• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : قرانيات .
                    • الموضوع : سورة النساء في الملامح العامة وقوانين الأسرة .
                          • رقم العدد : العدد الخامس عشر .

سورة النساء في الملامح العامة وقوانين الأسرة

 

 


سورة النساء  في الملامح العامة وقوانين الأسرة


الشيخ سمير رحَّال

سورة النساء هي السورة الرابعة من سور القرآن الكريم ويطلق عليها سورة النساء الكبرى في مقابل سورة النساء الصغرى (سورة الطلاق) كونهما يتحدثان في جملة من آياتهما عن المرأة والأسرة والعلاقة بين أفرادها مما يأتي بيانه تفصيلاً، إلا أن مضمون هذه السورة أشمل من ذلك لتطال البناء الداخلي للمجتمع الإسلامي وسبل تطهيره من الرواسب الجاهلية التي كانت سائدة، فعرضت السورة لجملة من هذه الأمور. فقد كان مجتمع ما قبل الإسلام مجتمعاً تؤكل فيه حقوق الأيتام، ويجار فيه على الصغار والنساء فيمنعون من حقوقهم في الميراث كي لا يؤول إلى الغرباء، ويستبدل الخبيث بالطيب مجتمع تعضل فيه الزوجة لتفتدي نفسها وتفك أسرها وتؤكل فيه أموال الناس بالباطل، فلا مكان للأمانة ولا لفعل الخير إلا رئاء الناس. كل هذه الأمور وغيرها كان للقرآن الكريم عموماً وفي هذه السورة خصوصاً موقف تشريعي حازم يتوخى العدل واعطاء كل ذي حقه.
ولكن هذا الجانب الإصلاحي والتغييري في السورة على مستوى الالتزامات الأخلاقيّة والعلاقات بين أفراد المجتمع ولكي يأخذ حقه من اهتمام الناس كان لا بد أن يمهد له بجانب يعيد للإنسان رسم دوره ومعرفة ذاته وصلته بخالقه والمخلوقين أمثاله لذلك اقترنت تلك الآيات بالتذكير والموعظة والارشاد إلى جلال الله تعالى وعظمته وقدرته وعلمه، فابتدأت السورة بالتذكير بخلق الإنسان وأنه خلق من نفس واحدة تحريضاً للتعاون والائتلاف ونبذ الاختلاف كتوطئة لما سيذكره عزَّ وجلَّ من أحكام شرعية واجتماعية تستدعي بناءً عَقَدياً سليماً وملازمة أكيدة للتقوى فكانت الآية الأولى: }يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً{ (النساء: 1).
«ولوتذكر الناس هذه الحقيقة لتضاءلت في حسهم كل الفروق الطارئة... وكلها ملابسات طارئة ما كان يجوز أن تطغى على مودة الرحم وحقها في الرعاية، وصلة النفس وحقها في المودة وصلة الربوبية وحقها في التقوى، واستقرار هذه الحقيقة كان كفيلاً باستبعاد الصراع العنصري... كان كفيلاً باستبعاد الاستعباد الطبقي...» .
ففي مستهل السورة تقرير لحقيقة الربوبية ووحدانيتها، ولحقيقة الإنسانية ووحدة أصلها ليقوم المجتمع الإنساني كله، والإسلامي  بالخصوص على أساس هذين المبدأين، وبالالتزام بالتشريعات المتبنية على هذين الأصلين مما سيأتي بيانه والمرتكزة على علم الله وحكمته يمكن تحقيق الاستقرار الخارجي (من خلال احتفاظ الأمة بقوتها وجهاد عدوها) والداخلي والذي أساسه صلاح الأسرة.
وبناءً على ما تقدم يمكن ذكر ما تضمنته السورة المباركة ضمن محاور ثلاثة:
محور الأمور العقدية أوالمرتبطة بالعقيدة الإسلامية حيث العديد من الآيات تتحدث عن الإيمان بالله تعالى وربوبيته ووحدانيته وصفاته وفي السورة العشرات من الآيات التي تذكر الإنسان برقابة الله وعلمه وأنه غفور رحيم عفوقدير غني حميد بما يتلاءم مع الواقعة التي تعالجها الآيات لتدفع الإنسان إلى الالتزام بما يقتضيه الإيمان فمثلاً عندما يبيّن الله تعالى كيفية التعاطي مع المرأة الناشز وتحقق الغرض بعودة المرأة إلى الطاعة تقول الآية: «فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً» مع التذكير بأن الله تعالى عليّ كبير «إن الله كان علياً كبيراً» فهو تعالى مع علو شأنه تعصونه ويعفو عنكم إذا تبتم فكذلك توبتهن يجب أن تقبل إذا تبن، وفي ذلك أيضاً تهديد للأزواج وغير ذلك من موارد.
وهناك دعوة إلى الإيمان بالرسل ووحدة الرسالات والأخوة بين الأنبياء بما يقتضي الإيمان بنبوة النبي P وكتابه المنزل «إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده(163) يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيراً لكم(170)...».
وأن الالتزام بما جاء به إيماناً وعملاً هوسبب النجاة ودخول الجنة «ليس بأمانيكم ولا أمانيّ أهل الكتاب(123) ومن يعمل من الصالحات من ذكر أوأنثى وهومؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا(124)».
وتعرض الآيات لما في عقيدة أهل الكتاب من غلووالاحتجاج عليهم وابطال عقيدة التثليث «يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم...» (171 ـ 172) وتقرر وحدة الألوهية والربوبية وأن المسيحQ هو رسول الله لا يستنكف أن يكون عبداً له هو والملائكة المقربون.
وتتعرض لليهود الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا (46) والذين يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً»(51) ومن شدة غضبهم من انتقال الوحي إلى العرب يتوارثون تكذيب محمد P ومخاصمة قومه (54).
وتبين الآيات مقدار ما يغفره الله من ذنوب وحدود التوبة وحقيقتها، وبالجملة قوانين الله الجارية في ثوابه وعقابه «إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً(31) «إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها(40)».
}إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة{ (17 ـ 18).
وهناك دعوة للالتزام بهذا الدين وهذا يعني:
1 ـ الالتزام بمبدأ العدالة «إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً...» (105 ـ 106).
}... فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا...{ (135).
2 ـ الاتباع والطاعة للقيادة الشرعية ممثلة بالنبي P وأولي الأمر (وهم أهل البيتR) «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول...» (59 ـ 61).
والتحاكم إليها وقبول حكمها }فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم...{ (65).
وهكذا يتبين أن هذا المحور الأول الذي تناولته الآيات الكريمة ذات العناصر الأساسية الإيمان بالله وصفاته والأنبياء كلهم والكتب ولا سيما القرآن الكريم وضرورة الطاعة والانقياد لحكم الله ورسوله والالتزام به بمثابة المرتكز الأساس الذي يبتني عليه قبول حكم الله وشرعه والالتزام بقوانينه على مستوى المجتمع الإنساني والإسلامي، أوعلى مستوى التنظيم الأسري والعلاقة بين أفرادها اللذين يشكلان المحورين الثاني والثالث.

المحور الثاني: تشريعات عامة للمجتمع
1 ـ أن يكون ولاء المؤمنين للرسول P والقيادة الشرعية ولجماعة المؤمنين }ومن يشاقق الرسول... ويتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولى{ (115 ـ 116).
}يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين{ (144 ـ 146) وغير ذلك من آيات أخرى.
2 ـ وجوب الهجرة وعدم البقاء بين ظهراني الكافرين }... ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها{ (97 ـ 98).
3 ـ الأمر بالقتال في سبيل الله بالمال والنفس ودفاعاً عن الدين والمستضعفين وبيان فضل المجاهدين على القاعدين }وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين...{ (75) (والآية 84)  (الآية 104) وغيرها.
«لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله...» (95 ـ 96).
وبينت من يجوز قتاله ومن لا يقاتل }فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم والقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً{ (90).
وتنديد كبير بالمعوّقين والقاعدين والمتخاذلين والمنافقين الذين يوالون اليهود وتكشف صفاتهم وأفعالهم }ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيّت طائفة منهم غير الذي تقول...{ (81 ـ 83).
كما بينت ما قد يحصل أثناء الجهاد من قتل خطأ، كما حصل مع أسامة بن زيد عندما قتل رجلاً خرج من بين أعدائه معلناً إسلامه ظناً منه أنه مخادع فقال له النبي P أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها خوفاً أم لا ثم نزل قوله تعالى }يا أيها الذين أمنوا إذا ضربتم في سبيل الله...{ (94).
ـ كما شرعت صلاة الخوف (حال الجهاد)
ومن الأمور الأخرى التي شرعتها السورة ودعت إليها:
1 ـ ضرورة المحافظة على المال العام والخاص وعدم تسليمه للسفهاء(5)، والحفاظ على مال اليتيم حتى يبلغ ويرشد عقله(2)(6).
2 ـ مسائل الطهارة وبعض أحكام الصلاة «يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى»(43) وتشريع صلاة القصر(101 ـ 103).
3 ـ حكم القتل العمدي والخطأ(93).
4 ـ النهي عن بعض الأخلاقيات مثل:
الجهر بالسوء }لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم{(148).
تعاطي المسكرات }لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى...{ (43).
إتيان الفاحشة وبيان عقوبتها }واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم...{ (15 ـ 16).
البخل }والذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل{ (37).
5 ـ النهي عن أكل المال بالباطل }يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم{ (28).
والباطل هوما يقابل الحق ويدخل فيه الغش والغصب والربا وغير ذلك وأحلّ ما كان تجارة بغير غش ولا تغرير بل ما تراضى عليه الطرفان المتبايعان.
6 ـ حرمة قتل النفس سواء بالانتحار كما يفعل البعض هرباً من الغم والهم والمصاعب التي يواجهونها ولا يذهب لهذا الفعل إلا من قلّ إيمانه، أومن خلال قتل الناس، والتعبير بقتل النفس يكون هنا لما يفضي إليه قتل غيره إلى قتل نفسه قصاصاً أوثأراً.
7 ـ الأمر بالإحسان إلى الوالدين وإلى ذوي القربى وآخرين ذكرتهم الآية المباركة «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً...» (36 ـ 38).
كل هذه التوجيهات والتنظيمات والتشريعات يراد منها الحفاظ على المجتمع وأمنه الاجتماعي والاقتصادي، وقيام مجتمع فاضل يقوم على التكافل والتراحم والأمانة والتسامح والعدل والاحسان بعيداً عن الغل والحسد والرياء والبخل والظلم.
المحور الثالث: وقطب الرحى فيه هوالأسرة والعلاقة بين أفرادها ووضع الضوابط الصحيحة لاستقامة الأسرة والقوانين المنظمة لها ويمكن الحديث عن العناوين التالية في هذا المحور.
المرأة هي أحد العناصر التي يتكاثر منها الإنسان «... وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء»(1).
تشريع الكسب للنساء كما للرجال «... للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن...» (32 ـ 33).
مسؤولية المرأة المستقلة عن أعمالها «ومن يعمل من الصالحات من ذكر أوأنثى» (124) (حرمة العضل «يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن»(19) والمقصود بالعضل إساءة العشرة حتى تفتدي المرأة نفسها برد المال الذي أخذته منه.
وجوب اعطاء المرأة حقها من المهر كاملاً «وآتوا النساء صدقاتهن نحلة»(4) «وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض...».
اختيار المحصنات المؤمنات «ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات...(25).
عقد الزواج بمثابة ميثاق غليظ فينبغي أن يعطى حقه من الاهتمام والرعاية لمقتضياته.
إباحة التعدد شرط العدل.
«فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة»(3).
علاقة الزوجين داخل الأسرة (الرجال قوامون على النساء...» (34) أساسها القوامة بمعنى الرعاية والاشراف.
حال النساء أمام هذه القوامة فمنهن القانتات القائمات بحقوق أزواجهن ومنهن الناشزات وعلاجهن الوعظ فالهجر ثم الضرب (بالتفصيل الآتي).
نشوز الزوج أواعراضه «وأن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو اعراضاً»(128).
الشقاق بين الزوجين «وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها» (34 ـ 35) فالمرجع التحكيم.
الصيغة العامة للعلاقات الأسرية هي العدالة والاصلاح كما ذكرت الآيات:
محرمات النكاح ومحللاته.
أحكام المواريث.
وفي ما يلي عرض مفصل لبعض هذه العناوين الواردة أعلاه.

الزواج والعدل بين الزوجات
يختص الإنسان في هذا التزاوج  بمراسم خاصة قررها الشارع بمقتضى ان الإسلام دين الفطرة وعبر عنها في الكتب السماوية بالنكاح وأكد الترغيب اليه قال تعالى }وَأَنْكِحُوا الْأَيامى‏ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ{ النور - 32 وفي السنة المقدسة أخبار متواترة ترغب اليه وقد حدد الشارع الأقدس الزواج الدائم بأعداد معينة وهي أربع  كما قرر نكاح جميع الملل والنحل فيما بينهم لأنه امر طبيعي بين البشر لا يختص بملة دون اخرى ولا يمكن التخلي عنه الا ان الشارع حدده بقيود لأجل تنظيم النظام وحفظ الأنساب وغيرهما من الحكم .                      
فقال تعالى }وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى‏ فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى‏ وَثُلاثَ وَرُباعَ{. ان مبدأ تعدد الزوجات الى أربع مبدأ مقرر في الشريعة بحكم الكتاب والسنة، والإجماع قولا وعملا، بل هذا المبدأ معلوم بضرورة الدين، ولكنه غير مباح اباحة مطلقة، بل مقيد بشرط يبرره بضرورة الدين أيضاً.
والخطاب موجه إلى أولياء اليتيمات فهذه الآية تتعلق بمسألة الزواج باليتيمات، وإن على أوليائهنّ أن يعاملوهنّ في مسألة الزواج على أساس من العدل والقسط كما يعاملونهنّ في مسألة المال، فعليهم أن يراعوا في أمر الزواج مصلحة اليتيمة، وإلّا فمن الأحسن أن يدعوا الزواج بهنّ، ويختاروا الأزواج من غيرهنّ من النساء.
هذا وممّا يؤيد ويوضح هذا التّفسير ما جاء في الآية (127) من نفس هذه السّورة «1» حيث حثّ سبحانه على التزام العدل في الزواج باليتيمات .

ما المقصود بالعدل
المراد بالعدل التسوية في الملبس والمسكن ونحو ذلك مما يدخل تحت طاقة الإنسان، أما ما لا يدخل في وسعه من ميل القلب الى واحدة دون أخرى فلا يكلف الإنسان بالعدل فيه، وبهذا نجد الفرق بين قوله تعالى: }فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً{ وبين قوله: }وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوحَرَصْتُمْ{ (128 النساء). فالمراد بالعدل الأول التسوية في الإنفاق، وبالعدل الثاني ميل القلب.
إذ من الصعب على الإنسان أن يعمل على التسوية بين الزوجات في حجم العاطفة، أوفي نوعية الشعور، أوفي أسلوب التعبير عنه، ما دامت العناصر الجسدية الجمالية وغير الجمالية أوالمؤثرات الذاتية، من خلال ما تتصف به هذه المرأة أوتلك من ثقافة وأخلاق وطريقة حياة، أوغيرها، موجودة مما يترك في نفس الإنسان تأثيرا مختلفا لا يملك الإنسان معه السيطرة على نوازعه الداخلية .
ويشهد بذلك ما جاء في ذيل الآية (129) من نفس هذه السّورة حيث يقول سبحانه: }فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ{ أي أنّكم إذ لا تقدرون على مراعاة المساواة الكاملة في محبّة الزوجات وودّهنّ، فلا أقل أن لا تميلوا في حبّ بعض الأزواج ميلا شديدا يحملكم على أن تذروا التي لا تميلون إليها، فلا هي ذات زوج ولا أيم.

معنى المرأة المعلقة:
كلمة «المعلّقة»، قد توحي بأن من المفروض في علاقة الرجل بزوجته أن تحس المرأة بمعنى الزوجية في‏ حياتها الزوجية سواء أ كان ذلك في استمرار الإنفاق عليها بما يجب لها من النفقة، فلا ينفق عليها زمانا ليحرمها في زمان آخر، أم في معاشرتها في البيت من حيث تواجد الزوج معها في حياة طبيعية، فلا يسافر عنها مدة طويلة كالذين يهاجرون ويغتربون ليتركوا زوجاتهم في وحدة موحشة كما لولم تكن زوجة، أم في حقها من الجنس بحسب حاجتها إلى ذلك، بما يلبي جوعها ويعصمها من الانحراف ويحصّنها بالعفة على أساس الاكتفاء الجنسي، فيمنحها حاجتها منه كلما أرادت إذا لم يكن هناك مانع صحيّ أوغيره .
وقد استنكرت الجاهلية المعاصرة تعدد الزوجات واعتبرته من عوائق التقدم الحضاري، وان التعدد خلاف المصلحة بل موجب لسلب السعادة.  قد استشكلوا على حكم تعدد الزوجات بإشكالات متعددة، وتعرض هذا القانون الإسلامي لهجمة كبيرة من المعارضين الذين تسرعوا في إصدار الحكم عن هذا القانون الإسلامي دون أن يتناولوه بالدرس والتمحيص، والتأمل والتحقيق.
ونجيب بكلمة مجملة إنّ قوانين الإسلام وتشريعاته تدور على محور الحاجات الإنسانية، وتقوم على أساس مراعاة الضرورات الحيوية في دنيا البشر والإسلام راعى في هذا التشريع المصالح العامة وأما إذا اصطدمت هذه المصالح مع العادات والنزوات الشخصية فان الأحكام الشرعية تتبع المصالح والمفاسد الواقعية وأما مرحلة العمل والتطبيق فإنها راجعة إلى المكلف نفسه ، وتفاصيل أجوبة الإشكالات موجودة في كتب التفاسير فلا نطيل .

عقد الزواج ميثاق غليظ:
أن كلمة «الميثاق الغليظ» لم ترد في القرآن إلّا في عقد الزواج، وموردين آخرين، هما الميثاق مع بني إسرائيل (النساء: 154) وميثاق النبيين (الأحزاب: 7) مما يوحي بالأهمية الكبرى التي يوليها اللَّه سبحانه للعلاقة الزوجية بما لا يوليه لأية علاقة أخرى.
قال الشيخ محمود شلتوت: «إذا تنبهنا إلى أن كلمة ميثاق لم ترد في القرآن الكريم إلا تعبيرا عما بين اللّه وعباده من موجبات التوحيد، والتزام الأحكام، وعما بين الدولة والدولة من الشؤون العامة الخطيرة علمنا مقدار المكانة التي سما القرآن بعقد الزواج إليها، وإذا تنبهنا مرة أخرى إلى أن وصف الميثاق «بالغليظ» لم يرد في موضع من مواضعه إلا في عقد الزواج (والصحيح وروده في الموردين السابقين، وإن كان ذلك لا يؤثر في النتيجة وأهمية عقد الزواج) تضاعف لدينا سمو هذه المكانة التي رفع القرآن إليها هذه الرابطة السامية عن كل ما أطلق عليه كلمة ميثاق». 

المعاشرة بالمعروف
وهي أصل آخر من أصول الحياة الأسرية
قال تعالى : وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ .....
هذا هوالخط الذي انطلق منه الإسلام في علاقة الرجل بزوجته، «المعاشرة بالمعروف» التي تتمثل في احترام المرأة في مشاعرها وعواطفها وشخصيتها المستقلة كإنسانة محترمة في إرادتها وتفكيرها، في ما اختصره القرآن الكريم من كلمتي «المودّة والرحمة» اللتين توحيان بالعاطفة الروحية العميقة، وبالاحترام المتبادل.
فيوصي سبحانه الأزواج في هذه الآية بقوله: وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، بالعشرة الإنسانية التي تليق بالزوجة والمرأة من أداء حقوقهن التي هي النصفة في القسم والنفقة والإجمال في القول والفعل وقيل المعروف أن لا يضربها ولا يسي‏ء القول فيها ويكون منبسط الوجه معها.
والنظام الإسلامي يعتمد في كثير من تفصيلات تشريعه على العرف العام بعد أن يضع إطارا عاما له معتمدا على القيم الرسالية ممالا ينكره الشرع والعقل ، وفي عشرة الزوجة وحقوقها اعتمد التشريع الإسلامي على العرف ليحدد ما هي المعاشرة السليمة.
وكلمة (المعاشرة) تقتضي المشاركة والمساواة، أي كل واحد يعاشر صديقه من جانبه بالمعروف، معرضا عن الهفوات، جالبا السرور، حافظا الود، معينا على الشدائد، قال تعالى: }وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{  (الروم: 30/ 21).

قوامة الرجال على النساء
}الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ{ قوامون جمع قوام على وزن فعّال مبالغة قيام، ومعناه القيام بالأمر، والمراد به هنا الذي يقوم بشؤون المرأة، في ما تحتاجه الحياة الزوجية من شؤون الإدارة والرعاية. وهوالزوج  وهذه الآية فإنها تفيد:
1- ان الرجال قوامون على النساء، والمراد بالرجال هنا خصوص الأزواج، وبالنساء خصوص الزوجات، (وعموم هذه العلة (بما فضل الله بعضهم على بعض هوما يفضل ويزيد فيه الرجال بحسب الطبع على النساء، وهوزيادة قوة التعقل فيهم)  يعطي أن الحكم غير مقصور على الأزواج بأن يختص القوامية بالرجل على زوجته بل الحكم مجعول لقبيل الرجال على قبيل النساء في الجهات العامة التي ترتبط بها حياة القبيلين جميعاً .
  وقد حدد الفقهاء هذه الولاية بجعل الطلاق في يد الزوج، وان تطيعه في الفراش، ولا تخرج من بيته الا بإذنه، وهما فيما عدا ذلك سواء: }وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ{ .
2 - إن اللّه سبحانه ذكر سببين لهذا النحومن ولاية الزوج على الزوجة
 السبب الأول بقوله: }بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ{.
 وإلى السبب الثاني بقوله: }وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ{.
أما وجه الأفضلية في قوله }بِما فَضَّلَ اللَّهُ{..
هو زيادة قوة التعقل فيهم، وما يتفرع عليه من شدة البأس والقوة والطاقة على الشدائد من الأعمال ونحوها .
ويضيف البعض إلى ذلك، حديثا عن الجانب الجسدي الذي يجعل الرجل قادرا على القيام بالكثير من الأعمال الشاقة التي تحتاج إلى جهد عقلي مما لا تستطيع المرأة القيام به ...
أما السبب الثاني لأفضلية الرجل فقد بينه سبحانه بقوله: }وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ{ فعلى الزوج أن يكفل لزوجته النفقة في المعروف بحسب إمكاناته، في ما تقتضيه حاجاتها المادية بحسب حالها.
تنظيم حياة الأسرة
نظم الإسلام الحياة الزوجية وشؤون الأسرة تنظيما عادلا، يتفق مع الحكمة الرشيدة، والأوضاع السديدة ، فجعل تدبير أمر المنزل في قضاياه العامة للرجل، وجعل له القوامة على المرأة، أي القيام بأمرها والمحافظة عليها بعناية ورعاية تامة، دون استبداد ولا استعلاء ولا ترفع أوظلم...  فإذا كان للرجل درجة القوامة، فعليه في مقابلها مسؤوليات جسام أخرى لأنه أقدر على تحمل المسؤولية والمشاق ومزاحمة الناس في الحياة العملية، والتعرض للمخاطر.
والمستفاد من سياق الآية الشريفة أنّ القواميّة هذه الثابتة للرجال ليست قوامية سلطة وابتزاز وجبروت، بل هي قواميّة حفظ وعناية ورحمة لقيام الأسرة وحفظها عن الانهيار وعدم اضطراب أحوالها، فهي ليست ثابتة للرجال نتيجة منافسة وتسابق بين الطرفين، فاستحقّها الرجال لغلبتهم على النساء، بل هي تكاليف خصّ اللّه تعالى بها الرجال لتعيش المرأة في كنفهم بمودّة ورحمة .
من غير أن يبطل بذلك ما للمرأة من الاستقلال في الإرادة الفردية وعمل نفسها بأن تريد ما أحبت وتفعل ما شاءت من غير أن يحق للرجل أن يعارضها في شي‏ء من ذلك في غير المنكر فلا جناح عليهم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف كذلك قيمومة الرجل لزوجته ليست بأن لا تنفذ للمرأة في ما تملكه إرادة ولا تصرف، ولا أن لا تستقل المرأة في حفظ حقوقها الفردية والاجتماعية، والدفاع عنها، والتوسل إليها بالمقدمات الموصلة إليها بل معناها أن الرجل إذ كان ينفق ما ينفق من ماله بإزاء الاستمتاع فعليها أن تطاوعه وتطيعه في كل ما يرتبط بالاستمتاع والمباشرة عند الحضور، وأن تحفظه في الغيب فلا تخونه عند غيبته بأن توطئ فراشه غيره، وأن تمتع لغيره من نفسها ما ليس لغير الزوج التمتع منها بذلك، ولا تخونه فيما وضعه تحت يدها من المال، وسلطها عليه في ظرف الازدواج والاشتراك في الحياة المنزلية .
وللنساء  إزاء حالة القيمومة هذه حالتان: منهن الصالحات ومنهن الناشزات
وقد صوّر عزّ وجلّ لنا الحياة داخل الأسرة التي تكون المرأة تحت رئاسة الرجل وقيمومته، فذكر أمورا ثلاثة لسعادة هذه الحياة، وهي: الصلاح والقنوت وحفظ الغيب.
قال تعالى: }فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ{.
ويراد من الأوّل الاستقامة ولياقة النفس ورضاها بما تمليه الفطرة السويّة.
والقنوت: هو دوام الطاعة والخضوع لله تعالى وامتثال أحكامه المقدّسة .
«فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ» أي مطيعات قائمات بما عليهنّ لأزواجهنّ «حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ» أي حافظات لما يكون بينهنّ وبين أزواجهنّ في الخلوات من الأسرار، وقيل: حافظات لفروجهنّ ولأموال أزواجهنّ ولأولادهنّ كما جاء في الحديث.
وهؤلاء النساء الصالحات ليس عليهن إلا المعاشرة بالمعروف.
وأما النساء الشاذات الناشزات غير المطيعات للأزواج، وهن اللاتي يترفعن عن حدود الزوجية وحقوقها وواجباتها، فيسلك معهن الحلول الآتية.

النشوز وعلاجه
قال تعالى }واللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ واهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ واضْرِبُوهُنَّ....{ 34
}وإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوإِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً والصُّلْحُ خَيْرٌ وأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وإِنْ تُحْسِنُوا وتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً{ (128)
والمراد بالنشوز في الآية الامتناع عن القيام بحقوق الزوجية .. وقد يكون النشوز من الزوجة فقط، أومن الزوج، أومنهما معا ..

نشوز الزوجة
وهي المرأة التي تتمرّد على زوجها في حقوقه الشرعية اللازمة عليها، من خلال التزامها بعقد الزواج, فقد أباح الشرع من خلال هذه الآيات  للزوج إذا تمردت عليه زوجته من غير حق ان يعالج الأمر من خلال خطوات ثلاث  الوعظ ثم الهجر ثم الضرب( بالتوضيح الآتي)  وذلك بأن يعظها، فإن هي قبلت، والا هجرها في الفراش فان هي قبلت وإلا ضربها ضربا خفيفا للزجر والتأديب، لا للتشفي والانتقام ..
وهي أمور مترتبة تدريجية: فالموعظة، (وذلك بإتباع الأساليب الفكرية والروحية التي تحذرها من نتائج عملها على الصعيد الدنيويّ والأخرويّ، فيخوفها الزوج من عقاب اللَّه سبحانه على معصيته في ما أوجبه عليها من حقوق للزوج مع مراعاة الحكمة والمرونة).
  فإن لم تنجح فالهجر، والهجر في المضاجع، قيل هو أن لا يجامعها، وقيل أن يولّيها ظهره في الفراش، (وظاهر قوله: واهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ أن تكون الهجرة مع حفظ المضاجعة كالاستدبار وترك الملاعبة ونحوها) وقيل أن لا يبيت معها في الفراش بل في فراش آخر».
 فإن لم تنفع فالضرب، واضْرِبُوهُنَّ» والمراد الضرب التأديبي أي ضربا غير جارح لحما ولا كاسر عظما، وفي المجمع عن الباقر Q أنه الضرب بالسواك.
يقول الإمام الخميني :  فإذا هجرها ولم ترجع وأصرت عليه جاز له ضربها ، ويقتصر على ما يؤمل معه رجوعها فلا يجوز الزيادة عليه مع حصول الغرض به ، وإلا تدرج إلى الأقوى فالأقوى ما لم يكن مدميا ولا شديدا مؤثرا في اسوداد بدنها أو احمراره ، واللازم أن يكون ذلك بقصد الإصلاح لا التشفي والانتقام ، ولو حصل بالضرب جناية وجب الغرم .
}فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا{ بالتوبيخ والإيذاء }إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً، فاحذروه فانه أقدر عليكم منكم على من تحت أيديكم{ .
 ويدل على كون المراد بها التدرج فيها أنها بحسب الطبع وسائل للزجر مختلفة آخذة من الضعف إلى الشدة بحسب الترتيب المأخوذ في الكلام، فالترتيب مفهوم من السياق دون الواو.
هذا الى «ان الأمر بالوعظ، ثم بالهجر، ثم بالضرب هوأمر للاباحة والترخيص، لا للوجوب والإلزام، فقد اتفق الفقهاء جميعا على ان ترك الضرب أولى، وان الذي يصبر على أذى الزوجة ولا يضربها خير وأفضل عند اللّه ممن يضربها، كما اتفقوا على انه كلما حصل الغرض بالطريق الأخف وجب الاكتفاء به، وحرم الأشد.
قال رسول اللّه P: (لا يضرب أحدكم امرأته كما يضرب البعير أول النهار ثم يضاجعها آخر النهار .. خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله) ».

النشوز من الطرفين الزوج والزوجة
وأما النشوز من الطرفين الزوج والزوجة اي امتناع كل منهما عن القيام بحقوق الآخر فعالجته الآية الكريمة }وإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وحَكَماً مِنْ أَهْلِها{.
والشقاق البينونة والعداوة، وقد قرر الله سبحانه بعث الحكمين ليكون أبعد من الجور والتحكم }إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما{ وان الزوجين إذا صلحت نيتهما، وكانا قاصدين استمرار الزواج والمحافظة على بقاء الأسرة، فإن مهمة الحكمين تنجح، ويوفق اللّه بين الزوجين لا محالة، لأنه متى صلحت النية صلحت الحال، واستقامت الأفعال، وإذا ساءت نية الزوجين فإن مآل وظيفة الحكمين الى الفشل، حتى ولوقصدا الإصلاح، وبذلا كل الجهود وأقصاها.
ومهمة الحكمين ان يسعيا  في الصلح، فإن تعذر رفعا تقريرا للحاكم الشرعي بواقع الحال،  وما يريانه من مصلحة الطرفين، ولا حق لهما بالتفريق إلا بإذن الزوج، ولا بالبذل عن الزوجة الا بإرادتها(آية 15).
يقول الإمام الخميني رحمه الله :  فكلما استقر عليه رأيهما وحكما به نفذ على الزوجين ويلزم عليهما الرضا به بشرط كونه سائغا ، كما لوشرطا على الزوج أن يسكن الزوجة في البلد الفلاني أو في مسكن مخصوص أو عند أبويها أولا يسكن معها أمه أوأخته ولو في بيت منفرد، أو لا يسكن معها. ضرتها في دار واحدة ونحو ذلك ، أو شرطا عليها أن تؤجله بالمهر الحال إلى أجل ، أو ترد عليه ما قبضته قرضا ونحوذلك ، بخلاف ما إذا كان غير سائغ كما إذا شرط عليه ترك بعض حقوق الضرة من قسم أونفقة أو رخصة المرأة في خروجها عن بيته حيث شاءت وأين شاءت ونحو ذلك .

نشوز الزوج
وقد يكون النشوز من الزوج بإيذائها وعدم الإنفاق عليها أوالقسمة لها إذا كان عنده أكثر من زوجة، وقد تعرضت هذه الآية لخوف الزوجة من نشوز زوجها أو إعراضه عنها، والمراد بالإعراض جفوته الدالة على كرهه لها، أما انصرافه الى أشغاله ومشاكله فعليها ان تعذره فيه، وتصبر عليه، ما دام غير كاره لها.
 }فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً{. إذا خشيت المرأة أن يؤدي نشوز الزوج الى طلاقها، أوتركها كالمعلقة لا مزوّجة، ولا مطلقة، إذا كان كذلك فلا بأس عليه، ولا عليها أن يتفقا فيما بينهما مباشرة، أوبواسطة أحد الطيبين، أن يتفقا ويصطلحا على أن تتنازل له عن بعض حقوقها المادية أوالأدبية، لتبقى في عصمته، وتحيا معه حياة هادئة.
 (والصُّلْحُ خَيْرٌ) من الشقاق والطلاق، فقد جاء في الحديث: «أبغض الحلال الى اللّه الطلاق» .
إن الإسلام يتعامل مع النفس البشرية بواقعها كله. فهو يحاول - بكل وسائله المؤثرة - أن يرفع هذه النفس إلى أعلى مستوى تهيئها له طبيعتها وفطرتها .. ولكنه في الوقت ذاته لا يتجاهل حدود هذه الطبيعة والفطرة ولا يحاول أن يقسرها على ما ليس في طاقتها ولا يقول للناس: اضربوا رؤوسكم في الحائط فأنا أريد منكم كذا والسلام! سواء كنتم تستطيعونه أولا تستطيعونه! إنه لا يهتف للنفس البشرية لتبقى على ضعفها وقصورها ولا ينشد لها أناشيد التمجيد وهي تتلبط في الوحل، وتتمرغ في الطين- بحجة أن هذا واقع هذه النفس! ولكنه كذلك لا يعلقها من رقبتها في حبل بالملأ الأعلى، ويدعها تتأرجح في الهواء لأن قدميها غير مستقرتين على الأرض. بحجة الرفعة والتسامي! إنه الوسط .. إنه الفطرة .. إنه المثالية الواقعية. أوالواقعية المثالية .. إنه يتعامل مع الإنسان، بما هو إنسان .
وإذ لم يذكر القرآن  نشوز الزوج فقط  بالتفصيل.. ولكن الفقهاء تعرضوا له، وقالوا:  (كما يكون النشوز من قبل الزوجة يكون من طرف الزوج أيضا بتعديه عليها ، وعدم القيام بحقوقها الواجبة ، فإذا ظهر منه النشوز بمنع حقوقها من قسم ونفقة ونحوهما فلها المطالبة بها ووعظها إياه ، فإن لم يؤثر رفعت أمرها إلى الحاكم فيلزمه بها ، وليس لها هجره ولا ضربه ، وإذا اطلع الحاكم على نشوزه وتعديه نهاه عن فعل ما يحرم عليه وأمره بفعل ما يجب ، فإن نفع وإلا عزره ، بما يراه ، وله أيضا الانفاق من ماله مع امتناعه من ذلك ولوببيع عقاره إذا توقف عليه) .

ضرورة الصبر عند الكراهة
 }فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى‏ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً ويَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً{.
 قد يكره الرجل من زوجته بعض صفاتها، ولا يصبر عليها، فيطلقها ويتزوج بأخرى، فإذا هي أسوأ حالا، وأقبح أعمالا، فيندم حيث لا ينفع الندم ..
قال صاحب الأغاني: طلق الفرزدق النوال، ثم ندم، وتزوج بعدها امرأة مطلقة، وكان يسمعها تئن وتحن الى زوجها الأول، وتعدد وتردد، فأنشأ يقول:
على زوجها الماضي تنوح وانني
  على زوجتي الأخرى كذلك أنوح


فإن كرهتم النساء لعيب خلقي أوقبح أوتقصير في أمر أومرض أو لأسباب‏ أخرى فربما كرهتم شيئا، وفيه الخير الكثير لكم. وقد يكون لها مزايا وخصال أخرى تغطي الخصال المذمومة، لذا روي عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فيما أخرجه مسلم انه قال : «لا يفرك مؤمن مؤمنة- أي لا يبغضها- إن ساءه منها خلق، سرّه منها خلق آخر».
ويستفاد من الآية حقيقة من الحقائق الواقعية وهي تدل على جهل الإنسان بالواقع وان ما يجهله اكثر مما يعلمه، فانه قد يقع تحت وقع المشاعر والإحساس والعواطف التي قد تكون حجابا عن التفكر في عواقب الأمور. والآية المباركة توحي إلى الإنسان بعدم التسرع في الحكم عند غلبة العواطف ولها وقع كبير في الحياة الزوجية التي لا تخلو من التنازع والخصومة .

وهنا توجيه آخر للرجال والنساء
}ولا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى‏ بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا ولِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ .....{ (32)
ظاهر الآية على إطلاقه غير مراد، لأن الغبطة لا بأس بها، ولا ضرر منها، أما الحسد فمحرم إذا بغى صاحبه على المحسود، أو تضمن الإعتراض على اللّه وحكمته، قال الرسول الأعظم P: «إذا حسدت فلا تبغ» أي إذا شعرت من نفسك الرغبة في زوال النعمة عن غيرك فتمالك واكبت هذا الشعور، وجاهده كي لا يظهر له أثر الى الخارج في قول أوفعل .. فان تمالكت فأنت غير مسؤول أمام اللّه، وان اندفعت وراء شعورك تدس وتفتري على صاحب النعمة فإنك معتد أثيم .
وفي هذه الآية حديث قرآني عن بعض النوازع الأخلاقية المنحرفة، التي تمثل لونا من ألوان الانحراف النفسي في بنيان الشخصية الإنسانية، كمظهر من مظاهر الأنانية المريضة الغارقة في وحول الذات. فقد يعيش الفرد في مجتمع يتفاضل فيه الناس، في ما يملكون من مال أوجاه أوفرص متنوّعة في أيّ جانب من جوانب المعيشة ... وقد يكون هذا الفرد محروما من بعض ما يجده لدى هؤلاء الناس، فينعكس على نفسيته انعكاسا سلبيا، تتوتر فيه أعصابه، وتضطرب فيه مشاعره، فيتحول إلى كائن ذي أمنيات عدوانية يريد أن تنتقل إليه كل هذه الامتيازات والفرص المختلفة، ليكون هوالمالك لها دون غيره وتلك هي الحالة التي تحصل للإنسان، كنتيجة لضعف الثقة باللَّه، وضعف الثقة بالنفس وهي التي يعبّر عنها- في علم الأخلاق- بالحسد.
وقد جاءت هذه الآية لتعالج هذه الحالة، بالنهي- أولا- عن هذه‏ التمنيات الفارغة البعيدة عن جوالإيمان والواقعية .
ما المراد بالفضل «ما فضل الله به بعضكم على بعض».
المراد بالفضل هوالمزية التي رزقها الله تعالى كلا من طائفتي الرجال والنساء بتشريع الأحكام التي شرعت في خصوص ما يتعلق بالطائفتين كلتيهما كمزية الرجال على النساء في عدد الزوجات، وزيادة السهم في الميراث، ومزية النساء على الرجال في وجوب جعل المهر لهن، ووجوب نفقتهن على الرجال...

وجوب حفظ الحقوق المادية للزوجة
وفي قوله تعالى:
}وآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً{ «4».
}يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ولا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ.... وإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وإِثْماً مُبِيناً  وكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وقَدْ أَفْضى‏ بَعْضُكُمْ إِلى‏ بَعْضٍ وأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً{ 19_21
يخاطب اللّه المؤمنين بصفة الإيمان الباعثة على الالتزام والطاعة ويؤكد على وجوب احترام الحقوق المادية للزوجة من قبل الزوج مهما كانت الظروف والحالات الطارئة  وقد عالجت الآية الأولى موضوع المهر، واعتبرته نحلة، وهي العطية التي يمنحها الإنسان للآخر من دون مقابل، لتكون رمزا للمحبة والمودة وترك أمر الإتفاق عليه للزوجين بالاستناد إلى أوضاعهما المالية والاجتماعية والعاطفية. فيمكن أن يكون المهر قنطارا، كما عبرت بعض الآيات، ويمكن أن يكون سورة من القرآن
وأشارت الآيات التالية إلى أنه حقّ ثابت ولا يحل للزوج أن يسي‏ء الى زوجته بقصد أن تبذل له صداقها، لتفتدي نفسها منه، ومن سوء معاملته، فإذا بذلت، والحال هذه، وأخذ من المال فهوآثم، إذ لا يحل مال امرئ إلا عن طيب نفس.
 فيعتبر هذا التصرف نقضا للعهد وتمردا على الميثاق الغليظ المؤكد المشدّد، الذي أخذته عليه من خلال عقد الزواج الذي جعل لها الحق في المهر على أساسه.
ولا مانع بعد تسمية مهر معين في عقد الزواج، التراضي والاتفاق بعد العقد على زيادة المهر أونقصه أوتنازل الزوجة عن شي‏ء من مهرها لمصلحة الحياة الزوجية وهوحق خاص بالمرأة وليس لوليها أو قريبها «فَإِنْ طِبْنَ» ووهبن لكم شيئا من صداقهن وطابت نفوسهن إلى الهبة لكم- غير كارهات ولا لشكاسة أخلاقكم أو لسوء معاشرتكم- حل لكم أخذه وأكله. والأمر للإباحة المشروطة بطيب النفس.
روى العياشيّ أنّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين فشكى إليه وجع بطنه فقال عليه السّلام أ لك زوجة؟ قال: نعم، قال استوهب منها شيئا طيّبة به نفسها من مالها ثمّ اشتر به عسلا ثمّ اسكب عليه من ماء السماء، ثمّ اشربه فإنّي سمعت اللَّه تعالى يقول «ونَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً» وقال }يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ{ وقال }فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً{ فإذا اجتمعت البركة والشفاء والهني‏ء والمري‏ء شفيت إن شاء اللَّه تعالى قال ففعل ذلك فشفي .
ويدل قوله تعالى: }وكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وقَدْ أَفْضى‏ بَعْضُكُمْ إِلى‏ بَعْضٍ{ على أسلوب من الأساليب البلاغية البديعة فانه يرجع الإنسان إلى الضمير وتحكيمه على سائر المشاعر والعواطف فان الحياة التي بنيت قاعدتها على الترابط بين شخصين يكون أحدهما بمنزلة اللباس للآخر كيف يمكن جعل المال عوضا عن تلك الحياة الزوجية.
ضوابط وقواعد الإرث في الإسلام
يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين‏.... النساء‏:11
وتتطرق  سورة النساء في بعض آياتها الى قوانين الإرث التي يجب أن تطبق لأنها التشريعات العادلة والصادرة عن عليم بمصالح العباد وما يفسدهم وبما يحافظ على تماسك الأسرة وديمومتها بعيدا عن أهواء الناس وتشخيصاتهم الخاطئة كما سيظهر من خلال الآيات . والآية الشريفة بإيجازها البليغ تتضمن تفضيل الذكر على الأنثى في الإرث إذا اجتمعا وجهة التفضيل.
ويلاحظ في تشريعات الإرث وفق ما ذكرته السورة الأمور التالية :
ان الإسلام بدأ أولا بإبطال العصبيات والتقاليد وشرّك النساء مع الرجال في التركة وبين أن  نصيب المرأة نصف الرجل في المال الموروث ثم فصل سهام الإناث بعد ذلك ولم يذكر سبحانه سهام الرجال مستقلا إلا مع سهام النساء. واما العلة في تفضيل حظ الذكر من المال الموروث على الأنثى مع كون هذا المال لم يبذل فيه جهد ومشقة من اي منهما فلوجوه عديدة، منها ما يذكره عز وجل في قوله تعالى: }لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا ولِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ{ 32  فان الرجل كلف بالإنفاق، والمرأة لم تكلف به فالتفضيل حق في مقابل هذا التكليف. ولوجوه أخرى .
قاعدة أخرى من قواعد الإرث وهي: «أن الإرث إنما يكون من أصل المال الذي تركه الميت إذا لم يوص بوصية أولم يكن عليه دين فان كانت وصية أودين فانه يجب أداؤهما أولا ثم التوريث مما بقي». ويدل عليه قوله تعالى: }مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَودَيْنٍ{.
واذا كانت هناك وصية فقد أعطيت حرية التصرف للوصية في ثلث ما يملك الفرد فقط‏.
- في نظام الإرث الإسلامي، وفي ضوء ما أقرّ من الطبقات للورثة لا يحرم أي واحد من أقرباء المتوفى من الإرث (مع مراعاة طبقات الإرث).
والإرث في الإسلام فريضة ربانية لا يملك أحد الحق في تغييرها‏,‏ فالمورث لا يملك الحق في حرمان أحد من ورثته من حقه في الميراث‏,‏ وللوارث الحق في نصيبه جبرا دون اختيار كما حدده له الله‏,‏ لا يختلف في ذلك صغير عن كبير‏,‏ ولا قوي عن ضعيف.

من صور العدل الإلهي في توزيع الميراث
وبملاحظة أحكام الإرث خلص البعض إلى  أن التمايز في الميراث محكوم بمعايير ثلاثة كما يلي‏:‏
1-‏ درجة القرابة وقوتها بين الوارث ـ ذكرا كان أم أنثي ـ والمورث المتوفي‏,‏ فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث‏.‏
2-‏ موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال‏,‏ فالأجيال التي تستقبل الحياة يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة‏,‏ وذلك بصرف النظر عن جنس الوارث ـ ذكرا كان أم أنثي ـ فالابنة ترث أكثر من الأم ـ وكلتاهما أنثى
3-‏ قدر العبء المالي الذي يوجب الشرع على الوارث القيام به حيال الآخرين‏..‏ وهذا هوالمعيار الذي يستوجب تفاوتا بين الذكر والأنثى من الإخوة والأخوات وفي قوله تعالى: }آباؤُكُمْ وأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً{.
إشارة الى ما تقدم من: أن الإنسان مهما بلغ في الذكاء والفطنة لا يعلم من هوالأقرب إليه نفعا في الدين والدنيا والآخرة فانه يقع تحت تأثير العواطف والنزعات النفسية والتقاليد والعادات الاجتماعية فكم من شخص يحرص الإنسان توريثه وتوفير سهمه ولكن لو انكشف الأمر له لمنعه عن ذلك، والإسلام ينظر في ذلك نظرة واقعية ويسنّ قانونا الهيا لا يقبل التغيير وهوبعيد عن الأوهام الباطلة والعواطف الإنسانية والنزعات الشخصية. ويقسم السهام على أفراد الورثة حسب ما ينظره من المصلحة العامة وما يقتضيه تكوين الإنسان وفطرته كسائر الأحكام الإسلامية التي تبتني على الفطرة والمصلحة العامة .
وتعقيبا على أحكام الإرث وضرورة الالتزام بما ورد فيها  قال سبحانه: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ أي تلك حدود اللّه التي لا يجوز تجاوزها وتجاهلها لأحد، فإن من تعدى هذه الحدود كان عاصيا مذنبا. وقد وردت هذه العبارة تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ في مواضع عديدة من القرآن الكريم، وقد جاءت دائما بعد ذكر سلسلة من الأحكام والقوانين والمقررات الاجتماعية .

تحريم الزّواج بأصناف من النساء
يقول تعالى : }حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وبَناتُكُمْ وأَخَواتُكُمْ وعَمَّاتُكُمْ وخالاتُكُمْ وبَناتُ الْأَخِ وبَناتُ الْأُخْتِ وأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ورَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً{ (23) في هذه الآية أشار سبحانه إلى النساء اللاتي يحرم نكاحهنّ والزواج بهنّ، ويمكن أن تنشأ هذه الحرمة من ثلاث طرق أو أسباب وهي:
1- الولادة التي يعبّر عنها بالارتباط النّسبي.
2- الزّواج الذي يعبّر عنه بالارتباط السّببي.
3- الرّضاع الذي يعبّر عنه بالارتباط الرضاعي.
وقد أشار في البداية إلى النساء المحرمات بواسطة النّسب وهنّ سبع  طوائف إذ يقول }حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وبَناتُكُمْ وأَخَواتُكُمْ وعَمَّاتُكُمْ وخالاتُكُمْ وبَناتُ الْأَخِ وبَناتُ الْأُخْتِ{.
هناك حقيقة ثابتة اليوم، وهي أنّ الزواج بين الأشخاص ذوي الفئة المشابهة من الدم ينطوي على أخطار كثيرة، ويؤدي إلى انبعاث أمراض خفية وموروثة، وتشددها وتجددها  إلى درجة أنّ البعض لا يستحسن حتى الزواج بالأقرباء البعيدين (فضلا عن المحارم المذكورة هنا) مثل الزواج الواقع بين أبناء وبنات العمومة ويرون أنّه يؤدي هوالآخر أيضا إلى أخطار تصاعد الأمراض الوراثية.
قوله تعالى: }وأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ{ يشير اللّه سبحانه في هذه الآية إلى المحارم الرّضاعية، والقرآن وإن اقتصر في هذا المقام على الإشارة إلى طائفتين من المحارم الرضاعية، وهي الأم الرضاعية والأخت الرضاعية فقط، إلّا أنّ المحارم الرضاعية- كما يستفاد من روايات عديدة- لا تنحصر في من ذكر في هذه الآية، بل تحرم بالرّضاعة كل من يحرمن من النساء بسبب «النسب» كما يصرّح بذلك الحديث المشهور المروي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم «يحرم من الرّضاع ما يحرم من النّسب» .
على أن بيان مقدار الرّضاع الموجب للحرمة والشروط والكيفية المعتبرة فيه، وغير ذلك من التفاصيل والخصوصيات متروك للكتب الفقهية.
ثمّ إنّ اللّه سبحانه يشير- في المرحلة الأخيرة- إلى الطائفة الثالثة من النسوة اللاتي يحرم الزواج بهنّ وهي المحرّمات بالمصاهرة ويذكرهنّ ضمن عدّة عناوين‏ }.... وأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ورَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً{ (23)
فقوله تعالى: وأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ يشمل أم المرأة التي يتزوّجها الرجل وجدّتها، سواء دخل بالمرأة أم لم يدخل، ويدلّ عليه أيضا التقييد الآتي في قوله تعالى: }مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ{.
كما أنّه يستفاد من إطلاق (نسائكم) ما يشمل المرأة المعقود عليها بالعقد الدائم أو بالعقد المنقطع، أو من يدخل بها الرجل بملك اليمين .
قوله تعالى:} ورَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ{.
والربيب ابن الزوجة من غير الزوج، والربيبة بنت امرأة الرجل من غيره، وسمّيت بذلك لأنّها في معرض تربية الزوج غالبا، وإن لم يكن كذلك دائما.
والتحريم يشمل الربيبة- سواء كانت في حجر الرجل أم لا- إذا تزوّج الرجل بأمها ودخل بها، كما هوفي الآية الشريفة نفيا وإثباتا..
وإن لم يتحقّق منكم الدخول بأم الربيبة فلا جناح عليكم في التزويج بها قال تعالى: }فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ{ .
ـ قوله تعالى: }وحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ{.
الحلائل: جمع الحليلة، وهي الزوجة  والمراد من الأبناء كلّ من انتسب بالإنسان بولادة، سواء كان مباشرة من دون واسطة، أم معها، كابن الابن وابن البنت، وهم الذين يسمّون بأولاد الصلب مقابل ولد التبنّي  وهذا القيد: مِنْ أَصْلابِكُمْ لا مفهوم له يثبت الحكم لحليلة الابن من الرضاع على الأب أيضا لأنّه يلحق بالولد الرضاعيّ لما تقدّم من أنّه «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»،
فتحرم حليلة الابن من الرضاع كما تحرم حليلة الابن للصلب على الأب.
قوله تعالى: }وأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ{.
بيان لنوع آخر من الأنواع المحرّمة، وهوالمحرّم بسبب عارض، وهوالجمع بين الأختين، سواء كان بالعقد أم بملك اليمين أم بالاختلاف. فإن جمع بينهما بعقدين مترتّبين، يكون السابق صحيحا واللاحق باطلا، وإن جمع بينهما في عقد واحد يبطلان معا .
قوله تعالى: إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ.
أي: حرّم ذلك عليكم إلا ما وقع منكم في الجاهلية وزال موضوعه، فإنّه مغفور لكم ومعفو عنكم  (إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً). اللّه تعالى غفور لما وقع منكم في الجاهلية، والإطلاق يشمل آثار الذنب والمعاصي.
فجميع ما ذكره عزّ وجلّ في الآية المباركة في حرمة تلك الطوائف والأفراد ذات مصلحة واقعيّة تكوينيّة، لا سيما في تنظيم الاسرة، وتهذيب السلوك والتخلّق بمكارم الأخلاق، وبعث روح الاحترام والتقدير في النفوس بالنسبة إلى الآخرين، ونزع روح الانتقام والبغضاء منها، إلى غير ذلك من المصالح التي قد لا يدركها العقل إلا بعد قرون عديدة.                     
كما ذكر تعالى في هذه الآية الشريفة حرمة نكاح المحصنات المتزوّجات إلا الإماء المملوكات، فإنّ إحصانهن لا يمنع الزواج بهن بعد الاستبراء، ثم أحلّ اللّه تعالى ما وراء المذكورات حتّى التمتع بالنساء إذا كان المراد منه إحصان النفس وتهذيبها وترويضها بعدم الوقوع في الفحشاء وارتكاب الإثم، ولا بد من توفّر الشروط المطلوبة في المتعة، كالأجر والمدّة وغيرهما، وذكر عزّ وجلّ أن جميع تلك الأحكام إنّما هي لمصالح الناس، وهوالعليم بالمصالح الحكيم في أفعاله.
كما تحرم الآية  }ولا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً ومَقْتاً وساءَ سَبِيلاً{ (22) نوعا آخر من النكاح  وهوما ضمّه الأب إليه من النساء بالعقد أوالوطء، فيشمل المعقود عليها بالعقد الصحيح، والموطوءة بالملك، والموطوءة بالسفاح، ويدلّ على ذلك الإجماع والأخبار المستفيضة .
ونختم بما ختم به البيان الإلهي هذه السورة }.... يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا واللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ‏{ ففي هذه السورة لطيفة عجيبة، وهي أن أولها مشتمل على بيان كمال قدرة اللَّه تعالى فإنه قال: }يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ{ (النساء: 1) وهذا دال على سعة القدرة، وآخرها مشتمل على بيان كمال العلم وهو قوله واللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ وهذان الوصفان هما اللذان بهما تثبت الربوبية والإلهية والجلالة والعزة، وبهما يجب على العبد أن يكون مطيعا للأوامر والنواهي منقادا لكل التكاليف.
مصادر البحث
تفسير مواهب الرحمن للسيد السبزواري
تفسير الكاشف للشيخ محمد جواد مغنية
تفسير من وحي القرآن للسيد محمد حسين فضل الله
تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي
التفسير الأمثل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي
في ظلال القرآن للسيد قطب
مفاتيح الغيب للفخر الرازي
تفسير الصافي للفيض الكاشاني
كنز العرفان في فقه القرآن للمقداد السيوري
تفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا
مجلة رسالة الإسلام
تحرير الوسيلة للإمام الخميني


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=162
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2008 / 08 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29