• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : مفاهيم .
                    • الموضوع : التقاليد بين الحرية الشخصية والإلزام الديني .
                          • رقم العدد : العدد السادس والثلاثون .

التقاليد بين الحرية الشخصية والإلزام الديني

التقاليد بين الحرية الشخصية والإلزام الديني

الشيخ علي أمين شحيمي

الإسلام دين البشرية جمعاء إلى يوم القيامة وكذلك أحكامه وهذا يستدعي إلزامية مراعاة أحكامه وإرشاداته لمصلحة الجنس البشري في أرجاء المعمرة، وفي كل زمان ومكان وانطلاقاً من هذا المبدأ نجد روايات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام قد تطرقت إلى جميع نواحي الحياة بدء من الحياة الشخصية إلى الحياة الاجتماعية العامة والعلاقة مع الله تعالى وبالتالي لم يتركوا صغيرة أو كبيرة إلا وأشاروا إليها وبينوا حكمها.

المتأمل بحديث أهل العصمة يجد الروايات الاجتماعية من الكثرة بمكان وهي قطعاً تتقاطع مع الجنبة الشخصية للإنسان التي غايتها أن تصنع من الإنسان شخص رسالي مميز حتى من خلال شكله ولباسه.

وتنهاه عن الأعمال والتصرفات التي تنتقص من مرؤة الإنسان واحترامه فنلاحظ قسما من الروايات تتحدث عن العقل وطرق معرفة العاقل ومستوى عقله ووضحت ذلك بالنظر إلى شكله الخارجي وأن هذا الجسد والشكل إنما هو مرآة لهذا الداخل بما يحتويه من عقل ورشد ونظرتهم إليه وبالتالي احترامهم له أو عدم احترامهم وكل هذا يستشف ويفهم من شكل الإنسان الخارجي حسن جسده وثيابه وطريقة تسريحه شعره إلخ...

روي عن الإمام الصادق عليه السلام "يعتبر عقل الرجل في ثلاث في طول لحيته، وفي نقش خاتمه وفي كنيته"([1]) فلاحظ معي مضمون هذا الحديث أن طول اللحية من الأمور التي يستدل به على رجاحة عقل الإنسان لأن الله تعالى ميز الرجل بلحيته وجعلها من مظاهر الجمال والهيبة والوقار فإذا زادت عن الحد المعقولة تجد أغلب الناس تشمئز من صاحبها بل وتعامله بطريقة استهزائية وهذا ما نجده بوضوح في مجتمعنا الآن بل ونجد أن المجتمع يصف هؤلاء الأشخاص بصفات محددة تدل على نقصان العقل والسخافة.

ورد في بعض الأحاديث أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد انزعج من رؤية أحدهم وقد أهمل لحيته، تقول الرواية أنه صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى رجل طويل اللحية، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ما ضر هذا لو هيأ من لحيته؟ فبلغ الرجل ذلك، فهيأ لحيته بين اللحيتين ثم دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما رآه قال صلى الله عليه وآله وسلم: هكذا فافعلوا

مكارم الأخلاق الشيخ الطبرسي، ص‏67.

قال ابن الجوزي: من العلامات التي لا تخطئ طول اللحية فإن صاحبها لا يخلو من الحمق، وقال بعض الشعراء

إذا عرضت للفتى لحية            وطالت فصارت إلى سرته

فنقصان عقل الفتى عندنا          بمقدار ما زاد من لحيته([2])

كما نعلم صفات أي شخص في الأمم من خلال كنيته فعندما تسمع شخص ينادي بأبي الجماجم فقطعاً الصورة التي تنطبع عنه إن لم نقل أنه قاتل نجزم بأنه من الناس غير السويين.

في الماضي كان يعتبر الخاتم من الأدوات الهامة جداً لأنه كان عنوان التزام الإنسان بأي اتفاق أو عقد وغيرها لأن الخاتم كان يقوم مقام التوقيع الشخصي في هذا الزمن فالعبارة التي كانت تنقش على الخاتم تدل بوضوح على عقل صاحبه ووعيه وطريقة تفكيره وحيث أن نقش الخاتم ليس يسيراً ولا يتم تغييره وتبديله في أي وقت لذا كان الناس يعتنون جيداً بانتقاء العبارة التي تنقش لأنها ستكون الرسالة التي بوجهها للأخريين يوضح من خلالها طريقه وأسلوب تفكيره.

لباس الشهرة

وهو اللباس الذي يجعل الإنسان عرضة لكلام الناس والاستهزاء به روي أن عباد بن بكر البصري دخل ، على الإمام الصادق عليه السلام وعليه ثياب شهرة غلاظ، فقال عليه السلام: "يا عباد ما هذه الثياب؟ فقال: يا أبا عبد الله تعيب علي هذا؟ قال عليه السلام: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من لبس ثياب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثياب الذل يوم القيامة"

في زمننا هذا تعتبر الثياب من العناوين الهامة والبارزة في المجتمع ولها حيز مهم من التجارة والأعلام بل حتى دخلت في ثقافة الشعوب والأمم وأصبحت ترمز وتدل على مفاهيم كثيرة فمن خلال الثياب نحكم بأن هذه المرأة وهذا الشخص محترم وتلك محتشمة والآخر مستهتر ومن خلال الثياب نعلم بأن هذا من أصحاب السوابق فنجتنبه وأن ثياب هذا الإنسان تدل على أنه منحرف وغير ذلك الكثير وهذا ما نجده في المجتمعات المختلفة يحكمون على الناس من خلال ملابسهم فإذا جسد الإنسان وملابسه رسالة واضحة وجلية إلى الآخرين تعلمهم بفعله بوعيه بانتمائه الفكري الثقافي حتى طريقه التعامل معه نستكشفها من مظهره الخارجي فإذا ابتعد الناس عنه أو لم يقبل أحد أن يوظفه في عمل ما فلا يلوم الآخرين بل اللوم يقع على نفسه لأنه هو السبب في ذلك لأن رسالته إلى الآخرين واضحة جداً

البعض قد يعتبر أن هذه الملابس وتطويل اللحية من التزين والتجمل والإسلام لا يعارض مثل هذه الأمور صحيح أن الإسلام قد حث على التزين والتجمل بل حتى جعله الإيمان قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: النظافة من الإيمان،

 ولكن بالمقابل حرم كل ضرر وأذى على الإنسان بل حتى ما يجلبه المرء نفسه من ضرر فهو حرام  وهل هناك من ضرر أكبر من الاستخفاف بالإنسان ونبذه وقد رسم أسوء وأقبح الصور عنه فهذه الأمور لم تعد زينة بل أصبحت للإنسان بقوله تعالى: ولقد كرمنا بني آدم.

ومن الدلالات التي تدل عليها الملابس واللحية هو الأمراض النفسية وأنه يعاني من الفراغ والخوف من المستقبل والشعور بالعجز عن القيام بالكثير من الأمور نجد أغلب العاطلين عن العمل يتصفون بهذه الصفات من الملابس واللحية) وعدم الثقة بالنفس هو من يدفعه إلى تقليد الثقافة الغربية عبر رموزها من مطربين وراقصين ولاعبي رياضات معينة فيلجأ إلى تقليدهم كي يشعر نفسه أنه شيء مهم في المجتمع وهو المسكين لا يعلم بأنه ينبذ نفسه ويحقرها.

كل ذلك بسبب البعد عن الإسلام وقيمه والتخلي عن الأخلاق ونبذها واتخاذ النماذج السيئة من مدمني المخدرات والمنحرفين والمعتدين على الآخرين والمتهتكين وأصحاب الصفات السيئة قدوة وأسوة لهم وابتعدوا عن قيم الإسلام وشخصياته العظيمة.

لذا يجب على رب كل عائلة أن يحاول زرع قيم وأخلاق الإسلام في نفسه ونفس عائلته حتى نعود مجتمعاً يستحق أن يصدق أنه خليفة الله في الأرض.

 

[1] الصحيح من سيرة الإمام علي عليه السلام ج 1 ص200

[2] أخبار الحمقى والمغفلين


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=970
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 02 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29