• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : عاشوراء .
                    • الموضوع : صورة مجملة لوضع المجتمع الإسلامي بعد ثورة الحسين عليه‌ السلام .

صورة مجملة لوضع المجتمع الإسلامي بعد ثورة الحسين عليه‌ السلام

صورة مجملة لوضع المجتمع الإسلامي بعد ثورة الحسين عليه‌ السلام

 

أ ـ ثورة التوّابين

كان أوّل رد فعل مباشر لقتل الحسين عليه‌السلام هو حركة التوّابين في الكوفة.

فلمّا قُتل الحسين عليه‌ السلام ورجع ابن زياد مع معسكره بالنخيلة تلاقت الشيعة بالتلاؤم والتندّم ، ورأت أنّها قد أخطأت خطأً كبيراً بدعاء الحسين عليه‌السلام إلى النصرة وتركهم إجابته ، ومقتله إلى جانبهم ولم ينصروه ، ورأوا أنّه لا يغسل عارهم والإثم عنهم في مقتله إلاّ بقتل مَنْ قتله أو القتل فيه. ففزعوا بالكوفة غلى خمسة نفر من رؤوس الشيعة :

سليمان بن صرد الخزاعي.

والمسيب بن نجيّة الفزاري.

وعبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي.

وعبد الله بن وائل التميمي.

رفاعة بن شداد البجلي

فاجتمعوا وبدأ المسيب بن نجيّة الكلام فقال : «... وقد كنّا مُغرمين بتزكية أنفسنا ، وتقريظ شيعتنا حتّى بلا الله خيارنا فوجدنا كاذبين في موطنين من مواطن ابن بنت نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد بلغتنا كتبه ، وقدمت علينا رسله ، وأعذر إلينا يسألنا نصره ، عوداً وبدءاً ، وعلانية وسرّاً ، فبخلنا عنه بأنفسنا حتّى قُتل إلى جانباً ؛لا نحن نصرناه بأيدينا ، ولا جادلنا عنه بألسنتنا ، ولا قوّيناه بأموالنا ، ولا طلبنا له النصرة إلى عشائرنا ، فما عذرنا عند ربّنا وعند لقاء نبيّنا؟ لا والله لا عذر دون أن تقتلوا قاتليه والموالين عليه ، أو تُقتلوا في طلب ذلك ؛ فعسى ربّنا أن يرضى عنّا عند ذلك».

وتكلّم سليمان بن صرد الخزاعي ـ وقد جعلوه زعيماً لهم ـ فقال :

«إنّا كنّا نمدّ أعناقنا إلى قدوم آل نبيّنا ونُمنّيهم النصر ونحثهم على القدوم ، فلمّا قدموا ونينا وعجزنا وأدهنّا وتربصنا وانتظرنا ما يكون ، حتّى قُتل فينا ولد نبيّنا وسلالته وبضعة من لحمه ودمه. ألا انهضوا قد سخط ربّكم ، ولا ترجعوا إلى الحلائل والأبناء حتّى يرضى الله ، وما أظنّه راضياً حتّى تُناجزوا مَنْ قتله أو تُبيروا ، ألا لا تهابوا الموت ؛ فوالله ما هابه امرؤ قطّ إلاّ ذلّ. كونوا كالأوّل من بني إسرائيل إذ قال لهم نبيّهم : (إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ)».

وكتب سليمان بن صرد إلى سعد بن حذيفة بن اليمان ومَنْ معه من الشيعة بالمدائن يأمرهم فأجابوه إلى دعوته ، وكتب إلى المثنى بن مخرمة العبدي في البصرة وللشيعة هناك فأجابوه إلى ذلك.

وكان أوّل ما ابتدؤوا به أمرهم بعد قتل الحسين عليه‌السلام سنة إحدى وستين ، فما زالوا بجمع آلة الحرب ودعاء الناس في السرّ إلى الطلب بدم الحسين عليه‌السلام ، فكان يجيبهم القوم بعد القوم ، والنفر بعد النفر من الشيعة وغيرها ، فلم يزالوا كذلك [حتّى] مات يزيد ، فخرجت طائفة دعاة يدعون الناس فاستجاب لهم ناس كثير بعد هلاك يزيد أضعاف مَنْ كان استجاب لهم قبل ذلك. وخرجوا يشترون السلاح ظاهرين ، ويجاهرون بجهازهم وما يصلحهم.

حتّى إذا كانت ليلة الجمعة لخمس مضين من شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين خرجوا وتوجّهوا إلى قبر الحسين عليه ‌السلام ، فلمّا وصلوا إليه صاحوا صيحة واحدة فما رُئي يوم أكثر باكياً منه ، وقالوا : «يا ربّ ، إنّا قد خذلنا ابن بنت نبيّنا فاغفر لنا ما مضى وتب علينا إنّك أنت التواب الرحيم ، وارحم حسيناً وأصحابه الشهداء الصدّيقين ، وإنّا نُشهدك يا ربّ إنّا على مثل ما قُتلوا عليه ، فإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين».

وغادروا القبر مُستقتلين ، فقاتلوا جيوش الاُمويِّين حتّى اُبيدوا جميعاً (١).

ولقد اعتبر التوابون أنّ المسؤول الأول والأهم عن قتل الحسين عليه ‌السلام هو النظام وليس الأشخاص ولذا توجّهوا إلى الشام ولم يلقوا بالاً إلى مَنْ في الكوفة من قتلة الحسين عليه‌السلام.

ونلاحظ هنا أنّ هذه الثورة قد انبعثت عن شعور بالإثم والندم وعن رغبة في التكفير ،

فلم تكن لهذه الثورة أهداف اجتماعية واضحة ومُحدّدة ، لقد كان الهدف الواضح منها هو الانتقام والتكفير.

وكون هذه الثورة انتقامية انتحارية استشهادية لا هدف للقائمين بها إلاّ الانتقام والموت في سبيله يُفسّر لنا قلّة عدد المُستجيبين لها إلى النهاية ؛ فقد أحصى ديوان سليمان بن صرد ستة عشر ألف رجل لم يخرج معه منهم أربعة آلاف ، ولم يستجب للدعوة من المدائن إلاّ مئة وسبعون رجلاً ، ومن البصرة إلاّ ثلاثمئة رجل ، فالعمل الانتحاري الاستشهادي لا يستهوي إلاّ أفراداً على مستوى عالٍ من التضحية [والتشبّع] بالمبدأ ، وهؤلاء قلّة في كلّ زمان.

ولكنّ هذه الثورة وإن كانت ثورة انتحارية استشهادية ولم تكن لها أهداف اجتماعية واضحة ، إلاّ إنّها أثّرت في مجتمع الكوفة تأثيراً عميقاً ؛ ولذلك فلم يكد يبلغهم خبر هلاك يزيد حتّى ثاروا على العامل الاُموي عمرو بن حريث فأخرجوه من قصر الإمارة.

ب ـ ثورة المدينة

وكانت ثورة المدينة ردّ فعل آخر لمقتل الحسين عليه‌السلام.

إلاّ إنّها ثورة تختلف عن ثورة التوابين في الدوافع والأهداف. لقد كانت الدوافع إلى هذه الثورة شيئاً غير الانتقام ، كانت ثورة تستهدف تقويض سلطان الاُمويِّين الظالم الجائر البعيد عن الدين.

والذي أجّج شُعلة الثورة أسباب منها مقتل الحسين عليه‌السلام ولعلّه كان أهمّها ؛

فإنّ زينب بنت علي عليها ‌السلام دأبت بعد وصولها إلى المدينة على العمل للثورة ، وعلى تعبئة النفوس لها ، وتأليب الناس على حكم يزيد ، حتّى  كتب والي يزيد على المدينة إلى يزيد عن نشاطها كتاباً قال فيه : إنّ وجودها بين أهل المدينة مُهيّج للخواطر  وإنّها فصيحة عاقلة لبيبة ، وقد عزمت هي ومَنْ معها على القيام للأخذ بثأر الحسين. فأتاه كتاب يزيد بأن يُفرّق بينها وبين الناس.

وقد كان السبب المباشر لاشتعال الثورة هو وفد أهل المدينة إلى يزيد ؛ فقد أوفد عثمان بن محمد بن أبي سفيان والي المدينة إلى يزيد وفداً من أهلها فيهم عبد الله بن حنظلة الأنصاري غسيل الملائكة ، فلمّا قدموا المدينةَ قاموا واظهروا شتم يزيد وعيبه ، وقالوا : قدمنا من عند رجل ليس له دين ؛ يشرب الخمر ، ويضرب بالطنابير ، ويعزف عنده القيان ، ويلعب بالكلاب ، ويسعر عنده الحراب ـ وهم اللصوص ـ وإنّا نشهدكم أنّا قد خلعناه. وقام عبد الله بن حنظلة الغسيل ، فقال : جئتكم من عند رجل لو لم أجد إلاّ بنيّ هؤلاء لجاهدته بهم ، وقد أعطاني وأكرمني وما قبلت عطاءه إلاّ لأتقوى به.

فخلعه الناس وبايعوا عبد الله بن حنظلة الغسيل على خلع يزيد وولّوه عليهم.

وعابه بمثل ما عابه به أصحابه وأشدّ.

وثارت المدينة على الحكم الاُموي ، وطرد الثائرون عامل يزيد والاُمويِّين  فقُمعت الثورة بجيش من الشام بوحشيّة متناهية ، ودعا القائد الاُموي مسلم بن عقبة المُرّي لبيعة يزيد بن معاوية كما نقل الطبري وغيره : دعا الناس للبيعة على أنّهم خول ليزيد بن معاوية ، يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء ..

وهلك يزيد ، وقد باشر جيشه بقمع ثورة ابن الزّبير في مكة بعد أن فرغ من قمع ثورة المدينة ، وكان ابن الزّبير قد أعلن الخلافة بعد ما بلغه مقتل الحسين عليه‌ السلام ، وكانت أطماعه الشخصيّة في الحكم هي بواعثه على الثورة ، وكان يرى في الحسين عليه‌السلام منافساً خطيراً ، حتّى إذا كانت سنة خمس وستين بُويع له في الحجاز والعراق ، والشام والجزيرة (٢).

وما نشكّ في أنّ استجابة الناس للثورة التي دعا لها ابن الزّبير كان مبعثها هذه الروح الجديدة التي بثّتها ثورة الحسين عليه‌السلام الدامية في نفوس الجماهير .

 

ج ـ ثورة المختار الثقفي

ودخلت سنة ست وستين للهجرة ، فثار المختار بن أبي عبيدة الثقفي بالعراق طالباً ثأر الحسين عليه‌السلام.

والسرّ في استجابة جماهير العراق لابن الزّبير أوّل الأمر ثمّ انقلابها عليه واستجابتها لدعوة المُختار ، أنّ مجتمع العراق كان يطلب إصلاحاً اجتماعياً ، وكان يطلب الثأر من الاُمويِّين وأعوانهم ؛ ولكنّ سلطان ابن الزّبير لم يكن خيراً من سلطان الاُمويِّين ؛ حتى انّ شمر بن ذي الجوشن ، وشبت بن ربعي ، وعمر بن سعد ، وعمرو بن الحجّاج ، وغيرهم كانوا سادة المجتمع في ظلّ سلطان ابن الزّبير ، كما كانوا سادته في ظلّ سلطان يزيد.

كما إنّه لم يُحقّق لهم العدل الاجتماعي الذي يطلبونه .

كان هذا أو ذاك سبباً في انخذال الناس عن ابن الزّبير وتأييدهم لثورة المختار عليه ، ولقد ربط المختار دعوته بمحمد بن الحنفيّة بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، وجعل شعاره «يا لثارات الحسين» وهذا يُحقّق لهم الهدف الثاني.

فتتبع قتلة الحسين عليه‌السلام وآله في كربلاء وقتلهم ؛ فقتل منهم في يوم واحد مئتين وثمانين رجلاً ، ثمّ تتبعهم فقتل كثيراً منهم ، ولم يفلت من زعمائهم أحد ؛ فقتل شمر بن ذي الجوشن ، وعمر بن سعد ، وعمرو بن الحجّاج ، وشبث بن ربعي ، وغيرهم .

د ـ ثورة مطرف بن المغيرة

وفي سنة ٧٧ للهجرة ثار مطرف بن المغيرة بن شعبة على الحجّاج بن يوسف وخلع عبد الملك بن مروان.

كان هذا الرجل والياً للحجّاج على المدائن ثار بمَنْ أجابه ، وكلّم رؤوس أصحابه ، فقال

«أمّا بعد .... وإنّي اُشهد الله أنّي خلعت عبد الملك بن مروان والحجّاج بن يوسف ، فمَنْ أحبّ منكم صحبتي وكان على مثل رأيي فليبايعني ؛ فإنّ له الأسوة وحُسن الصحبة ، ومَنْ أبى فليذهب حيث شاء ؛ فإنّي لست أحبّ أن يتبعني مَنْ ليس له نيّة في جهاد أهل الفجور. أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه وإلى قتال الظلمة...

ه ـ ثورة ابن الأشعث

وفي سنة ٨١ للهجرة ثار عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث على الحجّاج وخلع عبد الملك بن مروان.

وقد استمرت هذه الثورة من سنة ٨١ هـ إلى سنة ٨٣ هـ ، وأحرزت انتصارات عسكرية  ثمّ قضى عليها الحجّاج بجيوش سورية

وهي ثورة قام بها العرب العراقيون الذين ساءت حالتهم الاقتصادية إلى حدّ مروّع ، والذين استُخدموا في الفتوح دون أن يحصلوا على غنائمها ، والذين كان عليهم أن يُحاربوا مقابل جرايات ضئيلة لا تكفي ، بينما يفوز بالمغانم والأعطيات الكثيرة الجنود السوريون الذين تركهم الحجّاج في العراق ؛ ليستعين بهم على قمع الثورات التي يقوم بها العراقيون .

و ـ ثورة زيد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام

ثار في سنة ١٢٢ هـ. في الكوفة وخُنقت الثورة في مهدها بسبب الجيش الاُموي الذي كان مُرابطاً في العراق. وكانت شعارات الثائرين مع زيد «يا أهل كوفة ، اخرجوا من الذل إلي العز ، وإلي الدين والدنيا»

وقد بويع زيد على الثورة في الكوفة والبصرة ، وواسط والموصل ، وخراسان والرّي وجرجان. ولقد كان حريّاً بثورته أن تنجح لولا اختلال التوقيت ؛ فقد حدث ما دفع زيداً إلى إعلان الثورة قبل الموعد الذي بينه وبين أهل الأمصار .

وقد تكوّن بفضل هذه الثورة جهاز ثوري دائم على استعداد للمساهمة في كلّ عمل ثوري ضدّ السلطة ، وهو طائفة الزيدية الذين يرون أنّ الإمام المُفترض الطاعة هو كلّ قائم بالسيف ذوداً عن الدين ضدّ الظالمين.

وهذا يبرز بوضوح عظيم تأثير ثورة الحسين عليه‌السلام في تغذية الرّوح الثورية ومدّها بالعطاء ، فما ثورة زيد إلاّ قبس من ثورة جدّه في كربلاء.

ز ـ ثورة أبي السرايا

هذه نماذج للرّوح الثورية التي بثّتها ثورة الحسين عليه ‌السلام في الشعب المسلم ، فقضت بذلك على روح التواكل والخنوع والتسليم للحاكمين ، وجعلت من الشعب المسلم قوّة معبّأة وعلى أهبة الانفجار دائماً.

ولقد استمرت طيلة الحكم الاُموي ضدّ هذا الحكم حتّى قضت عليه بثورة العباسيّين ، هذه الثورة التي لم تكن لتنجح لو لم تعتمد على إيحاءات ثورة كربلاء ، وعلى منزلة الثائرين في كربلاء في نفوس المسلمين.

ولم تُبدّل هذه الثورة كثيراً من واقع الشعب المسلم ، بل لعلّنا لا نعدوا الحقّ إذا قلنا أنّها لم تُبدل شيئاً سوى وجوه الحاكمين. ولكن هذا لم يخمد الرّغبة في الثورة بقدر ما كان حافزاً عليها ، فاستمرت الثورات على حالتها ومضى العباسيّون وجاءت دول بعدهم ، ولم تخمد الثورات بل بقيت ناشبة أبداً ، يقوم بها الإنسان المسلم دائماً ، فيُعبّر بها عن إنسانيته التي خنقها الحاكمون وزيّفوها.

ونضرب مثلاً بثورة أبي السرايا مع محمد بن إبراهيم بن طباطبا العلوي الحسني على المأمون. كان محمد بن إبراهيم هذا يمشي في بعض طريق الكوفة إذ نظر إلى عجوز تتبع أحمال الرطب فتلقط ما يسقط منها فتجمعه في كساء عليها رثّ ، فسألها عمّا تصنع بذلك ، فقالت : إنّي امرأة لا رجل لي يقوم بمُؤنتي ، ولي بنات لا يعدنَ على أنفسهنَّ بشيء ، فأنا أتتبع هذا من الطريق وأتقوّته أنا وولدي. فبكى بكاءً شديداً ، وقال : «أنتِ وأشباهك تُخرجوني غداً حتّى يُسفك دمي. ونفذت بصيرته في الخروج»

فلمّا أعلن أمره خطب الناس ودعاهم إلى البيعة ، وإلى الرضا من آل محمد ، والدعاء إلى كتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه ‌وآله ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والسيرة بحكم الكتاب ، فبايعه جميع الناس حتّى تكابسوا وازدحموا عليه .

ومات إبراهيم بن محمد بعد نشوب الثورة بقليل فلم تخمد ، وإنّما قام عليها من بعده علي بن عبيد الله العلوي .وشملت الثورة العراق والشام ، والجزيرة واليمن. .

والثائرون يذكرون الله ويقرؤون القرآن ، وقائدهم يقول لهم : اذكروا الله وتوبوا إليه ، واستغفروه واستعينوه. صحّحوا نيّاتكم وأخلصوا الله ضمائركم ، واستنصروه على عدوّكم  وابرؤوا إليه من حولكم وقوّتكم »

وقد يقول قائل لقد كانت الثورات تنشب دائماً ، ولكنّها تخفق دائماً ولا تسوق إلى الشعب إلاّ مزيداً من الضحايا ومزيداً من الفقر والإرهاب.

ونقول : نعم ، إنّها لم تطوّر واقع هذا الشعب تطويراً آنيّاً ، ولم تقدّم في الغالب أيّة نتائج ملموسة ، ولكنّها حفظت للشعب إيمانه بنفسه وبشخصيته وبحقّه في الحياة والسيادة وهذا نصر عظيم.

إنّ أخطر ما يُبتلى به شعب هو أن يُقضى على روح النضال فيه ، إنّه حينئذ يفقد شخصيته ويذوب في خضمّ الفاتحين كما قدّر لشعوب كثيرة أن تضمحلّ وتذوب وتفقد كيانها ؛ لأنّها فقدت روح النضال ، ولأنّها استسلمت وفقدت شخصيتها ومقوّمات وجودها المعنوي فأذابها الفاتحون.. ولو أنّها بقيت مؤمنة بشخصيتها وثقافاتها ومقوّماتها ، ولو احتفظت بروح النضال حيّة في أعماقها لما استطاع الغزاة إبادتها ، ولشقّت لنفسها طريقاً جديداً في التأريخ. وهذا ما حقّقته ثورة الحسين عليه ‌السلام.

لقد أجّجت ثورة الحسين عليه‌السلام تلك الرّوح التي حاول الاُمويّون إخمادها ،

وبقيت مستترة تعبّر عن نفسها دائماً في انفجارات ثورية عاصفة ضدّ الحاكمين مرّة هنا ومرّة هناك. وكانت الثورات تفشل دائماً ولكنّها لم تخمد أبداً ؛ لأنّ الرّوح النضالية كانت باقية تدفع الشعب المسلم إلى الثورة دائماً.

حتى جاء العصر الحديث وتعدّدت وسائل إخضاع الشعوب ، وحُكم الشعب المسلم بطغمة لا تستوحي مصالحه ، وإنّما تخدم مصالح آخرين ، ومع ذلك لم يهدأ الشعب ولم يستكن ، ولم تفلح في إخضاعه وسائل القمع الحديثة.

هذا صنيع ثورة الحسين عليه‌السلام. لقد كانت هذه الثورة رأس الحرية في التطوّر. إنّ الأفكار والمشاعر والرّوح التي خلقتها هذه الثورة ، والتي نمّتها وأثرتها الثورات التي جاءت بعدها ، والتي هي امتداد لها ، هي التي صنعت تاريخ الكفاح الدامي من أجل التحرر لهذه البقعة من العالم.

ولا ندري تماماً ماذا كان سيحدث لو لم يقم الحسين عليه‌السلام بثورته هذه.

لقد كان يحدث أن يستمر الحكم الاُموي دائماً نفسه بالدجل الديني ، وبفلسفة التواكل والخنوع والتسليم. وكان يحدث أن تستحكم هذه الفلسفة وهذا الجدل الديني في الشعب فيطأطئ دائماً لحاكميه ، ويستكين الحاكمون لموقف الشعب منه فيلهون ، ويضعفون عن القيام بأعباء الحكم وصيانة الدولة ، ويغرقون في اللهو والترف. وعاقبة ذلك هي الانحلال ، انحلال الحاكمين والمحكومين ، وكان يحدث أن يكتسح البلاد الفاتحون ، فلا يجدون مقاومة ولا نضالاً بل يجدون انحلالاً من الحاكمين والمحكومين ، ثم يجرف التاريخ اُولئك وهؤلاء.

ولكن ما حدث غير ذلك ؛ لقد انحلّ الحاكمون حقّاً ، ولقد اكتسحت الدولة حقّاً ، ولكنّ المحكومين لم ينحلّوا بل ظلّوا صامدين.

وكان ذلك بفضل الرّوح التي بثّتها ثورة الثائرين في كربلاء.

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=952
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 08 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19