• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : شهر رمضان .
                    • الموضوع : الفتح المبين .

الفتح المبين

بسم الله الرحمن الرحيم

الفتح المبين

الشيخ علي سليم سليم

يعتبر فتح مكة نتيجة الحكمة النبوية والدراية الثاقبة لمآل الأمور. حدث ذلك في العشرين من شهر رمضان في العام الثامن من الهجرة النبوية الشريفة.. فعاد النبي (ص) فاتحاً منتصراً بعد أن بدا لعامة المسلمين أن صلح الحديبية ليس فيه مصلحة لهم.

وكان نقض قريش وانتهاكها الهدنة التي وقعت مع المسلمين في السنة السادسة للهجرة من المبررات الطبيعية للعزم على فتح مكة، وتحريرها من الشرك وضمها إلى رحاب دولة الإسلام، دون إراقة دماء، وذلك بفضل سياسة النبي (ص) الحكيمة والتخطيط الدقيق وانتظار الظرف المؤاتي لنيل النصر وإعزاز الإسلام وأهله والقضاء على أهم معاقل العدو وحصنه الأول في مواجهة الدعوة الإسلامية، حيث تحاك المؤامرات ومبدأ شنّ الحروب طيلة عقدين من الزمن.

إن هذا الفتح العظيم له مكانة خاصة، فهو من أعظم جهاد الرسول(ص) ومما يبرز أهميته أنه من أعظمها أثراً على الإسلام والمسلمين، وذلك أن قريشاً كانت عقبة كؤداً أمام انتشار الدعوة الإسلامية لما لها من مكانة عند العرب.

ومكة هي المركز الديني لهم، وحول البيت الحرام أصنامهم التي عبدت من دون الله تعالى، فكان ذاك الفتح وتطهير البيت نصراً عظيماً.

إن دعوة النبي(ص) في بطن مكة قد كلفت الكثير من التضحيات والآلام، وقد اقتضت مشيئة الله أن يمتحن المؤمنين بها وتتم الهجرة ثم يفرض الجهاد ويقع القتال بين حزب الله وبين حزب الشيطان وتكون المعركة الحاسمة، ويتحقق وعد الله {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}.

فكان من الضروري للمسلمين الوقوف على الأسباب المؤدية إلى هذا النصر المبين وهذا الظهور على الأعداء، ومعرفتها للقيام بها، ولتذكرهم بمجدهم وعزهم ولتكون تبصرة لهم ومحفزاً لهم على تحمل المسؤولية في نصرة هذا الدين والعمل على اظهاره على الدين كله.

كان الإمام علي بن الحسين(ع) يقول: كنا نعلّم مغازي النبي(ص) كما نعلّم السورة من القرآن. (الخطيب البغدادي ج2 ص 252

وذلك لأجل التأسي واستلهام معاني العزة، وعدم الخضوع للأوضاع السلبية، وعدم الركون إلى الدعة والاستسلام.

فأئمة أهل البيت(ع) لم يتوانوا يوماً عن السير في هذا النهج وبذل كل ما يملكون من طاقات وسعة في حفظ الدين، وبذل التضحيات العظيمة عند اقتضاء مصلحة الإسلام ذلك كما فعل أبيّ الضيم ابو عبد الله(ع) في كربلاء الخالدة، وهي المسيرة ذاتها التي بدأها جده (ص) في مكة وأكملها بنوه من بعده، كلٌ حسب ما تقتضيه مصلحة الإسلام وسؤدده.

وهي المسيرة ذاتها التي سار في ركبها في زماننا مفجر الثورة الإسلامية المباركة في إيران الإمام الخميني(قده)، التي كسرت أصنام الاستكبار المتمثل بالشيطان الأكبر وأذنابه، فإن لكل زمان رجالاً أشداء عاهدوا الله على مواجهة الظالمين والطغاة وإعلاء صوت الحق الثائر، ذلك أن المبادئ في صراع الحق ضد الباطل ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، وعابرة للزمان والمكان، مع الأخذ بنظر الاعتبار الظروف الموضوعية والتخطيط والإعداد والاستعداد، والأخذ بكل أسباب القوة والاستفادة منها، وتسخيرها في خدمة الاهداف النبيلة المشروعة، تماماً كما هو حال المقاومة الإسلامية التي سارت في الطريق الصعبة، واختزنت في ثقافتها ومبادئها كل عناوين الثبات والعزيمة والإرادة، من معين تراثنا الثري الغني بأمجاد النصر المادي أحياناً والمعنوي دائماً، وهذه العقيدة هي الأصل في تحقيق كل المنجزات الحاضرة في كل الميادين، على كثرة الأعداء المتربصين بنا شراً، ونحن الأمة التي أراد الله لها أن تكون الأمة الرائدة في كل جوانب الحياة، إن هي سارت في الاتجاه الصحيح، وأن السنن الكونية جارية فينا لا تختلف ولا تتخلف..

إنّ وجود القيادة الحكيمة، الخبيرة بإدارة شؤون المجتمع، المؤتمنة على مصير الناس، هو من أهم عناصر النجاح في بناء مجتمعٍ واعٍ ومتماسك في مواجهة الصعاب وتحمل المعاناة، كما أن عليها بحسب امكاناتها، اجتراح الحلول في مساندة الناس، حتى يستقيم البناء.

لقد كان الناس في زمن النبي(ص) يتساءلون عندما يأخذون بالنظرة الظاهرة للأمور، وقليل منهم من كان يسلم تسليماً ثقة واطمئناناً وإيماناً بحكمة ودراية النبي(ص)، مهما كان مآل الأمور، لأن النتائج مهما كان ظاهرها، فإن الخير الكثير فيها والمنعة والعزة، وإن ظهرت الثمار بعد حين..

وهذا ما ينبغي التركيز عليه في حالنا الراهن، لأجل تحصين مجتمعنا على كل صعيد.


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1093
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 04 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29