• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : الامام علي عليه .
                    • الموضوع : يوم إكمال الدين وإتمام النعمة .

يوم إكمال الدين وإتمام النعمة


يوم إكمال الدين وإتمام النعمة

 

 


قال تعالى : الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ _ المائدة |3
سياق الآية الكريمة يدلّ على أنّها جملة معترضة أقحمت في ضمن الآية الكبيرة المباركة الّتي نزلت لبيان محرّمات الطعام، و من عادة القرآن الكريم أنّه إذا أراد بيان أمر من الأمور الّتي لها أهميّة خاصّة أدرجه في ضمن الآيات الكريمة لحكم متعدّدة، و يعتبر ذلك أسلوبا بلاغيا مستحسنا عند البلغاء و الفصحاء، و يظهر ذلك بوضوح في قوله تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى‏ وَ أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَ آتِينَ الزَّكاةَ وَ أَطِعْنَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى‏ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَ الْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً [سورة الأحزاب، الآية: 32- 34]، فإنّ الآيات الشريفة نزلت في شأن نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله، إلّا أنّ قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ جملة معترضة ذات دلالة مستقلة لا تتوقّف على بقية الآية الشريفة تبيّن قضية مهمّة، و هي عصمة أهل بيت النبي الّذين قرن اللّه طاعتهم بطاعته
و في المقام: صدر الآية المباركة يدلّ على حرمة الميتة و بقية محرّمات الطعام، و ذيلها يدلّ على حلّيتها حال الاضطرار و المخمصة، فمجموع الصدر و الذيل له وحدة دلالية كاملة متناسقة لا تتوقّف على شي‏ء آخر، نظير قوله تعالى: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ  باغ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏
سورة البقرة، الآية: 173]، و يماثلها ما في سورتي الأنعام (145) و النحل (115)، فيكون قوله تعالى: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً كلاما معترضا أقحم في الآية الكريمة، و لا تتوقّف دلالة إحداهما على الاخرى، فكلّ واحد منهما له دلالته الخاصّة و يبينان أمرين، أحدهما محرّمات الطعام، و الثاني كمال هذا الدين و تمامه و ظهوره على الشرك كلّه، و أنّه لا مطمع لأعداء هذا الدين في زواله. و يؤيّد ذلك أنّ أغلب الروايات الواردة في سبب نزول هذه الآية الشريفة- الّتي هي كثيرة- تخصّ قوله تعالى: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً بالذكر و لم تتعرّض لصدر الآية المباركة و لا لذيلها، فيستفاد أنّ له نزولا مستقلا عن نزول الآية الشريفة، فإنّما وضع في وسط الآية لحكم
و لا يفرق في ذلك بين أن يكون الواضع هو اللّه تعالى، أو النبي صلّى اللّه عليه و آله بأمر منه عزّ و جلّ، أو كتّاب الوحي بأمر من النبي صلّى اللّه عليه و آله، فإنّه لا يضرّ في أصل المطلب.
كما أنّ الجملة المعترضة و إن تركّبت من جملتين إحداهما تدلّ على ظهور هذا الدين على الشرك و أمنه من كيدهم، فلا خوف من أعداء هذا الدين و لا حاجة إلى مداراتهم، و الجملة الثانية تبيّن كمال الدين و إتمام النعمة، إلّا أنّ مضمون كلتا الجملتين يرتبط أحدهما بالآخر، و هو يدلّ على أنّ هذه الجملة المعترضة كلام واحد لا كلامان، كما تدلّ عليه الروايات الّتي وردت في شأن نزولها. و لا يضرّ في ذلك تكرار لفظ (اليوم) الّذي يراد به في كلتا الجملتين يوم واحد، و هو اليوم الّذي يئس فيه الكفّار و أكمل فيه الدين .
فأيّ يوم يا ترى هو ذلك «اليوم» الذي اجتمعت فيه هذه الأحداث الأربعة المصيرية، و هي يأس الكفار،      وإكمال الدين، و إتمام النعمة، و قبول اللّه لدين الإسلام دينا ختاميا لكل البشرية؟
قيل:
 إنّه زمان ظهور الإسلام ببعثة خاتم الأنبياء و المرسلين صلّى اللّه عليه و آله و دعوته الى التوحيد و نبذ الأنداد
و أشكل عليه بأنّه يلزم من ذلك أن يكون للمسلمين دين قبل الإسلام كان المشركون يطمعون فيه، و يخشى المسلمون منهم على دينهم، و هو خلاف الوجدان، فإنّه لم يكن لهم قبل الإسلام دين يطمع فيه الكفّار أو يكمله اللّه و يتمّ نعمته عليهم
وقيل: إنّ المراد به ما بعد فتح مكّة، فإنّه اليوم الّذي أبطل اللّه تعالى كيد المشركين و أذهب شوكتهم
ويرد عليه: أنّ الآية المباركة تدلّ على كمال الدين و إتمام النعمة و في ذلك اليوم لم يكمل الدين و لم تتم النعمة بعد، و قد فرضت كثير من الشرائع و الأحكام و أنزلت عدد من الفرائض بعد يوم الفتح
و قيل: إنّ المراد به ما بعد نزول سورة البراءة من الزمان حيث انبسط الإسلام على جزيرة العرب و عفيت آثار الشرك
ويرد عليه ما أورد على سابقه، فإنّ الإسلام و إن أمن من مكرهم و انبسط على الجزيرة و انقبرت سنن الجاهليّة، إلّا أنّ الدين لما يكمل بعد، و قد نزلت فرائض وأحكام و مواثيق بعد نزول براءة كما هو معلوم، فإنّ سورة المائدة الّتي هي سورة الأحكام نزلت في آخر عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله
وقيل- و هو المعروف بينهم-: إنّ المراد به يوم عرفة من حجّة الوداع، كما ذكره كثير من المفسّرين          ووردت به بعض الروايات
و فيه: أنّه إذا كان المراد به ذلك فما المراد من يأس الّذين كفروا من هذا الدين، فهل المراد به يأس مشركي قريش من الظهور عليه؟! فهو قد كان في يوم الفتح عام ثمانية للهجرة، لا يوم عرفة من السنة العاشرة
أو يراد به يأس مشركي العرب من الظهور على الدين؟! فقد كان عند نزول براءة في السنة التاسعة من الهجرة
و إن كان المراد به يأس الكفّار جميعهم الشامل لليهود و النصارى و المجوس و غيرهم، كما يقتضيه إطلاق الآية الشريفة: الَّذِينَ كَفَرُوا، فهؤلاء لم يكونوا آيسين من الظهور على المسلمين، إذ لم يكن لهم شوكة و منعة في خارج الجزيرة
على أنّ المناسب لقوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ أنّ كون الحكم الّذي أنزله اللّه تعالى له من الأهميّة بمكان بحيث يكون به كمال هذا الدين، و به تتمّ النعمة العظيمة، و بنزوله قد رضي اللّه سبحانه و تعالى أن يكون الإسلام دينا و منهاجا أبديّا خالدا إلى يوم القيامة
و يبقى لدينا احتمال أخير ذكره جميع مفسّري الشيعة في تفاسيرهم و أيدوه كما دعمته روايات كثيرة، و هذا الاحتمال يتناسب تماما مع محتوى الآية حيث يعتبر «يوم غدير خم» أي اليوم الذي نصب النّبي صلّى اللّه عليه    و آله و سلّم عليا أمير المؤمنين عليه السّلام بصورة رسمية و علنية خليفة له، حيث غشي الكفار في هذا اليوم سيل من اليأس، و قد كانوا يتوهمون أن دين الإسلام سينتهي بوفاة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أن الأوضاع ستعود إلى سابق عهد الجاهلية، لكنّهم حين شاهدوا أنّ النّبي أوصى بالخلافة بعده لرجل كان فريدا بين المسلمين في علمه و تقواه و قوته و عدالته، و هو علي بن أبي طالب عليه السّلام، و رأوا النّبي     وهو يأخذ البيعة لعلي عليه السّلام أحاط بهم اليأس من كل جانب، و فقدوا الأمل فيما توقعوه من شر لمستقبل الإسلام و أدركوا أن هذا الدين باق راسخ
ففي يوم غدير خم أصبح الدين كاملا، إذ لو لم يتمّ تعيين خليفة للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لو لم يتمّ تعيين وضع مستقبل الأمّة الإسلامية، لم تكن لتكتمل الشريعة بدون ذلك و لم يكن ليكتمل الدين
نعم في يوم غدير خم أكمل اللّه و أتمّ نعمته بتعيين علي عليه السّلام، هذا الشخصية اللائقة الكفؤ، قائدا و زعيما للأمة بعد النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
وفي هذا اليوم- أيضا- رضي اللّه بالإسلام دينا، بل خاتما للأديان، بعد أن اكتملت مشاريع هذا الدين، و اجتمعت فيه الجهات الأربع
و قد وردت روايات كثيرة جدا متواترة- نصّا و معنى- عن العامّة و الخاصّة أنّ المراد من هذه الآية الشريفة هو يوم الغدير الّذي نصّب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليا عليه السّلام بالولاية، و قد ضبط أكثرها مع التحقيق في أسانيدها و كونها ثقات غير واحد من علماء الفريقين، و كتبوا في ذلك كتبا كثيرة جدا

 و من هذه الروايات:
1_ ما نقله العالم السنّي المشهور «ابن جرير الطبري» في كتاب «الولاية» عن «زيد بن أرقم» الصحابي المعروف، أنّ هذه الآية نزلت في يوم غدير خم بشأن علي بن أبي طالب عليه السّلام
2_ و نقل الحافظ «أبو نعيم الأصفهاني» في كتاب «ما نزل من القرآن بحق علي عليه السّلام» عن «أبي سعيد الخدري» و هو صحابي معروف- أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعطى في «يوم غدير خم» عليا منصب الولاية ... و إنّ الناس في ذلك اليوم لم يكادوا ليتفرقوا حتى نزلت آية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... فقال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و في تلك اللحظة «اللّه أكبر على إكمال الدين و إتمام النعمة و رضى الرب برسالتي و بالولاية لعلي عليه السّلام من بعدي» ثمّ‏ قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه، و انصر من نصره و اخذل من خذله
3_ و روى «الخطيب البغدادي» في «تاريخه» عن «أبي هريرة» عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ آية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... نزلت عقيب حادثة «غدير خم» و العهد بالولاية لعلي عليه السّلام و قول عمر بن الخطاب: «بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي و مولى كل مسلم» «لقد أورد العلّامة الأميني رحمه اللّه هذه الروايات الثلاثة بتفاصيلها في الجزء الأوّل من كتابه «الغدير» في الصفحات 230 و 231 و 232 كما ورد في كتاب «إحقاق الحق» في الجزء السادس و الصفحة 353 أن نزول الآية كان في حادثة غدير خم نقلا عن أبي هريرة من طريقين، كما نقلها عن أبي سعيد الخدري من عدة طرق
و جاء في كتاب «الغدير» إضافة إلى الروايات الثلاث المذكورة، ثلاث عشرة رواية أخرى في هذا المجال
ورود في كتاب «إحقاق الحق» نقلا عن الجزء الثّاني من تفسير «ابن كثير» من الصفحة 14 و عن كتاب «مقتل الخوارزمي» في الصفحة  47عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ هذه الآية نزلت في واقعة غدير خم
و نرى في تفسير «البرهان» و تفسير «نور الثقلين» عشر روايات من طرق مختلفة حول نزول الآية في حق علي عليه السّلام أو في يوم غدير خم، و نقل كل هذه الروايات يحتاج إلى رسالة منفردة
و قد ذكر العلّامة السيد عبد الحسين شرف الدين في كتابه «المراجعات» أن الروايات الصحيحة المنقولة عن الإمامين الباقر و الصّادق عليهما السّلام تقول بنزول هذه الآية في «يوم غدير خم» و إنّ جمهور السنّة أيضا قد نقلوا ستة أحاديث بأسانيد مختلفة عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تصرح كلها بنزول الآية في واقعة غدير خم - راجع كتاب «المراجعات» الطبعة الرابعة، ص 38
يتّضح ممّا تقدم أنّ الروايات و الأخبار التي أكّدت نزول الآية- موضوع البحث- في واقعة غدير خم ليست من نوع أخبار الآحاد لكي يمكن تجاهلها، عن طريق اعتبار الضعف في بعض أسانيدها، بل هي أخبار إن لم تكن في حكم المتواتر فهي على أقل تقدير من الأخبار المستفيضة التي تناقلتها المصادر الإسلامية المشهورة
و مع ذلك فإنّنا نرى بعضا من العلماء المتعصبين من أهل السنّة كالآلوسي في تفسير «روح المعاني» الذي تجاهل الأخبار الواردة في هذا المجال لمجرّد ضعف سند واحد منها، و قد وصم هؤلاء هذه الرواية بأنّها موضوعة أو غير صحيحة، لأنّها لم تكن لتلائم أذواقهم الشخصية، و قد مرّ بعضهم في تفسيره لهذه الآية مرور الكرام و لم يلمح إليها بشي‏ء، كما في تفسير المنار، و لعل صاحب المنار وجد نفسه في مأزق حيال هذه الروايات فهو إن وصمها بالضعف خالف بذلك منطق العدل و الإنصاف، و إن قبلها عمل شيئا خلافا لميله و ذوقه              


 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=316
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 11 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29