• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : شهر رمضان .
                    • الموضوع : التفاعل مع القرآن .

التفاعل مع القرآن

  

التفاعل مع القرآن

 

نصوص من أئمة أهل البيت تتجلى في خلالها حقيقة التفاعل القرآني  

قال أمير المؤمنين علي عليه السلام في خطبته في وصف المتقين: أما الليل فصافّون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتّلونه ترتيلاً، يحزنون به أنفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم...    

 نظروا إلى القرآن كمشاهد ماثلة أمامهم وعوالم متجسّدة فيما حولهم فنار القرآن ليست نار الكلمة وإنما هي نار الزفير والشهيق، وجنّة القرآن ليست هي جنّة العبادة وإنما هي جنّة الأشواق 

 

كلام الإمام زين العابدين عليه السلام في المأثور عنه في ختم القرآن: 

اللهم صلّ على محمد وآله واحطط بالقرآن عنّا ثقل الأوزار وهب لنا حُسْن شمائل الأبرار، واقفُ بنا آثار الذين قاموا لك به آناء الليل وأطراف النهار، حتّى تطهّرنا من كل دَنَس بتطهيره وتقفوا بنا آثار الذين استضاءوا بنوره، ولم يُلههم الأمَلُ عن العمل فيقطعهم بخُدع غروره

اللهم صل على محمد وآله واجعل القرآن لنا في ظُلم الليالي مؤنساً من نزغات الشيطان، وخطرات الوساوس حارساً، ولأقدامنا عن نقلها إلى المعاصي حابسا، ولألسنتنا عن الخوض في الباطل من غير ما آفةٍ مخرساً، ولجوارحنا عن اقتراف الآثام زاجراً، ولما طَوَت الغفلة عنا من تصفُّح الاعتبار ناشراً، حتى توصل إلى قلوبنا فهم عجائبه وزواجر أمثاله التي ضعفت الجبال الرواسي عن احتماله)

 فالتفاعل القرآني هو الذي يجسدّ في الواقع الاتّصال بالقرآن    

 

الآداب المهمة لقراءة القرآن والتفاعل معه

عن رسول الله صلى الله عليه وآله: من قرأ مائة آية لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ مائتي آية كتب من القانتين، ومن قرأ ثلاثمائة آية لم يحاجّه القرآن   

لكن النصوص الواردة  تؤكد على نوع خاص من القراءة :

كالقراءة في المصحف عن أبي عبد الله:  بل اقرأه وانظر في المصحف فهذا أفضل، أما علمت: أن النظر في المصحف عبادة)    

والقراءة بصوت حسن فعن الرضا (عليه السلام) قال: قال رسول الله: (حسّنوا القرآن بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً)، وقرأ (يزيد في الخلق ما يشاء)     

 القراءة تلاوة :

ومادة (تلى) تأتي بمعنى المتابعة ولها مراتب ودرجات ترتقي من القول فقط إلى أقصى درجات المتابعة في القول و الفعل و الوجود وسائر الجهات. والمراد بحق التلاوة هي التي توجب فهم الكتاب والتفقه فيه    واتباع احكامه وقد وردت روايات كثيرة في أن المراد بها ترتيل آياته و التفقه به والعلم بأحكامه »

 

 عن الديلمي في الإرشاد عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ

 قال (عليه السلام): يرتلون آياته و يتفقهون به، و يعملون بأحكامه، و يرجون وعده، و يخافون وعيده و يعتبرون بقصصه، و يأتمرون بأوامره، و ينتهون بنواهيه. ما هو و اللّه حفظ آياته و درس حروفه، و تلاوة سوره، و درس أعشاره و أخماسه، حفظوا حروفه، وأضاعوا حدوده  وإنما هو تدبر آياته والعمل بأحكامه قال تعالى: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ .

 وتؤكد التربية الإسلامية في قراءة القرآن على القراءة الهادئة الخاشعة التي تفسح المجال للكلمة أن تنغرس في القلب، و للفكرة أن تتعمق في الوجدان، و للخشوع أن يهز الكيان كله، حتى ليحسّ الإنسان بالجنة أمام عينيه في الآيات التي تتحدث عن الجنة، و بالنار تقترب من وجهه حتى لتكاد تلفحه في حرارتها، في الآيات التي تتحدث عن النار، كما يلتقي باللّه في استغراقه في معنى الألوهية في ذاته ليعيش في آفاق معاني رحمته و غضبه و قوّته و جبروته و لطفه و عظمته، ليتمثل حضوره في كل روحه و قلبه و شعوره

 

القراءة ترتيلا

وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا  المزمل

والترتيل: جعل الشي‏ء مرتّلا، أي مفرقا، و أصله من قولهم: ثغر مرتّل، و هو المفلج

الأسنان، أي المفرق بين أسنانه تفرقا قليلا بحيث لا تكون النواجذ متلاصقة.

ورتلت الكلام ترتيلا، إذا تمهلت فيه و أحسنت تأليفه، وقوله تعالى: تَرْتِيلًا تأكيد في إيجاب الأمر به، وأنه مما لا بد منه للقارئ التحرير و التنوير، ج‏29، ص: 243

وأريد بترتيل القرآن ترتيل قراءته، أي التمهل في النطق بحروف القرآن حتى تخرج من الفم واضحة مع إشباع الحركات التي تستحق الإشباع...

وفائدة هذا أن يرسخ حفظه و يتلقاه السامعون فيعلق بحوافظهم، و يتدبر قارئه و سامعه معانيه كي لا يسبق لفظ اللسان عمل الفهم...

في الدر المنثور عن علي (ع) ان رسول الله (ص) سئل عن قول الله : (ورتل القرآن ترتيلا) قال : بينه تبييناً ولاتنثره نثر الرمل , ولاتهذه هذ الشعر , قفوا عند عجائبه , وحركوا به القلوب , و لايكن همّ أحدكم آخر السورة

 

تدبر القرآن

أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً    النساء 82

والتدبّر مشتقّ من الدّبر، أي الظّهر، اشتقّوا من الدّبر فعلا، فقالوا: تدبّر إذا نظر في دبر الأمر، أي في غائبه أو في عاقبته، فهو من الأفعال التي اشتقّت من الأسماء الجامدة

والتدبّر يتعدّى إلى المتأمّل فيه بنفسه، يقال: تدبّر الأمر. فمعنى يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ يتأمّلون دلالته،

 والمراد التأمل في الآية عقيب الآية  لان الغرض بيان أن القرآن لا اختلاف فيه.

والفرق بين التدبّر والتفكر هو أن التدبر تصرّف القلب بالنظر في العواقب، والتفكر تصرّف القلب بالنظر في الدلائل.

وفي هذا تحريض لهم بالتدبّر في القرآن الكريم و التأمّل في معانيه، لاستيعاب ما ورد فيه من الإرشادات و التوجيهات والأحكام
فلا قراءة إلا بتدبر، والقرآن ما نزل إلا للتدبر، أن تسمع إذا قرأ الإمام ثم تتفكر: من أنزل هذا الكتاب؟! من أنزل هذا الكلام؟! ماذا يراد من هذا القرآن؟! ما هو المطلوب منا إذا قرأنا واستمعنا هذا القرآن العظيم؟
قال تعالى: { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } [ص:29].


والقرآن يستنكر على هؤلاء الذين لا يعيشون مع القرآن حالة التفكر والتدبر بقوله ( أفلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها)؟!  محمد : 24

بل إن القرآن نزل للتدبر , بقوله (كتاب انزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب

 

ويقول الامام السجاد (ع) :( آيات القرآن خزائن العلم , فكلما فتحت خزانه ينبغي لك أن تنظر مافيها )

 

 التفكّر فيه

ومن الآداب المهمة لقراءة القرآن التفكر ، فتكون سلامة القوى الملكية والملكوتية ضالة قارئ القرآن فإنها موجودة في هذا الكتاب السماوي ولا بد أن يستخرجها بالتفكر

 واذا صارت القوى الانسانية سالمة عن التصرّف الشيطاني وتحصّل طرق السلامة وعمل بها ففي كل مرتبة من السلامة تحصل له ينجو من ظلمة ويتجلى فيه النور الساطع الالهي قهرا حتى اذا خلص عن جميع أنواع الظلمات ...يتجلى النور المطلق في قلبه ويهديه إلى طريق الانسانية المستقيم وهو في هذا المقام طريق الربّ " ان ربي على صراط مستقيم " ( هود – 56

 

وقد كثرت الدعوة إلى التفكر في القرآن الشريف:

 قال تعالى : " وأنزلنا اليك الذكر لنبّين للناس ما نزّل اليهم لعلّهم يتفكرون " ( النحل - 44 ) .

فغاية انزال الكتاب العظيم السماوي والصحيفة العظيمة النورانية قد جعلت احتمال التفكر وهذا من شدّة الاعتناء به

 وقال تعالى: " فاقصص القصص لعلّهم يتفكرون " ( الأعراف   - 176

 

     ... وحيث أن السعادة هي الوصول إلى السلامة المطلقة وعالم النور والطريق المستقيم فلا بد للانسان أن يطلب من القرآن المجيد الشريف سبل السلامة ومعدن النور المطلق والطريق المستقيمة

فحين ذاك يفهم كون القرآن شفاء للأمراض القلبية ، ويدرك مفاد الآية الشريفة " وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا" ( الإسراء- 82 )..

  

 

  التطبيق

ومن الآداب المهمة لقراءة القرآن هو التطبيق وكيفيّته انه حينما يتفكر في كل آية من الآيات الشريفة يطبق مفادها في حاله ويرفع نقصانه بواسطة هذا التطبيق ويشفي أمراضه به

مثلا في قصة آدم الشريفة يتفكر أن مطرودية الشيطان عن جناب القدس مع تلك السجدات والعبادات الطويلة لماذا ؟ فيطهّر نفسه منه .

 ويستفاد من الآيات الشريفة أن مبدأ عدم سجود ابليس هو رؤية النفس العجب.. فهذا العجب صار سببا لحب النفس والاستكبار ، وصار سببا للاستقلال والاستكبار ، وعصيان الامر فصار مطرودا عن الجناب ونحن اتصفنا بأوصافه الخبيثة ولم نتفكر في أن ما هو سبب المطرودية عن جناب القدس اذا كان موجودا في أي شخص ، فهو مطرود وليس للشيطان خصوصية ، فما كان سببا لطرده  عن جناب القدس يكون مانعا من أن نتطّرق اليه  

 

 وبالجملة ، من أراد أن يأخذ من القرآن الشريف الحظ الوافر والنصيب الكافي فلا له أن يطبّق كل آية شريفة من الآيات على حالات نفسه حتى يستفيد استفادة كاملة

 

مثلا يقول الله تعالى في سورة الانفال  في الآية الشريفة : " انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا وعلى ربّهم يتوكّلون " ( الانفال - 2 ).

فلا بد للسالك من أن يلاحظ هل هذه الاوصاف الثلاثة منطبقة عليه ، وهل قلبه يجِلُ اذا ذكر الله ويخاف ؟ واذا تليت عليه الآيات الشريفة الالهية يزداد نور الايمان في قلبه ؟ وهل اعتماده وتوكله على الحق تعالى؟  فإن أراد أن يفهم أنه من الحق تعالى خائف وقلبه من خوفه وجل فلينظر إلى أعماله

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=587
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 06 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29