• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : مفاهيم .
                    • الموضوع : الاصلاح في عهد أمير المؤمنين (ع) .
                          • رقم العدد : العدد السادس عشر .

الاصلاح في عهد أمير المؤمنين (ع)

 

 


الاصلاح في عهد أمير المؤمنين (ع)


الشيخ يوسف علي سبيتي

ورث أمير المؤمنين (ع) خلافة دامت أكثر من عشرين عاماً، انتهت بمقتل الخليفة الثالث عثمان، بعد أن نقم عليه بعض المسلمين وبعض الصحابة، بسبب أعمال قام بها في فترة خلافته، قال الطبري «اجتمع ناس من المسلمين فتذاكروا أعمال عثمان وما صنع، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا إليه رجلاً يكلمه ويخبره بأحداثه» ، وقال في موضع آخر «كتب أصحاب رسول الله (ص) بعضهم إلى بعضٍ أن أقدموا، فإن كنتم تريدون الجهاد، فعندنا الجهاد، وكثر الناس على عثمان ونالوا منه أقبح ما نيل من أحدٍ، وأصحاب رسول الله (ص) يرون ويسمعون ليس فيهم أحد ينهى ولا يذبّ» .
لست بصدد بيان الأسباب التفصيلية التي أدت إلى الثورة على عثمان وقتله، بل أريد بيان الحالة التي وصل إليها المسلمون، على المستويين الاجتماعي والسياسي، بسبب أعمال عثمان ونقمة الصحابة والمسلمين عليه، وأن المرحلة التي استلم فيها أمير المؤمنين (ع) الخلافة، لم تكن بالمرحلة السهلة، بل هي مرحلة تتطلب منه (ع) العمل على اصلاح النتوءات التي ظهرت على جسد الأمة السياسي، حيث دب الخلاف بين المسلمين، وخاصة بعد مقتل عثمان، الذي كان سبباً لرفض البعض البيعة لأمير المؤمنين (ع)، أقصد معاوية بن أبي سفيان الذي كان والياً على الشام طيلة فترة خلافة عمر وعثمان، فاتخذ القتل ذريعة لرفض خلافة أمير المؤمنين (ع)، فلم تكن الطريق ممهدة له (ع) للخلافة والحكم والعمل.
وإنما اقتصرت على ذكر ما حصل في خلافة عثمان، وما ورثه الأمير (ع) من إرث ثقيل، كون هذه المرحلة هي الأوضح تاريخياً، والتي ذكرها كل المؤرخين، وأن الخلاف الحقيقي بين المسلمين، والفساد الإداري والمالي، كل ذلك حصل بشكل واضح في تلك المرحلة.

ارث ثقيل:
هذا الارث الثقيل الذي وصل مع استلام الأمير للخلافة، أشار إليه (ع)، لما أراده الناس للخلافة بعد مقتل عثمان، واصفاً إياه بقوله «دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول، وأن الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغِ إلى قول القائل وعتب العاتب، وأن تركتموني فأنا كأحدكم أو لعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، أنا لكم وزيراً، خير لكم مني أميراً» .
أنه استشراف للمستقبل، وما يمكن أن يكون عليه حال المسلمين، وما توقعه هو نظر الثاقب العارف بأحوال زمانه وأهله، وليس من الضروري أن يكون علم غيب، بل قراءة للظروف المحيطة، والتي عاشها المسلمون طوال مرحلة الخلافة السابقة، وأن المستقبل هو نتيجة طبيعية لهذا الماضي وهو أيضاً قَبِل بالخلافة بشروطه هو:
1 – ما داموا قد قبلوا به خليفة، فعليهم السمع والطاعة، وليس هناك ما يلزمه بالإنقياد إلى اعتراضاتهم وعتابهم.
2 – وإلا فهو واحد منهم يسمع لمن يولوه ويطيعه، من دون أن يعترض أيضاً هو على هذا الخليفة أو ذاك.
هذا الارث الثقيل، يحتاج إلى اصلاح، وهذا الأمر يحتاج إلى قلوب مطمئنة وعقول منفتحة.

الهدف من الخلافة هو الاصلاح:
قال أمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة «اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر الاصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك» .
فالاصلاح هو الهدف الذي دفع الأمير (ع) إلى خوض تلك الحروب التي خاضها، اصلاح ما فسد من أمور المسلمين، والاصلاح له نتيجتان:
1 – أن يشعر المظلومون والناس أجمعون بالأمن والأمان، الاجتماعيين والسياسيين، فلا يشعر الفرد المسلم أنه مجرد رقم في معادلة اقتصادية، بل له حقوق وعليه واجبات، فإن أدى واجباته يُعطى حقوقه، ولا يشعر أن حقوقه تُأكل من طبقة مترفة لا تعير اهتماماً للفقراء والمساكين.
2 – هناك مجرمون، يقترفون الجرائم، وهناك عقوبات يجب أن ينالوها، فلا يجوز بحال أن تكون العقوبات لمن ليس له سند ولا ظهير فقط، ويُغض النظر عن غيره ممن له نسب شريف أو حسب رفيع.

الاصلاح الإداري:
قال اليعقوبي في تاريخه «وعزل علي (ع) عمال عثمان عن البلدان»  وقد كان عمال عثمان على البلدان، معاوية بن أبي سفيان على الشام، وعلى مكة عبد الله بن الحضرمي، وعلى البصرة عبد الله بن عامر بن كريز، وعلى الكوفة سعيد بن العاص، وعلى مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح» .
وكان أمير المؤمنين (ع) قد أرسل عماله إلى هذه البلدان، بعد توليه الخلافة، وبيعة الناس له، وبعد أن استتب له الأمر، فبعث عثمان بن حنيف إلى البصرة، وعمارة بن حسان بن شهاب إلى الكوفة، وقيس بن سعد بن عبادة إلى مصر، وسهل بن حنيف إلى الشام .

عقبات أمام هذا الاصلاح:
كما في كل حركة اصلاح، هناك متضررون، يخسرون مواقعهم التي شغلوها نتيجة ظروف استثنائية، وإذا حصل الاصلاح يعودون إلى مواقعهم الحقيقية، وأحجامهم الطبيعية.
لاقى الاصلاح الإداري الذي أراده الأمير (ع) عقبات أثرت على خط سيره التصاعدي، وعرقلت مسيرته، فإن عمارة بن حسان، عندما خرج إلى الكوفة لاستلام مهامه في الامارة، اعترضه طليحة بن خويلد، الذي قاد حركة احتجاج على مقتل عثمان، وقال له: «إن القوم لا يريدون بأميرهم بدلاً» ، وفي رواية اليعقوبي أن عامل الكوفة حينها كان أبو موسى الأشعري ، وفي مصر افترق أهلها فرقاً، فرقة دخلت في الجماعة وبايعت، وفرقة أمسكت واعتزلت، وفرقة قالت: إن قِيْدَ من قتل عثمان فنحن معه وإلا فلا . أما سهل بن حنيف فلقيته خيل في تبوك... قالوا: إن كان عثمان بعثك فحيَّ هلا بك، وإن كان بعثك غيره فارجع، قال: أو ما سمعتم بالذي كان «يقصد قتل عثمان واستخلاف الأمير (ع)» قالوا: بلى، فرجع إلى علي...» .
هكذا لم تكتمل عملية الاصلاح الإداري التي أرادها الأمير (ع)، واصطدمت بواقع تراكم فيه الفساد عبر سنوات عديدة، إلا أنه (ع) أصرّ على هذه العملية، وما حرب صفين إلا نتاج هذا الاصرار، فقد أشار عليه البعض أن يقرّ معاوية على عمله بالشام إلا أنه (ع)رفض هذا الاقتراح، وأجاب بقوله: «لا والله لا استعمل معاوية يومين»  وفي رواية أخرى: «لا والله لا أعطيه إلا السيف» .
ابن أبي الحديد، يبين السبب وراء موقف الأمير (ع)الرافض لإبقاء معاوية على ولاية الشام «إن معاوية لم يكن يطلب الحق وإنما كان ذا باطل... فإنه لم يكن من أرباب الدين، وكان مترفاً بذهب مال الفيء في مآربه وفي تمهيد ملكه، ويصانع به عن سلطانه، كانت أحواله كلها مؤذنة بانسلاخه عن العدالة، واصراره على الباطل» .

الاصلاح المالي:
«إلا أن كل قطيعة  أقطعها عثمان، وكل ما أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شيء، والله لو وجدته قد تزوج به النساء، وملك به الاماء لرددته، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل، فالجور عليه أضيق» .
كان عثمان قد أقطع فدك لمروان ، وأقطع عثمان بن أبي العاص الثقفي أرضاً بالبصرة، وكتب بذلك كتاباً إلى والي البصرة عبد الله بن عامر بن كريز ، وأقطع خمسة من أصحاب رسول الله (ص) أراضٍ، وكان اثنان منهما يعطيان أرضهما بالثلث والربع ، واقطع العباس بن ربيعة بن الحارث داراً بالبصرة، وأعطاه مائة ألف درهم  واقطع الحارث بن الحكم، أخا مروان، موضعاً بالمدينة يقال له نهروز، وكان النبي (ص)قد تصدق به على المسلمين ، وأعطى مروان بن الحكم خُمس الغزو الثاني لأفريقيا ، وأعطى عبد الله بن سرح ابن خالته، وأخاه من الرضاعة خُمس الغزو لأفريقيا .
عندما بويع الأمير (ع)بالخلافة، خطب بالمسلمين في اليوم الثاني، الخطبة التي أشرنا إليها سابقاً حدّد فيها الخطوة اللاحقة التي سوف يقوم بها، فاسترجع (ع)إبل الصدقة التي كانت في دار عثمان  واسترجع (ع)أموالاً كان عثمان قد أعطاها لبعض المسلمين ، فاسترجع من الأشعث بن قيس، الذي كان عامل عثمان على أذربايجان، مائة ألف درهم، يقول البعض: أنه أصابها من أمواله، والبعض الآخر أنه أقطعه إياها عثمان. فأحضرها وأخذها منه، وصيرها في بيت مال المسلمين .
هذا المال الذي وقع بين يدي هؤلاء بغير وجه حق، هو من «المال العام» وهو ملك جميع المسلمين، ومن حقهم، وليس لأحد أن يستأثر به عن بقية المسلمين، أليس هو القائل (ع): «فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا، ولا ادّخرت من غنائمها وفراً، ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً، ولا حزت من غنائمها تبراً...» .
وقال لأحد أصحابه جاءه يطلب مالاً، أيام خلافته، فقال له (ع): إن هذا المال ليس لي ولا لك، وإنما هو فيءٌ للمسلمين، وجلب أسيافهم، فإن شركتهم في حربهم، كان لك مثل حظهم، وإلا فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم .
وقال لأخيه عقيل، وقد جاءه يطلب صاعاً من طعام من بيت المال زائداً عن حقه الذي أعطي له سابقاً، وبعد كلام طويل معه يختمه بقوله «والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته، وأن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها» .
وقد وزّع في أيام خلافته، ما في بيت المال من الأموال، على المسلمين، وأعطى لكل فرد ثلاثة دراهم، من دون تمييز بين صحابي من الدرجة الأولى وغيره، وبين السيد والعبيد، وبين الرجل والمرأة والطفل ...
واختتم بقوله (ع)«فأنتم عباد الله، والمال مال الله يُقسَّم بينكم بالسوية، لا فضل فيه لأحد على أحد» .

 


 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=211
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 01 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19