• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : الخطيب والفصاحة .
                          • رقم العدد : العدد السادس والعشرون .

الخطيب والفصاحة

 مع الخطباء والمبلغين

الخطيب والفصاحة

الشيخ محمد تقي فلسفي (ره)

قال الإمام الباقر عليه السلام :  إياك والرجاء الكاذب فإنه يوقعك في الخوف الصادق"

على الخطيب أن يستخدم في كلامه كلمات ومصطلحات وعبارات إنسيابية وواضحة بالنحو الذي تفهمه العامة، ويتجنب الإتيان بألفاظ معقدة غير مألوفة، ذلك أن هذه الألفاظ تثقل على الكثير من المستمعين وتتعبهم لعدم استيعابهم لمعانيها، وبالتالي تقف حائلاً أما حسن إصغائهم.

عن الإمام علي عليه السلام قال:" أحسن الكلام ما لا تمجه الآذان ولا يتعب في فهمه الأفهام"

وتارة يتكلم المتحدث بألفاظ سهلة الفهم يسيرة الهضم لا تحتوي التعقيد والغرابة، لكن التكرار والتركيب يبعد الحديث عن الفصاحة ويجعل معظم المستمعين في متاهة عن هدف المتحدث.

 

فصاحة المتكلم

الخطيب الفصيح هو المتمكن بالمقدار اللازم من المفردات الفصيحة والكلمات الانسيابية، والذي يستطيع أن يستخدم هذه المفردات بسهولة لتوضيح أي موضوع، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يمتلك استعداداً فطرياً وذوقاً طبيعياً بحيث يستطيع أن يكوّن من تلك المفردات الفصيحة والجميلة التي يختزنها في ذهنه جملاً مسبوكة جذابة ويبين هدفه في قالب يستقطب المستمعين نحوه.

 

 

السيطرة على الأداء

بحيث لا يواجه عند الإلقاء طريقاً مغلقاً، ولا يتوقف بحثاً عن المفردات والكلمات المناسبة، لأن

تعثر الخطيب يؤثر على المستمعين ويعرقل أيضاً استيعابهم للموضوع وإيداعه في الذاكرة

 

 

 

ضرورة التمرن

إلقاء الخطب في المجالس الكبيرة التي يحضرها آلاف الأشخاص من مختلف الفئات يماثل السباحة في الأحواض الكبيرة والبحار، فمن ينوي ارتقاء منابر الخطابة في مثل تلك المجالس عليه أن يتمرن على هذا الفن في أجواء أصغر ليمسك بالمفردات والجمل، ويستطيع التحدث في المجالس الأكبر بإقتدار، ثم يغادر منبر الخطابة فخوراً مرفوع الرأس

قال عليه السلام لجابر الجعفي: "إياك والرجاء الكاذب فإنه يوقعك في الخوف الصادق"([1])

 

الجمال

الجمال من الأمور التي تكسب المرء في المجتمع حباً ووداً، وتقربه إلى قلوب الأشخاص ، وفصاحة البيان وجاذبية الكلام للشخص الفصيح يعد نوعاً من الجمال فيسترعي اهتمام المستمعين

سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن عمه العباس كلاماً فصيحاً فقال له: "بارك الله لك يا عم في جمالك أي فصاحتك"([2])

وسئل العباس عم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أهو أكبر أم رسول الله، فأجاب " رسول الله أكبر وأنا ولدت قبله"

 

ومن قصار الكلمات للإمام عليه السلام

"إلهي كفى بي عزاً أن أكون لك عبداً وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً أنت كما أحب فاجعلني كما تحب"

 

 

 

اختيار المفردات

تارة تحضر الخطيب أكثر من كلمة فصيحة تعبر عن موضوع معين، وكل مفردة من تلك المفردات تفي لوحدها بالمعنى، إلا أن إحداها أجمل من غيرها وأخف على أذن السامع من بقية الكلمات

فاستخدام الخطيب الفصيح للكلمة الأجمل يضفي على كلامه جمالاً خاصاً يسحر السامعين.

 

السمات الفطرية

اللسان الفصيح يعد من الودائع الإلهية والذخائر الفطرية توجد فيمن يولد وهو يحمل هذه السمات وتبرز منذ الطفولة كفاءة الأشخاص الذين تتوفر فيهم هذه الفضائل فطرياً بنحو شعوري أو لا شعوري

سئل الإمام علي عليه السلام: من أفصح الناس؟ قال: "المجيب المسكت عند بديهة المقال"([3])

حكي أن البادية قحطت في أيام هشام بن عبد الملك فقدمت عليه العرب فهابوا أن يكلموه وكان فيهم درواس بن حبيب وهو ابن ست عشرة سنة فقال يا أمير المؤمنين إنه أصابتنا سنون ثلاث، سنة أذابت الشحم وسنة أكلت اللحم وسنة دقت العظم، وفي أيديكم فضول مال فإن كانت لله ففرقوها على عباده وإن كانت لهم فعلام تحبسونها عنهم، وإن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم فإن الله يحب المتصدقين.

 

الكلمات المستهجنة

على المتكلم الفصيح أن يتجنب ذكر المفردات القبيحة والألفاظ الشائنة على منبر الخطابة، ولا يتفوه بكلمات تنافي الأدب والأخلاق، لأنها تترك أثراً سيئاً في المستمع حتى يشمئز أحياناً من الخطيب.

قال الإمام علي عليه السلام: "إياك وما يستهجن من الكلام فإنه يحبس عليك اللئام وينفر عنك الكرام"([4])

ويزداد نفور الناس عنه بالنسبة التي يلوث لسانه ببذيء الكلام على منبر الخطابة

عن الإمام علي عليه السلام قال: "عجبت لمن يتكلم فيما إن حكي عنه ضره وإن لم يحك عنه لم ينفعه"([5])

ومحترم هو المتحدث الفصيح الذي يتكلم بما فيه خير الناس وسعادتهم ويعلم الشبان الدين والأخلاق ويحول بينهم وبين المزالق والانحرافات ويهديهم إلى طريق الحق والفضيلة.

أما الخطيب البذيء اللسان الذي يخاف الناس شر كلامه ويتقوّه بالاحترام والطاعة لئلا تلحقهم لعناته واهاناته وتتهدد أعراضهم أخطار لسانه، فإنه يستحق العذاب الإلهي

عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ويل لمن تركه الناس مخافة شره، وويل لمن أطيع مخافة جوره، ويل لمن أكرم مخافة شره"([6])

 

الخطباء الجدد

لا يستبعد حصول التلكؤ في الكلام عند الخطيب غير المتمرس، فينبغي له أن لا ينزوي عن الخطابة في المجالس الحاشدة والكبيرة، نسبياً بسبب الخوف من تلكؤ اللسان أو النسيان، كي لا يحرم نفسه من التقدم

عن الإمام علي عليه السلام قال: "إذا هبت أمراً فقع فيه فإن شدة توقيه أعظم مما تخاف منه"([7])

 

القصور العلمي

قال عليه السلام: "ولا يستحيي أن يتعلم ما لا يعلم ولا يستحيي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم"

وعن الإمام علي عليه السلام قال: "ينبغي أن يكون علم الرجل زائداً على نطقه وعقله غالباً على لسانه"

العامل الأول الذي يثقل لسان الخطيب القوي والمتمرس وينطقه بكلمات مبهمة المعنى هو القصور العلمي، ولإتقاء هذا العامل يفترض بالخطيب أن يبحث في المواضيع المتمكن منها علمياً.

 

تردد الخطيب

إن الخطيب ومهما كان مجرباً مقتدراً ليس بوسعه أن ينقل موضوعاً بفصاحة وحزم يشكك هو في صحته وأصالته، ولهذا تخرج كلماته محاطة بالغبش والإبهام، وقد منع الإمام علي عليه السلام المتحدثين من نقل المسموع المحتمل نفيه وتكذيبه.

قال عليه السلام: "لا تحدث ما تخاف تكذيبه"

 

التحدث بما يخالف الرأي والمعتقد

من العوامل الأخرى التي تؤدي إلى التكلؤ والتعثر  في الكلام هو أن تحيط بالخطيب ظروف تضطره إلى الكذب الذي يخالف رأيه وعقيدته وينافي الحقيقة في نفس الوقت كوصف الظالم عادلاً والخائن محقاً والمجرم خادماً، لأن الكذاب يعاني في باطنه من خوف وقلق وهو ما ينعكس على لسانه فيتعثر ويتلكأ أثناء الكلام

 

مواجهة الكبار

فإذا كان الخطيب ممن يرى في نفسه الصغار والضعف أمام العالم الكبير، فمن المؤكد أنه سيفقد ـ بحضور ذلك العالم ـ شخصيته المعنوية وسلطته الروحية وسيؤرقه الانفعال الباطني، ويعقد لسانه مهما كانت مقتدراً من الكلام ويعجز عن توضيح موضوع بحثه وذكر دليله العلمي والعقلي عن الإمام علي عليه السلام أنه قال: "ربما خرس البليغ عن حجته"([8])

 

 

 

سرعة الكلام

ومن القضايا التي تؤثر إلى حد ملحوظ في فصاحة المتكلم، مراعاة الاعتدال في سرعة البيان

وينبغي للخطيب الفصيح أن لا يسرع في الإلقاء ويتعجل الحديث مما لا يترك فرصة للمستمع ليستوعب موضوع البحث ويهضم محتواه، ولا يبطئ فيه ما يتعب المستمع ويرهقه ويسلب عنه الرغبة في الإصغاء.

ومن البديهي، قد يصل الخطيب أثناء كلامه إلى جملة تستدعي فنياً الإسراع في نقلها وبيانها، أو قد يقتضي نقل أحد النصوص التأني والبطء.

 

مستوى الصوت

يجب أن يكون مدى صوت الخطيب معتدلاً كما هي سرعة كلامه وعند حد معين، فلا يطلق لصوته العنان ويتخذ شكل الصراخ الذي يؤذي المستمع، ولا يخفض صوته إلى الحد الذي يضطر المستمع إلى توجيه كل حواسه وتعبئة قواه لسماع البحث عليه أن يتحكم بمدى الصوت، فيرفعه عن الحد الطبيعي حينما يريد مخاطبة الحاضرين بموضوع مهم، ويخفضه في مقام النصيحة والموعظة.

 

دور الفصاحة في التبليغ

لو كان الخطيب الإسلامي فصيحاً يراعي فنون الخطابة في كلامه ويتحدث بمنطق استدلالي حازم، فبوسعه أن يبلغ لدين الله ببيانه الواضح المؤثر، ويترك بصمات واضحة في المستمعين ويجيب على تساؤلاتهم، ويحل مشاكلهم، ويوفر الأجواء التي تقود المجتمع إلى طريق السعادة والفلاح.



[1] كتاب تحف العقول: 285

[2] كتاب المستطرف 1 ص 41

[3] كتاب ميزان الحكمة 7/486

[4] كتاب غرر الحكم ص 156

[5] كتاب غرر الحكم ص 497

[6] كتاب مجموعة ورّام 2/115

[7] كتاب نهج البلاغة: 175

[8] كتاب فهرست الغرر 334


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=544
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 06 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29