• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : قرانيات .
                    • الموضوع : القرآن تبيان لكل شي‏ء .

القرآن تبيان لكل شي‏ء

  القرآن تبيان لكل شي‏ء

 

و يمكن الاستدلال بوضوح على كون القرآن بيانا لكل شي‏ء من خلال ملاحظة سعة مفهوم «كل شي‏ء»، و لكن بملاحظة أن القرآن كتاب تربية و هداية للإنسان و قد نزل للوصول بالفرد و المجتمع- على كافة الأصعدة المادية و المعنوية- إلى حال التكامل و الرقي، يتّضح لنا أنّ المقصود من كل «شي‏ء» هو كل الأمور اللازمة للوصول إلى طريق التكامل، و القرآن ليس بدائرة معارف كبيرة و حاوية لكل جزئيات العلوم الرياضية و الجغرافية و الكيميائية و الفيزيائية ... إلخ، و إنّما القرآن دعوة حق لبناء الإنسان، و صحيح أنّه وجه دعوته للناس لتحصيل كل ما يحتاجونه من العلوم، و صحيح أيضا أنّه قد كشف الستار عن الكثير من الأجزاء الحساسة في جوانب علمية مختلفة ضمن بحوثه التوحيدية و التربية، و لكن ليس ذلك الكشف هو المراد، و إنّما توجيه الناس نحو التوحيد و التربية الربانية التي توصل الإنسان إلى شاطئ السعادة الحقة من خلال الوصول لرضوانه سبحانه

و يشير القرآن الكريم تارة إلى جزئيات الأمور و المسائل، كما في بيانه لأحكم كتابة العقود التجارية و سندات القرض، حيث ذكر (18) حكما في أطول أية قرآنية و هي الآية (282) من سورة البقرة 

و تارة أخرى يعرض القرآن المسائل الحياتية للإنسان بصورها الكلية، كما في الآية التي ستأتي قريبا، حيث يقول

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى‏ وَ يَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ

و كذلك عموم مفهوم الوفاء بالعهد في الآية (34) من سورة الإسراء: إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا، و عموم مفهوم الوفاء بالعقد في الآية الأولى من سورة المائدة: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و لزوم أداء حق الجهاد كما جاء في الآية (78) من سورة الحج: وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ و كمفهوم إقامة القسط و العدل كما جاء في الآية (45) من سورة الحديد: لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، و عموم مفهوم رعاية النظم في كل الأمور في الآيات (7، 8، 9) من سورة الرحمن: وَ السَّماءَ رَفَعَها وَ وَضَعَ الْمِيزانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَ لا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ و عموم الميزان أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَ لا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ و عموم مفهوم الامتناع عن فعل الفساد في الأرض كما في الآية (85) من سورة الأعراف: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها، بالإضافة إلى الدعوة للتدبر و التفكر و التعقل التي وردت في آيات كثيرة في القرآن الكريم، و أمثال هذه التوجيهات العامة كثيرة في القرآن، لتكون للإنسان نبراسا وهاجا في كافة مجالات الفكر و الحياة و الإنسان .. و كل ذلك يدلل بما لا يقبل التردد أو الشك على أنّ القرآن الكريم «فيه تبيان لكل شي‏ء

بل و حتى فروع هذه الأوامر الكلية لم يهملها الباري سبحانه، و إنّما عيّن لها من يؤخذ منه التفاصيل، كما تبيّن لنا ذلك الآية (7) من سورة الحشر: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا

و الإنسان كلما سبح في بحر القرآن الكريم و توغّل في أعماقه، و استخرج برامجا و توجيهات توصله إلى السعادة، اتّضحت له عظمة هذا الكتاب السماوي و شموله.

ولهذا، فمن استجدى القوانين من ذا و ذاك و ترك القرآن، فهو لم يعرف القرآن، و طلب من الغير ما هو موجود عنده

وإضافة لتشخيص الآية المباركة مسألة أصالة و استقلال تعاليم الإسلام في كل الأمور، فقد حمّلت المسلمين مسؤولية البحث و الدراسة في القرآن الكريم باستمرار ليتوصلوا لاستخراج كل ما يحتاجون.

وقد أكّدت الرّوايات الكثيرة على مسألة شمول القرآن ضمن تطرقها لهذه الآية و ما شابهها من آيات منها:

ما روي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال: «إنّ اللّه تبارك و تعالى أنزل في القرآن تبيان كل شي‏ء حتى و اللّه ما ترك شيئا تحتاج إليه العباد، حتى لا يستطيع عبد يقول: لو كان هذا أنزل في القرآن، إلّا و قد أنزله اللّه فيه» تفسير نور الثقلين، ج 3، ص 74.

 وفي رواية أخرى عن الإمام الباقر عليه السّلام أنّه قال: «إنّ اللّه تبارك و تعالى لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمّة إلّا أنزله في كتابه و بيّنه لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و جعل لكل شي‏ء حدا، و جعل عليه دليلا يدل عليه، و جعل على من تعدى ذلك الحد حدا»     المصدر السابق

و جاء في الرّوايات الشريفة الإشارة الى هذه المسألة أيضا. و هي أنّه مضافا الى ظواهر القرآن و ما يفهمه منها العلماء و سائر الناس، فإنّ باطن القرآن بمثابة البحر الذي لا يدرك غوره، و فيه من المسائل و العلوم ما لا يدركها إلّا النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أوصياؤه بالحق، و من هذه الرّوايات ما

ورد عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال: «ما من أمر يختلف فيه اثنان إلّا و له أصل في كتاب اللّه عزّ و جلّ، و لكن لا تبلغه عقول الرجال»  تفسير نور الثقلين، ج 3، ص 75

إنّ عدم إدراك العامة لهذا القسم من العلوم القرآنية الذي يمكننا تشبيهه ب (عالم اللاشعور) لا يمنع من التحرك في ضوء (عالم الشعور) و على ضوء ظاهرة و الاستفادة منه

 

 المصدر  :  الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏8، ص:  294 _ 293


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=434
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29