• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : عاشوراء .
                    • الموضوع : مسؤوليتنا تجاه عاشوراء .

مسؤوليتنا تجاه عاشوراء

 مسؤوليتنا تجاه عاشوراء

الشيخ نعيم قاسم

1-عاشوراء بكل جوانبها

عاشوراء دخلت إلى قلوبنا وعقولنا وكل حياتنا، لم تعد قصة عابرة من التاريخ، بل أصبحت جزءاً لا يتجزأ من إيماننا وكل تصرفاتنا، عاشوراء تحولت إلى مدرسة نتعلم من خلالها ونعلم الأجيال، عاشوراء قوة حملناها بين أيدينا وفي حياتنا، وأعطتنا دفعاً إلى الإمام لنقف أمام الظالمين فنسقطهم، إننا في أعين الآخرين كأشخاص وجماعة محظوظة لأن عندها الحسين عليه السلام تقتدي بهديه؛ فعاشوراء هي المنارة التي يُفترض أن نبقيها مضيئة في حياتنا، على أن نحملها بكل جوانبها، فلا يحق لنا أن نختصر عاشوراء في جانب من الجوانب على حساب الجوانب الأخرى، بل يجب أن نعيش عاشوراء: القدوة، والعاطفة، والاستقامة، والقيادة، والعزة، والشهادة، والنصر، كل هذه المعاني يجب أن تكون حاضرة في عاشوراء، إن أكبر خطأ نرتكبه عندما نأخذ عاشوراء إلى جانب واحد ونتخلى عن الجوانب الأخرى، فأولئك الذين يحوّلون عاشوراء إلى مأساة دون أن يلتفتوا إلى الجوانب الأخرى لن يستفيدوا من عاشوراء، وأولئك الذين يأخذون عاشوراء إلى القيادة دون الالتفات إلى المأساة وإلى الجوانب الأخرى لن يفلحوا، وهكذا عندما نأخذها إلى التحليل والقصة بعيداً عن الجوانب الأخرى، فإننا نخسر قوتها في حياتنا.

2-عاشوراء مأساة

لا توجد مأساة في التاريخ شبيهة بمأساة عاشوراء، فالإمام الحسين عليه السلام وثلة من أهل بيته وخيرة أصحابه يقتلون في المعركة، وتسبى النساء وهو ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وريحانة رسول الله، وهو سيد شباب أهل الجنة مع الإمام الحسن عليه السلام برواية متفق عليها بين جميع المسلمين، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"، ومع ذلك يحصل القتل وقطع الرؤوس وحملها على الأسنة والرماح، هذا عمل بشع ولئيم من أولئك الظالمين بحق الإنسانية جمعاء، وهذا عمل مأساوي فيما يتعلق بالمحبين والذين يرتبطون بهذا المنهج وهذا الخط، إنها مأساة يجب أن نبكي لها وأن نتفاعل معاً، أن نذرف الدموع لا من أجل أن نتوقف عندها، بل لننطلق من المأساة أقوياء حتى نحمل في قلوبنا كل الإنسانية وكل الحب للاستقامة لمنهج أهل البيت عليهم السلام، فنحولهما إلى قوة ضاربة في مواجهة أعداء الله تعالى بكل جرأة.

عندما تربى شبابنا على مأساة الإمام الحسين عليه السلام بروحية حسينية صادقة، كانوا يبكون في مجالس عاشوراء، لكنهم ينطلقون إلى سوح الجهاد بكل عزيمة وصلابة وقوة ويواجهون أعداء الله تعالى، ربما احتار المرء، كيف يملك هؤلاء أن يبكوا على الحسين عليه السلام وهم يتميزون بهذه الشجاعة؟ وكيف انتقلوا من مأساة كربلاء إلى نصر المقاومة الإسلامية في مواجهة أعداء الله؟ وكيف استطاعوا أن يتفاعلوا مع مأساة ومصيبة سيد الشهداء عليه السلام ليحولوها إلى راية نصر باسم أبي عبد الله، باسم الحسين، باسم الشهداء، باسم هؤلاء العظماء الذين قدموا عبر التاريخ؟ إنه الإيمان الذي يتعاطى مع المصيبة بتسليم، لكن بتفاعل قلبي يحولها لخدمة سبيل الحق.

 

3-عاشوراء النماذج المتنوعة

النماذج متنوعة في عاشوراء، فيها كبير السن حبيب بن مظاهر، والشاب علي الأكبر، والطفل الرضيع عبد الله، والنساء كزينب عليها السلام ومن معها، وعلى رأسهم القائد الإمام الحسين عليه السلام، حيث كانوا كلهم في كربلاء، ليعطونا نماذج تنسجم مع مفردات ما نجده في حياتنا اليومية، فإذا كنت تشعر بعجزك عن أن تكون في المستوى العالي والرفيع فاختر واحداً من أصحابه لتقتدي به، ولا تقل بأن الإمام لا يمكن اللحاق به، ألا يمكنك اللحاق بالأصحاب؟ كلهم نماذج موجودة، فهذا علي الأكبر يقول: "يا أبت، إذاً لا نبالي، نموت محقين"([1]) وهذا مسلم بن عوسجة يقول: "والله لا نخليك حتى يعلم الله أن قد حفظنا غيبة رسول الله فيك، والله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق ثم أحيا ثم أذرى، يفعل ذلك بي سبعين مرة، ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك، وإنما هي قتلة واحدة، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً"([2])، وهذه زينب عليها السلام تهدئ النساء والأطفال وتصبر على هذه المصيبة الكبرى.

كانت هذه النماذج موجودة أيضاً في حياتنا في لبنان في مواجهة أعداء الله تعالى، نساؤنا من أروع النساء في مواجهة أعداء الله، وأهلنا ورجالنا من الذين ساندوا قضيتنا، وشبابنا المجاهد اقتحموا القلاع والحصون وأثبتوا جدارتهم، أجيالنا يعشقون الحسين من الصغر، إن في بيوتنا اليوم أطفالاً يتطلعون إلى المستقبل، ويرغبون أن يكونوا في سوح الجهاد من الآن، فهم لا يخافون من الاستكبار، ولا من إسرائيل، ولا من الظالمين، لأن قلوبهم امتلأت بحب الحسين وآل الحسين عليه السلام.

4-الأئمة عليهم السلام تنوع للأدوار

نجد في عاشوراء المأساة والشهادة، ونجد الصبر والتحمل والمعاناة عند الإمام الحسين عليه السلام، ونجد السجن والعذاب عند الإمام الكاظم عليه السلام، ونجد عند الإمام الرضا عليه السلام سطوة السلطان في واقع محرج جداً عندما عرضت عليه ولاية العهد، ونتطلع إلى الأمل الكبير بنصر الإمام الحجة محمد بن الحسن المهدي(عج) وإقامة دولة العدل الإلهية.. فلكل إمام خصوصياته في حياته وفي مرحلته، وعلينا أن نتطلع إلى أئمتنا كوحدة كاملة، نأخذ منهم جميعاً ونتعلم منهم جميعاً، يجب أن نتعلم الأمر وما يعاكسه تماماً، لاعتبار الارتباط بهذا المنهج الإسلامي، فإننا في بعض الأوقات نكون مسؤولين في أن نقتحم الشهادة، وفي أوقات أخرى نكون معنيين بأن نصبر على الضيم، نفرح بالنصر أحياناً، ونتحمل المعاناة الداخلية ممن يفترض أن لا نعاني معهم أحياناً أخرى، نرى أعلام الحق ترفرف في مرحلة، ونواجه الضغوطات في مرحلة أخرى، هذا أمر يجب أن يكون عادياً وطبيعياً، وعلينا أن نتعلم من أئمتنا كيف نتحمل المراحل والمحطات المختلفة.

هذه القواعد الأربع التي نستلهمها من عاشوراء، نحملها ونعكسها مباشرة على حياتنا وعلى رصيدنا بأشكال مختلفة، لنحقق فوائد عديدة نذكر منها أربع:

الفائدة الأولى: ننقل عاشوراء من الماضي إلى الحاضر، فعاشوراء ليست قصة من التاريخ، عاشوراء حياة، عاشوراء تربية، عاشوراء مدرسة، ويجب أن نعيش عاشوراء، لا أن نقول: يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً كأمانٍ غير قابلة للتحقيق، بل بإمكاننا أن نكون معهم في حياتنا، وفي مواجهتنا للظلم، وفي قتالنا لأعداء الله تعالى، علينا أن لا نضيع الدماء التي بذلت، وأن نحافظ عليها، هكذا فعل شباب المقاومة الإسلامية.

أصبحت موقعية سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام اليوم عند العرب والمسلمين في العالم عظيمة ومهمة، لأن شباب المقاومة كانوا دائماً يكررون بأنهم تلامذة هذا الإمام وفي مدرسة هذا الإمام، فإذا سئلنا كيف أقدمتهم على المعركة؟ قلنا: تعلمنا من الإمام الحسين عليه السلام فهو المعلم والقائد والقدوة، وعلى الجميع أن يلتفتوا إليه حتى يأخذوا منه كي يحققوا نصراً مؤزراً كما تحقق للمجاهدين.

الفائدة الثانية: يجب أن نستفيد من الحالة التعبوية لهذه المجالس، وأن نعمل لإحيائها، وهي دعوة صريحة من الأئمة عليهم السلام لذلك، فالإمام الصادق عليه السلام يقول للفضيل بن يسار: تجلسون وتحدثون؟ قال: نعم، قال عليه السلام: إن تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا، فرحم الله من أحيا أمرنا، يا فضيل من ذكرنا فخرج من عينه مثل جناح الذباب، غفر الله ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر"([3]) وهو القائل في مقام آخر: "أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا ودعا إلى ذكرنا"([4])

كما ركّز الإمام الخميني(قده) على أهمية مجالس عاشوراء، وكان يكرر في كل مقام ضرورة التأسي بالإمام الحسين عليه السلام وأن كل ما عندنا من عاشوراء: "ولولا سيد الشهداء عليه السلام لما قامت هذه النهضة الإسلامية الحديثة ولما انتصرت، فالحسين عليه السلام حاضر في كل مكان، وآثار نهضته مشهورة (كل أرض كربلاء) وكل المنابر محل لذكر سيد الشهداء عليه السلام، فهل نسكت على مقتل من نهض وانقذ الإسلام باستشهاده؟ علينا أن نبكيه كل يوم، وعلينا أن نرثيه من على المنبر كل يوم، من أجل حفظ هذا الدين والمحافظة على هذه النهضة، فهي مرهونة ومدينة للإمام الحسين عليه السلام"([5])

لسنا بحاجة للتفتيش عن روايات غريبة أو غير موثوقة من أجل تأجيج المشاعر عند الناس، ولطالما انتشرت قصص وأحاديث غيرصحيحة وغير مسندة، بل لم ترد في أي من المقاتل وكتب السيرة، ومنها أن القاسم عليه السلام قد تخلى عن العرس وذهب إلى القتال، بينما لا يوجد أساس لهذه القصة وهي ليست مروية في اي من الكتب المعتبرة، وقد أفتى المرجع الكلبايكاني(قده) باعتبار الصائم الذي يروي هذه الرواية عن عرس القاسم كاذباً على الله ورسوله فيكون مفطراً في يوم الصوم.

هنا أريد أن أسألكم سؤالاً، هل هناك أصعب وأشد ألماً من قطع رأس الإمام الحسين عليه السلام أو قتل الطفل الرضيع لتأجيج العاطفة، أو السبايا يخرجن حاسرات الرأس بسبب الأوغاد الذين يدّعون الارتباط بالإسلام؟ عندما نذكر قصة عاشوراء كما جرت، فهي بحد ذاتها تؤجج العاطفة في نفوسنا، ولسنا بحاجة إلى قصص وهمية، بل نحن بحاجة إلى الأحداث التي حصلت فعلاً سواء أكانت واقعية بحكم العقل أو كانت واقعية بحكم النقل ولو كانت غيبية، لأننا نؤمن بأن أئمتنا عليهم السلام يحصل معهم أمور من الغيب، فإمامنا الحسين عليه السلام كان يعرف بأنه سيقتل في كربلاء، وروى هذا الأمر مراراً وتكراراً، وقد قال لأم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنورة قبل خروجه إلى مكة المكرمة: "يا أماه قد شاء الله عزّ وجل أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً"([6])

الفائدة الثالثة: ضرورة الإصلاح في الأمة، فعاشوراء حركة إصلاحية لمواجهة التفسير الخاطئ للإسلام، "أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"، علينا أن نأمر بالمعروف وأن نعلم الناس ونربيهم، أن نعرض عليهم هذا الحق الذي آمنا به، فهذا تكليف، ولا يجوز أن نتلهى بمناقشات واهتمامات جانبية أو جزئية لا قيمة لها ولا فائدة منها، فلندخل إلى صميم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن نعمل للتأثير على الآخرين، ولا يجوز لك أن تتصرف في النهي عن المنكر على مزاجك بخلاف ما أمرت به الشريعة المقدسة ضمن حدودها وضوابطها، وليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يفعل البعض، حيث يكفّر الناس جميعاً على أنه هو المؤمن، وليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تستسهل إضرارك بالآخرين مع عدم الجواز بهذا الإضرار! لا، إنما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يبدأ أولاً بشخصيتك أنت، لتكون نموذجاً للطاعة لله تعالى على درب الحسين عليه السلام عندها ستؤثر في جيرانك وأهل حيّك وأقربائك بسلوكك ولو لم تتكلم كلمة واحدة.

الفائدة الرابعة: الاهتمام بعزة الأمة، لأن ما أنجز من الثورة الحسينية ومن نتائجها الثورة الإسلامية على يد الإمام الخميني(قده) وانتصار المقاومة، هو أن الأمة برزت عزيزة، وأصبح رأسها شامخاً في العالم، لا على قاعدة الغرور والتكبر أبداً، فنحن أعزة في مقابل الكافرين، ولكن أذلة في مقابل المؤمنين، أي أننا متواضعون مع المؤمنين، ولكن أشداء على الكافرين نشعرهم بالعزة والقوة والمعنويات العالية، فإذا هددوا هددنا، وإذا تصدوا تصدينا، وإذا أعلنوا أن إمكانهم أن يصنعوا شيئاً استخففنا بهم، وإذا ابرزوا قوتهم أبرزنا قوتنا، لا لأننا نريد أن ننجرّ إلى ما يريدون، بل لأن رب العالمين قال: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}([7])، علينا أن نحافظ على هذه العزة، يجب أن يكون رأسنا عالياً في مواجهة الكفر، فلا يفكر أحد بأن يخضع هنا.

أصبحنا نشعر بالعزة في مقابل الاعداء، ويجب أن نبقى كذلك، لأننا لن ننتصر إذا كنا أذلة في مواجهة الكافرين، بل يجب أن نكون أعزة، ويجب أن يشعروا هم بذلك وأن يخافوا منا وأن ترتعد فرائصهم، هذا جزء من تكليفنا وواجبنا في المحافظة على الانتصار، ويقول البعض: إن علماءنا يتحدثون دائماً بمعنويات عالية! نعم يجب أن نتحدث بمعنويات عالية! لأننا على الحق، وممَ نخشى؟ وممَ نخاف؟ عندنا الارتباط بالله تعالى وعندهم الارتباط بحياة فانية، عندنا قيادة الرسول والأئمة والأولياء والصالحين وعندهم زعماء منحرفون رائحتهم تفوح في كل مكان، عندنا منهج هو الإسلام العظيم الذي يسعد حياتنا، وعندهم قوانين وضيعة وتجارب سيئة تسقط إنسانية ومعنويات الإنسان، إذا لماذا لا نكون أعزة؟ إن هذا ما يساعدنا على الاستمرار والاستقرار([8])


[1] المفيد، الإرشاد ج 2 ص 83

[2] المصدر نفسه، ج 2 ص 92

[3] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 8 ص 410/ الحميري القمي، قرب الإسناد، ص 36.

[4] حسين عبد الوهاب، عيون المعجزات ص 5

[5] الإمام الخميني(قده) نهضة عاشوراء ص 93

[6] المجلسي، بحار الأنوار، ج 44 ص 331

[7] سورة المنافقون/8

[8] من كتاب مدد وحياة ـ بتصرف ـ.


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=608
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 10 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28