• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : علماء .
                    • الموضوع : علماء قدوة ... ومواقف رسالية للعلماء... الامام الخميني قدس سره .
                          • رقم العدد : العدد الثالث والثلاثون .

علماء قدوة ... ومواقف رسالية للعلماء... الامام الخميني قدس سره

 

علماء قدوة  ... ومواقف رسالية للعلماء... الامام الخميني قدس سره

اعداد هيئة التحرير

تاريخ العلماء حافل بالقصص والمآثر والعبر ... وقصص العلماء زاخرة بالأخلاق والمثل العليا التي تنمّ عن عمق الايمان والثقة بالله  والاحساس بالمسؤولية  , وهذه المواقف من هؤلاء العظماء في علمهم وعملهم لا بد من الوقوف عندها لأخذ العبر والاقتداء.

 

الإمام الخميني قدس سره والالتزام بالقوانين

يعتبر انتهاك القوانين خلافاً للشرع

1-  كان الإمام مقيّداً بالقانون إلى حدٍ كبير، وكان يولي احتراماً كبيراً للقانون، إذ كان سماحته يعتبر مراعاة القانون بمثابة تكليف شرعي، وانتهاكه خلافاً للشرع، حتى بالنسبة لقوانين السير والمرور.. فعلى سبيل المثال إذا ما وضعت لوحة ممنوع المرور في مكان ما وقد تمّ تجاهلها، أو إذا ما تجاوز أحدهم السرعة المسموح بها في السياقة، فإنّ الإمام يعتبر ذلك خلافاً للشرع، لأنّه يُشكل انتهاكاً لقوانين المرور.([1])

2-  لماذا جئت متسلّلاً

نظراً لأني كنتُ ممنوعاً الخروج من إيران، لذا حاولتُ الذهاب إلى النجف متسلّلاً. وفي الطريق واجهتُ مشكلات كثيرة.. عندما وصلت إلى منزل الإمام كان وقت الظهيرة.. فتحت باب غرفة الإمام وألقيت التحية. فقال: عليكم السلام. أنت أيضاً جئت متسللاً؟ قلت: أجل. قال: لا تأت بعد الآن، قلت: سمعاً وطاعة سيدي، لن آتي بعد الآن، قال: أقصد لا تأتي متسللاً، لماذا تُعرض نفسك للمخاطر؟ لا تفعل هذا بعد الآن.. إن استطعت حاول أن تدخل البلاد بالبطاقة ـ الجواز ـ أو لا تأتي أصلاً.. إنّ إصرار الإمام هذا إنما هو من أجل إقناعنا بضرورة مراعاة القوانين.([2])

3-  من الخصوصيات البارزة التي اتسم بها الإمام هي حرص سماحته ـ حتى في البلاد غير الإسلامية ـ على مراعاة الحقوق والقوانين الاجتماعية المنصوص عليها.. على سبيل المثال، عندما كنّا في باريس قام بعض الأخوة بجمع المال وشراء خروف وذبحه وإعداد طعام بمناسبة ليلة العاشر من محرم، وإرسال مقدار منه إلى منزل الإمام.. غير أنّ ثمة قانوناً في فرنسا ينص على منع ذبح الحيوانات خارج المسلخ مراعاة لأمور الصحية، ولما علم الإمام بهذا القانون قال: بما أنّه قد تمّ انتهاك قوانين الحكومة، فأنا لن آكل من هذا اللحم.([3])

 

زهد الإمام الخميني(قده)

1-  كنا قد شهدنا طوال حياة الإمام، بأنّ سماحته لم يُضف شيئاً إلى أمواله، فكل ما كان لديه تركة متواضعة ورثها عن أبيه وهي عبارة عن أرض مزروعة، وكان سماحته يُدير شؤون حياته من عائد هذه الأرض.. إنّ زهد الطلبة من وجهة نظر الإمام، لم يكن يعني ارتداء الطلبة ثياباً رثة بالية، أو أن تكون مظاهر الكد والمشقة ظاهرة على ثيابهم.. كان الإمام يؤمن بضرورة أن يعمل الطلبة على تطهير قلوبهم، وفي الوقت نفسه لا بدّ لهم من الاعتناء بمظهرهم المناسب، وكان يقول: لا بدّ من إحياء القلب وإعماره بالمعنويات والتوجه إلى الله.([4])

2-  منزل الإمام لم يكن يختلف عن منزل أفقر النجفيين

في منعطف أحد أزقّة النجف الضيّقة حيث تكون البيوت متداخلة مع بعضها إلى حدٍ كبير بما يُشكل مظلّة أمام انعكاس أشعة الشمس الحارقة، كان يقع المنزل المتواضع لآية الله الخميني.. كان هذا المنزل أشبه بمنزل أفقر أبناء النجف، في غرف المنزل الثلاث، كان يتواجد اثنا عشر شخصاً من المقرّبين لسماحته، وفي هذا المنزل المتواضع لم يُشاهد أيّ مظهر من مظاهر زعماء المعارضة الذين كانوا يعيشون في المنفى.. وقد التقينا آية الله في غرفة لا تتعدى أبعادها (3×2) متراً، وفي منزل كان يقع في أقصى ضواحي النجف.. مدينة تُعتبر من الناحية الجغرافية إحدى أسوأ المناطق الصحراوية في العراق.([5])

3-  الزهد الحقيقي

رأيت الزهد الحقيقي بعيني في حياة الإمام وسيرته.. ففي اليوم الذي غادر النجف متوجهاً إلى الكويت نادى سماحته على نجله أحمد قائلاً: أحمد! أعطني ملابسي.. وعندما فُتحت حقيبة الإمام لم يُر فيها غير عباءة وجبّة، وثوب وسروال ومنشفة لا غير، وحنيها تنبهت إلى أن هذا المرجع الديني الكبير والزعيم السياسي الفذ، ورغم المبالغ الضخمة التي كانت تصله ويوزّعها على طلبة العلوم الدينية في إيران والعراق، ليس لديه من متاع الدنيا غير هذه الأشياء البسيطة.. ولا يخفى أنّ هذا يُعطي درساً كبيراً لأرباب العلم والأخلاق وكبار المسؤولين، لافتاً الأنظار إلى أنّ سماحته انطلق من هذه الخصال في محاربة الكفر والاستكبار العالمي، واستطاع أن يُحقق الانتصار تلو الانتصار.([6])

4-  أهدى أحد الإيرانيين المحبين لسماحة الإمام، ممن يقيمون في ألمانيا، سيّارة للإمام كي يستخدمها في تنقلاته وأثناء زيارته لحرم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وذهابه إلى كربلاء لزيارة ضريح سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام، فرفضها الإمام قائلاً: أنا لست بحاجة إلى سيارة، سأبيعها وأُنفق ثمنها على احتياجات طلبة العلوم الدينية، غير أنّ هذا الشخص حاول إقناع الإمام بأنه اشترى السيارة خصيصاً لسماحته، ولكن الإمام لم يقتنع وبقي يصر على رأيه حتى استجاب الشخص لرغبة الإمام.([7])

5-  في عهد الطاغوت، وفي إحدى مراحل النضال، تم نفي حوالي عشرين عالماً من علماء الدين وإبعادهم عن أماكن سكناهم لمدة ثلاث سنوات، وكنتُ أنا أحد هؤلاء.. بعد انتهاء مدة النفي، عاد ثلاثة منهم إلى مدينة قم، وقد تحسنت بعد فترة أوضاعهم واستبدلوا منازلهم.. عندما علم الإمام بذلك، بعث برسالة من النجف موضحاً: على السادة أن لا يعبؤوا بالتعارفات، وأن لا يشوهوا صورة السلف الصالح في أنظار الناس من خلال تصرفاتهم.. فنحن نقول دائماً بأن الشيخ الأنصاري عندما رحل عن هذه الدنيا لم يكن لديه سوى سبعة تومانات، فلا تنشغلوا بالدنيا كي لا يُسيء الناس الظن بالسلف الصالح.([8])

الإخلاص والتقوى

1-  لا يُذكر اسمي

ألّف الإمام كتاباً عنوانه (كشف الأسرار) وقد جاء الكتاب ردّاً على كتاب ألّفه أحد أبناء العلماء ـ للأسف ـ اسمه (أسرار الألف عام)، سخر فيه مؤلفه من عقائد الشيعة، وتهجم على علماء الدين ومبدأ الإمامة، إلى غير ذلك.. وبدافع الذود عن حريم الإسلام، عطّل الإمام دروسه وأبحاثه وأوقف نشاطه الحوزوي ـ لفترة محدودة ـ وتفرّغ للرد على هذا الكتاب.. ليتسنى له التفرغ لتأليف كتابه (كشف الأسرار).. وكي لا يتبادر إلى الأذهان أنّ الإمام يستهدف من وراء ذلك لفت الأنظار إليه فقد صدرت الطبعة الأولى والثانية من الكتاب دون ذكر مؤلفه الإمام العظيم، وقد تم الاكتفاء بالإشارة إلى أنه يأتي للرد على كتاب (أسرار هزار ساله) ولا شك أن إصرار الإمام على عدم وضع اسمه على الكتاب، يشير إلى نواياه الصادقة من وراء نشر هذا الكتاب.([9])

2-  لماذا لا ينبغي المشاركة في صلاته

كان أحد أئمة الجماعة في قم يُعارض آراء الإمام إزاء بعض القضايا السياسية وأحياناً المسائل الفلسفية، بيدَ أن الإمام كان يذهب بين فترة وأخرى للمشاركة في صلاة الجماعة التي كان يُقيمها، وكان يفعل ذلك من دون أي قصد، وكان سماحته يقول: "إنّ نمط تفكير فلان لا يتفق مع أفكاري، وإذا ما أخطأ، فأنا لن أُخطئ في تصرفي، لذا لماذا لا ينبغي لي عدم المشاركة في صلاته؟([10])

الأخلاق الحسنة والقيم الأخلاقية

لم يكن يجلس في مجلس يُغتاب فيه أحد

1-  يتفق الجميع بأنّ الإمام لم يكن مستعداً منذ مطلع شبابه، للجلوس في مجلس يغتاب فيه أحد، أو يروّج للكذب والغيبة، وكان إمّا أن يمتنع عن حضور مجالس الغيبة منذ البداية، أو أنّه يُبادر إلى قطع الحديث الذي تشوبه شائبة الغيبة على الفور.([11])

2-  كتب بيد الأقل الفاني

أخذ أحد تلامذة الإمام على عاتقه مهمة طباعة كتاب (المكاسب المحرمة) وكان الإمام قد امتنع عن ذكر اسمه لدى الانتهاء من تأليف الكتاب، فقلت لسماحته: أيها السيد! الرجاء أن تشيروا إلى اسم مؤلف هذا الكتاب، فقال: "كلا ليس المهم الاسم وإنما موضوعات الكتاب".. ومهما حاولت إقناع سماحته إلا أنه رفض، وأخيراً قال: "لا حاجة لذلك، إن رغبت فليطبع بهذه الصورة وإلا فلا". فاضطررت للجوء إلى حيلة شرعية قائلاً: أيها السيد! على الأقل اذكر اسمك على الكتاب حتى إذا ما أشكل البعض على موضوعاته، يعرفون على من يشكلون ومن صاحب هذه الآراء.. فقال سماحته: حسناً، إذا كان الأمر كذلك، فلا مانع من ذكر أسمي" فتم تدوين هذه العبارة: كُتب بيد الفاني روح الله الموسوي الخميني.([12])

3-  إن أكثر ما يؤلم الإمام هو تجاهل التعاليم الإلهية وانتهاك الحدود الشرعية، خاصة إذا ما حاول أحدهم اغتياب الآخر في حضور سماحته، أو أراد الإساءة إلى أعاظم الدين.. وفي أحد الأيام ذكر أحدهم موضوعاً عن أحد المراجع تُشمّ منه رائحة الإساءة، فوجه الإمام إليه عتاباً شديداً على الرغم من أن المتحدث كان من المخلصين للإمام، إذ إنّ سماحته لم يكن يعبأ بهوية الاشخاص في أداء التكليف الإلهي.. فإذا ما أراد أقرب الأشخاص أن يُثير موضوعاً يتضمن غيبة أو إساءة، لم يكن يجرؤ على ذلك لأن الإمام كان سيقول له: غير مستعد لسماع هذا الموضوع.([13])

4-  غير راضٍ أن تغتابوا أحداً في منزلي

عندما حاصر البعثيون منزل الإمام في النجف، كان المتوقع من بعض المراجع السؤال عن أحوال الإمام ولو عن طريق الهاتف، إلا أنّ ذلك لم يحدث، فكان أصحاب الإمام وأصدقاؤه متألمين للغاية، وكان من الممكن أن يتحدثوا عنهم بوحي من تألمهم، غير أن الإمام كان يقول: من الممكن أن يغضب الرفقاء لذلك ويتألموا بعض الشيء، ولكن قولوا لهم بأني غير راضٍ أن يغتابوا أحداً أو يتحدثوا ضد أحد في منزلي.([14])



[1] نقلاً عن: زهرا مصطفوي.

[2] نقلاً عن: حجة الإسلام علي أكبر مسعودي خميني.

[3] نقلاً عن: دباغ

[4] آية الله الشيخ جعفر سبحاني، مرآة الجمال.

[5] نقلاً عن: صحفي من جريدة لوموند.

[6] نقلاً عن: حجة الإسلام فردوسي بور.

[7] حجة الإسلام فرقاني، مرآة الجمال.

[8] نقلاً عن: حجة الإسلام محمد صادق كرباسجي تهراني.

[9] نقلاً عن: آية الله فاضل لنكراني.

[10] نقلاً عن: آية الله مجتبى عراقي.

[11] نقلاً عن: حجة الإسلام السيد أحمد الخميني.

[12] نقلاً عن: حجة الإسلام عميد زنجاني.

[13] نقلاً عن: آية الله توسلي.

[14] نقلاً عن: آية الله خاتم يزدي.


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=822
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 03 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28