• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : مفاهيم .
                    • الموضوع : الاعتقاد بالحظ... تقليد باطل‏ .

الاعتقاد بالحظ... تقليد باطل‏

الاعتقاد بالحظ... تقليد باطل‏

الشهيد آية اللَّه مطهري (قده)


إذا ما رجعنا إلى أدبنا وآثارنا الأدبية وأفكار شعرائنا المبرزين، نجد أنهم في الوقت الذي كانوا فيه قد أدركوا الحقائق، وعرفوا الحكم وحملوا أفكاراً لطيفة، فقد ظهرت عليهم حالات برزت منهم فيها آراء فكرية عجيبة، فمثلاً نجد أنهم قد أولوا عناية كبيرة للحظ، وقالوا: نم أنت وليكن حظك يقظاً. إنهم إذا سمعوا باسم الحظ، فقدت الأمور الأخرى قيمتها عندهم، العلم، والعقل، والسعي، والاجتهاد، والفن، والصناعة، وقوة العقل، كلها لا شي‏ء في نظرهم، يقولون: الحظ هو الذي يحقق الأشياء، لا العقل:
ولكننا لو سألنا هؤلاء الفضلاء المبرزين أنفسهم: ما هو الحظ؟ عرّفوه لنا، فلا بدَّ أنكم تعرفونه ما دمتم لا تتعبون من ذكره، لما أعطوا جواباً.
أصل ظهور فكرة الحظ:
نعم لقد عثروا على أثر غامض وموضع قدم خفيّة، فظهر عندهم الاعتقاد بالحظ. ترى ما الذي عثروا عليه؟
كانوا يعيشون في مجتمع أمضى أفراده أعمارهم يكدون ويكدحون، ولكنهم لم ينالواغير الفاقة والحرمان، وفي الوقت نفسه كانوا يرون من لا يعمل شيئاً مرفهاً ومعززاً، ومن لا يعرف شيئاً عالماً، ومن يتصف بالعقل ذليلاً. كل الذي رأوه هو أن ليس هناك تناسب بين الفن واللياقة والإدراك من جهة، والحظ والحق والرخاء من جهة أخرى، لأن هذا هو ما رأوه في مجتمعهم، واتخذت هذه المشاهدات المنتزعة من مجتمعهم شيئاً فشيئاً صيغة فلسفة باسم فلسفة الحظ، وأطلقوا اسم الحظ على كل هذه المظالم والتناقضات، بعلم أو بغير علم، ولكم أنحوا على هذه الفلسفة بالسب والشتم. إن فكرة الحظ وفلسفتها لا أصل لها سوى الظلم والجور وانعدام العدالة الاجتماعية. إن الذي ألهم هذه الفكرة الشيطانية هو الهرج والمرج والظلم الاجتماعي.
إذا ما تجاوزنا ذلك المصدر، فلا يتبقى سوى مصدرين آخرين لذلك الإلهام. الأول هو الدين حيث إن الشعراء كانوا يستلهمون أحياناً الآيات القرآنية، وأحياناً الأحاديث النبوية، وأحياناً أقوال الأئمة، ولكننا في كل القرآن والأحاديث النبوية وما ورد عن الأئمة، لا نرى ذكراً للحظ.
والمصدر الآخر هو العقل والعلم والفلسفة. إن الكتب الفلسفية التي تذكر الحظ إنما تذكره دائماً على أنه وهم من الأوهام. إذن، فكرة الحظ هذه ذات القدرة الخارقة من أين جاءت؟ بحيث أصبح الإنسان يتصور أن سلطة الحظ أعلى من كل عقل، وعلم وعمل، وسعي، وفن، وصنعة، وقوة.
إن الملهم الأول لهذه الفكرة الشيطانية ليس سوى إنعدام التنظيم، والتباين الذي لا موجب له، وإعطاء الأولويات لغير مستحقيها، فعندما تتزلزل العدالة الاجتماعية، ولا يراعى لكل ذي حق حقه، بل يستعاض عن ذلك بالمحسوبية والمنسوبية والتحزب، يشتد ساعد أفكار كالحظ وأمثاله ويتسع نفوذها، وذلك لأن معنى الحظ هو ألا يكون شي‏ء شرطاً لحصول شي‏ء آخر.
ما أوسع الفرق بين أن يقول المرء بوجود أثر للسعي والإجتهاد، (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى»(1)، وذلك الذي يقول: كل سعيك هباء منثور، وإن ليس ثمة شي‏ء شرط لشي‏ء آخر! ما أعظم الفرق بين الاعتقاد ب: «إن اللَّه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)(2) والاعتقاد بالحظ!


(1) سورة النجم، الآية: 39.
(2) سورة الرعد، الآية: 11.



  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=44
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2007 / 06 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20