• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : فكر .
                    • الموضوع : لا للتفريط ولا للإفراط نعم للاعتدال والتوازن .

لا للتفريط ولا للإفراط نعم للاعتدال والتوازن

  

لا للتفريط ولا للإفراط نعم للاعتدال والتوازن

 

التفريط لغة:   مصدر قولهم: فرّط في الأمر يفرّط بمعنى قصّر، وهو مأخوذ من مادّة (ف ر ط) الّتي تدلّ على إزالة شيء عن مكانه، وتنحيته عنه. يقال: فرّطت عنه ما كرهه، أي نحّيته، هذا هو الأصل، ثمّ يقال: أفرط إذا تجاوز الحدّ في الأمر  « المقاييس (4/ 490).».

والفارط: المتقدّم السّابق  وفي الدّعاء للطّفل الميّت: اللّهمّ اجعله لنا فرطا، أي أجرا يتقدّمنا حتّى نرد عليه.  

 

والإفراط

والإفراط: إعجال الشّيء في الأمر قبل التّثبّت.

يقال: أفرط فلان في أمره أي عجل فيه. وفرط الشّهوة والحزن: غلبتهما، وأفرط عليه: حمّله فوق ما يطيق، وكلّ شيء جاوز قدره فهو مفرط. « اللسان «فرط» (368- 370).».

وفرّط الشّيء وفيه تفريطا: ضيّعه وقدّم العجز فيه، وفرّط في جنب اللّه، ضيّع ما عنده فلم يعمل، ومنه قوله تعالى: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ (الزمر/ 56) وأمره فرط أي متروك، وقوله تعالى: وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (الكهف/ 28) أي متروكا، ترك فيه الطّاعة وغفل عنها.

 

وفرّطه تفريطا: مدحه حتّى أفرط في مدحه، مثل قرّظه. وأفرط الأمر إذا نسيه، فهو مفرط، أي منسيّ، وبه فسّر مجاهد وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ أي منسيّون « التاج (10/ 361، 362، 363).».

 

 

التفريط والإفراط اصطلاحا:

قال الكفويّ: الإفراط: التّجاوز عن الحدّ ويقابله التّفريط « الكليات للكفوي (155).»

 

التفريط والإفراط مهلكة للفرد والمجتمع:

لقد أمر الإسلام بالتّوسّط في الأمور كلّها، فقال سبحانه: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً (البقرة/ 143) والوسطيّة يضيّعها أمران: أحدهما: التّقصير الّذي هو التّفريط وما يترتّب عليه من تضييع الحقوق، والتّكاسل عن أداء الواجبات.

 

ثانيهما: الإفراط وهو على العكس من ذلك، يؤدّي إلى الغلوّ والإسراف والتّطرّف في الأمور كلّها، وقد يحسب هؤلاء المفرطون أنّهم يحسنون صنعا

وهم  يخالفون صريح ما جاءت به الآيات والأحاديث الّتي تنهى عن التّفريط والإفراط كليهما، وتدعوا إلى التّوسّط والاعتدال؟! وكم من فورة أعقبتها حسرة، وعجلة تبعتها ندامة

 

الآيات الواردة في «التفريط والإفراط»

 

1- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (31) « الأنعام: 31 مكية »

2- وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) « الأنعام: 38 مكية ».

3- وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61) « الأنعام: 61 مكية »

4- فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (80) « يوسف: 80 مكية »

5- وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) « النحل: 62 مكية »

6- وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) « الكهف: 27- 28 مكية »

7- اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (46) « طه: 43- 46 مكية »

8- أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) « الزمر: 56 مكية »

ومن الاحاديث الواردة في ذلك معنى:

- (قال الامام عليّ  : لا يرى الجاهل إلّا مفرطا او مفرّطا « المفرط بالتخفيف: المسرف، والمفرّط بالتشديد: المقصر.»

مفرط : مقصر مهمل ، و مفرّط . مسرف متجاوز للحدود في جميع أموره لا يعرف معنى القصد ، ولا يهتدي إلى رشد)

- (وقال عليه السلام : يهلك فيّ رجلان: محبّ غال ومبغض قال ».

وورد عن رسول الله(ص) أنّه قال لعليّ(ع): (يا عليّ هلك فيك اثنان، محبّ غالٍ، ومبغض قالٍ 

 

الآيات الواردة في ترك «التفريط والإفراط» والتزام الجادة الوسطى

يقول تعالى: (وكذلك جعلناكم أُمة وسطاً لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرَّسول عليكم شهيداً) البقرة/43

والقرآن الكريم يشير في موقع آخر إلى ضرورة الإعتدال بقوله تعالى: (كُلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين) الأعراف/31

 

ويقول تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كلّ البسط فتقعد ملوماً محسوراً) الإسراء/29 

ومن الاحاديث الواردة في ذلك :

النبي(ص) يقول: (ليس خيركم من ترك الدُّنيا للآخرة، أو الآخرة للدّنيا، ولكنّ خيركم من أخذ من هذه ومن هذه) أي خير الناس من كان معتدلاً

قال الإمام عليّ(ع): (اليمين والشّمال مضلّة، والوسطى هي الجادّة، عليها يأتي الكتاب، وآثار النبوة، ومنقذ السنة، خاب من ادعى وضلّ من افترى   

الجادّة في اللّغة وسط الطّريق ومعظم الطّريق، غير أنّه(ع) استعار لفظ الجادة للطريقة المثلى التي لو أتّبعها ابن آدم لما وقع في الإفراط أو التّفريط

 

ومن الموارد المطلوب فيها الاعتدال عيش الإنسان بين الخوف والرجاء في علاقته مع مولاه جلّ وعلا   

 وقضيّة الحبّ والبغض فقد ورد عن علي عليه السلام (أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما)

 

من مضار (التفريط والإفراط)

(1) يؤدّي إلى العقاب الشّديد.

(2) في التّفريط ضياع للثّواب.

(3) البعد عن اللّه واستحقاق البغض.

(4) التّفريط في العبادة مدعاة إلى الكسل.

(5) يستجلب الغفلة عن ذكر اللّه.

(6) شيوع الفساد في المجتمع.

(7) الانقطاع عن الطّاعة، وعدم الاستمرار فيها، قد يؤدّي إلى تركها بالكليّة.

الخلاصة إذن، هي أنّ الجادة الوسطى هنا طريق النّجاة، والإنحراف عنها لا يمكن أن يوصل إلى الهدف المنشود؛ ذلك أنّ اليمين والشمال مضلّة كما عبّر أمير المؤمنين(ع) والمقصود من الجادّة الوسطى هنا أن يعيش الإنسان حالة الإعتدال والتوازن في كلّ تفاصيل حياته، بما في ذلك الحب والبغض والمشرب والمأكل والملبس وغيرها. لكي يكون مقتدياً بأئمته(ع)، ولكي ينجو من الوقوع في الإفراط او التفريط في حياته  


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=532
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 05 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29