• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : سيرة .
                    • الموضوع : الإمام الحسن بن علي العسكري .

الإمام الحسن بن علي العسكري

بإسمه تعالى

الإمام الحسن بن علي العسكري "ع"


  الشيخ سمير رحال

قبل الدخول في دراسة الدور الذي قام به الإمام العسكري "ع" في ظل الظروف السياسة والإجتماعية التي عاشها ، لا بد أن نتحدث بشكل عام عن الدور المنوط بالإمام المعصوم بعد النبي "ص" والذي يشكل قاسماً مشتركاً للأئمة الأثنى عشر "ع" بعيداً عن الظروف والملابسات الخاصة بكل إمام .
فللإمام المعصوم "ص" دور يقتضيه منصب الإمامة ويتمثل في قيادة المجتمع الإسلامي بعد إرتحال النبي "ص" وإيجاد نوع من الإنصهار التام للرسالة في وجدان الأمة كأفراد وكمجتمع ، إضافة إلى إمداد الأمة بالمعارف والتشريعات اللآزمة من المعين الصافي والتي أودعت عندهم ولم تتح سني عمر النبي "ص" القصيرة نسبياً بعد البعثة في بثها بين الناس .
ولكن كما نعلم ساهمت الأحداث بعد وفاة النبي "ص" في منع الإمام علي "ع" من قيادة الأمة وإمتداد ذلك إلى الأئمة المعصومين "ع" جميعاً ، ولكن أقصاء الأئمة عن هذا الدور لم يمنع من قيام الأئمة "ع" بالأدوار الأخرى لمنوطة بهم .
صحيح إنهم عاشوا المظلومية وعانوا كثيراً من الحكام وأعوانهم ، ولكنهم مارسوا أدوارهم في مواجهة الحكام وأن أختلفت أساليبهم وفي مواجهة الثقافات المتفرقة وفي إعطاء النموذج المشرق والنقي للرسالة .
هذا الدور العام الذي قام به اهل البيت "ع" ولد قاعدة جماهيرية كبرى لهم نلحظها في كلام الإمام موسى بن جعفر"ع" حينما يقول لهارون الرشيد : أنت إمام الأجسام وأنا إمام القلوب ، ونراها في موقف الإمام زين العابدين "ع" في موسم الحج عندما شق طريقه بين الجموع المحتشدة لإستلام الحجر الأسود وهذا ما لم يستطعه الخليفة هشام وما إلى ذلك من مواقف تشهد للزعامة الروحية لأهل البيت رغم إقصائهم عن الخلافة.
بعد هذا التمهيد نأتي لندرس حركة الإمام العسكري "ع" على ضوء الدور العام الذي رسمناه للأئمة "ع" لنصل بعد ذلك إلى الدور الخاص الذي إضطلع به في التمهيد لغيبة صاحب العصر والزمان "عج" وتحضير شيعته لهذا الأمر بما يضمن بقاء هذا الخط .
أما على الصعيد العام فلقد كان الإمام العسكري "ع" من الذين عانوا كثيراً وعاش في ظروف صعبة في ظل الإقامة الجبرية في سامراء مركز الخلافة آنذاك في مكان يقال له العسكر وهو عبارة عن ثكنة عسكرية يتخذها عساكر الخليفة مكاناً لعم ولذا لقب بالعسكري .
وعلى رغم ضعف السلطة السياسية في عصره نتيجة سيطرة الموالي والأتراك على مقاليد الحكم وإنشغال الحاكم باللهو والترف إلا أن ذلك لم يمنع من إستمرار محاصرته ومضايقته .
ويكفي دلالة على حراجة المرحلة التي عاشها أن مدة إمامته إستمرت لست سنوات فقط وعلى قصر هذه المدة فقد عاصر ثلاثة خلفاء وهن المعتز والمهتدي والمعتمد ، كما أنه قضي شهيداً في سن الثامنة والعشرين قضاها بين السجون والإقامة الجبرية معزولاً عن شيعته ، ومع ذلك حاول الحكام إستيعاب الإمام وإظهار بصورة المسالم لهم لأحداث شرخ بينه وبين قاعدته وشيعته وذلك إستمراراً للنهج المتبع من قبل السلطة منذ أيام الرضا "ع" وجعله ولياً للعهد ولكن الإمام كما أباؤه "ع" إستوعب هذا المخطط وتعامل معه بحذر فكان يحضر إلى بلاط الخليفة كل يوم أثنين وخميس ليبقى على علاقة رتيبة مع الحكم ولعدم آثارتهم ضده دون أن يبدي رضا بحكمهم ، وقد أنعكس ذلك بإتخاذه كموقف الحياد لا سلبياً ولا إيجابياً من الثورات التي قامت في مدة إمامته كثورة الزنج التي أدعت إنتسابها إلى خط أهل البيت "ع" ونفي الإمام علاقته بالثورة .
حركة الإمام العلمية :
في مقابل دور الإمام السياسي أنبرى "ع" لأداء دوره الذي تمليه إمامته والمتمثل في متابعة بث علوم أهل البيت"ع" وطرح الإسلام بين الناس ومواجهة محاولات المس بالحقائق الدينية وإجراء المحاورات والنقاشات العلمية .
وأفرز جهده العلمي مجموعة من الرواة والمحدثين الذين نقلوا عنه المعارف الإسلامية ، وذكروا للإمام تفسيراً للقرآن عرف بتفسير الإمام العكسري ولكنه بقي موضع نقاش في صحة نسبته للإمام .
ومما يدل على مواكبته العلمية للساحة موقفه من مشروع فيلسوف العراق أبو يوسف الكندي الذي أراد أن يضع كتاباً حول متناقصات القرآن فأتصل به الإمام بالواسطة وجعلة يتوب ويرجع عن نيته ويحرق أوراقه كما له بيانات علمية لأبي هاشم الجعفري في مسألة خلق القرآن وغير ذلك مما ذكره أرباب السير .
الإمام العسكري "ع وقاعدته الشعبية :
على رغم ما ذكرنا من ظروف حرجة أحاطت بالإمام الحسن العسكري "ع" فقد كان الإمام يتواصل مع قاعدته في سبيل حمايتها من خطط الحكام الذين حاولوا الإيقاع بأصحابه لكشفهم وكشف أسرارهم فها هو يكتب لمحمد بن علي السمري قائلاً له : فتنة تضلكم فكونوا على أهبة .
يضاف إلى ذلك محاولة الإمام الإرتقاء بأصحابه إلى مستوى عال من المعرفة والوعي وربطهم بإمامهم فهو يخاطبهم ويقول: الفقير معنا خير من الغني مع غيرنا والقتل معنا خير من الحياة مع عدونا ، ونحن كهف لمن ألتجأ الينا ونور لمن إستبصر بنا وعصمة لمن أعتصم بنا من أحبنا كان معنا في السنام الأعلى ومن أنحرف عنا فإلى النار .
كما أن الإمام "ع" كان يعين أصحابه وأخل الحاجة من شيعته بالمال الذي كان يجبى إليه من مختلف المناطق الإسلامية .
الإمام "ع" والتمهيد لغيبة الإمام المهدي "عج" :
إلى جانب المهام والمسؤوليات التي تحمل عبأها الإمام العسكري "ع" والتي كانت مهمة مشتركة للأئمة "ع" كما أسلفنا ، تفرد الإمام بمسؤولية حفظ الإمام الحجة "عج" والتمهيد لغيبته وجعل ذلك مستساغاً ومقبولاً من شيعته .
فعلى رغم النصوص المثيرة التي وردت عن النبي "ص" وأهل بيته "ع" في شأن الإمام المهدي وغيبته وحركته المستقبلية والتي بلغت حد التواتر ، إلا أن هذا الكم من الروايات وإن أحدث إيماناً بالقضية لدى الشيعة ولكن مع أقتراب الحدث ودخول فكرة الولادة والغيبة حيز الواقع فقد إستدعى ذلك جهوداً خاصة من الإمام لتركيز هذا الإعتقاد وإن المقصود بالمهدي هو ولده وخصوصاً إذا لاحظنا الظروف الحرجة التي عاشها الإمام واصحابه وهذا يستدعي العمل مع عدم لفت أنظار الحكام .
أما على صعيد الخطوات التي أتبعها "ع" لحفظ الإمام من السلطات فلقد أخفى الإمام ولادة المهدي "عج" لأن السلطات كانت تعلم على نحو الإجمال بقرب ولادته "ع" ولذلك كانوا يداهمون بين الإمام لمرات بحثاً عن الإمام الحجة "ع" وأمروا النساء بفحص نساء الإمام والجواري لإكتشاف أم الإمام ولكن ولادته تمت بسرية ولم يطلع على هذا الأمر إلا القليل ،حتى أن الخادم في بيت الإمام لم ينتبه إلى شيء ولم يفهم شيئاً .
وكان الإمام يأمر من أطلعه على الأمر بالكتمان فنجده مثلاً قد كتب لأحمد بن اسحاق : ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً وعن جميع الناس مكتوماً وكان الإمام أيضاً لا يصرح بإسمه بل وردت روايات عن ذكر إسمه .
نعم قبيل إستشهاده "ع" أعلن في مجلس غاص بأصحابه بعد أن عرض ولده عليهم : هكذا صاحبكم بعدي وخليفتي عليكم ... وهو القائم الذي تمد له الأعناق بالإنتظار فإذا أمتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً .
أما في ما يتعلق بإثبات وجود المهدي وفكرة الغيبة والتمهيد لها فقد كان "ع" يتخذ أسلوباً يراعي فيه الحذر من السلطة التي كانت تراقبه ، لذا نجد أسلوب المراسلة والكتابة معتمداً عنده فهو تارة يكتب لأحدهم متحدثاً عن حركة المهدي "عج" فإذا قام قضى بين الناس بعلمه كقضاء داوود لا يسأل البينة .
وأخر يكتب لأبن بابويه : عليك بالصبر وإنتظار الفرج ولا يزال شيعتنا في حزنت حتى يظهر ولدي الذي بشر به النبي "ص" يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ... فأصبر يا شيخي يا أبا الحسن علي وامر جميع شيعتي بالصبر فأن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين .
وهكذا فقد تعددت بيانات الإمام المرتبطة بالحجة "عج" والمتناولة لجميع شؤون الغيبة وحركته المستقبلية ،ولاحظنا أن الأسلوب الأكثر إعتماداً عنده كان أسلوب المراسلة والمكاتبة لما في ذلك من حيطة وحذر وإبتعاد عن عيون السلطات ،ونجد الإمام العسكري "ع" قد أعتمد نمطاً معيناً في كيفية التعاطي مع شيعته واصحابه أعني إعتماد الوكلاء بشكل واسع فيتحملون مهمة تبليغ تعليماته والأحكام إلى سائر الناس يريد بذلك التمهيد لغيبة الإمام المهدي "عج" .
فهو أراد بهذا الإسلوب تهيئة الناس لتقبل هذا النمط الذي سيكون قناة التواصل الوحيدة مع الإمام المهدي "عج" في فترة الغيبة الصغرى ، وهذا ماكان قد أعتمده قبله الإمام الهادي "ع" وإن بشكل أضيق لذا أحتجب عن الناس إلا عن خاصة أصحابه وأخذ يراسلهم عن طريق الكتب والتوقيعات ليتعود الناس على هذا الأسلوب ، وفعلاً أعتاد أصحاب الإمام "ع" وموالوه الإتصال به والسؤال منه بواسطة المراسلة والكتابة .
وفي الخلاصة فقد تحمل الإمام "ع" مسؤوليات الإمامة وإنتهى دوره إلى ربط الناس بالإمام المهدي "عج" الذي سيقود الأمة ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً .
من هدي الإمام الحسن العسكري "ع" :
أورع الناس من وقف عند الشبهة ،أعبد النسا من أقام على الفرائض ، أزهد الناس من ترك الحرام ، أشد الناس أجتهاداً من ترك الذنوب .
إن للجود مقدار فإذا زاد عليه فهو سرف ،وللحزم مقدار فإذا زاد عليه فهو جبن ،وللأقتصاد مقدار فإذا زاد عليه فهو بخل وللشجاعة مقدار فإذا زادت عليه فهو تهور .


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=267
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 02 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18