افتتاحية العدد
فأين تذهبون؟ وأين يراد بكم؟
رئيس التحرير
في نظرة عابرة الى اوضاع العالم الاسلامي لم يخطر بالبال توصيفا لهذا الواقع الا ما قاله امير المؤمنين علي عليه السلام , وهو توصيف لزمن الامام (ع) ولكنه ينطبق على عالمنا بشكل آكد واشد , وهذا الواقع ينسجم مع المرويات التي تتحدث عن ازدياد مطرد في الجور والفساد كلما تقدم بنا الزمن الى ان يأذن الله للامام الحجة ابن الحسن (عج) في الظهور فيملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا _ وهذا طبعا مع عدم إغفال وجوب تحمل المسؤوليات كل بحسبه. وبطبيعة الحال فقد تفاوت امر الناس اتجاه المسؤوليات الملقاة على عواتقهم_.
يقول الامام علي عليه السلام في توصيف زمانه : وَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي زَمَنٍ لاَ يَزْدَادُ الْخَيْرُ فِيهِ إِلاَّ إِدْبَاراً، وَالشَّرُّ فِيهِ إِلاَّ إِقْبَالاً، وَلَا الشَّيْطَانُ فِي هَلاَكِ النَّاسِ إِلاَّ طَمَعاً، فَهذا أَوَانٌ قَوِيَتْ عُدَّتُهُ، وَعَمَّتْ مَكِيدَتُهُ، وَأَمْكَنَتْ فَرِيسَتُهُ اضْرِبْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ النَّاسِ، فَهَلْ تُبْصِرُ إِلاَّ فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً، أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً، أَوْ بَخِيلاً اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللهِ وَفْراً، أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِهِ عَنْ سَمْعِ الْموَاعِظِ وَقْراً!...فَـ (إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، (ظَهَرَ الْفَسَادُ) فَلاَ مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ، وَلاَ زَاجرٌ مُزْدَجِرٌ...
فعالمنا الاسلامي والعالم ككل تزداد ازماته وتتعدد :
فمن جهة يرزح جزء منه تحت الإحتلال العسكري وتواجه اكثر دوله اضطرابات وانشقاقات وحروبا ، ومن جهة اخرى يواجه حرباً ناعمة تستهدف تغيير ثقافته وهويته من خلال السيطرة على العقول والنفوس مما يسهل عليهم الهيمنة التامة على الثروات والقابليات , وقد كان الامام الخميني (قدس سره) قد بيّن ذلك فقال: "إن الثقافة التي رسم خطوطها الأجانب وأملوها على شعبنا لهي أخطر من سلاح الجبابرة لأنها تقدم للأمة شباباً يملكون قابلية الاستعمار ومن المعلوم ان المجتمع إذا فُرغ من داخله فيسهل سقوطه.
واذا كانت الدول الاستعمارية والمستكبرة لها اليد الطولى في ما يعانيه العالم وعالمنا الاسلامي بشكل خاص حيث تشنّ الحروب المدمرة وتنهب ثروات الشعوب وتستعبد الناس , وباسم مكافحة الإرهاب، أنكرت القانون الدولي لحقوق الإنسان وادارت له ظهرها . وهي تتعامل مع القضايا المحقة من منظور المصالح السياسية وليس من منظور العدالة والحقوق الإنسانية .
وكما يقول السيد القائد علي الخامنئي (دام ظله) واصفا الحال: النظام الأمريكيّ يطالب بحقوق الإنسان في وقت يمارس أفظع صور انتهاك حقوق الإنسان في سلوكه الاستكباري تجاه شعوب العالم الضعيفة.
ويقول :إنّ البشرية تئنّ اليوم من تمييز فظيع وتتلوّى من ظلم هائل يمارسه هؤلاء الجبارة وهم يلوّحون بلواء حقوق الإنسان.
فنعم للحرية في التفلت من القيم والمبادئ ولا لحرية ترفض عدوا وتؤسس لطرده .
لكن الامر ليس مستغربا من عدو معلوم العداوة لا يهمه سوى مصالحه وهذا هو حال النظم البراغماتية والليبرالية وفي اسّ مبادئها, ولكن اين العرب والمسلمون من تحمّل المسؤوليات , فهل ينقصهم العديد ام العتاد وهم يرون بأم العين ما يصيب عالمنا من مظالم واعتداءات في لبنان وسوريا واليمن والضفة ولا سيما غزة التي يمارس فيها العدو الصهيوني ابادة ومجازر جماعية بحق البشر والحجر . فهل هم ضعفاء الى هذا الحد ؟
والحال : أنتم ذوو العدد والعدّة، والأداة والقوة، وعندكم السلاح والجُنّة، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون (بحسب تعبير السيدة الزهراء (ع) وهي تخاطب الانصار وتستنفرهم لاسترداد الحق المستباح) فما هذا النكوص والخذلان ؟ فأين تذهبون؟ وأين يراد بكم؟
نعم لا تزال قلة في هذا العالم لا تستسلم للعدو ولا لاستعداء الكثيرين في العالم الاسلامي المنقلب على قيم ومبادئ هذا الدين الحنيف , فيتحملون مسؤولية الدفاع عن دينهم وعن انفسهم وحقوقهم على الرغم من خذلان الناصر بل طعن الاقربين في زمن كَنُودٍ يُعَدُّ فِيهِ الْمُحْسِنُ مُسِيئاً وَيَزْدَادُ الظَّالِمُ فِيهِ عُتُوّاً. ولكن الحق احق ان يتّبع على الرغم من عظيم التضحيات و(مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الاعراف (164) ليعلم اللّه انّا لهم مخالفون، ولأعمالهم كارهون. فإن لم يؤثر ف «عذرا» عند اللّه ، ولكيلا يكون في تركه حجة للمتخلفين.
وامامهم في هذا الامر الامام الحسين (ع) القائل : ألَا وَقَدْ أَعْذَرْتُ وأَنْذَرْتُ، ألَا وإنِّي زاحِفٌ بهذِهِ الأُسرةِ على قلَّةِ العَدَدِ، وكَثرةِ العدُوِّ، وخِذلانِ الناصرِ.
هذا هو السبيل الى العزة واسترجاع هيبة الامة وحقوق الشعوب والا فمزيد من الاستعباد والهوان وقد كان نداء امير المومنين (ع) لجيشه محذرا من الاسوأ : أغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت عليكم الغارات، وملكت عليكم الأوطان.
فيا عجبا! عجبا والله يميت القلب، ويجلب الهم، من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم، وتفرقكم
عن حقكم! فقبحا لكم وترحا، حين صرتم غرضا يرمى , يغارعليكم ولا تغيرون، وتغزون ولا تغزون، ويعصى الله وترضون.
فحكام الامة المتسلطون على الرقاب وكثير من شعوب امتنا واقفون تحت لوائه، منفذون غاياته.. فهم بدلا من أن يستخدموا قواهم وطاقاتهم في طرد الأعداء وحل مشاكلهم يكيدون للمؤمنين وطلاب العزة والحرية .
فالحذر من الاستسلام الى الاماني ووعود الشيطان الاكبر والدخول في حزبه فان مآلهم الى خسران كما قال تعالى : أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ.
«فنعم الربّ ربّنا وبئس العباد، أنتم ... لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر اللّه العظيم ثمّ أضاف عليه السّلام: فتبّا لكم ولما تريدون، إنّا للّه وإنّا إليه راجعون» (من كلام الإمام الحسين عليه السّلام)
واذا كان حزب الشيطان يؤول الى الخسار فان حزب الله وجنده هم الغالبون وعدا غير مكذوب (مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ) المائدة (56
وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (الصافات173) بفكرهم، وإخلاصهم، وثباتهم، وصمودهم، أمام التحديات الصعبة بالرغم من قلة أبنائه وضآلة موارده في البداية وحِزْبَ اللَّهِ أقوى من حزب الشيطان على كثرة عدده وعدته وهو الغالب عليهم.
|