• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : أسرة .
                    • الموضوع : كيف نربي أبناءنا ونعلّمهم... .

كيف نربي أبناءنا ونعلّمهم...

كيف نربي أبناءنا ونعلّمهم...
                                  من الطفولة إلى المراهقة (3)


الشيخ عبد الهادي عاصي‏


مقدمة: أولاً علينا الاطمئنان بأن التعاليم الإسلامية القيمة تهدف إلى التكامل الروحي والنفسي والوصول إلى أعلى قمم الرقي الإنساني. بحيث أن الطفل الذي يتربى على الفضيلة والطهارة منذ البداية وينشأ على الاستقامة والالتزام بالمثل العليا لا يمكن أن يفكر بالانحراف أبداً كما لا يمكن أن يحدّث نفسه بالاعتداء على حياة الآخرين وسيكون ثروة لنا ولمجتمعنا. والعكس صحيح.
ذكرنا في العدد الماضي أنه على الإنسان الاعتماد على نفسه وربِّه من أجل تحقيق سعادته الدنيوية أو الأخروية أو بالأحرى المادية أو المعنوية. وقلنا إن ما يميّز المنهج التربوي الإسلامي عن المناهج الأخرى تأكيده على قيمة الاعتماد على النفس مع الإيمان باللَّه تعالى والاتكال عليه لأنه من العوامل المهمة في قوة الإرادة واستقرار واطمئنان النفس حتى لا يصاب باليأس والقلق والقنوط وكثير من المشاكل والتعقيدات النفسية ومنها الخجل المفرط.
1  الخجل المفرط: من الصفات السيئة التي قد تصيب الإنسان منذ الطفولة وتلازمه حتى نهاية عمره بصورة مرض مزمن يؤلم صاحبه، والخجل المفرط في غير محله هذه الحالة النفسية تنبع من الشعور بعقدة النقص أو الدونية في أكثر الأحيان.
وما أكثر التلاميذ الذين يدرسون بكل جدٍّ ومسؤولية واستوعبوا المناهج الدراسية ولكنهم أصيبوا في الامتحان الشفهي خصوصاً بالخجل والحياء الشديدين بسبب ضعف النفس فرسبوا وكأنهم لم يقرأوا شيئاً لأنهم نسوا ما قرأوه ولذا عجزوا عن الجواب.
وما أكثر الأطفال الذين لا يملكون الجرأة على الاتصال بالناس على أثر الخجل المفرط فهم يشعرون بالحقارة والدونية حتى أنهم يمتنعون من زيارة أقاربهم والتحدث معهم نظراً لما يحسون به من خجل وحياء. وقد يستأصل داء الخجل وضعف الشخصية في أعماق قلوب البعض إلى درجة أنه يُحطّم شخصيتهم حتى بعد البلوغ والشيخوخة.
2  أسباب الخجل: هناك أكثر من عامل يُسبّب ظهور صفة الخجل والحياء المفرط عند الأطفال وأهمها السلوك المصحوب بالتحقير والإهانة تجاه الطفل.
إنّ الطفل الذي يقع موقع السخرية والتحقير من الآخرين منذ الصغر وتألمت روحه على أثر الضربات المتتالية يرى نفسه حقيراً وتافهاً فيصاب بالانفعال والخجل ومن البديهي أن يتخوف من الاتصال بالناس ويفضل الانزواء والبعد عن المجتمع.
3  الحياء المحمود والحياء المذموم: الحياء هو الشعور بالانفعال والانكسار النفسي نتيجة للخوف من اللوم والتوبيخ من الآخرين هذه الحالة النفسية قد تكون مناسبة في بعض الحالات وتعتبر من الصفات الطيبة، وقد تكون تافهة وغير مناسبة في حالات أخرى وتعتبر من الصفات الذميمة لذا قال رسول اللَّه (ص): «الحياءُ حَياءان حياءُ عقل وحياء حمق فحياء العقل هو العلم وحياء الحمق هو الجهل»(1).
لذا يجب على الوالدين في المنهج التربوي الذي يتخذانه تجاه الطفل أن يُنمّيا فيه الشعور بالحياء المحبب من جهة حتى لا ينشأ الطفل مستهتراً وعابثاً، ومن جهة أخرى أن يراقباه حتى لا يصاب بضعف الشخصية والحياء المذموم الذي يبعث فيه الشعور بالخجل المفرط لأبسط حادثة.
لذا على الأهل الاهتمام كثيراً بأسلوب تربية أبنائهم لكي ينشأوا على الحياء ومراعاة القيم الأخلاقية والحياء من الحالات النفسية التي تختص بالإنسان فقط والتي تستطيع ضمان تنفيذ القوانين ومنع الناس من الاقدام على ارتكاب المحرمات قال أمير المؤمنين (ع): «من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه»(2)
هناك أفراد مستهترون في كل مجتمع مأسورون لأهوائهم وشهواتهم ولا يفهمون معنىً للشعور بالمسؤولية واحترام القوانين لذلك لا يتورعون عن ارتكاب مختلف الذنوب لكن الحاجز الوحيد الذي يقف أمام تنفيذ رغباتهم هو الحياء من الناس لأنهم يعلمون أنهم إذا أقدموا على تلك الجرائم تعرضوا لسخط الجميع واستنكارهم لذا قال (ع): «الحياء يصد عن فعل القبيح»(3).
4  تنمية الحياء عند الطفل:
لذا على الوالدين تعويد الطفل على الحياء المحمود منذ الصغر وأن يفهماه قبح الذنب وإستياء الناس من المذنب وبهذا يستطيعان أن يقفا أمام انحرافه وخروجه على القانون.
كما عليهما أن يبعداه عن الحياء المذموم أي الخجل المفرط لأن أساسه كما قلنا هو ضعف الشخصية وعقدة الحقارة وقد عبّر عنه الرسول (ص) بحياء الحمق والجهل.
إنّ عقدة الحقارة قد تنشأ من سوء التربية، وقد تستند إلى بعض القوانين والعادات والتقاليد الاجتماعية البعيدة عن الدين مثلاً ارتكاب الأفراد للذنوب والجرائم أو دعوة بعضهم البعض إلى الفساد والميوعة والتناهي فيما بينهم عن عمل الخير والصلاح والمرحلة الثالثة وهي أخطر المراحل بحيث يحصل تغيير أساسي في أفكار الناس فتنعكس المفاهيم فيرون الفساد والانحراف خيراً والصلاح والخير شراً لذا اعتبر الرسول (ص) هذه الظاهرة من أخطر المشاكل الاجتماعية عندما قال: «كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟! فقيل له: ويكون ذلك يا رسول اللَّه؟! قال (ص) نعم وشرّ من ذلك كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟! قيل: يا رسول اللَّه ويكون ذلك؟! قال: نعم وشرُّ من ذلك كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفا»(4).
فالمجتمع الذي يرى أن الصدق والأمانة والاستقامة من مظاهر الحماقة والبلادة، ويرى في الارتشاء والكذب والتزوير مظهراً من مظاهر النجاح والشطارة والذكاء، والمجتمع الذي يرى في العفة والامتناع عن العلاقات الجنسية غير المشروعة تأخراً وجموداً ويعتبر الحرية في العلاقات غير المشروعة مثالاً للتقدم والوعي!!! والمجتمع الذي يعتبر المقدسات أساطير وأباطيل وخرافات، والمجتمع الذي يعتبر أنَّ المرأة المؤمنة الملتزمة المحافظة على عفتها وكرامتها شاذة، والمجتمع الذي يرى الرجل الملتزم الغيور معقداً ومتعصباً ومتخلفاً، والمجتمع الذي يرى أن المدافع عن أرضه ووطنه ودينه وعزته ومقاومته ارهابياً؟! ويرى المستهتر متحرراً؟! والمنحرفة متقدمة!! والخلاعة والفجور والرذيلة والفساد حضارة ومدنية للقرن العشرين.
في هذا المجتمع لا يوجد معنىً للحياء ومراقبة الأفكار العامة، لوضع ضوابط أخلاقية وقيمية ولا يجد المجرم في نفسه خوفاً من اللوم والتقريع ولا خشية من الاستنكار والاستهجان. لذا علينا أن نعلم أنَّ كل ذنب وانحراف في المجتمع يشبه مرضاً خطيراً يتضمن بين طياته مشاكل كبيرة لأفراده ولكن المصيبة العظمى كما قلنا تتمثل في عدم اعتبار المجتمع ذلك العمل قبيحاً وعدم اعتبار المرتكب له مستحقاً للعقوبة والتأنيب، فمن البديهي أنه في هذه الحالة أن يسير المجتمع ككل نحو الهاوية والسقوط ولا يمرُّ زمنٌ طويل حتى تظهر العواقب الوخيمة لتلك النظرة الخاطئة. لذا فالتربية الصحيحة منذ الطفولة وارتفاع مستوى العلم والمعرفة واحياء الوجدان الديني والأخلاقي كلها عوامل مساعدة في تطبيق القوانين ومعرفة الأمور على حقيقتها حتى نوجد حياء العقل كما قال الرسول ونقول إنّ أفضل الأساليب المقترحة لوقاية الطفل من مرض الحياء المفرط هو التربية الصحيحة منذ الصغر، فعلى الوالدين أن يعدّا الأطفال منذ الأشهر الأولى لتربية سليمة ورعاية دقيقة لكي لا يصابوا بعقدة الحقارة مطلقاً.
فبالرغم من أن جميع حركات الطفل انعكاسية في بداية الأمر (الضحك، البكاء، الأكل، المشي، التكلم) إلا أنه يجب تنظيم هذه الانعكاسات. إنَّ كيفية رعاية الوالدين وتغذيتهما لأطفالهما توضح لنا هل أنهما مربيان أم لا. فمنذ الأيام الأولى يجب أن تبدأ هذه التربية.
المدح والثناء: الإنسان بالفطرة يرغب بالمدح والثناء من قبل الآخرين، إنّ كُلَّ صغير أو كبير يتوقع أن يلاقي استحساناً ومديحاً من قبل الأهل والأصدقاء على النجاحات التي يحرزها والتقدم الذي يناله في كل مرحلة من مراحل الحياة.
إن الاستعدادات الباطنية للأفراد تخرج إلى حيّز الوجود في ظل التشجيع والمدح والاستحسان بحيث يمنحان الأفراد طاقة جديدة كما يفتحان لهم طريق التكامل والتقدم. يقول أحد علماء النفس المعاصرين (ماكدوكل) إنّ جميع الأطفال  دون استثناء   بحاجة إلى التشجيع وتحفيز الشعور بالاعتماد على النفس أكثر من حاجتهم إلى الخشونة والعقوبة. ما أكثر الأطفال الذين ظلوا جاهلين بالطاقات والمواهب المودعة فيهم على أثر فقدان المحفزات والمشجعات لهم في حين أن تذكيراً بسيطاً أصبح قادراً على اظهارها. إن الجانب الأعظم من الاضطرابات الفكرية والعصبية للأطفال ناشئ من السلوك المصحوب بالشدة والغلظة في التعامل معهم وهذه الأمراض العصبية تظل ملازمة للإنسان مدى العمر(5).
وقد يؤدي المديح الناشئ عن استحقاق الشخص إلى تغيير حياة إنسان تغييراً تاماً فيقوده نحو طريق السعادة والفلاح ويحيي شخصيته ويبعث نور الأمل في أعماق روحه ويمنحه الطمأنينة والهدوء... فيسلك طريق التكامل من دون تردد أو حيرة.
وعلى العكس فقد يؤدي الامتناع عن مدح أو تقدير أو شكر إلى دب اليأس في روحه وتبدأ بذلك تعاسته ويستأصل داء الحقارة في نفسه فيصاب بالأمراض والعوارض الوخيمة ومن عوارض هذا الانهيار الروحي الخجل المفرط والحياء الشديد فيفقد الجرأة على الاحتكاك بالناس ومعاشرتهم وكأنه يرى نفسه أقل من أن يتكلم معه الآخرون ويعتبرونه إنساناً واقعياً فيحترمون شخصيته.
وعندما يجد الفرد أنَّه لم يسترعِ انتباه وتقدير الآخرين كما يتصوَّر فإنه يفرّ من الناس مرة واحدة، ويفضل الانزواء على الاتصال بالناس خوفاً من أن يُحتقر من قبلهم ويختار زاوية من المجلس فيستقر فيها بكل اضطراب وقلق دون أن يتكلم بشي‏ء.
الطريق نحو التقدم: في سبيل الوصول إلى الكمال المنشود يبذل الطفل نشاطاً مستغلاً لطاقاته الطفولية. إن تشجيع الأهل والأصدقاء له يفسح المجال أمامه للتقدم أكثر فتتفتح مواهبه الواحدة بعد الأخرى وعلى العكس من ذلك فإن إهمال الوالدين أو تشددهما في التعامل معه من شأنه أن يضعف النشاط الفردي عند الطفل كما يبعث فيه الفتور والملل في سلوك طريق الجد والعمل وتكرار هذا السلوك المذموم يهدم روح الطفل ويؤدي إلى نتائج وخيمة على مستقبله ولكي تتضح الصورة أكثر نستشهد بالمثال التالي: طفل صغير دخل المدرسة حديثاً وقد تعلم بعض الدروس من كتاب الصف الأول وكتب صفحة كاملة لأول مرة، هذه الكتابة تعتبر انجازاً وانتصاراً لهذا الطفل. ماذا يفعل؟ ينتظر والده ويعدّ الدقيقة بعد الأخرى لكي يريه هذا الأثر اللامع، إن هذا الطفل يتوقع التشجيع والاستحسان من أبيه وهذه الساعة هي من أسعد ساعات حياته.
يدخل الأب إلى البيت فيركض الطفل لكي يريه ما كتبه ثم ينظر إلى أبيه بعينين نافذتين هنا الأب العاقل الواعي... يقرأ كتابة الطفل بإمعان ويتبسم... ثم يحمل طفله بين ذراعيه ويقبله ويعامله بلطف ومحبة ويكرر الاستحسان والثناء عليه وبهذا يكافئه بأحسن صورة. إن هذا السلوك يمنح الطفل روحاً طرية وأملاً في التقدم فيزداد نشاطاً وجدّية.
أما الأب الجاهل والذي لا يحسن التربية فإنه يفاجئ الصبي بعكس ما كان يتوقع. لا يقرأ كتابته وإذا قرأها فلا يستحسن ولا يثني عليه وأشدّ من ذلك أن بعض الآباء يجبرون الاخفاق والفشل والخسائر التي يتعرضون لها خارج المنزل بالشدة والخشونة مع الزوجة والأطفال فيخيبون آمال أطفالهم ويقتلون روح التقدم فيهم كما يحطمون شخصيتهم ويطفئون سراج الأمل  والاطمئنان في نفوسهم.
هنا يبتعد الطفل عن أبيه بروح منكسرة وقلب مُحطّم فيعمد إلى بعض السلوك الأهوج لإلفات النظر إليه.
إن الأطفال الذين لا يلاقون تشجيعاً على أفعالهم الطيبة بل يقابلون بالتحقير والاهانة من قبل الآخرين تندحر شخصياتهم ويصابون بعقدة الحقارة ويقعون في شرك المشاكل والمآسي الكثيرة ومن هذه المشاكل والعوارض الخجل المفرط في مواجهة الناس.
إنّ الأشخاص الذين يخجلون وينفعلون بسرعة أو نجدهم مستهترين ومشاكسين أو يلاحظ عليهم الخمول والهدوء أو الثرثرة والفضول أو البرودة وضعف الإرادة، أو التهوّر والسطحية... هم رجال لا يملكون اطمئناناً بأنفسهم ويفقدون الاعتماد على النفس فهم يتصورون أنَّ المجتمع لا يعترف بهم كما ينبغي ولا يعطيهم المكانة التي يستحقونها. وأخيراً: نستنتج مما تقدم أن الإسلام يرى أن الحياء المعقول الذي يضمن تنفيذ القوانين ويمنع من ارتكاب الذنوب من الصفات المطلوبة والفاضلة أمّا الحياء المفرط غير المعقول والناشئ من ضعف النفس والاحتقار فهو مذموم عنده. ومن الموارد التي لا يستحسن فيها الحياء حيث صرَّح الإسلام بالمنع منه في قوله تعالى: (واللَّه لا يستحيي من الحق) (الأحزاب: 53) فالرجال المؤمنون يتبعون أوامر اللَّه عزَّ وجلَّ ويقولون الحق بكل صراحة ويصرون عليه دون حياء أو خوف كما لا يخافون لومة لائم. وللبحث تتمة.


أهم المصادر:
(1) القرآن الكريم.
(2) نهج البلاغة.
(3) ميزان الحكمة، ج‏6، ص‏282.
(4) غرر الحكم، للآمدي، ص‏51.
(5) الكافي، للكليني، ج‏2، ص‏106.
(6) الطفل بين الوراثة والتربية، ج‏2، ص‏246.
(7) تربية الطفل في الإسلام.
(8) وسائل الشيعة، ج‏3، ص‏221.

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=46
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2007 / 06 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19