• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : يوم إكمال الدين وإتمام النعمة .

يوم إكمال الدين وإتمام النعمة

يوم إكمال الدين وإتمام النعمة

قال تعالى : اليوم أكلمت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً

مما لا شك فيه بأن هذا اليوم له أهمية زائدة وخصوصية إضافية، فلا بد من أن يكون قد إحتضن واقعة استثنائية عظيمة ترتبط بكل من يدين بالإسلام ديناً.
فما هو هذا اليوم؟
لقد اختلفت النظريات في تحديد هذا اليوم، وسنذكر ثلاثة آراء، ولكن لا بد من الالتفات إلى أمر وهو أنّ هذه الآيات تقع في أوائل سورة المائدة، وهذه السورة مدنية وهي آخر سورة نزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإتفاق المفسرين.

الرأي الأول: يوم البعثة:
إنّ (ال) قد يراد منها الإشارة إلى يوم بعيد، أي يراد منها ذلك اليوم، وأصحاب هذا الرأي يقولون إنّ كلمة يوم هنا إستعملت كذلك، لأنّ المراد منها يوم البعثة، لأن ما يتصف بأنّه اليوم الذي رضي فيه الإسلام ديناً هو يوم البعثة، فالقرينة إذاَ من نفس الآية ويقوله  (ورضيت لكم الإسلام ديناً).
إنّ أهم ما يرد على هذا الرأي هو: إنّ الآية قد إقترنت بقوله: (أكلمت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) وهذا الأمر لا يمكن أن يكون قد حصل أول البعثة، لأن بداية النعمة كأنت أول أيام البعثة، ولذا يكون قوله تعالى: (رضيت لكم الإسلام ديناً) لبيان أنّ الإسلام الذي كمل الآن هو ذلك الإسلام المرضي، ولذا لا يمكن أن يكون المراد من الآية يوم البعثة.

الرأي الثاني: يوم فتح مكة:
إنّ من أعظم الأيام في تاريخ الإسلام هو يوم فتح مكة، ولذا قال تعالى في شأن يوم الفتح: (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً) وأهمية هذا اليوم تأتي من خلال ملاحظة أمرين:
الأول: لقد كان لمكة المكرمة دورها التاريخي ومكانتها المهمة لدى العرب في الجاهلية، وهذه المكانة إرتبطت بالكعبة الشريفة لا سيما بعد حادثة أصحاب الفيل، ولذا ولد الشعور عند الناس بأن أحداً لن يتمكن من السيطرة على مكة، وقد إستحكم الغرور بقريش حتى إحتلت بذلك مكانتها لدى القبائل العربية، ثم كان أن تمكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من فتح مكة دون إراقة دم، وهذا أمر مهم جداً قد إقترن بفتح مكة، لئلا تقول قريش، فيما لو أصيب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسوء، لقد أصابهم ما أصاب أصحاب الفيل.

الثاني: إنّ يوم الفتح كان له أثره النفسي على القبائل العربية فدخلت في الإسلام، وقد قال تعالى: (وما لكم إلا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير).

والرد على هذا الرأي: إنّ أصحاب هذا القول مع تسليمنا بأهمية يوم الفتح لا يملكون شاهداً قرآنياً أو تاريخياً يؤيد ما ذهبوا إليه، بل على العكس، فنحن لدينا شواهد تمنع من الأخذ به، فقوله تعالى: (أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي)، لا ينسجم مع كون نزول الآية يوم الفتح، لأنّ يوم الفتح لم يكن يوم إكمال الدين، بل إنّ سورة المائدة بتمامها نزلت بعد الفتح.
مضافاً إلى قوله: (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) فإن الحال لم يكن كذلك يوم الفتح، لأن المشركين لم يصل بهم الأمر إلى اليأس من الدين في ذلك اليوم.

الرأي الثالث: يوم آية البراءة:
إنّ من أيام الإسلام المهمة هو يوم قرأ سورة براءة من قبل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وذلك في  السنة التاسعة للهجرة.
فإنّ فتح مكة لم ينه حالة التعايش مع المشركين، بل من بقي على الشرك كان له أن يحج ويطوف بالبيت وغير ذلك إلى السنة التاسعة للهجرة، حيث أرسل النبي علياً عليه السلام بالآيات الأولى من سورة براءة ليبلّغها للناس في الحج، بعد أن جاء الأمر الإلهي بأنّ هذه الآيات لا يؤديها إلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو رجلٌ منه، وهكذا تمّ الإعلان عن أنّ الحرم مختص بالمسلمين، ولا يحق للمشركين المشاركة في مراسم الحج، ولذا كان لهذا اليوم أهميته الخاصة عند المسلمين، وعليه فالآية الكريمة تشير إلى يوم البراءة.

والرد على هذا الرأي: هو ما تقدم من الجواب على ما سبقه، من أن هذه الآيات نزلت ولم يكن الدين قد كمل بعد، لأن الكثير من الأحكام إنما جاءت بعد يوم آية البراءة.
النتيجة: إنّ ما نصل إليه هو : أنّ هذه الآراء جمعاء لا تنسجم مع كون الآية من الآيات التي نزلت أواخر حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنحو لم ينزل بعدها حكمٌ جديدٌ.

الرأي الرابع: يوم الغدير:
يتبنى الشيعة القول بأنّ هذه الآية الكريمة نزلت يوم غدير خم، وهو يوم تنصيب الإمام علي عليه السلام خليفة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والذي تذكره مدرسة أهل البيت عليهم السلام لإثبات ذلك يمكن تقسيمه إلى قسمين، فهم تارة يعتمدون الشاهد التاريخي، وأخرى القرائن التي في نفس الآية.
ولقد ذكرت الكتب التاريخية والروائية قصة مفصّلة تتحدث عن هذا اليوم، وأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع، حين عودته إلى المدينة، وصل إلى موقع قرب الجحفة يسمى غدير خم، فطلب من قوافل الحجاج الوقوف، وخطب فيهم قائلاً: (ألستُ أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: من كنتُ مولاه فهذا علي مولاه)، ولما أتمّ الرسول خطابه نزلت الآيات الكريمة.
ولقد تناولت المصادر هذه الحادثة من المدرستين، وهو من الأحاديث المتواترة كما تقدم، وذلك يظهر بمراجعة كتاب الغدير وعبقات الأنوار.


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=130
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2008 / 05 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16