• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : القصة ودورها في التبليغ الديني .
                          • رقم العدد : العدد الثلاثون .

القصة ودورها في التبليغ الديني

 القصة ودورها في التبليغ الديني

إعداد هيئة التحرير

تبليغ الإسلام وبيان مبادئه وأحكامه وتعاليمه من الواجبات المهمّة التي أكّد عليها القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة وأهل البيت عليهم ‏السلام

قال تعالى : «وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّن دَعآ إلَى اللّه‏ِ وَعَمِلَ صَالِحا» فصلت : 33

 وروي عن الإمام الصادق عليه‏ السلام قال : «الراوية لحديثنا يشدُّ به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد»

ولكن نجاح عملية التبليغ يتوقف على توفّر جملة من العناصر  على مستوى المضمون والاسلوب وبما ينسجم ومقتضيات الاحوال اضافة الى مواصفات المبلّغ.

يقول الامام الخميني (قده) في بيان تعدد الطرائق والاساليب التبليغية تبعا لتنوع المخاطبين واحوالهم : من يريد أن يربّي ويعلم وينذر ويبشّر فلابدّ له أن يزرق مقصده بالعبارات المختلفة والبيانات المتشتتة، فتارة في ضمن قصة وحكاية وأخرى في ضمن تاريخ ونقل، وحيناً بصراحة اللهجة، وحيناً بالكناية والأمثال والرموز حتى يتمكن كل من النفوس المختلفة والقلوب المتشتتة الاستفادة منها، وحيث أن هذا الكتاب الشريف لأجل سعادة جميع الطبقات وسلسلة البشر قاطبة، ويختلف هذا النوع الإنساني في حالات القلوب والعادات والأخلاق والأزمنة والأمكنة، ولا يمكن أن تكون دعوته على نحو واحد، فربّ نفوس لا تكون حاضرة لأخذ التعاليم بصراحة اللهجة وإلقاء أصل المطلب بنحو عادي، ولا تتأثر بهذا النحو، فلابد أن تكون دعوة هؤلاء وفق كيفية تفكيرهم، فيفهم إيّاهم المقصد، وربّ نفوس لا شغل لها بالقصص والحكايات والتواريخ، وإنما علاقتها بلب المطالب، ولباب المقاصد، فلا يوزن هؤلاء مع الطائفة الأولى بميزان واحد، ورب قلوب تتناسب مع التخويف والإنذار، وقلوب لها الألفة مع الوعد والتبشير. فلهذه الجهة دعا الناس هذا الكتاب الشريف بالأقسام المختلفة، والفنون المتعددة، والطرق المتشتتة.(انتهى)

وتعتبر القصة وكما ذكر الامام من ضمن ما ذكر من اهم الطرائق والاساليب الناجعة  في توصيل الافكار والمعارف   لذلك نجد انّ القرآن الكريم قد اهتمّ بالقصة  وأنزل سورة كاملة بإسم «القصص وكذلك فعل النبي الاكرم (ص) والائمة الاطهار فاعتمدوا القصة في موارد كثيرة لما لها من اثر ايجابي في بلوغ الهدف التبليغي.

فالإنسان مولع بالقصص ويميل بفطرته عليها ، وإذا ما قص عليه جزء من قصة حرص على متابعة أحداثها ليعرف مدى ما وصلت إليه.

 كما ان القصة أداة سهلة الفهم ، وتحظى بالقبول من العامة والخاصة على السواء ولكن عوام الناس يتأثرون بها أكثر من غيرهم؛ لأن القصة تمتع الذهن والقلب معًا، وتبتعد عن العقليات التي تكد الذهن وتتعبه وكم قصة تركت من الأثر ما لم تتركه كثير من المحاضرات والكتب.

وقد دلَّت التجربة التربوية على أن أشد المواعظ الدينية نفاذًا إلى القلوب ما عُرض في أسلوب قصصي يحمل على المشاركة الوجدانية للأشخاص، والتأثر بالأحداث، والانفعال بالمواقف، وبعرض مبادئ الدعوة في صورة قصصية واقعية

تعريف القصة

والقصة جمعها قصص بكسر القاف، وهي من قصص، والفعل قص، والمصدر قصص بفتح القاف قال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ … } يوسف/3,

 والقصص بفتح القاف إما مصدر بمعنى الاقتصاص أي نحن نقص عليك أحسن الاقتصاص هذا القرآن بإيحائنا إليك والمراد بأحسن الاقتصاص أنه اقتص على أبدع طريقة وأعجب أسلوب

 أو بمعنى المقصوص أي نحن نقص عليك أحسن ما يقص من الأحاديث، وإنما كان أحسن لما يتضمنه من العبر والحكم والعجائب {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَاب..} يوسف/111

والقصة: هي أحد أنواع النثر الفني، ونمط من أنماط الأساليب الجمالية، تقوم على عوامل كثيرة، من التشويق، والحوار، والحبكة، والوحدة الموضوعية، وحل المشكلات عن طريق تسلسل الأحداث وربط المشاهد بعضها ببعض

وقد يكون هدفها التعبير والنصح والتوجيه، كما يكون هدفها مجرد المتعة الذهنية والعاطفية وقد تتخذ وسيلة للحق أو للباطل، وللخير أو للشر.

  

القصة في القرآن الكريم ودورها الحيوي

وتستحوذ القصة على جانب كبير من توجيهات القرآن الكريم؛ إذ تشمل ما يقارب الربع منه أو الثلث، كما أن هذه الوسيلة قد بدأ ظهورها مع أوائل ما نزل من القرآن في مكة المكرمة

وتتميز القصة في القرآن الكريم عن سائر أنواع القصص بأنها منزهة عن أي نقص في شكلها وفي مضمونها، ومنزهة عن الخيالات والأوهام، والأساطير، والأباطيل.

وفي القصص القرآني تربة خصبة تساعد المربين على النجاح في مهمتهم، وتمدهم بزاد تهذيبي من سيرة النبيين، وأخبار الماضين وسُنة الله في حياة المجتمعات، وأحوال الأمم. ويستطيع المربي أن يصوغ القصة القرآنية بالأسلوب الذي يلائم المستوى الفكري للمتلقّين.

وفي شأن قصص القرآن يقول الله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ)) [يوسف:3]

 وفي بيان الغاية من سوق القصص في القرآن الكريم يقول تعالى: ((فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)) [الأعراف:176]

 وقال تعالى: ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) [يوسف:111

كما تُعدُّ القصة من أبرز العوامل وأيسر السبل للاتّعاظِ والتذكير في وجدان الإنسان ، قال تعالى : « وكُلاً نَقُصُّ عَلَيكَ مِن أنباءِ الرُّسُلِ ما نُثبّتُ به فُؤادكَ وجاءكَ في هذهِ الحَقُّ ومَوعِظَةٌ وَذِكرى لِلمُؤمِنينَ هود : 120

فالقصص القرآني يقدم العبر والعظات ويشحذ العقول والأفكار للاتعاظ والاعتبار، كما أنه كان تثبيتا لقلب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم ولصحابته من بعده، ولقلوب الدعاة والمبلّغين في أي زمان ومكان.

يقول الامام الخميني (قده) ومن مقاصد هذه الصحيفة الإلهية: قصص الأنبياء والأولياء والحكماء، وكيفية تربية الحق إياهم، وتربيتهم الخلق. فإن في تلك القصص فوائد لا تحصى وتعليمات كثيرة.

ولقد جاءت القصة القرآنية في أنواعها وتنوعها لترصد في صور مجسمة تلك المعركة الأبدية بين الخير وقادته، والشر وأهله

وقد جاءت آيات القصص على أسلوب القرآن الكريم الخاص ؛ فهو لم يلتزم ترتيب المؤرخين ولا طريقة الكُتَّاب في تنسيق الكلام وترتيبه على حسب الوقائع التي في القصة الواحدة، وإنما ينسق الكلام فيه بأسلوب يأخذ بمجامع القلوب ويحرك الفكر إلى النظر تحريكًا، ويهزُّ النفس للاعتبار هزًّا؛ ذلك لأن القرآن هو كتاب الدعوة ولا بد أن يفي لها بالتأثير والهداية عن طريق بيانه المتعدد الذي منه القصة

 

 

مصادر للقصة

 وهناك مصادر عديدة للقصة ، أهمها :

1_ القرآن الكريم، فقد حوى القرآن أحسن القصص وأصدقه وأوفاه موعظة وأوجزه عبارة، قال تعالى: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ.. ﴾[يوسف:3]

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال، (انزل القرآن على سبعة احرف آمر وزاجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل.

 وفي رواية عن علي عليه السلام بعد حديث طويل (.. فقال: ان الله تبارك وتعالى انزل القرآن على سبعة أقسام كل منها شاف كاف، وهي: أمر، وزجر وترغيب، وترهيب، وجدل، ومثل، وقصص

فلا تكاد تخلو سورة من قصة أو من جزء من قصة، أو من إشارة إلى قصة.

 

2_ السنّة المطهرة والسيرة النبوية الشريفة : فالسيرة النبوية  الشريفة غنية بالمواقف والعبر والدروس  ، كما ان  في القصص الذي كان يقصّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أصحابه من أخبار وقصص الأمم الماضية غنى وكفاية في تثبيت القلوب والاقتداء بالمواقف  المحقة. وكذا هو الحال مع سائر المعصومين عليهم السلام .

وقد أدرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدور الخطير الذي تقوم به القصة، فاستخدمها من أجل إبراز الهدف الديني والتربوي باعتبارها وسيطاً مؤثراً في الوجدان والفكر والسلوك، وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يضمّن قصصه معاني عظيمة ومثلاً عليا وقيماً أخلاقية عليا رفيعة..

 

3_ الوقائع التاريخية   يقول أمير المؤمنين عليه‏ السلام في نهج البلاغة حينما يتكلم عن الأمم السالفة : « فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر اُمورهم حين وقعت الفرقة ، وتشتت الألفة ، واختلفت الكلمة والأفئدة وتشعبوا مختلفين ، وتفرقوا متحاربين ، قد خلع اللّه‏ عنهم لباس كرامته ، وسَلَبهم غضارة نعمته ، وبقي قصصُ اخبارهم فيكم عبرا للمعتبرين  نهج البلاغة خ192 ـ القاصعة


ويقول عليه‏ السلام «أيْ بُنَّي. إنِّي وَإنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلي، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهى إلَيَّ مِنْ أُمُوِرِهِمْ قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أوَّلِهِمْ إلَى آخِرِهِمْ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِه، وَنَفْعَهُ مِنْ ضَرَرِه...».
مِنْ وصيَّةِ الإمامِ عليّ (ع) إلى وَلدِهِ الإمام الحَسنِ (ع)

كما قال له:
«أحْيِ قَلْبَكَ بالْمَوعظَةِ ... وَاعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْماضِينَ، وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَوَّلِينَ، وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ فَانْظُرْ فِيمَا فَعَلُوا، وَعَمَّا انْتَقَلُوا، وَأَيْنَ حَلوُّا وَنَزَلُوا. فَإنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انْتَقَلُوا عَنِ الأَحِبَّةِ، وَحَلوُّا دِيَارَ الْغُرْبَةِ، وَكَأَنَّكَ عَنْ قَليلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ».

4- سيرة  العلماء  والصالحين  : حيث الكثير من القصص التي تكون عونا وزادا مهما  ونماذج وقدوات إنسانية

 5_قصص الحياة الواقعية العامة وأحداثها

 

 من شرائط ومرتكزات تأثير القصة

1 أن يتحرّى الواعظ الصدق فيما ينقله من قصص وأخبار  واجتناب الكذب والزور، والأباطيل والتحريف، أو التكلّف في القصة.  ؛ فإن الواقعية والمعقولية في ذكر القصص لعامة الناس طريقان سريعان للتقبل والعمل ، وقد وصف الله تعالى قصصه في القرآن بقوله : { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ  } سورة آل عمران

بل إن الواعظ حتى لو تأكد من صدق قصته أو خبره ، لكنه إن رأى أن فيها من الغرائب ما لا يصدقه عامة الناس ، فالأولى ألا يحدث بها حتى لا تنعدم ثقة الناس فيه وفي علمه

_ أن يوثق المبلّغ قصته بذكر مرجعها، أو سندها ، لتزيد ثقة الناس فيه

2_ أن تكون القصة حسنة هادفة، بعيدة عن الباطل بأي وجه، وتكون ذات عظة وعبرة وانتفاع

3_ العناية بمصادر التلقي في الأسلوب القصصي.


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=695
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 01 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18