمر ولم يجعلها شورى وعمر عهد بها لستة فقط ولم يجعلها شورى بين جميع المسلمين فاختر أي الطرفين، فإن جعلتها شورى خالفت أبا بكر وعمر، وإن وليت بدون شورى خالفت القرآن لأنك تزعم أن القرآن يقول: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾!

إذن الإمام الصادق ركّز على معلم الأصالة، وهو عبارة عن تأصيل مناهج أربعة .

 

المعلم الثاني: معلم الحصانة

أي أن المشروع الثقافي يحتاج إلى متابعة كي تُتَفَادَى الأفكارُ الدخيلة والمسمومة

الإمام حارب الغلاة، كانت هناك فرقة اسمها فرقة الخطابية،كانوا يعتقدون أن الأئمة آلهة، دخل سدير على الإمام الصادق، قال: يزعمون أنكم آلهة ويستدلون بقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ

 قال: ”يا سدير، إن شعري وبشري ولحمي ودمي وعظمي منهم براء، اللهم العن أبا الخطاب فقد أخافني في قيامي وقعودي وفي يقظتي وعند نومي، اللهم أذقه حر النار، اللهم أذقه حر الحديد، إن الغلاة كفارٌ فسقة أبلغهم ذلك، والله ما نحن إلا عبيد الذي خلقنا وبرأنا، وإنا لموقوفون، وإنا لمسؤولون.

وحارب الكذابين أيضًا، يونس بن عبد الرحمن قال له أحدُ أصحابه: ما أشدك يا أبا محمد وأكثر إنكارك للحديث! قال: إنّي سمعتُ من هشام بن الحكم عن أبي عبد الله «الصادق» يقول: ”إن المغيرة بن سعيد - هذا كان أحد الكذابين - دسّ في كتب أصحاب أبي «الباقر» أحاديثَ لم يقلها، فاتقوا الله فينا ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا، لا تقبلوا علينا إلا ما وافق الكتابَ وسنة النبي أو وجدتم له شاهدًا من أحاديثنا المتقدمة، فإنا إذا قلنا قلنا: قال الله وقال رسول الله «محمّدٌ(ص)  »

المعلم الثالث: الشمولية

الإمام الصادق (ع )لم يكن عالمًا بالفقه أو بالقرآن أو بالحديث فقط، المشروع الثقافي للإمام الصادق كان مشروعًا شموليًا متعدد الحقول متنوع المعارف ترى الإمام يتكلم بأصول الطب : يا مفضل، أتدري ما الملوحة في العينين والمرارة في الأذنين والرطوبة في المنخرين والعذوبة في الشفتين؟! جعل الله الملوحة في العينين لتلتقط ما يقع عليهما من أذى، وجعل المرارة في الأذنين حاجبًا ألا تنفذ الدواب إلى الدماغ، وجعل الرطوبة في المنخرين حتى يستنشق الإنسانُ من دون أن ينتن منخره بالرائحة النتنة، وجعل العذوبة في الشفتين كي يستلذ الإنسانُ بما يأكله من طعام، يا مفضل، أتدري إذا دخل الطعامُ بدنَ ابن آدم إنه يفد على المعدة فتقوم بطبخه، ثم تقوم ببثه في عروق رقاق واشجة حتى يصل إلى الكبد، فتحوله دمًا يسري في البدن، وما بقي منه من الخبث يعود إلى مغايض عدة، فما كان من جنس الصفراء ذهب إلى المرارة، وما كان من جنس السوداء ذهب إلى الطحال، وما كان من جنس الرطوبة ذهب إلى المثانة

جابر بن حيان أول معلم للكيمياء في العرب، قد كتب خمسمائة رسالة في علم الكيمياء، وبدأ رسالته بقوله: حدثني سيدي ومولاي جعفر بن محمد، تحدث في التجربة قبل فرانسيس بيكون الذي هو رائد التجربة بثمانمائة سنة .

أن روّاد الحضارة الفكرية الثقافية الإسلامية هم من الشيعة

المعلم الأخير: القيادة

هناك فرقٌ بين المدير وبين القائد، ، المدير إنسانٌ منظرٌ لكن القائد إنسانٌ فاعلٌ، كل مشروع ثقافي لا يتم رسوخه إلا على يد قائد

الإمام الصادق قام بدورين: دور المنظر ودور القائد، قام بقيادة فعلية لمشروعه الثقافي، قام بعدة خطوات:

الخطوة الأولى: إعداد النخبة الصالحة

يقول: ”كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم «بأخلاقكم، بسلوككم»، إنّ الرّجل منكم إذا صدق في حديثه وورع في دينه وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل: هذا جعفريٌ، وقيل: هذا أدب جعفر، فيسرّني ذلك“،وإذا كان على غير هذا قيل: فعل الله بجعفر ما فعل! ما كان أسوأ ما يؤدّب به أصحابَه! ويدخل عليّ بلاؤه وعارُه

الإمام يمدح شيعته، يقول لسدير: ”شيعتنا أصبر منا قلت: كيف سيدي؟! أنتم الذين تُقْتَلُون، شيعتكم أكثر صبرًا؟! قال: ”لأنا نصبر على ما نعلم وشيعتنا يصبرون على ما لا يعلمون

_ أقبل إليه رجلٌ من أصحابه، قال: كيف خلفت قومَك ؟ قال: شيعة محبين لكم، قال: كيف هم؟ هل يعود غنيُهم فقيرَهم؟ وهل يتواصل فقيرُهم مع غنيِهم؟ قال: لا، قال: إذن ليسوا بشيعة، شيعتنا من اتقى، شيعتنا من عاد غنيُه فقيرَه وواصل فقيرُه غنيَه

 

الخطوة الثانية: ترسيخ مبدأ المعارضة للظلم

نعم الشيعة حركة معارضة لكن معارضة لمن؟ معارضة للظلم وللطغيان، لأن وجود المعارضة للظلم والطغيان أمرٌ ضروريٌ لإصلاح المجتمع الإسلامي

الإمام الصادق (ع ) ركّز مبدأ المعارضة السلميّة، وهذا ما عبّر عنه الإمامُ الصادقُ (ع ) بالتقية: ”التقية ديني ودين آبائي ولا دين لمن لا تقية له“ ولا يراد بالتقية النفاق أو الازدواجيّة التقية هي المعارضة السلمية اللاعنفية.

_ جاءه أحدُ أصحابه، قال: عندي رجلٌ كان كاتبًا في ديوان بني أمية واستفاد أموالاً كثيرة، قال: إنّي كنتُ في ديوان هؤلاء - بني أمية - وكسبتُ من دنياهم أموالاً كثيرة وأغمضتُ في مطالبها قال: ”لولا أن بني أمية وجدوا من يكتب لهم ويجبي لهم الفيء ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا“، ثم قال له: إذا أنا أمرتك تخرج؟ قال: نعم، قال: ”آمرك أن تخرج من أموالك كلها ما عرفت صاحبه فرده إليه، وما لم تعلم فتصدق به على الفقراء.

عارض لأن هناك اغتصابًا للأموال، لأن هناك ظلمًا، عارض من أجل الإصلاح، من أجل أن ترجع الأموال إلى أصحابها، و كان يقول: ”إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يفرغ الله من حساب الخلائق.

الخطوة الثالثة والأخيرة: أن الإمام الصادق رسّخ صوتَ الحسين(ع ) 

يقول للأجيال: لا يوجد تناقضٌ بيني وبين جدي الحسين(ع )

 كلانا قام بحركة إصلاح، جدي قام بثورة إصلاحية للقيادة، وأنا أقوم بثورة ثقافية

 الإمام الصادق رسّخ صوتَ الحسين(ع ) ومبادئ الحسين من خلال عدة جبهات

حثّ على البكاء: جبهة تثير المظلومية، تثير صرخة الحسين صلوات الله عليه، قال: ”كل البكاء والجزع مكروهٌ ما خلا البكاء والجزع على الحسين فإنه مأجورٌ فيه“.

ركّز على جبهة زيارة الحسين(ع ): يقول: ”من أراد أن يكون معنا في موائد النور يوم القيامة فليزر جدي الحسين“، ”من زار الحسين كان كمن زار الله في عرشه.“.

الجبهة الثالثة: ركز على إقامة المجالس والمآتم لإحياء ذكرى الحسين وإحياء مبادئ الحسين واسترفد الشعراء من أجل أن يحيوا ذكر الحسين 

 الإمام الصادق جسّد كربلاء، دعم معركة كربلاء حينما أثنى على أنصار كربلاء فقال: ”رحم الله عمي العبّاس، كان صلب الإيمان، نافذ البصيرة، جاهد في الله فأبلى بلاءً حسنًا“، الإمام الصادق يعظم العبّاس بن علي: ”السلام عليك أيها العبد الصالح المطيع لله ولرسوله، السلام أيها الأخ المواسي لأخيه، أشهد أنك قُتِلْتَ مظلومًا، وأن الله منجزٌ لكم ما وعدكم.

  •      من محاضرة للعلامة السيد منير الخباز (بتصرف)

  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1055
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 10 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28