• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : قرانيات .
                    • الموضوع : في رحاب فاتحة الكتاب ق1 .
                          • رقم العدد : العدد الخامس والعشرون .

في رحاب فاتحة الكتاب ق1

 في رحاب فاتحة الكتاب  ق1

 الشيخ سمير رحال

عظمة سورة الحمد

اهتمّ القرآن الكريم بهذه السورة المباركة اهتماماً خاصّاً،  وكرّمها حيث جعلها عدْلاً لباقي القرآن وفي مصاف القرآن العظيم ؛ قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (الحجر: 87). وفي الاحاديث النبوية وكلمات العترة الطاهرة عليهم السلام ذكرت باسماء وصفات مثل جامعة الحكمة , وكنز من كنوز العرش والنعمة العظمى والثقيلة والقرآن كله ثقيل ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا... ) وغيرها

 هذه السورة التي تبدأ بتعظيم الله وذكر بعض من صفاته  كرحمته ( الرحمن الرحيم ) وربوبيته ( رب العالمين )تضمنت لباب المعارف الدينية وخطوطها العامة والاصول الاعتقادية الثلاثة وهي معرفة المبدأ والمعاد والرسالة وبينتها بأقل الالفاظ واوضح المعاني .


 مقدمة عن السورة من حيث (الاسم) و (الفضل) و (الشأن) و (النزول)  

 أولا – الاسم

التسمية ظاهرة مشتركة في القرآن الكريم، إذ سميت السور بلحاظ الكلمات البارزة فيها أو الكلمات التي تبتدئ بها أو بلحاظ قصة أو حادثة فيها ذات خصوصية من قبيل السور المباركة (البقرة، العصر، الطارق، الجمعة، الصف...)

وبخصوص سورة الفاتحة قال السيوطي في الإتقان: وقد وقفت لها على نيّف وعشرين اسماً، وذلك يدلّ على شرفها فإنّ كثرة الأسماء دالّة على شرف  المسمى  الإتقان في علوم القرآن، مصدر سابق: ج1 ص187

 وقد أُشير إلى  بعض هذه الأسماء في الكتاب العزيز والروايات الواردة عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وأئمّة أهل البيت عليهم السلام وبعضها مستنبطة من مضامينها والآثار المترتّبة عليها  ومن هذه الاسماء:

 

 

1_   السبع المثاني:

ويمتاز هذا الاسم بأنه ورد ذكره في القرآن الكريم تسمية لها، قال تعالى: * (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) * (الحجر: 87 ). وكلمة المثاني وصف بها كل القرآن ايضا ( كتاباً مثاني ) الزمر 23 ويراد به كما قال الامام علي (ع) ان القرآن (ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض ) النهج خ 133

والمراد من «السبع المثاني» كما جاء في عدد من الروايات المأثورة  وورد التأكيد في روايات الفريقين أنّها أفضل سورة نزلت على قلب الخاتم صلى الله عليه وآله.
- عن عليّ عليه السلام قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إنّ الله تبارك وتعالى قال لي: يا محمّد (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) فأفرد الامتنان عليَّ بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم، وإنّ فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش، وإنّ الله خصَّ محمّداً وشرّفه بها ولم يشرك معه فيها أحداً من أنبيائه   عيون أخبار الرضا، للشيخ   الصدوق،   ح60، ج1 ص270.

 

 عن يونس بن عبد الرحمن عمّن رفعه قال: «سألت الإمام الصادق عليه السلام: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (الحجر: 87) فقال: هي سورة الحمد وهي سبع آيات، منها (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، وإنّما سُمّيت المثاني لأنّها تثنّى في الركعتين   تفسير العيّاشي  ج1 ص99، ح3.

 

 وقال في الإتقان: «   ... وأمّا المثاني، فيحتمل أن يكون مشتقّاً من الثناء لما فيها من الثناء على الله تعالى،  ... ويحتمل أن يكون من التثنية، قيل: لأنّها تثنّى في كلّ ركعة  الإتقان في علوم القرآن، ج1 ص189.


2  _ فاتحة الكتاب:

وقد عبرت روايات كثيرة عن سورة الحمد باسم فاتحة الكتاب ويظهر من الروايات انها كانت معروفة في زمن النبي الاكرم صلى الله عليه وآله باسم فاتحة الكتاب

 وسُمّيت فاتحة الكتاب لأنّها يفتتح بكتابتها المصاحف ويقرأ بها في الصلوات، فهي فواتح لما يتلوها من سور القرآن في الكتابة والقراءة  تفسير الطبري،   ج1 ص74.

او لأن تنزيل القرآن الكريم قد افتتح بها بناء على أن أول سورة كاملة نزلت من القرآن الكريم هي سورة الفاتحة.
وعن النبي صلى الله عليه وآله: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب    عوالي اللآلي  ج1 ص196.
(ويعتقد بعض آخر انها خامس سورة نزلت وذلك بعد سور العلق والقلم والمزمل والمدّثر وقبل سورة المسد).

 3_   أمّ الكتاب وام القرآن

وهذان الاسمان جاءا في روايات كثيرة من الفريقين
وقد وقع الاختلاف في سبب التسمية :

 قال الطبرسي  : «سُمّيت بذلك لأنّها متقدّمة على سائر سور القرآن، والعرب تسمّي كلّ جامع أمر أو متقدّم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه «أمّاً» ... وقيل سمّيت بذلك لأنّها أصل القرآن، والأمّ هي الأصل، وإنّما صارت أصل القرآن لأنّ الله تعالى أودعها مجموع ما في السور، لأنّ فيها إثبات الربوبيّة والعبوديّة وهذا هو المقصود بالقرآن مجمع البيان في تفسير القرآن، الطبرسي، ج1 ص35.

 4_  الحمد: وهو من الأسماء المشهورة لها، وإنّما سُمّيت بذلك لورود الحمد لله تعالى في أوّلها.

والابتداء بالحمد في السورة وإن لم يكن مختصا بهذه السورة المباركة، إلا أنها هي السورة الوحيدة التي ابتدأ فيها (الحمد) حكاية على لسان (العبد).
 يضاف الى ما تقدم من صفات صفات اخرى غير مشهورة كالكافية والوافية والكنز والنور والصلاة والمناجاة و....

ثانيا – النزول

 لقد وقع الخلاف بين المفسرين في أن سورة الفاتحة مكية أم مدنية ؟

الروايات التي وردت بصدد تحديد مكان أو زمان نزول هذه السورة، على قسمين، حيث أشار الاول منها إلى نزولها في مكة، وأشار الآخر إلى نزولها في المدينة  .

ولو قلنا بأن الفاتحة التي هي جزء من الصلاة  تم فرضها فيها منذ بداية تشريعها، فمعنى ذلك أن الفاتحة مكية حيث تم تشريع الصلاة في أوائل البعثة النبوية، ولم يطرأ عليها تغيير إلا في عدد الركعات. على أن هذا الاستنتاج لا يشكل مانعا من افتراض نزولها مرة اخرى بعد الهجرة بناء على المذهب  القائل بإمكان تعدد نزول الآية أو السورة بسبب تعدد الاسباب والظروف التي قد تؤدي إلى نزول الآية لمعالجة السبب أو الظرف، او إكراما وتأكيدا لاهميتها . وبهذا اللحاظ أيضا يمكن الجمع بين الروايات التي تحدثت عن نزولها قبل وبعد الهجرة

وعلى اي حال لا توجد ثمرة تفسيرية تترتب على هذا الاختلاف في كونها مكية او مدنية لانه لا تحتوي على آية يختلف معناها باختلاف النزول .

محتويات سورة الحمد

 تضمّنت المعارف والحقائق الأساسيّة التي جاء القرآن من أجلها، بل جميع الكتب والرسالات السماويّة، كالتوحيد والنبوّة والمعاد وهداية العباد الى ما يصلح به أولاهم وأخراهم،   بأوجز لفظ وأوضح معنى.
- لذا ورد عن الإمام الرضا عليه السلام قوله: «فإن قيل: فلِمَ بدأ بالحمد في كلّ قراءة دون سائر السور؟ قيل: لأنّه ليس شيء في القرآن والكلام جُمع فيه جوامع الخير والحكمة ما جُمع في سورة الحمد  ( عيون أخبار الرضا،   ج2 ص114، باب 34. )

فضل تلاوة سورة الحمد

الروايات الواردة في فضل تلاوة هذه السورة كثيرة   منها:
- عن رسول الله صلى الله عليه وآله: «من قرأ فاتحة الكتاب أعطاه الله عزّ وجلّ بعدد كلّ آية نزلت من السماء ثواب تلاوتها     الخصال، للصدوق،   ج2 ص355.
 

معنى التفضيل بين السور والآيات

اختلف القائلون بالتفضيل 

الأفضليّة في الثواب والأجر: أنّ الله جعل قراءتها كقراءة أضعافها ممّا سواها، وأوجب بها من الثواب ما لم يوجب بغيرها،   فيكون المراد من  (أعظم سورة) أي: في الأجر

 

التفضيل من جهة المحتوى والمضمون الذي اشتملت عليه هذه الآيات والسور. فإنّ تلك الآيات التي تشتمل على معارف التوحيد وبيان أسمائه وصفاته كآية الكرسي (البقرة: 255)، وآية (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ )      (آل عمران: 18)، وآية (قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ) (آل عمران: 26) ونحوها تفوق الآيات التي لا تحتوي مثل هذه الحقائق، لذا تقدّم عن الإمام الرضا عليه السلام: «لأنّه ليس شيء في القرآن والكلام جُمع فيه جوامع الخير والحكمة ما جُمع في سورة الحمد  ( عيون أخبار الرضا،   ج2 ص114، باب 34. )


  قال الرازي في ذيل آية الكرسي: «واعلم أنّ الذكر والعلم يتبعان المذكور والمعلوم. فكلّما كان المذكور والمعلوم أشرف، كان الذِّكر والعلم أشرف، وأشرف المذكورات والمعلومات هو الله سبحانه بل هو متعالٍ عن أن يقال: إنّه أشرف من غيره، لأنّ ذلك يقتضي نوع مجانسة ومشاكلة وهو مقدّس عن مجانسة ما سواه. فلهذا السبب كلّ كلام اشتمل على نعوت جلاله وصفات كبريائه كان ذلك الكلام في نهاية الجلال والشرف، ولمّا كانت هذه الآية كذلك، لا جرم كانت هذه الآية بالغة في الشرف إلى أقصى الغايات وأبلغ النهايات   .  
 التفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي دار الكتب العلمية،   ج7 ص4.

 

 والقرآن الكريم وإن كان جميعه كلام الله سبحانه إلاّ أنّ ذلك لا يتنافى مع أن يكون بعض أجزاء هذا الكلام أشرف وأعلى قدراً من بعضه الآخر؛ لما يشتمل عليه من المعارف والحقائق العالية .

وَالْفَاتِحَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مُجْمَلِ مَا فِي الْقُرْآنِ

فإنَّ مَا نَزَلَ في الْقُرْآنُ   أُمُورٌ

 أَحَدُهَا:  معرفة المبدأ  وتوحيده  وصفاته الذاتية والفعلية  والجمالية والجلالية وافعاله

 ثَانِيهَا : التبشير والانذار  والْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ

 ثَالِثُهَا  : الدعوة الى عبادة الله  وحده

رَابِعُهَا  : بَيَانُ  سَبِيلِ السَّعَادَةِ  والصراط المستقيم  وَكَيْفِيَّةِ السَّيْرِ فِيهِ الْمُوصِّلِ إِلَى نِعَمِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ والسبل الاخرى المبعدة عن الله تعالى ورضوانه وجزيل ثوابه

 خَامِسُهَا :المعاد

سادسها : قَصَصُ الانبياء(ع) للاقتداء وتثبيت الفؤاد ومن سلك سبيلهم من الاولياء والصالحين   وَأَخْبَارُ الَّذِينَ تَعَدَّوْا حُدُودَهُ وَنَبَذُوا أَحْكَامَ دِينِهِ

 وَالْفَاتِحَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى تلك الامور  إِجْمَالًا  

فَأَمَّا التَّوْحِيدُ وإثبات وحدة المعبود   فبقَوْلِهِ تَعَالَى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)   وبقَوْلِهِ تَعَالَى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فَاجْتَثَّ بِذَلِكَ جُذُورَ الشِّرْكِ وَالْوَثَنِيَّةِ   

وَأَمَّا التبشير والانذار  والْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ  ففي قوله  تعالى (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فَذِكْرُ الرَّحْمَةِ  وَعْدٌ بِالْإِحْسَانِ ،  وَقَوْلُهُ تَعَالَى (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) يَتَضَمَّنُ الْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ مَعًا  حيث الْجَزَاءُ ، وَهُوَ إِمَّا ثَوَابٌ للمحسن وَإِمَّا عِقَابٌ لِلْمُسِيءِ  .  

 وكذلك ذكر (الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)  الَّذِي مَنْ سَلَكَهُ فَازَ ، وَمَنْ تَنَكَّبَهُ هَلَكَ  

وَأَمَّا الْعِبَادَةُ  فبِقَوْلِهِ تَعَالَى : (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)  

 واما المعاد الذي هو من أهم المعارف الإلهية و الإعتقاد به بذكره تعالى «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ

اما القَصَصُ فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين    وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)  فَرِيقٌ ضَلَّ عَنْ صِرَاطِ اللهِ ، وَفَرِيقٌ جَاحَدَ  وَعَانَدَ مَنْ يَدْعُو إِلَيْهِ  

فَتَبَيَّنَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا تَقَدَّمَ : أَنَّ الْفَاتِحَةَ قَدِ اشْتَمَلَتْ إِجْمَالًا عَلَى الْأُصُولِ الَّتِي يُفَصِّلُهَا الْقُرْآنُ تَفْصِيلًا

 وفيها الأدب مع الله

السورة تعلّم العبد الأدب مع ربه، فهي مقسّمة إلى نصفين، النصف الأول ثناء على الله والنصف الثاني دعاء اليه.

 فالثناء على الله يتجلى في الآيات: الْحَمْدُ لله رَبّ الْعَـالَمِينَ * الرَّحْمَـانِ الرَّحِيمِ * مَـالِكِ يَوْمِ الدّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.

 وبعد ذلك الدعاء: اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالّينَ

فالسورة تعلّم المرء كيف يتعامل مع الله، فإن أراد الدعاء فيستحّب له أن يثني على الله

بعض الآثار المترتّبة على قراءة سورة الحمد

 

«شفاءٌ من كلّ داء.
 ومن الواضح أنّ جعل القرآن شفاءً للأمراض القلبيّة والروحيّة هو الأصل؛ لذا قال عزّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ) (يونس: 57)، والمراد ممّا في الصدور هو القلب المعنوي

كما قال امير الممؤمنين :  .... فاستشفوه من أدوائكم واستعينوا به على لأوائكم فإن فيه الشفاء من الداء الأكبر الكفر والنفاق والغي والضلال وأنه ما جالس أحد هذا القرآن إلا قام عنه بزيادة أو نقصان زيادة في هدى أو نقصان من عمى... [نهج البلاغة خ 176 ]
والقرآن الكريم يزيل بحججه القاطعة وبراهينه الساطعة أنواع الشكوك والشبهات المعترضة في طريق العقائد الحقّة والمعارف الحقيقيّة، ويدفع بمواعظه الشافية وما فيه من القصص والعِبر والأمثال والوعد والوعيد  والإنذار والبشير والأحكام والشرائع، عاهات الأفئدة وآفاتها، فالقرآن شفاء للمؤمنين.

ففي الفضائل صحّة القلب واستقامته، وفي الرذائل سقمه ومرضه . 
ولكن هذا لا ينافي أن يكون للآيات القرآنية ـ ومنها هذه السورة ـ أثرٌ يرتبط بالبُعد المادّي والجسماني في الإنسان، كما صرّحت الروايات الكثيرة 

فعن إسماعيل بن أبان يرفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وآله، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله لجابر بن عبدالله: يا جابر ألا أعلّمك أفضل سورة أنزلها الله في كتابه؟ قال: فقال جابر: بلى بأبي أنت وأُمّي يارسول الله علّمنيها. قال: فعلّمه (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أمّ الكتاب.
قال: ثمّ قال له: يا جابر ألا أخبرك عنها؟ قال: بلى بأبي أنت وأمّي فأخبرني. قال: هي شفاءٌ من كلّ داء إلاّ السام. يعني الموت    تفسير العيّاشي،  : ج1 ص101.  
وعنه أيضاً أنّه قال: «من نالته علّة فليقرأ الحمد في جيبه سبع مرّات، فإن ذهبت وإلاّ فليقرأها سبعين مرّة وأنا الضامن له العافية   أمالي الشيخ الطوسي، ج1 ص290.
 وتوضيح ذلك ان القرآن الكريم وصف نفسه بأنّه شفاء؛ قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الإسراء: 82)، وفاتحة الكتاب هي ام القرآن  وام الكتاب  فهي أيضاً شفاء للإنسان، من هنا سُمّيت بالشفاء والشافية والرقية.
 

 

هل الْبَسْمَلَةَ مِنَ الْقُرْآنِ والفاتحة؟

أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ مِنَ الْقُرْآنِ وَأَنَّهَا جُزْءُ آيَةٍ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ . وَاخْتَلَفُوا فِي مَكَانِهَا مِنْ سَائِرِ السُّوَرِ ، فَذَهَبَ  الْإِمَامِيَّةُ وآخرون الى أَنَّهَا آيَةٌ مَنْ كُلِّ سُورَةٍ  

وَذَهَبَ مَالِكٌ   وَالْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُما إِلَى أَنَّهَا آيَةٌ مُفْرَدَةٌ أُنْزِلَتْ لِبَيَانِ رُؤُوسِ السُّورِ وَالْفَصْلِ بَيْنَهَا ، وَعَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ

وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ : أَنَّهَا آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ دُونَ غَيْرِهَا ، وَثَمَّةَ أَقْوَالٌ أُخْرَى شَاذَّةٌ

من خصائص هذه السورة :

في حديث يرويه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)  عن آبائه (ع) عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم): قال اللّه عز و جل: قسّمت فاتحة الكتاب بيني و بين عبدي فنصفها لي و نصفها لعبدي و لعبدي ما سأل، إذا قال العبد «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» قال  اللّه جل جلاله: بدء عبدي باسمي و حقّ عليّ أن أتمم له أموره و أبارك له في أحواله- فإذا قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» قال اللّه جل جلاله حمدني عبدي و علم أن النعم التي له من عندي و أن البلايا التي دفعت عنه فبطولي، أشهدكم أني أضيف له إلى نعم الدنيا نعم الآخرة و أدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا، فإذا قال: «الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» قال اللّه جل جلاله: شهد لي عبدي أني الرحمن الرحيم، أشهدكم لأوفّرن من نعمتي حظه و لاجزلنّ من عطائي نصيبه، فإذا قال: «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» قال اللّه جل جلاله: أشهدكم كما اعترف أني أنا مالك يوم الدين لأسهلن يوم الحساب حسابه و لأتجاوزن عن سيئاته فإذا قال: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» قال اللّه عز و جل: صدق عبدي، إياي يعبد، أشهدكم لأثيبنّه على عبادته ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي، فإذا قال: «وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» قال اللّه عز و جل: بي استعان عبدي و التجأ إلي أشهدكم لأعيننّه في شدائده و لآخذن بيده يوم نوائبه، فإذا قال: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» ... قال اللّه عز و جل: هذا لعبدي و لعبدي ما سأل، فقد استجبت لعبدي و أعطيته ما أمّل، و آمنته مما منه و جل  (رواه شيخ الطائفة الطوسي في اماليه و الشيخ الأجل الصدوق في عيونه)

هذه الرواية تكشف عن أهمية سورة الفاتحة بالنسبة إلى سائر آيات القرآن، فإنه :

(أولا): جعل عبده شريكا لنفسه في المخاطبة و المكالمة

(و ثانيا): قسّم السورة بين نفسه جل شأنه و بين عبده نصفين.

 (و ثالثا): جعل على نفسه الوفاء بما جعله لعبده.

 (و رابعا): إنها أوثق رابطة بين العابد و المعبود و توجه كل منهما إلى الآخر.

 (وخامسا): حنان خاص من المعبود الحقيقي إلى عابديه

علاقة الفاتحة بالسور

جاء في سورة الفاتحة اهْدِنَا  الصّرَاطَ  الْمُسْتَقِيمَ وفي بداية سورة البقرة ذلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لّلْمُتَّقِينَ. وذلك إشارة إلى أن قوله تعالى اهْدِنَا الصّرَاطَ  الْمُسْتَقِيمَ سيشرح في سورة البقرة

 فسورة البقرة تتحدث عن الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وسورة   آل عمران تشرح وتتحدث عن  الضَّالّينَ فاليهود هم المصداق الابرز للمغضوب عليهم وقد افردت سورة البقرة آيات طوال لشرح صفاتهم وافعالهم والنصارى هم المصداق البارز للضالين وكذلك فقد افردت سورة آل عمران الآيات الطوال في محاججتهم والحديث عنهم .

وقفة مع البسملة
لقد اشتملت البسملة على ثلاثة من اسماء اللّه هي أهمها كلها، و اشتملت السورة  ككل على خمسة هي أصول أسماء الدالة على المبدأ و المعاد و ما بين المبدأ و المعاد وهي : «الله- الرحمن- الرحيم- رب العالمين- مالك يوم الدين

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=521
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 12 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29