• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : مفاهيم .
                    • الموضوع : الحجاب في الإسلام .

الحجاب في الإسلام

 
الحجاب في الإسلام


الشيخ محمد توفيق المقداد

تطالعنا وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة بين الفينة والأخرى بأخبار عن مسألة الحجاب للمرأة المسلمة في العالم الغربي عموماً، وفي أوروبا خصوصاً، وفي فرنسا بشكل أخص، حيث نسمع عن منع طالبة محجبة من الدخول إلى المدرسة أو موظفة محجبة من الإلتحاق بعملها، وكأنه لم يعد عند العالم الغربي من مشاكل داخلية أو خارجية في بلاده سوى هذه المسألة ليتصدى لها، ويبدأ يسبب ذلك التراشق الإعلامي هناك بين مؤيد


الشيخ محمد توفيق المقداد

تطالعنا وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة بين الفينة والأخرى بأخبار عن مسألة الحجاب للمرأة المسلمة في العالم الغربي عموماً، وفي أوروبا خصوصاً، وفي فرنسا بشكل أخص، حيث نسمع عن منع طالبة محجبة من الدخول إلى المدرسة أو موظفة محجبة من الإلتحاق بعملها، وكأنه لم يعد عند العالم الغربي من مشاكل داخلية أو خارجية في بلاده سوى هذه المسألة ليتصدى لها، ويبدأ يسبب ذلك التراشق الإعلامي هناك بين مؤيد للمنع ومعارض له، ومن بلادنا تنطلق التعليقات والتصريحات الصحفية والمقالات التي تستنكر الاعتداء على حرمة المحجبات.
ولا شك أن عدم فهم العالم الغربي لمسألة الحجاب في الإسلام وقيمته هي السبب في حصول ما يحصل، ولذا كان لا بد من توضيح هذه المسألة بالطرق الممكنة كافة لتكون الصورة واضحة لدى الإنسان الغربي حتى لا يكون لديه ذلك الموقف العدائي من حجاب المرأة المسلمة.
بداية لا بد من ذكر الآيات التي تتحدث عن الحجاب في الإسلام وهي التالية:
1 (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن، ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن...»(1).
2 (... وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن...)(2).
3 (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين...)(3).
والواضح من هذه الآيات الكريمة أن المرأة عليها أن تستر جسدها عن الرجل وهو النوع الآخر المساوي لها في درجة الإنسانية، وذلك لأن المرأة مطلوبة والرجل طالب، أو أن المرأة معشوقة والرجل عاشق، وهذا طبيعي عند كُلّ من الرجل والمرأة لأن استمرار النسل البشري مرتبط بالعلاقة التي تقوم بين النوعين، لكن الإسلام لا يريد استمرار النسل من أي طريق كان، بل من خلال الضوابط الدينية والشرعية والأخلاقية التي تؤدي إلى نشوء نسل نظيف غير ملوث بالمحرمات التي قد تحصل في هذا الجانب من حياة الرجل والمرأة.
من هنا نقول إن الستر للمرأة المسلمة هو رفع لقيمتها الإنسانية وحفظ لها من التنازل عن مرتبتها تلك إلى مرتبة أدنى منها، لأن حياء المرأة وعفتها وسترها أمر تمارسه المرأة وفق طبيعة تكوينها لتكون محافظة على مكانتها ومنزلتها عند الرجل كما تشير الآيات الكريمة إلى هذا المعنى في طيات دلالاتها ومعانيها المستفادة منها.
والحجاب أو الستر الذي يأمر به الإسلام المرأة لا يفي انعزالها واختباؤها في المنزل، فلا تعليم ولا عمل ولا مشاركة في النشاط الاجتماعي العام في كل مستوياته، بل الستر هو صون ووقاية للمرأة عند اختلاطها بالمجتمع واندماجها والقيام بوظائفها القادرة عليها من موقعها الإنساني المكمل لدور الرجل الإنساني في السير بالمجتمع نحو تحقيق الأهداف الإلهية.
من هنا نقول إن فلسفة الحجاب والستر في الإسلام هو لمنع حصول الرجل على المتعة الجنسية بسهولة ويُسْرٍ لما لذلك من المفاسد الاجتماعية العظيمة والخطيرة، ولمنع المرأة من أن تعطي كل من يسألها التمتع بها لأن ذلك يذهب بقيمتها الإنسانية ويجعلها تتحرك من موقع الغريزة الجنسية لا من موقعها الإنساني الرفيع الشأن بنظر الإسلام.
فالأنوثة جزء من شخصية المرأة، كما أن الذكورة جزء من شخصية الرجل، ولذا وضع الإسلام لهذا الجانب أو الجزء من كلتا الشخصيتين نظاماً هو «الزواج» بصيغتيه «الدائم» المراد منه تأسيس العائلة وإنجاب الأولاد، و«المنقطع» المراد به الحصول على المتعة الجنسية دون الوقوع في الحرام.
ولذا نجد أن الإسلام لم يعامل المرأة كأنثى فقط، ولا الرجل كذكر فقط، بل تعامل معهما على أنهما متساويان في الحقوق والواجبات أمام اللّه كما قال تعالى: (من عمل سيئة فلا يُجزى إلا مثلها، ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة بغير حساب)(4).
وكما أمر الإسلام المرأة بالستر، كذلك أمر الرجل في الوقت نفسه بأن لا ينظر إلى المرأة بشهوة وافتتان وريبة كما قال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن اللّه خبير بما يصنعون)(5)، وهذا الأمر للرجل هو المكمل للأمر للمرأة بستر بدنها وجسدها عن الناس وعن الرجال.
وما يدل أكثر على أنه فرض الستر والحجاب في الإسلام هو لحماية القيم الإنسانية للمرأة ودورها العظيم في المجتمع الإسلامي خاصة، هو أن اللّه لم يأمر المرأة بأن تستر نفسها عن النساء إلا في حدود «العورة» فقط، وكذلك لم يأمر الرجل بأن يستر نفسه أمام الرجل إلا في حدود «العورة» فقط أيضاً، والسبب في عدم المنع هنا هو أن الرجل بشكل طبيعي لا ينجذب إلى الرجل، والمرأة بطبيعتها لا تنجذب إلى المرأة، بل الإنجذاب هو من جانب الرجل للمرأة، ومن جانب المرأة للرجل، وهنا تأتي الأحكام الإسلامية لتنظيم العلاقة بين النوعين إنطلاقاً من النظر وصولاً إلى الزينة وانتهاء بحصول الفعل الذي يدمّر الحياة الإنسانية إذا كان من غير الطرق المحللة شرعاً.
من هنا نقول إن الستر المفروض إسلامياً على المرأة والذي لا وجود لمثله في الديانات الأخرى لأسباب لا مجال لذكرها الآن، هو الذي جعل المسؤولين في عالم الغرب ينظرون إلى الإسلام كدين كنظرتهم إلى غيره من الأديان، كما أن الأديان الأخرى لا تفرض على المرأة ستراً وحجاباً كالإسلام، فهم يريدون أن يعاملوا المرأة المسلمة وفقاً لأديانهم التي تركوها وتخلوا عنها بسبب النزاع التاريخي بين الكنيسة والعلم من جهة، ولأن الأديان الأخرى لا تملك نظاماً كاملاً للحياة الإنسانية يضع كل أمر في مكانه المناسب وموضعه الصحيح، ولذا نادوا كعالم غربي بالعلمانية، وأقصوا الكنيسة عن لعب أي دور في إدارة أمور المجتمع، وحصروا دور الأديان، والدين المسيحي خصوصاً في الكنائس فقط، ومن هنا ظهرت مقولة ونظرية «فصل الدين عن الدولة» و«ما للّه للّه وما لقيصر لقيصر».
والعلمانية التي تقول بالفصل التام بين أمور الدين وأمور الدين تعني أن لكل إنسان الحق في أن يتخذ أي دين يريد وأن يطبقه ويلتزم أحكامه طالما أنه لا يتعارض مع العلمانية ولا يشكّل اعتداءً عليها وعلى تنظيمها لأمور الناس الدنيوية في السياسة والاقتصاد والاجتماع والإعلام والتربية والتعليم وغيرها، ولذا نرى أن الجاليات الإسلامية في العالم الغربي عموماً تعيش مع إنسان الغرب وتتعايش معه من موقعها الإسلامي العقائدي والعملي من دون تضارب أو تنافر، ولم يحدث أي خلاف بين المسلمين وأهل تلك البلاد مع أن الجاليات الإسلامية موجودة منذ عقود، خصوصاً في فرنسا وبريطانيا اللتين اقتسمتا السيطرة على العالم الإسلام بعد انهيار السلطنة العثمانية، وكان الحجاب موجوداً فعلاً ولم يكن هناك أية أزمة أو مشكلة في ارتدائه ولبسه من جانب المرأة المسلمة.
والسبب في عدم كون الحجاب مشكلة في السابق، هو أن الإسلام لم يكن مطروحاً كنظرية للحكم والإدارة والسلطة، ولم تكن النظرة إلى الحجاب مقرونة بما حصل بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران والتي أعادت الإسلام إلى المسرح السياسي العالمي ومن أوسع الأبواب، وهذا ما جعل العالم الغربي يعيد حساباته تجاه الإسلام ويرى فيه خصماً ومنازعاً سواء في عالمنا الإسلامي الواقع تحت تأثير الدول الكرى، أو حتى في العالم الغربي حيث الجاليات الإسلامية الكبيرة مضافاً إلى الذين يدخلون في الإسلام من أبناء تلك البلاد، وهذا التغير الحاصل في العالم الإسلامي من العودة إلى الإسلام، وظاهرة التدين عند الجاليات الإسلامية وتأثيرها على المجتمعات الغربية هو الذي جعل نظرة الغرب نحو الحجاب تتغير تبعاً لتغير النظرة إلى الإسلام ككل.
فالإسلام خرج من القمقم وصار مصدراً للخطر على المصالح المادية الكبرى للدول الاستكبارية عموماً، وللدول الكبرى التي كانت على تماسّ مباشر مع الإسلام وعلى نزاع معه كبريطانيا وفرنسا خصوصاً اللتين كانت لهما صولات وجولات وحروب بينهما وبين العالم الإسلامي والعربي.
من هنا نقول إن الهجوم على ظاهرة الحجاب في الغرب عموماً، وفي فرنسا خصوصاً هو جزء من الحملة الجديدة على الإسلام كدين متكامل لا يقبل الذوبان في غيره، بل لديه إمكانيات كبيرة لإنقاذ البشرية لو أقيمت له الفرصة للإنتشار في العالم كله.
والهجوم على الحجاب هو محاولة لإذابة الجاليات الإسلامية بالقهر والقوة في المجتمعات الغربية، بعد أن صارت تلك الجاليات صاحبة شخصية مستقلة في تلك الدول الموجودة فيها، وتطالب بحقوق المواطنية الكاملة كأبناء تلك البلاد خصوصاً ممن يحملون الجنسية هناك.
والهجوم على الحجاب هو لمنع الدين الإسلامي من الانتشار بين أوساط الناس في تلك المجتمعات حيث تدل الإحصاءات على دخول عشرات الألوف من مواطني تلك الدول في الدين الإسلامي، وهذا ما يشكل خطراً على هوية تلك الدول في المستقبل القريب أو المتوسط، مع ما يستتبع ذلك من تأثيرات سياسية للمسلمين في تلك البلدان.
والهجوم على الحجاب ومن ورائه الهجوم على الإسلام هو لحفظ الهوية المسيحية المهددة اليوم في العالم الغربي ومنه فرنسا التي كانت تعتبر نفسها في القرون الوسطى حامية المسيحية والكنيسة الكاثوليكية بالخصوص، وإذا سقطت المسيحية في فرنسا فتسقط في غيرها من الدول الأخرى بسرعة أكبر، وهذه الخلفية لا يمكن إغفالها من حيثيات القرار بمنع الحجاب في فرنسا، ولهذا نرى أن دولاً أوروبية أخرى قد بدأت التفكير جدياً بمنع الحجاب أيضاً كما في بلجيكا وألمانيا، وهذا ما يؤكد أن الخلفية لمنع الحجاب هي خلفية دينية لا علمانية، وهذا ما أظهر الغرب على حقيقته بأن العلمانية هي مجرد غطاء يتسترون به في بلدانهم، فإذا لم تعد العلمانية قادرة على ايقاف المد الإسلامي فإن الخلفية المسيحية المستترة خلف العلمانية جاهزة للمساعدة في اتخاذ القرار الذي يراد له أن يمنع التزام الجاليات الإسلامية بدينها من جهة، ومن انتشار الإسلام هناك من جهة أخرى.
لكن نقول رداً على كل ذلك إن الزمن لن يعود إلى الوراء، والإسلام هو الدين الذي ستلتحق به البشرية لانقاذها مما هي فيه، والتغيير الشامل والكامل سيكون على يد الإمام المهدي (عج)، وكل ما يحصل اليوم هو المقدمات الممهدة لظهوره إن شاء اللّه العلي القدير.
 
(1) سورة النور، الآية: 31.
(2) سورة الأحزاب، الآية: 53.
(3) سورة الأحزاب، الآية: 59.
(4) سورة غافر، الآية: 40.
(5) سورة النور، الآية: 30.
 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=30
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2007 / 04 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29