• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : نهاية الحياة الإنسانيّة .
                          • رقم العدد : العدد السادس عشر .

نهاية الحياة الإنسانيّة

 

 


نهاية الحياة الإنسانيّة


آية الله محمد آصف محسني

1 – نظر الشريعة الإسلامية
المفهوم من القرآن المجيد أنّ موت الإنسان – وهو نهاية الحياة الإنسانيّة – بأخذ روحه وهو انقطاع اتصال الروح وتدبيرها عن البدن انقطاعاً نهائياً غير مؤقت.
قال الله تعالى: }الله يتوفّى الأنفس حين موتها...{ (الزمر: 42)... وقال: }كل نفس ذائقة الموت{ (آل عمران: 183)، وقال: }أخرجوا أنفسكم{ (الأنعام: 93)، وقال: }إذا بلغت الحلقوم{ (الواقعة: 83)، وقال: }إذا بلغت التراقى{ (القيامة: 26) – بناءاً على رجوع الضمير المستتر في كلمة «بلغت» إلى النفس أو الروح، دون الحياة وقوله: }يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك...{ (الفجر: 28)، وغيرها من الآيات.
وهذا واضح مسلّم غير قابل للخلاف والنقاش في الشريعة الإسلامية ، لكن لحظة انقطاع الروح غير محسوسة ولا منصوصة، فهل لها علامة طبّية وما هي؟ هل هي سكون القلب عن النبض كما يقول به الأطباء القدامى؟ أو موت جذع المخّ كما يعتقد به الأطباء الجدد؟ أو كلاهما؟
لا شكّ أنّ إدراك الكليات والعواطف الإنسانيّة كالإيثار وحبّ العلم والكمال وحبّ الله تعالى وغيرها من أبرز آثار الروح والنفس الإنسانيّة، بل وكذا الإحساس والحركة الإرادية.
كما لا شكّ في علم الطبّ وعلم الجنين وغيرهما – لحد الآن – أنّ القلب – كاليد والرجل والأنف والكبد والكلية ونحوها – لا حسّ له ولا علم ولا إدراك، بل هو أجنبي عن العواطف الإنسانيّة أيضاً، وهي من آثار المخّ والدماغ. وبتعبير دقيق عندنا أنّها من آثار الروح بتوسط المخ.
وثبت علمياً أيضاً انّ للقلب حركة قبل تمام أربعة أشهر بكثير، وتسمع دقّات قلب الجنين بالآلات الحديثة الطبّية، فليست الحياة الإنسانيّة تدور مدار حركة القلب حدوثاً، ولا بُعد في أن لا تدور مدارها في البقاء والاستدامة، فكما تبدأ حركة القلب قبل الحياة الإنسانيّة يمكن بقاؤها بعد نهايتها خلافاً للأطباء المتقدّمين.
وحينئذٍ هل يصحّ أنْ نذهب إلى قول الأطباء الجدد بأنّ موت جذع المخّ هو علامة انقطاع الروح عن البدن؟ وهذا يتوقّف على أمرين:
1 – إثبات انقطاع الروح عند موته نهائياً وكلّياً عن البدن، ولا يكفي ذهاب الوعي والحسّ وغيرهما؛ إذ لعلّه لفساد الآلة – وهو المخّ – دون انقطاع الروح كذهاب البصر بفساد العين، فلا تبصر الروح لكن عدم إبصارها لا يكشف عن انقطاع علاقتها عن البدن، فاحتمال بقاء الروح واتّصاله ببعض البدن – ولو ضعيفاً وفي الجملة ولدقائق قصيرة – لا نافي له، والعلوم التجريبية – ولو في المرحلة الراهنة – قاصرة عن نفي الاحتمال المذكور، كما أنّ العقل عاجز عنه أيضاً والدين ساكت عنه.
2 – إثبات أنّ المخ غير قابل للتعويض ولا للإصلاح عند خرابه، بخلاف القلب فإنه قابل للتعويض حتّى بقلب بلاستيكي.
لكن عدم تيسّر تعويضه وإصلاحه لعلّه لقصور الطبّ في دوره الحاضر، لا لعدم إمكان التعويض أو الاصلاح في نفسه، وما أدراك ما هو تطور الطبّ في مستقبل بعيد أو قريب؟ فحصول الموت وحدوثه بسكون القلب وإن لم يدلّ عليه دليل، بل هو مرجوح لكنه بموت جذع المخّ أيضاً لم يصل إلى حدّ اليقين وإنْ كان راجحاً.

ثمرة القولين:
ربّما يموت المخ – ونعني به جذعه لا قشره – والقلب ينبض، وهذا على قسمين:
الأوّل: ينبض القلب تلقائياً.
الثاني: ينبض بآلة صناعية بحيث لولاها لسكن القلب بالمرّة.
لا يبعد الحكم على صاحب المخّ المذكور بالموت على الفرض الثاني؛ فإنّ قلبه كمخه مات هو ميت، وتحريك قلبه بآلة خارجية لا تؤثّر في إعادة حياته أو إدامتها، وفي الفرض الأوّل الحكم بموته مبنيّ على القولين المذكورين عند الأطباء قديماً وحديثاًَ.
وللبحث المذكور ثمرات كثيرة شرعية أهمها عند الأطباء نزع القلب لزرعه في بدن غيره في هذه الفاصلة العابرة؛ إذ تأخيره ربّما يفسد القلب فلا يصلح للزرع.

توضيح وتقييم
أقول: لتوضيح محل البحث نذكر صوراً تخطر بالبال عاجلاً:
الأولى: موت تمام المخّ – أي جذعه وقشرته – وتوقّف القلب.
الثانية: موت تمام المخّ وحركة القلب صناعية بعد توقفه.
الثالثة: موت تمام المخّ مع حركة القلب تلقائياً.
الرابعة: حركة القلب صناعية بعد توقفه ثمّ تجديد عمل المخّ بعد موته.
الخامسة: موت المخّ وتوقف القلب مع حياة بعض أعضاء البدن.
السادسة: موت جذع قشرة المخّ وحياة جذع المخّ مع الصور المتقدّمة.
أقول: وفي الصورة الأولى موت الفرد متحقّق عند جميع الأطباء القدامى والجدد.
وليكن في الثانية أيضاً كذلك عندهم؛ إذ لا أثر للتحريك الصناعي المذكور.
والثالثة: هي محلّ الخلاف بين القدماء والمتأخّرين من الأطباء، فعلى قول الأوّلين يحكم بحياة الفرد، وعلى قول الآخرين بموته.
وفي الرابعة: لا مجوّز للحكم بموت الفرد، بل هو حيّ بحياة إنسانيّة.
وفي الخامسة: يحكمون بموته.
وفي السادسة: احتمالان:
الأوّل: أنّ موت قشرة المخّ يستلزم بطلان الحياة الإنسانية إن صح ما ادّعى بعض الأطباء من أنّ قشرة المخ هي التي تميّز الإنسان عن الحيوان بما رزقه الله من ملكات إنسانيّة، وقال: إنّ جذع المخّ هو الحدّ الأدنى اللازم للحياة. ولا عبرة بالحياة غير الإنسانيّة.
الثاني: أنّ بقاء الحياة في جذع المخّ تكشف عن بقاء علقة الروح الإنسانيّة بالبدن وفقدان الوعي وسائر الملكات لفساد الآلة والعضو، فلا يكشف عن بطلان الحياة الإنسانيّة ولا أقلّ من الشكّ في ذلك فيعامل معه معاملة الإنسان الحيّ إستصحاباً.
وبعد فإنّ تحديد انقطاع علاقة الروح بالبدن بالدقة في الفروض المذكورة – سوى الأولين – غير واضح تماماً، والله العالم.

2 – موضع المخ  من وجود الإنسان
الخلية وإن تمثّل حياة إلاّ أنّ حياة الغالبية العظمى من خلايا جسد الإنسان – وكذلك أعضاؤه التي يحتويها هذا الجسد – لها حياتها المستقلّة عن حياة الإنسان كفرد؛ بدليل أنّنا يمكن أن نأخذ بعض الخلايا من جسم الإنسان لزراعتها ودراستها ولا تفقد حياتها بخروجها من جسم الإنسان.
ومن الأمثلة الأخرى استئصال كلية حية من جسم إنسان لزراعتها في جسم إنسان آخر، أنها لا تفقد حياتها ولا تكسب حياة جديدة من جسد المنقولة إليه، بل تحيا بحياتها الأولى طالما توافرت لها إمكانية الغذاء المناسب.
فالقلب والرئتان والكبد والكلى يمكن استئصالها واستبدالها بأعضاء أخرى إنسانية أو حتى بلاستيكية مع استمرارية الذات الإنسانية وعدم تغيرها إلاّ المخّ.
قد نظنّ الآن أن النفس الإنسانيّة تكمن في مخّ الإنسان؛ لأنّه مكان استقبال جميع الحواسّ من سمع وبصر وشمّ وذوق ولمس، إنه مكان الاستقبال الوحيد من العالم الخارجي، كما أنه يحتوي على مخازن الذاكرة من قراءات وسمع وبصر وغيرها والخبرات السابقة ومكان التفكير والابتكار، وبه تمّ إرساء الطباع والعادات والمثل المكتسبة والمميزة لكل إنسان ومكان تواجد الغرائز الموروثة، كما أنه مصدر الأفعال المترتّبة على ما يستقبله من معلومات.
إنّ جميع الأحاسيس الواردة للمخّ وأيضاً جميع الإشارات الصادرة عنه لتنفيذ المهام، تصل منها للعلم إلى مكان معين للمخّ يكون باستمرار على علم تامّ بمجريات الأمور، وذلك هو جذع المخّ، وبقول: أدقّ: نسيج معيّن داخله يسمّى النسيج الشبكي.
وهذا الجزء له تأثير كبير على أجزاء المخّ الأخرى، وقد أثبتت البحوث الكثيرة أنّ هذا النسيج الشبكي هو المسؤول عن وعي الإنسان  وأنّه إذا فقد الإنسان وعيه لسبب أو آخر فإنّ ذلك يحدث لأنّ هذا النسيج قد تعرّض لضررٍ ما، وذلك كالإصابة في الحوادث أو بالتأثير من السموم أو الأمراض.
ويدخل في ذلك التخدير او تعاطي العقاقير من منوّمة ومهدّئة مهلوسة، وهو المسؤول عن نوم الإنسان ويقظته... ويبدو لنا الآن أنّ هذا هو في لغالب مكمن النفس الإنسانيّة.
وعند توقّف القلب عن العمل نهائياً، لأيّ سبب من الأسباب، يتبعه فوراً فقدان الوعي وتوقّف التنفّس، وهما وظيفتان من وظائف المخ الذي لا يتحمل توقّف دورته الدموية إلاّ لثوان معدودة، ولو أنّ الخلايا تظل حية لبضع دقائق إلاّ أنها تتوقّف في أثنائها عن العمل .
وأمّا العضلات والعِظام والجلد فقد تستطيع الحياة لمدة ساعات بعد توقّف القلب والدورة الدموية.
وقد يمكن أحياناً أن يعود القلب للعمل ويبدأ التنفس الذاتي في العمل من جديد – في الدقائق اليسيرة – ويعود الإنسان إلى وعيه، ففي هذه الفترة الحرجة التي يعتبر الإنسان فيها ميتاً بكل المقاييس الاكلينيكية الطبّية، ولكنه بالفعل لا يكون ميتاً؛ لأنّ مخّه ومن ثم معظم أعضاء الجسم لا زالت حيّة.
وقد يعود القلب والتنفس للعمل بعد فترة الدقائق الأربع، بعدد من الثوان ولكن قشرة المخ الحسّاسة قد تكون تلفت جزئياً أو كلياً على حين تستمر أجزاء المخّ الأخرى ومنها جذع المخّ في العمل، وقد يحدث هذا التلف نفسه نتيجة هبوط شديد في ضغط الدم لفترة طويلة حتّى بدون توقف القلب والتنفس؛ وذلك لوصول الغذاء للمخ بكميات غير كافية في هذه المدة، وقد يحدث ذلك نتيجة إصابة شديدة غير مميتة للمخ ولا علاج حينئذٍ، فخلايا المخّ التي تموت لا يمكن تعويضها.
وفي حالة فقد كامل للوعي يستمر هذا الإنسان في حياة جسدية مدة حياة كاملة على هذا الوضع بالرعاية الطبّية ويتنفّس ذاتياً؛ لأنّ جذع المخّ سليم وقد شوهد مريض كذلك استمرّت حياته (15) عاماً في أوروبا .
وقد يموت المخّ أوّلاً فيؤدي إلى وفاة الإنسان حتّى إذا كانت بقية الأعضاء الأخرى بما في ذلك القلب سليمة، كما في بعض إصابات الرأس الشديدة في حوادث الطرق أو السقوط من أماكن مرتفعة وغير ذلك، فيموت المخّ بالكامل أو أساساً جذع المخّ.
والخلاصة: إنّ توقف القلب عن العمل لا يعني بالضرورة الوفاة – فترة الدقائق الأربع – كما أنّ استمرار القلب في العمل بعد موت المخّ لا يعني الحياة .
وقال بعضهم: إنّ المخّ يحتمل توقف القلب أقل من أربع دقائق، فإذا القلب يعود لعمله بعد ذلك بقي المخّ تالفاً، كما إنّ توقّف التنفّس يتبعه توقّف القلب بعد أقل من ذلك.
وخلاصة ذلك: أنّ موت الإنسان بموت مخه، وأما تحديد وقت وفاة المخ فهنا أكثر من طريقة له، ولكن أكثرها دقة وتحديداً هي أن يوصل أيّ مريض مصاب بإصابة شديدة بالمخ بأجهزة تخطيط المخّ أو أجهزة قياس عمل المخّ أو أجهزة فحص عمل جذع المخ، فإنها دقيقة تقوم بتحديد المطلوب .

3 – أيضاً المخ والقلب
ولمّا كان قرار تشخيص الموت يتبعه إيقاف الأجهزة الصناعية، ووقف أجهزة التنفس يتبعه توقف القلب، فقد كان من الضروري تمحيص هذه القضية – أيّ: اعتبار موت جذع الدماغ موتاً للمريض – بصورة أخرى، فأجريت دراسة استقصائية للحالات التي تمّ فيها تشخيص موت الدماغ، ولكن الأجهزة لم توقف لسبب من الأسباب، وقد زادت على سبعمائة حالة وقد ماتت الحالات جميعاً رغم استمرار الأجهزة.
هذا وقد توقّف القلب فيها بعد ساعات أو أيام من موت الدماغ، وكان متوسطة المدّة ثلاثة أيام ونصف إلى أربعة أيام ونصف يوم، وأقصى مدة سجّلت لاستمرار القلب في الدق هي أربعة عشر يوماً ... ولم يعش أحد (من هذه الحالات 700) ...
إلاّ أنّ المخّ يفقد قابليته إذا انقطع عنه الأوكسيجين لمدة دقائق معدودة (3 – 5 دقائق) وحرارته طبيعية، ومع التبريد يمكن للمخّ أن يعود للعمل بعد عدّة ساعات من التوقّف إذا عادت إليه الدموية الحاملة للأوكسيجين .


موت القلب ليس موت الفرد:
يمكن أن يتوقّف القلب عن العمل تماماً بصفة مؤقتة أو بصفة دائمة، وتستمر حياة صاحبه بجسده وذكره وعاطفته وحواسّه وادراكه وكلّ مقومات شخصيته ما دامت هناك مضخّة بديلة تضخّ الدم وتسيّره عبر الدورة الدموية، وهذه المضخّة يمكن أن تكون قلباً عضوياً آخر من إنسان أو حيوان أو تكون آلية .

موت المخّ موت الفرد
موت المخّ يؤدي بالضرورة إلى موت صاحبه. نعم، من الممكن أن يتوقّف المخّ عن العمل جزئياً  لسببٍ ما ثم يعود إلى حالته الطبيعية ما لم يفقد الحياة أو القابلية للحياة تماماً، وأما إذا فقد القابلية للحياة وانعدمت كل المؤشرات الكهربائية فيه فلا يمكن اصلاحه بعد ذلك، ولا يمكن للإنسان الحياة بدونه ولا يوجد للمخ بديل.

4 – اعتراضات على هذا القول وأجوبتها
1 – كيف يحكم بموت إنسان بموت مخّه وربّما قلبه ما زال ينبض؟
أجيب عنه بأنّ حياة عضو لا تتعارض مع موت صاحبه، فمثلاً الشعر يستمرّ في النموّ لمدّة 24 ساعة أو أكثر بعد موت صاحبه ودفنه وبدون أي دورة دموية جارية، والقلب العضوي يمكنه أن يستمر خارج الجسد منفصلاً عن صاحبه مدة إذا وفّر له الغذاء والحرارة المناسبة، وفي هذا الأثناء يكون صاحبه قد مات ودفن، وكذلك كثير من أعضاء الجسد.
وجدير بالذكر هنا أن نعلم أن الحياة على أقسام:
فمنها: الحياة الإنسانية الواعية.
ومنها: الحياة الجسدية، وهي الحياة أثناء النوم وأثناء التخدير وتعاطي السموم في إصابات المخ وحالات الغيبوبة وحالات وفاة قشر المخ، هذه الحياة موجودة وفيها روح .
ومنها: الحياة العضوية، وهي تكون بعد وفاة جذع المخ، ولا زالت بعض الأعضاء موجودة حية. طبعاً ذلك يستدعي وجود تنفس صناعي.
ومنها: الحياة النسيجية.
ومنها: الحياة الخلوية .
فلا بدّ من عدم اشتباه بعضها ببعض آخر.
2 – نقل عن جريدة الأهرام (30/9/1984) خبرٌ وهو:
حالة وضع أثارت اهتمام العلماء في العالم أجمع، تلك حالة السيدة الفلندية انجاليتالو (32 عاماً)، التي وضعت طفلها الرابع وهي في غيبوبة تامة منذ شهرين ونصف، وقد دخلت الأم في هذه الغيبوبة إثر إصابتها بنزيف في المخّ، والغريب أنّ الأم قد توفّيت بعد أن وضعت طفلها ماركو بيومين... فقد كانت الأم تتنفّس صناعياً وتتغذّى بالأنابيب وينقل لها دم مرة أسبوعاً، وذلك لمدّة عشرة أسابيع .
وأجيب عنه بأنّ الأم لم تكن حية وليس لها روح، وإنّما هي استعملت كحاضنة صناعية للجنين الذي في جوفها.
إنّ جذع المخّ نسمّيه المراحل الدنيا أو الأقلّ، وأمّا المراحل العليا أو المراكز العليا فهي مرحلة القشرة. المراحل الدنيا لا تعني أهميّتها بالنسبة للحياة بالعكس من المراحل العليا – المنطقة العليا هي التي تميّز الإنسان عن الحيوان بما رزقه الله تعالى من ملكات إنسانيّة – ولكن المراحل (أو المنطقة) الدنيا هي الحدّ الأدنى اللازم للحياة هو جذع المخ؛ قيل: المعتوه ليس ميّتاً؛ لأنه فقد الخاصّة العليا، وهي قشرة المخ، ولكنه ما زال يحتفظ بالحدّ الأدنى، وهو جذع المخ (الذي) هو فيصل التعريف بين الحياة والموت .
5 – شواهد على صحّة قول الأطباء الجدد
1 – حركة القلب توجد في الجنين قبل تعلّق الروح الإنسانيّة، فلا تتعلق بالحياة الإنسانيّة في الابتداء والانتهاء كما ذكرناه سابقاً أيضاً.
لا يقال: المخّ أيضاً يتكامل في الأسبوع الثاني عشر سبق أيضاً، فقياساً على قولك يقال: إنّ عمل المخّ لا يدلّ على الحياة.
فإنا نقول: مطلق العمل لا يدلّ على تحقق الحياة الإنسانيّة بل العمل الخاص وهو العمل الإرادي وإدراك الكلّيات والعواطف وسائر الملكات ولو في الجملة وأنّى لك بإثباتها؟ فلاحظ.
2 – من صفات الروح أو آثارها العواطف الإنسانيّة والإدراك، وحيث إنهما تذهبان بذهاب المخّ فلم تبق الحياة الإنسانيّة، فيكشف أنّ الروح تدور مدار المخّ، وإن احتمل ذهاب العواطف لفساد المحلّ فلا يحتمل ذلك في إدراك الكلّيات الذي تستقلّ به الروح.
3 – الإدراكات الحسّية من الحواسّ الخمس كلّها تنشأ وترجع إلى المخّ دون القلب العضوي، بل نسبته إلى الإدراكات كنسبة اليد والرجل والأنف والبطن والعضد – مثلاً – إليها، كما هو واضح في مثل هذه الأعصار.
وربّما يمكن أنْ يتوهّم أحد بأنّ الإدراكات الحسية – لمكان اتّصاف الحيوانات أو معظمها بها أو بأكثرها – لا تخصّ الروح الإنسانيّة، بل الروح الحيوانية.
وجوابه أنها في الإنسان ترجع إلى روحه الإنساني، إذ لا تتعدّد أرواحه وليس له روحان حيواني وإنساني.
4 – لو كانت الروح متعلّقة بالقلب حدوثاً وبقاءاً لذهبت بذهابه وتعويضه بقلب بلاستيكي، لكنها باقية بتمام مشخّصاتها مع التعويض المذكور.

6 – علاقة الروح بالبدن
مقتضى الآيات القرآنية والأحاديث المعتبرة والبراهين العقلية أنّ للإنسان روحاً ونفساً وبدناً، وهذا أمر مقطوع لا ريب فيه.
والروح والنفس مفهومان منطبقان على مصداق واحد جزماً أو وجداناً. والكلام هنا في بيان كيفية علاقة الروح بالبدن، وفيها احتمالات أو أقوال:
1 – علاقة الروح بالبدن علاقة الحال بالمحلّ كما عن أهل السنة – الأشاعرة – حيث قالوا: إنّ الإنسان مكون من جسد وروح تحلّ في هذا الجسد ما دام صالحاً لاستقبال الروح ، ونسمّيه بالعلاقة الحلولية، كحلول الأمراض بالبدن وكحلول جملة من الأعراض بالجسم.
2 – علاقتها به كعلاقة العرض بموضوعه – حسب المصطلح  في الكلام والحكمة – نسبه الرازي إلى المعتزلة (الذين يتبعون العقل في المعارف بدل متابعة أبي الحسن الأشعري) وأنهم قالوا: إنّ الحياة عرض قائم بالجسم، أي أنّ الروح عرض قائم بذلك الجسم، فجعلوا الروح غير منفصلة عن الجسم كما هي منفصلة عنه على القول الأوّل .
لكن لا وثوق لنا بنقل الرازي فلا يثبت هذا عن المعتزلة.
3 – أو كعلاقة الراكب بالمركب؟
4 – أو كعلاقة المظروف بالظرف؟
5 – أو كعلاقة الملك بمملكته ورئيس الجمهور ببلاده، فهي علاقة تدبيرية.
لا يستفاد من الآيات المتضمنة لبيان نفس الإنسان شيء من تلك الخصوصيات على ما أفهم – وفهمي قاصر – وكذا من قوله تعالى: }ثم أنشأناه خلقاً آخر{ (المؤمنون: 14)، بناءاً على نظارته إلى الروح كما هو الأظهر.
نعم، ما ورد في آدم وعيسى L ربما يشير إلى موضوعنا هذا، كقوله سبحانه وتعالى: }ثم سويه ونفخ فيه من روحه{ (السجدة: 9) وقوله تعالى: }فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين{ (الحجر: 29)، وقوله تعالى: }والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا{ (الأنبياء: 91)، وقوله تعالى: }ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا{ (التحريم: 12).
أقول: أولاً: أنّه لا فرق بين آدم وعيسى L وغيره من الآدميين في كيفية نفخ الروح .
وثانياً: أنّ هذه الروح هي روح الإنسان لا شيء غيرها، وإضافتها إلى الله سبحانه كإضافة البيت والكتاب والأهل إليه فنقول: بيت الله وكتاب الله وأهل الله، وهي إضافة تشريفية فقط، وتؤكّد هذا جملة من الأحاديث:
ففي صحيح الأحول المروي في الكافي قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن الروح التي في آدم (ع)قوله: }فإذا سويته ونفخت فيه من روحي{، قال: «هذه روح مخلوقة والروح في عيسى مخلوقة» .
وفي حسنة حمران: سألت أبا عبد الله (ع)عن قول الله عزَّ وجلَّ: }وروح منه{، قال: «هي روح الله مخلوقة خلقها الله في آدم وعيسى» .
وفي صحيح محمد بن مسلم المرويّ عن معاني الأخبار قال: سألت أبا جعفر (ع)عن قول الله عزَّ وجلَّ: }ونفخت فيه من روحي{، قال: روح اختاره الله واصطفاه وخلقه وأضافه إلى نفسه وفضّله على جميع الأرواح فنفخ منه في آدم» .
وثالثاُ: أنّ الآيات والأحاديث لا تدلّ على أن الله نفخ الروح في آدم وعيسى حتّى يقال بمثله في جميع بني آدم فيصحّ القول الأوّل ونحوه، بل مدلولها أنّ الله نفخ من الروح فيهما فالروح منفوخ منها لا منفوخة، وهذا يظهر بأدنى تعمّق في الآيات الكريمة.
وأنا أظن – والله العالم العاصم الهادي – أنّ المراد بالنفخ هو الإحياء، فمعنى الآيات على هذا أنّ الله أحيا آدم وعيسى من الروح، فالروح مبدأ الحياة لا نفسها، والظاهر أنّ علاقة الروح بالبدن تدبيرية، فليست بداخلة في البدن ولا راكبة ولا البدن ظرفها، وإذا قلنا بتجرّد الروح – كما هو الظاهر – فلا بد من اختيار هذا القول عقلاً.
فإن قال قائل: فما تقول في قوله تعالى: }فلولا إذا بلغت الحلقوم{ (الواقعة: 36) الدالّ على دخول الروح في البدن؟ فقد أُجيب عنه بأنّ بلوغ النفس الحلقوم كناية عن الإشراف التام للموت، فليس المراد حركة الروح من الأسفل إلى الحلقوم حركة مكانية، وكذا الكلام في قوله تعالى: }كلا إذا بلغت التراقي{ (القيامة: 26).
والأظهر عندي أنّه لا دليل على رجوع الضمير في قوله تعالى: }بلغت{ إلى الروح، ويحتمل قوياً رجوعه إلى الحياة الإنسانيّة القائمة بجميع البدن والرأس الناشئة من الروح كما ذكرنا قبيل هذا، ومع هذا الاحتمال لا يبقى مستمسك لمن يظنّ أنّ الروح داخلة في البدن وتخرج منه خروج جسم من جسم.
وأمّا قوله تعالى في حق مجاهدي غزوة الخندق: }وبلغت القلوب الحناجر{ (الأحزاب: 10)، فلا تكون قرينة على أنّ الضمير في الآيتين المشار إليهما أيضاً يرجع إلى القلوب، على أنّه أيضاً كناية جزماً، والله أعلم وهو الهادي.

7 – الروح مجرّدة أو جسم لطيف؟
ذهب جمع من المتكلّمين إلى أنها جسم لطيف، وذهب جمع من الحكماء إلى أنّها مجردة عن المادة ولواحقها كالزمان والمكان، بل مال الحكيم السبزواري M تبعاً لشهاب الدين السهروردي شيخ الإشراق إلى أنها لا ماهية لها أيضاً ، وقبوله بل تصوّره مشكل.
فالروح على المشهور عند الحكماء جوهر مجرّد، له نحو اتصال وعلاقة بالبدن، وقد أقيمت عليه دلائل عقلية وعلمية، ولا بأس بالاعتماد على مجموعها. ومن شاء فليراجع محالّها؛ فإن نقلها وتفصيلها لا يناسب هذا الكتاب، والله سبحانه وتعالى أعلم بحقائق الأمور وبواطن الأشياء.
8 – القلب في القرآن
ذكرت لفظتا: القلب والقلوب في آيات كثيرة من القرآن، وأسندت إليه في تلك الآيات أمور كثيرة، كالإثم، والاطمئنان، والغفلة، والمرض، والختم، والهداية، والرعب وعدم الفقه، والزيغ، والتقوى، والتعقّل وعدمه، والعمى، والتقلّب، والاشمئزاز، والكظم، والقفل، وإنزال السكينة، وإنزال الوحي، وجعل الرأفة، والرحمة، والكسب، والألفة، والخير، والتعمّد، والطهارة، وزينة الإيمان، وعدم دخول الإيمان، والطبع، والحسرة، والوجل، والريب، والغيظ، واللهو، والإخبات، وامتحان التقوى، والخشوع، وغير ذلك.
والقلب عضو عضلي أجوف يستقبل الدم من الأوردة ويدفعه في الشرايين في الجهة اليسرى من التجويف الصدري.
نعم، ذكر أهل اللغة له معان أخرى، كالعقل واللبّ والفؤاد عن مختار الصحاح، ووسط الشيء ولبّه ومحضه وخالص الشيء وخياره عن المعجم الوسيط، ونفس الشيء وحقيقته، عن لسان العرب، وفي المنجد: القلب...: العقل، قلب الجيش وسطه، قلب كلّ شيء لبّه ومحضه، ويقال: رجل قلب، أي خالص النسب.
فمعان القلب بعد معناه المعروف هو العقل – وإليه يرجع اللب ظاهراً – وخالص الشيء ومحضه وخياره ونفس الشيء وحقيقته، هذه المفاهيم الأخيرة يصح انطباقها على الروح، وعليه فالقلب هو العضو الخاص المعروف والعقل والروح .
وحيث إن الأمور المنسوبة إليه في القرآن كلها من صفات النفس والروح قطعاً، ونسبتها إلى القلب العضلي كنسبتها إلى سائر الأعضاء من اليد والرجل ونحوهما في البطلان، تعيّن حمل القلب على معنى الروح، وحينئذٍ فلا إشكال.
لكن تأويل آيات القرآن بهذه السهولة غير ميسّر، بل هو غير جائز ما لم يدعمه دليل شرعي معتبر إذا لم يثبت أنّ النفس أو الروح معنى حقيقي أو منصرف إليه لفظ القلب كما هو كذلك عندنا؛ إذ المفهوم المتبادر ما يقصده الأطباء، فلاحظ.
على أنّ في تأويل القرآن – وهو السند الأصيل للإسلام والنبوّة الخاتمية – مع الغض عن منعه الشرعي إشكالاً قوياً ليس هنا موضع بيانه، والذي يمكن أن يركن إليه في فهم معنى القلب آيات نذكر بعضها:
1 – قوله سبحانه وتعالى: }فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور{ (الحج: 46) .
2 – }وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم{ (الأحزاب: 154).
3 – }ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه{ (الأحزاب: 4).
4 – }وبلغت القلوب الحناجر{ (الأحزاب: 10).
أقول: الآية الأولى ظاهرة بل صريحة على أنّ المراد بالقلب الذي وصف بالعمى هو العضو المعروف؛ ضرورة أن العقل والروح ليسا في الصدر.
والآية الثانية كالنصّ على تباين الصدر والقلب إن لم يحمل قوله تعالى:}وليمحص...{ على أنه عطف بيان – كما هو الأظهر حسب القاعدة – وإلاّ لدلت على اتحاد الصدر والقلب، وحينئذٍ لا بدّ من حملهما على معنى ثالث؛ ضرورة تباين العضوان الماديان، وعلى كلٍّ لا يستفاد منها المراد من القلب على فرض كون العطف لغير البيان.
والثالثة كالأولى ظاهرة في إرادة العضو المشهور.
وأمّا الرابعة فتحمل على المعنى الكنائي كشدّة حال الصحابة الحاضرين في غزوة الأحزاب، سواء أريد بالقلوب معناها المتبادر أو الأرواح.
فإن جعلنا الآيتين الأولى والثالثة قرينتين عامتين لجميع الموارد المستعملة فيها القلب فهو، وإلاّ فيبقى معناه مجهولاً في محدودة تفسير الآيات الكريمة، إلاّ أن يدّعى تبادره إلى العضو المشهور وأنّ الروح أو العقل معنى مجازي لا يحمل عليه لفظ القلب إلاّ مع القرينة، فتأمل.
وجعل بعض المفسّرين قوله تعالى: }ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم{ (البقرة: 225). من الشواهد على إرادة النفس والروح من القلب؛ فإنّ التعقل والتفكّر والحبّ والبغض والخوف وأمثال ذلك وإن أمكن أن ينسبها أحد إلى القلب، باعتقاد أنّه العضو المدرك في البدن على ما ربما يعتقده العامة كما ينسب السمع إلى الإذن والإبصار إلى العين والذوق إلى اللسان، لكن الكسب والاكتساب ممّا لا ينسب إلاّ إلى الإنسان البتة .
أقول: الكسب المستتبع للمؤاخذة قد يكون بأعمال جوارحية وقد يكون بأفعال أو صفات قلبية، فما ذكره هذا القائل لا يعتمد عليه.
ثمّ إنّ المنقول عن ابن سينا أنّه رجّح كون الإدراك للقلب، بمعنى أنّ دخالة الدماغ فيه دخالة الآلة، فللقلب الإدراك وللدماغ الوساطة .
أقول: وضعفه ظاهر، وكم للفلاسفة تخرّصات بالغيب وحدسيات باطلة وتحكّمات بغير حقّ فهمناها من العلم الحديث المبنيّ على الحسّ، نعم، هو حق إن بدّلنا القلب بالروح.
والمقام عندي من المشكلات، ولُبّ التحيّر أنّ نسبة الذوق والشمّ والسمع والبصر واللمس إلى الأعضاء الخمسة ظاهرة؛ لأنّها محالّ هذه الإدراكات وإن لم تكن مدركاتها، ولكن نسبة الأمور المتقدمة في أول هذا البحث إلى القلب العضلي غير صحيحة، إلاّ إذا وجد بينه وبين الروح رابطة مصححة لنسبة أفعالها وصفاتها إليه، وهذه الرابطة لم تثبتها العلوم التجريبية ولا البراهين العقلية لحدّ الآن، والعلم في تطوّره بعد، والله العالم.
نعم، لا شك في وجود رابطة لائقة بين الروح والمخّ كرابطة المصور وجهاز التصوير، لكن حتّى اليوم إذا قلت لأحد: حُبّك في مخّي، لربّما ضحك، بخلاف ما لو قلت، حُبّك في قلبي! لكن المتّبع هو العقل أو العلم دون تصوّر العوامّ وإنْ كان الحكم ببطلان تصوّرهم في المقام لا يخلو عن زيادة جرأة.
فإن قلت: إنّ تصوّر العوامّ ذلك نشأ من ظاهر القرآن المجيد بعدما فسر المفسّرون آياته أو ترجمها المترجمون وذكرها المبلّغون والمرشدون، فإذا أوجبنا تأويلها للقرينة الخارجية لا تبقى مشكلة في ردّ اعتقاد العوامّ بدرك القلب وفهمه.
قلت: أوّلاً: إنّ المراد بالعوامّ ليس خصوص المسلمين كما زعمت بل مطلق الناس أو غالبهم، فإنّ نسبة العلم والفهم والحبّ والبغض وغير ذلك إلى القلب موجودة مستعملة في لغات غير المسلمين ممّن لم يسمعوا استعمالات القرآن المجيد، فكان معظم العقلاء من الآدميين اعتقدوا ذلك، وإلى هذا يشير قولنا: إنّ رد حسبانهم في المقام لا يخلو عن زيادة جرأة.
وثانياً: إنا لم نوجب تأويل الآيات القرآنية، بل منعنا منه وانتظرنا تطوّر العلم حتّى يتوصّل إلى الحلقة المفقودة المتوسطة بين الصفات النفسية والقلب.

9 – الصدر في القرآن
في القرآن آيات تدلّ على نسبة جملة من الأمور إلى الصدر: }بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم{ (العنكبوت: 49)، }يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور{ (غافر: 11)، }يوسوس في صدور الناس{ (الناس: 5)، }إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه{ (آل عمران: 29)، }وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم{ (آل عمران: 145)، }مما يكبر في صدوركم{ (الإسراء: 51)، }حاجة في صدوركم{ (غافر: 80)، }ونزعنا ما في صدورهم من غل{ (الأعراف: 43)، }ألم نشرح لك صدرك{ (الشرح: 1)، وغيرها.
وفي المنجد: الصدر ج الصدور: ما دون العنق إلى فضاء الجوف، وله معان أُخر:
1 - أعلى مقدّم كلّ شيء. 2 - أوّل كلّ شيء كالنهار. 3 – الطائفة من الشيء. 4 – الوزير الأكبر.
ولاحظ مختار الصحاح ولسان العرب والمعجم الصحيح وغيرها.
ولا يبعد إطلاقه على هذه المعاني بعناية معناه الأوّل فيكون استعماله فيها مجازياً، فلاحظ.
والمتبادر من لفظ الصدر – ولو في مثل أعصارنا – هو المعنى الأوّل إلاّ إذا قامت القرينة على غيره، ومن حسن الاتفاق أنّ أهل اللغة الفارسية أيضاً ينسبون إلى الصدر «سينه» بعض ما يُنسب إليه في العربية.
وعلى كلٍّ يجري فيه السؤال المذكور في القلب بتفاوت ما، كما لا يخفى.

تتمة
القرآن يسند بعض الصفات والأفعال التابعة للإدراك أو الدالة عليه إلى أشياء ثلاثة: النفس والقلب والصدر، وربما يُسند شيء واحد كالإخفاء والحاجة والوسوسة إلى النفس والصدر، والاطمئنان إلى القلب والنفس، أليس هذا مشعراً بوحدة هذه الأشياء مصداقاً ولو في عدّة من الآيات لا في جميعها؟ تأمّل ثمّ اقض، فإنه أمر مهمّ في المقام ولا أعلم من ذكره.

10 – علامات الموت والحياة
يقول الشهيد الأول  في مبحث احتضار اللمعة:... إلاّ مع الاشتباه فيصبر عليه ثلاثة أيام.
ويقول: الشهيد الثاني  في شرحها: إلاّ أن يعلم قبلها (أي قبل ثلاثة أيام) لتغير وغيره من أمارات الموت، كانخساف صدغيه، وميل أنفه، وامتداد جلدة وجهه، وانخلاع كفّه من ذراعيه، واسترخاء قدميه، وتقلّص انثييه إلى فوق مع تدلّي الجلدة، ونحو ذلك .
وعن بعضهم أنّ علامته: زوال النور من بياض العين وسوادها، وذهاب التنفّس وزوال النبض، وعن جالينوس الاستبراء بنبض عروق بين الانثيين أو عروق يلي الحالب والذكر بعد الغمز الشديد أو عرق في باطن الإلية أو تحت اللسان أو في بطن المنخر.
أقول: وقد أحسن صاحب جواهر الكلام  حيث قال بعد نقل تلك العلامات: إنّ المدار على العلم الذي تطمئنّ به النفس... فاحتمال إناطة الحكم بهذه العلامات وإن لم تفده – أي العلم – في غاية الضعف؛ لظهور الأخبار... في كون المدار على العلم كما صرّح به في الموثّق، وأنّ تعليق الحكم على التغيير إنما هو لإفادته ذلك غالباً.

وعن المحقّق  في المعتبر: ويجب التربّص مع الاشتباه حتّى تظهر علامات الموت وحدّه العلم، هو إجماع. وعن تذكرة العلاّمة: أنّه لا يجوز التعجيل مع الاشتباه حتّى تظهر علامات الموت ويتحقّق العلم به بالإجماع .
أقول: فإنْ علم المكلّف به فهو وإلاّ فلا بدّ من الرجوع إلى الاختصاصيين حتّى يطمئن بقولهم بالموت.
وأمّا الأحاديث المتعلّقة بالمقام فإليك بعضها:
1 – صحيح هشام بن الحكم عنه (ع): «خمس ينتظر بهم إلاّ أن يتغيّروا: الغريق، المصعوق، والمبطون، والمهدوم، والمدخن».
2 – وفي حديث عن الكاظم (ع) في المصعوق والغريق ينتظر به ثلاثة أيام إلاّ أنْ يتغيّر قبل ذلك .
ولا يبعد حمل الأخبار على حصول العلم بالموت، ولا شكّ أنه أحوط.
وأمّا علامة الحياة فالمذكور في الأحاديث الاستهلال والتحرّك، كصحيح ربعي قال: سمعت  أبا عبد الله (ع) يقول في سقط إذا سقط من (في التهذيب) بطن أمه فتحرك تحركاً بيناً: «يرث ويورث،  فإنه ربّما كان أخرس». وقريب منه حديثه الآخر وصحيح الفضيل وموثّقة أبي نصير وغيرها.
وفي رواية ابن سنان عنه (ع): لا يصلّى على المنفوس – وهو المولود الذي لم يستهلّ ولم يصح ولم يورث من الدية ولا من غيرها. (من والديه ولا من غيرهما في التهذيب)، وإذا استهل فصلّ عليه وورّثه» . ويدلّ عليه غيرها أيضاً.
أقول: وجدير بالذكر أنّ هذه الأحاديث لم تذكر نبض القلب علامة للحياة، فهل هو تلميح إلى عدم دلالته عليها؟

11 – لا يجب تحريك القلب على كلّ حال
إذا تحقّق موت جذع المخ وتوقّف عمله بكامله وعلم بتوقّف القلب توقفاً تاماً، فهو ميت على قول جميع الأطباء، وعليه فلا يجب اتّصال الآلة الصناعية المحركة لقلبه به؛ إذ مع العلم في عدم تأثيرها في إعادة الحياة لا أثر لحركة القلب، وهذا واضح، بل مؤونة الاتصال في المستشفى نوع من الإسراف، بل ربّما تحرم جزماً كما إذا كانت للميت ورثة صغار أو عليه دين للناس أو لله تعالى، وتركته على فرض صرفها في اتصال الآلة لا تفي بالدين المذكور.
وأمّا إذا مات قسم من المخّ كقشرته ففي وجوب وصول الآلة مع الإمكان وجهان:
من كونه حيّاً في الجملة – ولو احتمالاً – فيستصحب حياته فيجب حفظها.
ومن أنّ فوت القشرة فوت للمميزات الإنسانية – كما قال بعض الأطباء – ولا تجب حفظ مطلق الحياة بل حياة الإنسان، فتأمّل.
وعلى كلٍّ إنَّ قتل النفس غير حفظها، وهما أمران متمايزان، والأوّل حرام عقلاً وشرعاً – كتاباً وسنةً وإجماعاً – وأمّا الثاني فليس على وجوبه دليل لفظي واضح؛ وقوله تعالى: }ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً{ (المائدة: 32)، يدلّ على الفضل دون اللزوم، وقد ذكرنا بحثه في الجزء الثالث من كتابنا حدود الشريعة في مادة الحفظ، وأن الدليل عليه لُبّي، والمتيقن هو وجوبه في غير هذا الفرض، والمقام محتاج إلى مزيد تأمّل.


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=214
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 01 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28