• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : البعد الأخلاقي والثقافي للحج .

البعد الأخلاقي والثقافي للحج

 

البعد الأخلاقي والثقافي للحج

 


أهمّ جانب في فلسفة الحجّ التغيّر الأخلاقي نحو الأحسن الذي يحصل عند الناس، فمراسم الإحرام تبعد الإنسان بشكل تامّ عن الأمور المادية و الامتيازات الظاهرية و الألبسة الفاخرة، و مع تحريم الملذّات، و بناء الذات الذي يعتبر من واجبات المحرم يبتعد الفرد عن عالم المادّة، و يدخل إلى عالم النور و الصفاء و التسامي الروحي. و ترى الإنسان قد ارتاح فجأة من عب‏ء الامتيازات الموهومة، و الدرجات و الرتب و النياشين.
ثمّ تلي عمليّة الإحرام مراسم الحجّ الأخرى تباعا، و فيها تتوطّد علاقة الإنسان الروحيّة مع خالقه- لحظة بعد أخرى- و تتوثّق. فينقطع عن ماضيه الأسود المملوء آثاما و ذنوبا، و يتّصل بمستقبل واضح كلّه نور و صفاء. خاصّة أنّ مراسم الحجّ تثير في الإنسان اهتماما كبيرا- في كلّ خطوة يخطوها- بإبراهيم عليه السّلام محطّم الأصنام، و إسماعيل عليه السّلام ذبيح اللّه. و أمّه هاجر عليها السّلام. و يتجلّى للحجّاج جهادهم و تضحياتهم، إضافة إلى كون أرض مكّة عامّة، و المسجد الحرام و بيت الكعبة و محلّ الطواف حولها خاصّة، تذكر الحاجّ بالرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قادة الإسلام العظام و جهاد المسلمين في صدر الإسلام، فيتعمّق أثر هذه الثورة الأخلاقية بدرجة يشاهد فيها الحاج في كلّ زاوية من زوايا المسجد الحرام و أرض مكّة المقدّسة وجه النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و علي عليه السّلام، و سائر قادة المسلمين، و يسمع قعقعة سيوفهم و صهيل خيولهم
أجل، إنّ هذه الأمور كلّها تتّحد و تتضامن لتمهّد لثورة أخلاقية في القلوب المستعدّة. و بشكل لا يمكن وصفه تفتح في حياة الفرد صفحة جديدة. و لهذا نصّت الأحاديث الإسلامية على أنّ الذي يؤدّي الحجّ تامّا صحيحا
 يخرج من ذنوبه كهيئته يوم ولدته أمّه
فالحجّ ولادة ثانية للمسلم. يستهلّ بها حياة إنسانية جديدة، و لا حاجة هناك لإعادة القول بأنّ هذه البركات و تأثيرها و ما نشير إليه بعد هذا ليست نصيب من اقتنع من مكاسب الحجّ بقشرته و رمي اللب جانبا. كما أنّها ليست نصيب من يعتبر الحجّ سياحة للتنفيس عن الخاطر، أو للتظاهر و الرياء، أو طريقا للحصول على متاع شخصي دنيوي، و هو في الحقيقة لم يتوصّل إلى معنى الحج الحقيقي، فكان نصيبه ما يستحقّه

- البعد الثقافي للحجّ‏
يمكن أن يؤدّي التقاء المسلمين أيّام الحجّ دورا فعّالا في التبادل الثقافي في المجتمع الإسلامي، خاصّة إذا لا حظنا أنّ اجتماع الحجّ العظيم يمثّل بشكل حقيقي فئات المسلمين من أنحاء العالم، حيث لا تصنّع في المشاركة في حجّ بيت اللّه الحرام، فالحجّاج جاؤوا من شتّى المجموعات و العناصر و القوميات، و قد اجتمعوا رغم اختلاف ألسنتهم
لهذا ذكرت الأحاديث الإسلامية أنّ من فوائد الحجّ نشر أخبار آثار رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في أنحاء العالم الإسلامي،
يقول «هشام بن الحكم» أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السّلام المخلصين نقلا عن هذا الإمام العظيم عليه السّلام أنّه قال حول فلسفة الحجّ و الطواف حول الكعبة: «إنّ اللّه خلق الخلق ... و أمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين، و مصلحتهم من أمر دنياهم، فجعل فيه الاجتماع من الشرق و الغرب، و ليتعارفوا و لينزع كلّ قوم من التجارات من بلد إلى بلد ...، و لتعرف آثار رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و تعرف أخباره و يذكر لا ينسى»  وسائل الشيعة، المجلّد الثامن، الصفحة 9
و لهذا السبب كان المسلمون يجدون في الحجّ متنفّسا من جور الخلفاء و السلاطين الظلمة الذين منعوا المسلمين من نشر هذه الأحكام، لحلّ مشاكلهم بالاجتماع بأئمّة الهدى عليهم السّلام في المدينة المنوّرة و مكّة المكرّمة، و بكبار علماء المسلمين، لينهلوا من مناهل القرآن النقيّة و السنّة النبويّة الشريفة
و من جهة ثانية يمكن أن يكون الحجّ مؤتمرا ثقافيا إسلاميا يحضره مفكّرو العالم الإسلامي في أيّام الحجّ في مكّة المكرّمة، ليتحاوروا فيما بينهم و يعرضوا نظرياتهم و أفكارهم على الآخرين
و قد أصبحت الحدود بين البلدان الإسلامية- الآن- سببا لتشتّت ثقافتهم الأصيلة، و اقتصار تفكير مسلمي كلّ بلد بأنفسهم فقط، حتّى تقطّعت أواصر المجتمع الإسلامي الموحّد. بينما يستطيع الحجّ أن يغيّر هذا الوضع
و ما أجمل ما قاله الإمام الصادق عليه السّلام في ختام الحديث السابق الذي رواه هشام بن الحكم: «و لو كان كلّ قوم إنّما يتكلّمون على بلادهم و ما فيها هلكوا، و خربت البلاد، و سقطت الجلب و الأرباح، و عميت الأخبار»  المصدر السابق


 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=313
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 11 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16