• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : فقه .
                    • الموضوع : العلاج التجميلي.. مقاربة شرعية .

العلاج التجميلي.. مقاربة شرعية


العلاج التجميلي.. مقاربة شرعية


الشيخ حسن الجواهري(ء)


يمكننا أن نعدّ أمثلةً للعلاج التجميلي لتكون مصاديق لهذا العنوان العام حتى إذا ما حكمنا على هذا العنوان العام بحكم شرعي يكون سارياً في المصاديق التي ذكرناها والتي لم نذكرها ممّا ينطبق عليها العنوان العام. فمن أمثلة العلاج التجميلي:
1 الوشم: وهو النقش الأخضر أو الأزرق على الجسم بواسطة الإبر، فيتراءى بياض سائر البدن وصفاؤه أكثر ممّا كان يرى لولا هذا النقش.
2 الوشر: وهو التحديد والتقصير، فوشر الأسنان هو تحديدها وتقصيرها.
3 التفلّج: وهو الانفراج ما بين الأسنان.
4 ترقيق الحواجب.
5 تطويل الشعر بواسطة وصل الشعر بالشعر، أو وضع الشعر على الشعر (الباروكة).
6 صبغ الشيب، أو صبغ الشعر.
7 النمص: وهو الحف للمرأة التي تقلع شعر وجهها بواسطة الالة.
8 إنبات الشعر على الرأس لإزالة القرع، أو إنبات الشعر على الجسم لإزالة أثر الحرق.
والخلاصة: هو كل عمل في جسم الإنسان يُعدّ تجميلاً له أو إزالة العيب عنه، ولا بدّ لنا من معرفة الحكم الشرعي للعلاج التجميلي، وذلك بمعرفة القاعدة الأولية أولاً، ثم نعقب على ذلك بما ورد من النصوص الشرعية التي يظنّ أنّها واردة فيه.
ء القاعدة الأولية لعلاج التجميل:
إنّ علاج التجميل إذا لم يقترن بأمر محرم مثل نظر الرجل إلى المرأة أو مسّها ولم يكن القصد منه غش الاخرين المحرم الذي يُظهر المرأة التي يريد أن يخطبها الخاطب بمظهر الكمال عند خطبتها مع عدم وجود كمالٍ فيها فهو حلال جائز، وذلك أنّ غاية ما يحصل من العلاج التجميلي عند عدم اقترانه مع الحرام هو الزينة واظهار الكمال واخفاء العيب، وهو أمر جائز، بل مرغوب فيه.
وحينئذٍ يكون الألم في سبيل الوصول إلى هذه الغاية المطلوبة هو أمر جائز إذا لم يصل إلى حد التهلكة في النفس، وما أكبر ما يحصل عليه الإنسان حينما يزيل الألم النفسي أو يجلب المتعة النفسية التي تحصل من بعض عمليات التجميل.
ومن أمثلة هذا العمل هو أن تفعل الزوجة هذه العلاجات لأجل زوجها، أو الذهاب إلى حفل نسائي، فهو وإن انطبق عليه عنوان الغش إلاّ أنّه غش حلال كمن يخفي عيوب داره ويخلط السمن الجيد بالردي‏ء لأجل غذائه الخاص.
وأمّا إذا اقترن علاج التجميل بأمر محرم كنظر الرجل إلى المرأة المحرمة أو مسها، أو كان القصد من العلاج هو غش الاخرين المحرم كمن تعمل هذه العلاجات ليظهرها بمظهر الكمال مع عدم وجود الكمال فيها، لأجل أن توقع الخاطب في خطبتها فهو أمر محرّم لحرمة النظر واللمس، ولانطباق عنوان الغشّ المحرّم على هذه الأفعال، وقد ورد عن رسول اللَّه (ص): «ليس منّا من غشّنا».
ما ورد من النصوص الشرعية التي يظن أنّها تمنع من العلاج التجميلي:
نقول: إنّ ما ورد من الروايات في منع بعض مصاديق العلاج التجميلي مثل:
1 لعن رسول اللَّه (ص): «الواشمة والمستوشمة، والواشرة والمستوشرة».
2 لعن رسول اللَّه (ص): «المتفلّجات للحسن، والمغيرات خلق اللَّه».
3 لعن رسول اللَّه (ص): «النامصة والمتنمّصة».
4 لعن رسول اللَّه (ص): «الواصلة والمستوصلة»(1).
تحمل كلّها على اقتران هذه العلاجات بأمر محرّم مثل الغش المحرم أو ما شابه ذلك.
ودليلنا على ذلك: أنّ اللعن الوارد في الروايات ظاهر في الحرمة وليس صريحاً فيها، حيث إنّ اللعن لغةً من الإبعاد المطلق، وحينئذٍ إذا دلّت الأدلّة على جواز أو استحباب تزيين المرأة لزوجها، أو لأجل الذهاب إلى حفل نسائي مثلاً، فيكون هذا قرينة على صرف الحرمة الظاهرة في الأحاديث إلى صورة الغش أو اقتران هذه الأعمال ببعض المحرّمات، أو نقول بكراهة التزيين في غير الموارد التي دلّ الجواز على استحبابها.
والذي دعانا إلى هذا الكلام ولم نقل: «إنّ التزيين إذا كان جائزاً بصورة مطلقة وقد ورد التحريم في بعض أفراده، فنخصّص الجواز بغير مورد التحريم» هو تذييل اللعن الوارد في المتفلّجات بقوله: «المغيِّرات خلق اللَّه» ونحن نعلم: أنّ المراد من خلق اللَّه في هذه الرواية هو دين اللَّه، كما جاء في اية النساء (ولأضلنهم ولاُمنّينهم ولامرنهم فليبتّكنّ اذان الأنعام ولامرنهم فليغيّرن خلق اللَّه ومن يتّخذ الشيطان ولياً من دون اللَّه فقد خسر خسراناً مبيناً)(2). وقال تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة اللَّه التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللَّه ذلك الدين القيم)(3).
إذن المراد بتغيير خلق اللَّه هو الخروج عن حكم الفطرة وترك الدين الحنيف، وذلك بتحليل الحرام الذي حرمه الشارع المقدّس، وبما أن الحرام هو الغش وليس التزيين نفهم من الروايات المتقدّمة أن المراد بالمحرم هو الغش، والمراد باللعن هو خصوص حصول المحرم من هذه الأعمال، أمّا التزيين الذي يحصل من هذه الأعمال فهو ليس فيه تغيير لدين اللَّه، حيث يكون جائزاً بأدلّته الكثيرة، فلا يكون مشمولاً للروايات اللاعنة، كما أن الروايات اللاعنة لا تشمل التزيين.
ولو أصر إنسان على أن المراد من اية (ولامرنّهم فليغيّرن خلق اللَّه) هو حرمة تغيير ما خلق اللَّه من أشياء، فلازم ذلك أن نحرّم حلق الرأس والشعر من الجسم، ونحرم فتح الجسور والطرقات وبناء الأسواق وشق الأنهار وما إلى ذلك، ويلزمنا أن نفتي بحرمة تعديل الشارب ولبس الثياب؛ لأنّه تغيير لخلق اللَّه سبحانه، وهذا ما لا يقول به أحد.
أضف إلى ذلك الروايات الواردة في تحسين الوجه وصبغ الشيب بالحنّاء والسواد، والحثّ عليه، وقد ورد «لا بأس على المرأة بما تزيّنت به لزوجها» ففي رواية سعد الأسكاف قال: «سئل أبو جعفر (الإمام الباقر (ع)) عن القرامل التي تضعها النساء في رؤوسهن يصلن شعورهن؟ قال: لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها، قال: فقلت بلغنا أن رسول اللَّه (ص) لعن الواصلة والمستوصلة، فقال: ليس هنالك، إنّما لعن رسول اللَّه (ص) الواصلة التي تزني في شبابها، فإذا كبرت قادت النساء إلى الرجال، فتلك الواصلة والموصولة»(4).
ثم إنّ هذه الروايات الواردة في اللعن للواشمة والنامصة والواصلة والمفلّجة بين مرسل ومسند لم تثبت حجيته لضعف السند، وحينئذٍ نبقى على أصالة الإباحة عند الشك في الحرمة، وهي التي اقتضتها القاعدة الأوليّة ؟

... ورأي للمذاهب الأخرى‏

من عمليات التجميل عمليات التجميل التحسينية التي يقصد بها تحسين المظهر وتحقيق الشكل الأفضل والصورة الأجمل دون وجود دوافع ضرورية تستلزم الجراحة. ومن هذا النوع عمليات تجميل الأنف إما بتصغيره أو تكبيره وتجميل الثديين للنساء بالتصغير أو التكبير وتجميل الوجه بشد التجاعيد، وتجميل الحواجب والتجميل بشد البطن أو التجميل بإزالة الدهون من الأرداف ونحو ذلك.
وهذا النوع من الجراحة لا يشتمل على دوافع ضرورية، بل غاية ما فيه تغيير خلقة اللَّه تعالى والعبث بها حسب أهواء الناس وشهواتهم فهو غير مشروع، ولا يجوز فعله وذلك لما يأتي:
أولاً: لقوله تعالى حكاية عن إبليس لعنه اللَّه : (ولامرنهم فليغيرن خلق اللَّه) وجه الدلالة: أن هذه الاية الكريمة واردة في سياق الذم، وبيان المحرمات التي يسول الشيطان فعلها للعصاة من بني ادم ومنها تغيير خلقة اللَّه.
وجراحة التجميل التحسينية تشتمل على تغيير خلقة اللَّه والعبث فيها حسب الأهواء، والرغبات فهي داخلة في المذموم شرعاً، وتعتبر من جنس المحرمات التي يسول الشيطان فعلها للعصاة من بني ادم.
ثانياً: لحديث عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه أنه قال: (سمعت رسول اللَّه (ص) يلعن المتنمصات والمتفلجات للحسن اللاتي يغيرن خلق اللَّه) رواه مسلم.
وجه الدلالة: إن الحديث دل على لعن من فعل هذه الأشياء وعلل ذلك بتغيير الخلقة وفي رواية: (والمتفلجات للحسن المغيرات خلق اللَّه) رواها أحمد فجمع بين تغيير الخلقة وطلب الحسن وهذان المعنيان موجودان في الجراحة التجميلية التحسينية؛ لأنها تغيير للخلقة بقصد الزيادة في الحسن فتعتبر داخلة في هذا الوعيد الشديد، ولا يجوز فعلها.
ثالثاً: لا تجوز جراحة التجميل التحسينية كما لا يجوز الوشم والوشر والنمص بجامع تغيير الخلقة طلباً للحسن والجمال.
رابعاً: إن هذه الجراحة تتضمن في عدد من صورها الغش والتدليس وهو محرم شرعاً ففيها إعادة صورة الشباب للكهل والمسن في وجهه وجسده، وذلك مفض للوقوع في المحظور من غش الأزواج من قبل النساء اللاتي يفعلن ذلك وغش الزوجات من قبل الرجال الذين يفعلون ذلك.
خامساً: أن هذه الجراحة لا تخلو من الأضرار والمضاعفات التي تنشأ عنها.
 
(ء) أستاذ في الحوزة العلمية في قم المقدسة.
(1) راجع وسائل الشيعة: ج‏12، ب‏19 ممّا يكتسب به، ح‏7 وغيره.
(2) سورة النساء، الاية: 119.
(3) سورة الروم، الاية: 30.
(4) وسائل الشيعة، ج‏12، ب‏19، من أبواب ما يكتسب به، ح‏2.


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=37
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2007 / 05 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18