• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : مفاهيم .
                    • الموضوع : البداء في المنظور الإسلامي .

البداء في المنظور الإسلامي

 

البداء في المنظور الإسلامي

الشيخ محمد علي بيشكر

البداء في اللغة هو الظهور بعد الخفاء بدأ الشيء أي ظهر ، وبدا : يبدو بدواً وبداء وبداءة الشيء أي ظهر ، والبداء : تجدد العلم وبدا له الأمر : خطر له فيه رأي  وهذا ما ورد في معاجم اللغة العربية ، ومعناه الظاهر فعل الشيء ثم محوه وورد في القرآن ( وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون )  وقوله تعالى : " وبدا لهم من سيئات ما كسبوا ) وأيضاً قوله تعالى : ( ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الأيات ) ومعناه أيضاً : ظهور شيء بعدما كان خافياً على المخلوقين دون الخالق ، والشيعة الإمامية تعتقد بالبداء وأنه من المسلمات وقد حثت روايات أهل البيت "ع" على الإعتقاد به ، وأعتبر علماء الشيعة أن النسخ والبداء صنوان غير أن الأول في التشريع والثاني في التكوين ،والبداء هو التقدير الإلهي ، لتغيير حكم على الإنسان ، وإخضاعه للقدر الإلهي المشروط ، فيكون بداء يجري في حدود الأقدار التي خلقها الله ، وليس خارجها تجاوباً مع الإدارة التي من بها الله على الإنسان ليكون مسؤولاً عن أفعاله .

        إنطلاقاً من أن البداء في مفهومه الظاهر وللوهلة الأولى ينافي علم الله المطلق وأزليته ،وخلاصته : أن الله يبدو له في أمر فيغيره وفي شيء آخر فيستبدله ، وطبيعي أن ترفض مثل هذه العقائد فيما لو بقينا علىالمعنى الظاهري للبداء دون التعرض لمفهومه الحقيقي وما ذهب إليه أرباب هذا المعتقد ،والشيعة الإمامية وأتباع أئمة أهل البيت "ع" براء من معنى البداء القائل بالعلم بعد الجهل براءة يوسف "ع" من الذي ألصق به .

        إن الآخرين من غير الإمامية الإثنى عشرية قد يعذرون في بعض المواطن وقد لا يعذرون في مواطن أخرى ومشكلة الأغلب من الناس أنهم لا يقرأون وإن قرأوا فيحكمون جزافاً على آراء الأخرين ، هذه عادة البشر في الأولين والآخرين ، لكن في حقيقة الأمر وبالوجدان التاريخي والبياني نعتبر أنهم لم يحسنوا فهم مرادنا من البداء بل لم يتأملوا ولو قليلاً في كلمات وآراء العلماء الأجلاء من شيعة أهل بيت النبوة والعصمة وإلا لما نسبوا إلينا هذه الفرية ، وممن نسب ذلك إلىالشيعة الفخر الرازي في تفسيره الكبير عند تفسير قوله تعالى : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) قال الرازي : "قالت الرافضة البداء جائز على الله تعالى وهو أن يعتقد شيئاً ثم يظهر له أن الأمر بخلاف ما أعتقد " وقد حكى الرزاي في خاتمة كتاب ( المحصل ص 365 ) عن سليمان بن جرير كلاماً يقبح منه ذكره ولا يحسن سطره وهذا كما ترى بالوجدان محض أفتراء وكذب على الشيعة ، وكيف كان فلا يلزم من الإلتزام بالبداي الجهل عليه تعالى فكيف وأن الشيعة ملتزمون به فمع ذلك يقولون بإستحالة الجهل عليه سبحانه وتعالى .

وفي هذا المجال أعتبرت بعض الروايات أن من زعم أن الله تبارك وتعالى يبدو له في شيء لم يعلمه أمس فأبرؤا منه ، وبعضها الآخر تصفه بالكافر .

 

أراء العلماء في البداء :

ـ يقول أستاذ العقائد أية الله الشيخ محمد جواد البلاغي "قده" البداء المنسوب إلىالله جل شأنه بمعنى : ظهر لله من المشيئة ما هو مخفي على الناس ، وعلى خلاف ما يحسبون ، وهذا ما يقتضيه العقل ويشهد له من صريح الأحاديث ما رواه في " أصول الكافي " في صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله "ع" :" ما بدا الله في شيء إلا كان في علمه قبل أن يبدو له " .

ورواية عمرو بن عثمان ، عنه "ع" : إن الله لم يبد له من جهل " وصحيحة منصور بن حازم : ( سألت أبا عبد الله "ع" : هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله بالأمس ؟ قال "ع" :( لا من قال هذا فأخزاه الله ) قلت : أرأيت ما كان وماهو كائن إلى يوم القيامة ،أليس في علم الله ؟ ! قال "ع" بلى قبل أن يخلق الخلق " .

ـ يقول الإمام السيد شرف الدين "قده" أنه قد التزام الشيعة الإمامية بالبداء في التكوينيات وخالف في ذلك العامة وقالوا بإستحالة البداء فيها لأستلزامه الجهل على المولى تبارك وتعالى ، زعمهم أن الله قد يعتقد شيئاً ثم يظهر له أن الامر بخلاف ما أعتقد .. وهذا إفك وبهتان وظلم لآل محمد وعدوان ، وحاشا أهل البيت وأولياءهم أن يقولون بهذا الضلال المبين المستحيل على الله تعالى :

فالشيعة براء من هذه التهمة إذ لا يمكن بأي حال من الاحوال لا بل يستحيل تصوير نسبة الجهل وعدم التقدير من الله سبحانه وتعالى .. إن علم الله عين ذاته حاصل ما تقوله الشيعة الإمامية : إن الله عز وجل قد ينقص الرزق وقد يزيد فيه وكذا الأجل والصحة والمرض والسعادة والشقاء والمحن والمصائب والإيمان والكفر وسائر الأشياء كما يقتضيه قوله تعالى : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) .

ـ روى الشيخ الصدوق في كتاب ( إكمال الدين وإتمام النعمة ) عن الإمام جعفر الصادق "ع" أنه قال " من زعم أن الله عز وجل يبدو له في شيء لم يعلمه أمس فابرؤوا منه )

ـ قال الشيخ المفيد في كتاب ( أوائل المقالات ) : أقول في معنى البداء ما يقوله المسلمون في النسخ وأمثاله ، من الإفقار بعد الإغناء والأمراض بعد الإعفاء وبالإماته بعد الإحياء وما يذهب إليه أهل العدل خاصة من الزيادة في الآجال والأرزاق والنقصان منا بالأعمال ..مصداقاً لقوله تعالى : ( وقال ربكم أدعوني أستجب لكم ) وروى الترمذي في سننه :أن النبي "ص" قال : " لا يرد القضاء إلا بالدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر " .

ـ ولقد أحسن أستاذ العلماء والمجتهدين مولانا المحقق المدقق السيد الخوئي ( طيب الله ثراه ) في قوله : وعلى الجملة فإن البداء بالمعنى الذي تقوله به الشيعة الإمامية هو من الإبداء ( الإظهار ) حقية ، وإطلاق لفظ البداء عليه مبني على التنزيل والإطلاق بعلاقة المشاكلة ، وقد أطلق بهذا المعنى في بعض الروايات من طرق أهل السنة ،روى البخاري بإسناده عن أبي عمرة ، أن أبا هريرة حدثه أنه سمع رسو الله "ص" يقول " إن ثلاثة في بني إسرائيل : أبرص وأعمى وأقرع ، بدا لله عز وجل أن يبتليهم فبعث إليهم ملكاً فأتى الأبرص ...

وقد وقع نظير ذلك في كثير من الإستعمالات القرآنية كقوله تعالى : ( الآن علم الله أن فيكم ضعفا ) وقوله تعالى : ( لتعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ) وقوله تعالى( لنبلوهم أيهم أحسن عملا)وما أكثر الروايات من طرق أهل السنة في أن الصداقة والدعاء يغيران القضاء .

وهذا مذهب عمر بن الخطاب وأبن مسعود وأبي وائل وقتادة رواه جابر عن رسول الله"ص" وكان كثير من السلف الصالح يدعون ويتضرعون إلىالله تعالى أن يجعلهم سعداء لا أشقياء في أدعيتهم المأثورة ، وورد في السنين الكثيرة أن الصدقة على وجهها وبر الوالدين وإصطناع المعروف يحول الشقاء إلى سعادة ويزيد في العمر ، وصح عن أبن عباس أنه قال: لا ينفع الحذر من القدر، ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر .

 

أثر البداء في النفس :

والقول بالبداء : يوجب إنقطاع العبد إلى الله وطلبه إجابة دعائه منه وكفاية مهماته ، وتوفيقه للطاعة ، وإبعاده عن المعصية ، فإن إنكار البداء والإلتزام بأن ما جرى به قلم التقدير كائن لا محالة ـ دون إستثناء ـ يلزمه يأس المعتقد بهذه العقيدة عن إجابة دعائه ، فإن ما يطلبه العبد من ربه إن كان قد جرى قلم التقدير بإنفاذه فهو كائن لا محالة ، ولا حاجة إلىالدعاء والتوسل ، وإن كان قد جرى القلم بخلافه لم يقع أبداً ، ولم ينفعه الدعاء ولا التضرع ، وإذا يئس العبد من إجابة دعائه ترك التضرع لخالقه ، حيث لا فائدة في ذلك ، وكذلك الحال في سائر العبادات والصدقات التي وردت عن المعصومين "ع" أنها تزيد في العمر أو في الرزق أو غير ذلك مما يطلبه العبد ، وهذا هو سر ما ورد في روايات كثيرة من أهل البيت "ع" من الإهتمام بشأن البداء ، فقد روى الصدوق في كتاب ( التوحيد) بإسناده عن زرارة عن أحدهما قال "ع" : ما عبد الله عز وجل بشيء مثل البداء " وروي بإسناده عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله "ع" قال : " ما عظم الله عز وجل بمثل البداء " ويقول الإمام الصادق "ع" على ما في معتبرة مالك بنأعين الجهني : " لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه " ( الكافي ج1/ ص 148 ) .

السر في هذا الإهتمام : إن إنكار البداء يشترك بالنتيجة مع القول بأن الله غير قادر على أن يغير ما جرى عليه قلم  التقدير .

ـ كما ذهبت إليه اليهود ـ تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.

ـ وقال السيد محسن الأمين العاملي (رض) في كتابة نقض الشيعة " أجمع علماء الإمامية في كل عصر وزمان ، على أن البداء بهذا المعنى ( أي العلم بعد الجهل ) بأطل ومحال على الله تعالى ، لأنه يوجب نسبة الجهل إليه تعالى ، وهو منزه عن ذلك تنزيهه عن جميع القبائح ،وعلمه محيط بجميع الأشياء ، إحاطة تامة ، جزئياتها وكلياتها ، لا يمكن ان يخفى عليه شيء ثم يظهر له " وقال الشيخ محمد جواد مغنية (ره) أتفق المسلمون بكلمة واحدة على جواز النسخ ، ووقوعه في الشريعة الإسلامية ، ومعناه في إصطلاح المفسرين وأهل التشريع أن الله يشرع حكماً كالوجوب أو التحريم ،ويبلغه لنبيه وبعد أن يعمل النبي وأمته بموجبه يرفع الله هذا الحكم وينسخه ويجعل في مكانه حكماً آخر لإنتهاء الأسباب الموجبة لبقاء الأول وإستمراره ، وهذا النوع من النسخ ليس بعزبز ، فإنه موجود في الشرائع السماوية والوضعية ، وإستدل المسلمون على جوازه ووقوعه بأدلة منها أن الصلاة كانت في بدء الإسلام لجهة بيت المقدس ثم نسخت وتحولت إلى جهة البيت الحرام ( فول وجهك شطر المسجد الحرام ) ونتساءل إذا جاز النسخ على الله بهذا المعنى في الأمور التشريعية فهل يجوز عليه ذلك في الأشياء الكونية والطبيعية ، وذلك بأن يقدر الله ويقضي بإيجاد شيء في الخارج ، ثم يعدل ويتحول عن قضائه وإرادته؟ أتفق المسلمون جميعاً علىعدم جواز النسخ في الطبيعيات ، لأنه يستلزم الجهل وتجدد العلم لله ، وحدوثه بعد نفيه ، تعالى عن ذلك علواً كبيراً ويسمى هذا البداء الباطل وقد نسبه البعض إلىالإمامية جهلاً أو تجاهلاً رغم تصريحاتهم المتكررة بنفيه  .

ـ وأوضح الشيخ المظفر في كتابه ( عقائد الإمامية ) : معنى البداء ـ في نظري ـ أن الله سبحانه يطور خلقه وفق مقتضيات البيئة والزمان اللذين خلقهما وأودع فيهما سر التأثير على خلقه ـ ولو ظاهراً ـ إن القول بالبداء هو المقالة الوحيدة التي نستطيع بهديها أن يفسر سر الناسخ والمنسوخ في القرآن .

ـ وقد اجاد أستاذ الفقهاء الإمام المحقق السيد الخوئي "قدس" في كتابه ( البيان في تفسير القرآن ) بما أفاده في قضية البداء وتقسيمه للقضاء الإلهي إلى ثلاثة أقسام حيث يقول "قده" إن البداء الذي تقول به الشيعة الإمامية إنما يقع في القضاء غير المحتوم ،أما المحتوم منه فلا يتخلف ، ولا بد من أن تتعلق المشيئة بما تعلق به القضاء ، وتوضيح ذلك أن القضاء على ثلاثة أقسام :

 

الاول : قضاء الله الذي لم يطلع عليه أحد من خلقه ، والعلم المخزون الذي أستاثر به لنفسه ، ولا ريب في أن البداء لا يقع في هذا القسم بل ورد في روايات كثيرة عن أهل البيت "ع" أن البداء إنما ينشأ من هذا العلم .

روى الشيخ الصدوق في ( العيون) بإسناده عن الحسن بن محمد النوفلي أن الرضا "ع" قال لسليمان المروزي : " رويت عن أبي عن أبي عبد الله "ع" أنه قال : أن لله عز وجل علمين علماً مخزوناً مكنوناً لا يعلمه إلا هو من ذلك يكون البداء ، وعلماً علمه ملائكته ورسله فالعلماء من أهل بيت نبيك يعلمونه ... " .

 

الثاني : قضاء الله الذي أخبر نبيه وملائكته بأنه سيقع حتماً ، ولا ريب فيأن هذا القسم أيضاً لا يقع فيه البداء ،وإن أفترق عن القسم الأول بأن البداء لا ينشأ منه .

قال الإمام الرضا "ع" : لسليمان المروزي ـ في الرواية المتقدمة ـ عن الصدوق : " إن علياً كان يقول : العلم علمان : فعلم علمه الله ملائكته ورسله ، فما علمه ملائكته ورسله فإنه يكون ،ولا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله ، وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه أحد من خلقه يقدم منه ما يشاء ، ويؤخر ما يشاء ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء " وروي العياشي عن الفضيل ، قال : سمعت أبا جعفر "ع" قول " من الامور أمور محتومة جائية لا محالة ومن الأمور أمور موقوفة عن الله يقدم منها ما يشاء ، ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء ، لم يطلع على ذلك أحد ـ يعني الموقوفة ـ فأما ما جاءت به الرسل فهي كائنة لا يكذب نفسه ،ولا نبيه ،ولا ملائكته " .

 

الثالث : قضاء الله الذي أخبر نبيه وملائكته بوقوعه في الخارج إلا أنه موقوف علىأن لا تتعلق مشيئة الله بخلافه ،وهذا القسم هو الذي يقع فيه البداء : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) .

ـ ويضيف الإمام الخوئي "قده" والبداء إنما يكون في القضاء الموقوف المعبر عنه بلوح المحو والإثبات ، والإلتزام بجواز البداء فيه لا يستلزم نسبة الجهل إلى الله سبحانه وليس في هذا الإلتزام ما ينافي عظمته وجلاله .. والقول بالبداء هو الإعتراف الصريح بأن العلم تحت سلطان الله وقدرته في حدوثه وبقائه ،وأن إرادة الله نافذة في الأشياء أزلاً وأبداً ، بل وفي القول بالبداء يتضح الفارق بين العلم الإلهي وبين علم المخلوقين ، فعلم المخلوقين ـ وإن كانوا أنبياء أو أوصياء لا يحيط بما أحاط به علمه تعالى ، فإن بعضاً منهم وإن كان عالماً ـ بتعليم الله إياه ـ بجميع عوالم الممكنات لا يحيط بما أحاط به علم الله المخزون الذي إستأثر به لنفسه ، فإنه لا يعلم بمشيئة الله تعالى ـ لوجود شيء ـ أو عدم مشيئته إلا حيث يخبره الله تعالى به على نحو الحتم .

وعلى التحقيق فالبداء ، هو إظهار شيء في عالم التكوين من جانب الله عز وجل كان مكتوماً علىالناس فهم كانوا لا يرونه أو يرون خلافه ، فبإظهاره ـ تبارك وتعالى ـ يظهر عندهم ففي الواقع البداء إظهار من قبل الله ـ على لسان المعصومين " عليهم السلام " وظهور عن الناس فله وجهان بإعتبارين ونظرتين مختلفتين فلا تنافي بينهما .

 

التنصيص على الإمامة :

إن النصوص الواردة في أسماء الأئمة المعصومين الأثنى عشر " عليهم السلام : هي بحد الإستفاضة أو التواتر ، وكلها متفقه في العدد والأسماء ، وعليه فكل ما يوهم خلاف ذلك إما مردود سنداً وإما ممنوع ومخدوش من حيث الدلالة .

إن الرواية التي تتحدث عن طور البداء في شأن الإمام العسكري "ع" ـ مع غض النظر عن البحث السندي فيها ـ ليس فيها ما ينافي القواعد التي ذكرناها ، بل فيها تلويح بأن الناس كانوا يرون الإمامة بعد الإمام الهادي "ع"  في أبنه الأكبر السيد محمد سبع الدجيل ، وثم بعد وفاته صرح الإمام الهادي "ع بخطأ ما ذهبوا إليه بعد ما تبين عندهم أيضاً ذلك ، والذي يدل على ما قلناأنه لا يوجد أي تصريح من الإمام الهادي "ع" أو آبائه بإمامة السيد محمد حتى يفرض تبديل كلامهم "ع" حينئذ ، بل أن الشيعة ومن منطلق إرتكازاتهم الموجودة كانوا يعتقدون بإمامة الولد الأكبر ، ولكن الله ومن منطلق علمه الأزلي ووجود المصالح الإلهية كان لا يرى ذلك وفي نفس الوقت المصلحة العليا تقتضي أن لا يصرح بهذا الموضوع قبل وفاة السيد محمد ، ولا يخفى أن المصلحة قد تكون هي بيان مقام السيد محمد وعظمته عن الشيعة حتى يعرفوه بحد معرفتهم للإمام "ع" أو أن المصلحة كانت في إخضاع الشيعة للإختبار الإلهي في طاعتها وولائها لله عز وجل والأئمة المعصومين "ع" أو غير ذلك .

ولا بأس أن نشير إلى ورود رواية بنفس المضمون في شأن الإمام الكاظم "ع" لتدل على حدوث البداء له بالنسبة إلى أخيه الأكبر إسماعيل ،والبحث في هذه الرواية كسابقتها ، وبالجملة فالإعتقاد والإلتزام بالبداء لا يناقض الأمور الحتمية واليقينية كما ذكرنا .

محصلة القول بالبداء :

ـ إن المحور والإثبات في الآية الكريمة ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) ليس المراد منها إفناء الموجود وإبقاؤه أو تجديد موجود آخر ، وأن البداء والمحو لا يتعلق بما في أم الكتاب ، ولا بما يخبر الله به أنبياءه والأئمة ، ولا بما يخبرون به عن الله من أنباء الغيب ، ولا يخبرون عما هو معرض للبداء والمحو صلوات الله وسلامه عليهم .

ـ وختاماً نود أن نشير إلى أن هذا المفردة من عقيدتنا ليست بالأمر الغريب المستهجن ، بحيث يحسبها الجاهل بدعة لا صلة لها بالدين مع أن الامر بعكس ذلك  بالإضافة إلى أننا لا نحسب أنفسنا في معرض الإتهام ثم نهب للذود والدفاع عما نعتقده لنظهر لللآخرين صفاء العقيدة من كل شائبة ، لسنا بحاجة إلى كل ذلك ما دام أننا نملك الكثير متن الأدلة النقلية والعقلية التي تظهر المراد من البداء بشكل واضح لا ليس فيه ، ولكن المؤسف التقول والتعسف حتى لو بقينا نصدح ليل نهار بالتوضيح والإيضاح وكأنه كتب علينا أن يفرض علينا ما لا نلتزمه ... والإنصاف يقتضي الرجوع إلى أهل المعتقد لا أن تسقط عليه الإتهامات ! والحمد لله ..


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=11
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2007 / 04 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29