• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : قرانيات .
                    • الموضوع : بحث تفسيري حول آية المباهلة .

بحث تفسيري حول آية المباهلة

  بحث تفسيري حول آية المباهلة  

 

قال تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ  آل عمران: 61     

امر سبحانه و تعالى في هذه الآيات الرسول الكريم (صلى اللّه عليه و آله) و غيره ممن حصلت له قوة الاحتجاج و الكلمة الحاسمة الفاصلة بين الحق و الباطل و أحسّ ببرد اليقين في قلبه بالمباهلة- في دفع عناد المعاندين و إزهاق الدعاوى الباطلة غير المنصفة- قطعا للمعاذير و حسما لكل إصرار على الغي و الضلال، و ارشدهم إلى كيفية الاحتجاج و وعدهم النصر و الغلبة بإذنه عز وجل

و المباهلة من الأنبياء اظهار لاتصال نفوسهم القدسية بروح القدس و بيان لتأييداته تعالى لهم،        وارشاد الى انفعال عالم الشهادة و تأثره بعالم الغيب.

و التباهل الى اللّه عز و جل لمعرفة المحق من المبطل، وهو امر لا بد منه لحفظ الحق عن الضياع، و إتماما للحجة على العباد و صونا للمؤمن و مقامه في الحياة  والحاق الخزي و العار و الهلاك للمبطل و من هو على الغي و الضلال.

و المباهلة و ان كانت بين الرسول الكريم (صلى اللّه عليه و آله) و بين النصارى و لكن عممت ليشمل من ذكر في الآية الشريفة من الأبناء و النساء و الأنفس لأمور كثيرة أهمها:

أولا: ان للاجتماع خصوصية في الظفر على المطلوب و النيل بالمحبوب ليست هي في غيره و ان دعاء الجمع أقرب الى الاستجابة و لذا أمرنا اللّه تعالى في غالب الآيات المباركة الى الجمع في الدعاء قال تعالى: «وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ فَادْعُوهُ بِها» الأعراف- 180 و في السنة الشريفة الشيء الكثير قال (صلى اللّه عليه و آله): «يد اللّه مع الجماعة»

و ثانيا: الأعلام بأن الحق إظهاره أعظم من كل ما يرتبط بالإنسان و انه لا غاية اشرف منه و ان كل شي‏ء هو دونه سواء كان النفس و الشرف و الأهل.

فالآية الشريفة ترشد الإنسان الى انه لا بد ان يكون سعيه و مقصده هو احقاق الحق و إظهاره و ان لا يثبطه في ذلك الأهل و العشيرة و الشرف بل يفدي كل ذلك دونه

وثالثا: بيان ان مورد المباهلة من الأمور النوعية و الاجتماعية فلا بد من الاجتماع فيه لإتمام الحجة و إيضاح المحجة

ورابعا: اعتماد الداعي و الأعلام بانه على الحق و انه يقدم الأبناء و النساء و الأنفس للمباهلة و يخاطر بهم في العذاب و يشركهم في الدعاء على الكاذبين لينقطع دابرهم و يبطل مزاعم المبطلين و يظهر إبطالهم.                   

و خامسا: الأعلام بأن الداعي مطمئن باستجابة الدعاء و صدق دعواه و يقدم من هو اقرب الناس اليه و يذب عنهم في الشدائد و الأهوال و يظهر الشفقة عليهم و المحبة بهم و يتحمل الصعاب دونهم و مع ذلك فهو يخاطر بهم في شمول العذاب لهم و ليس ذلك الا لكون الداعي على يقين باستجابة دعائه.

و سادسا: الإشارة الى انهم على عظيم من الشرف و الكمال و انهم اقرب الناس الى الرسول العظيم (صلى اللّه عليه و آله) و ان دعاؤهم لا يرد و لهم منزلة عظيمة عند اللّه تبارك و تعالى و لذا أمر سبحانه و تعالى رسوله باشراكهم في الدعاء و المباهلة معهم.

و سابعا: الأعلام بأن المباهلة و ان كانت محاجة بين طرفين إلا انه لا بد ان تكون بإشراف من اللّه تعالى على الجميع و لا يعقل ان تكون الرعاية الإلهية لكل فرد في هذا الأمر العظيم، و تشمل كل من لا يكون مرضيا لديه عز و جل.

و المراد من الأبناء هم أولاد الرسول (صلى اللّه عليه و آله) الذكور المنحصرون في الحسن و الحسين (عليهما السلام) حين نزول الآية الشريفة.

و الآية المباركة ليست في مقام تكثير الإفراد في الأبناء و النساء و الأنفس و انه لا بد من تحقق ذلك الجمع خارجا كما هو الشائع بين الناس، بل هي ظاهرة في مقابلة الجمع بالجمع سواء كان كل جمع مشتملا على الكثرة أولا، مع انه من مجرد الإنشاء و الأمر بالمباهلة و هما لا يستلزمان كون المصداق الخارجي ايضا متحققا في الجمع و الكثرة بل المقصود هو الحكم و الإنشاء و الأمر فقط سواء كان مصداقه واحدا أو متعددا

و مثل هذا كثير في الاستعمالات القرآنية و غيرها

 قال تعالى: يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ» البقرة- 219 و قال تعالى : الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ» آل عمران- 173

و بعبارة اخرى: مصداق النزول و التنزيل لا يكون مقيدا لأصل الحكم و هذا ظاهر

يضاف الى ذلك ان إتيان لفظ الجمع من الأدب المحاوري الذي يلاحظه القرآن الكريم و هو دائر في المحاورات الفصيحة.

قوله تعالى: وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ

النساء جمع لا واحد له من لفظه و مفرده المرأة، ولفظ النساء يشمل المرأة التي تنسب الى الشخص بسبب أو نسب كالزوجة و الام و الاخت و البنت و قد ورد استعماله في جميع تلك الموارد في القرآن الكريم قال تعالى: «نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ» البقرة- 223 و قال تعالى: «فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ» النساء- 11 و المراد بهن الأخوات و قال تعالى: «وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ» النساء- 7 و المراد بهن البنات و المتقين منهن في المباهلة فاطمة الزهراء (سلام اللّه عليها) بالإجماع و نصوص متواترة كما سيأتي نقلها.

قوله تعالى: وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ

الأنفس جمع النفس و هي تطلق تارة و يراد بها الروح قال تعالى وَلَوْ تَرى‏ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ» الانعام- 93

و اخرى: يراد بها الذات و الشخص و هو المراد بها في المقام، و تقدم في قوله تعالى: «وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ» آل عمران- 28

و المقصود بها نفس الرسول (صلى اللّه عليه و آله) القائم بالدعوة إلى اللّه تعالى ومن هو بمنزلته في العلم و العمل و القضاء بالحق و هو منحصر في علي (عليه السلام) نصوصا و اجماعا

و قيل: انه لا يمكن دخول الرسول (صلى اللّه عليه و آله) في الآية الشريفة لان الداعي لا بد ان يكون غير المدعو و لا يصح دعوة الشخص نفسه.

و يرد عليه: انه لم يقم دليل على بطلان دعوة الشخص نفسه بل الأمر يدور مدار الغرض الصحيح،

على ان دخول الرسول (صلى اللّه عليه و آله) انما هو لأجل اثبات منزلة علي (عليه السلام) و الإعلام بأن وجوده (عليه السلام) بمنزلة وجوده (صلى اللّه عليه و آله) في العلم و العمل و الخصال الحميدة.

و في إتيان النساء و الأنفس جمعا ما تقدم ذكره من ان المراد هو وقوع هذا الجمع مقابل الجمع سواء تعددت الإفراد أم لا.

قوله تعالى: ثُمَّ نَبْتَهِلْ

مادة (بهل) تدل على شدة الاجتهاد و الاسترسال في الأمر المطلوب

و قد استعمل في الاجتهاد في الدعاء سواء كان لعنا أو غيره، و نبتهل افتعال بمعنى المفاعلة اي يدعو بعضنا على بعض، و يختص هذا الدعاء في المقام باللعنة بقرينة ما يأتي.

 قوله تعالى: فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ

بيان للابتهال. و المراد من اللعنة النكال و العذاب مطلقا و منه البعد عن رحمته تعالى و توفيقاته، كما ان المراد بالكاذبين هم الذين كذبوا و افتعلوا الباطل في شأن عيسى (عليه السلام) فيكون اللام للعهد اي: الكاذبين من احد طرفي المباهلة الواقعة بين الرسول (صلى اللّه عليه و آله) و بين النصارى و يستفاد من ذلك ان احد الطرفين كان كاذبا و الآخر كان صادقا، و قد ذكرنا ان الآية الشريفة تجعل هذا الجمع مقابل الجمع فتكون الإفراد في كل طرف شركاء في الدعوى فلو كان أحد الجمعين كاذبا كان الإفراد يشتركون فيه و يلزمه اشتراك الإفراد في الجمع الآخر في الصدق، و في ذلك فضل عظيم لمن اشترك في دعوة الرسول (صلى اللّه عليه و آله

و في إتيان الكاذبين جمعا الدلالة على ان في كل طرف افرادا متصفين بالدعوى سواء كانت صادقة أم كاذبة و هذا بخلاف ما ذكرنا في الأبناء و النساء و الأنفس حيث انه لا يعتبر تعددا في كل عنوان، إذ المنساق هو جعل هذا الجمع مقابل الجمع سواء تعددت الإفراد أم لا

 

 

بحوث المقام

تدل الآيات الشريفة على امور

الاول : يدل قوله تعالى: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ» ان ما اوحي إلى الرسول الكريم (صلى اللّه عليه و آله) هو العلم المطابق للواقع الذي يلزم قبوله و ان غيره من مجرد الظن و هو لا يغنى من الحق شيئا.

و يستفاد منه أيضا ان ما مع الرسول الكريم يشتمل على البرهان الساطع الذي لا يشك فيه احد، و لعل ارتداع النصارى عن المباهلة لأجل اقتناعهم بذلك.

الثاني يدل قوله تعالى: «مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ» ان  الذي جاء مع الرسول (صلى اللّه عليه و آله) هو الحق المطابق للعقل السليم الذي يتقبله كل فرد فلا فرق حينئذ بين ان يكون مع الرسول أو مع غيره

و بعبارة اخرى: ان المورد لا يكون مورد تعبد شرعي مختص به فان ما انزل اللّه تعالى عليه هو من الاحكام المستقلة العقلية التي يقبله الطبع المستقيم فيكون مع كل احد و ان الرسول الكريم هو واسطة الفيض.

الثالث  : ان إتيان هيئة الجمع في قوله تعالى: «أَبْناءَنا- و نِساءَنا- و أَنْفُسَنا» لا تدل على لزوم تعدد الإفراد في كل عنوان من العناوين الواردة في الآية الشريفة بل المقصود هو جعل هذا الجمع مقابل ذلك الجمع و ان القضية ليست من قبيل القضايا الخارجية التي يطلب فيها وجود الإفراد و تعددها بل هي من قبيل القضايا الحقيقية سواء تعددت الإفراد أولا و قد ذكرنا الوجه في إدراج الأبناء و النساء مع شخص الرسول الأمين (صلى اللّه عليه و آله) مع ان المباهلة انما كانت بينه و بين النصارى

الرابع : يدل قوله تعالى: «فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ» على ان اللعنة موجودة و مقررة و امر مفروغ عنه لان بها يمتاز الحق عن الباطل و لذا كانت دعوة طلبها غير مردودة فالتعبير ب (نجعل) كان ادل على المطلوب من غيره

الخامس  تدل آية المباهلة على الفضل العظيم و المنزلة الكبرى، و المنقبة العظمى لأهل بيت النبي (صلى اللّه عليه و آله) من وجوه عديدة:

منها: اختصاصهم باسم النفس و النساء و الأبناء للرسول الكريم (صلى اللّه عليه و آله) دون سائر الامة رجالا و نساء و أبناء.     

و منها: دلالة الآية الشريفة على ان مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) شركاء معه في الدعوة و الدعاء و الصدق مقابل الطرف الآخر الذين وصفوا بالكذب كما عرفت في التفسير.

و منها: ان الدعوى لما كانت مختصة بالرسول الكريم (صلى اللّه عليه و آله) و قائمة به و قد عرض نفسه الأقدس للبلاء و اللعن و الطرد و العذاب على تقدير الكذب و لا يتعدى إلى غيره لو لم يكن معه شخص و لكن إتيانه (صلى اللّه عليه و آله) بمن كان معه يدل على انهم في المنزلة كنفسه الشريفة و انحصار من هو قائم بدعواه من الأبناء و النساء و الأنفس بمن أتى بهم، و غير ذلك من الوجوه المستفادة من لحن الآية الشريفة و سياقها الدالين على فضل اهل البيت و منزلتهم

ونوقش في الاستدلال على ذلك بوجوه

الاول: ان إحضار الرسول (صلى اللّه عليه و آله) بمن أحضرهم انما كان على سبيل الانموذج لان جميع الامة من غير اختصاص بأحد تعتقد بأن اللّه واحد لا شريك له و ان عيسى بن مريم (عليه السلام) عبده و رسوله في مقابل النصارى الذين يعتقدون بخلاف ذلك فكانت المقابلة بين دعويين بلا فرق بين رجال كل طرف و أبنائهم و نسائهم فان الجميع في ذلك سواء، فلا يكون لمن أحضره الرسول (صلى اللّه عليه و آله) فضل على غيره.

و فيه: أولا: ان الأمر لو كان كذلك لكان في إحضار رجل واحد أو امرأة واحدة أو غيرهما الكفاية، و لم يحتج الى إحضار رجل و امرأة و ابنين إلا لأن فيهم سرا الهيا لم يكن في غيرهم.

و ثانيا: ان الدعوة في عيسى بن مريم كانت قائمة بالرسول الكريم (صلى اللّه عليه و آله) كما يستفاد من الآيات السابقة و أما سائر الامة  الذين اتبعوه فلم يكن للنصارى الذين وفدوا على رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) بهم ارتباط و نسبة فيكون إتيان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) لأهل بيته ليس الا انهم كانوا مشتركين في الدعوة والدعاء

الثاني: ان الآية المباركة لا تدل على اكثر من ان إتيان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) لأهل بيته في المباهلة كان لأجل وثوقه بالسلامة و العافية و استجابة دعائه و اما انهم كانوا شركاء في الدعوة و غيرها فهي بمعزل عن ذلك.

و فيه: ان الآية الشريفة بمجموعها- كما عرفت- تدل على ان كل طرف من طرفي الدعوة في المباهلة شركاء في الدعوة و هي إما صادقة أو كاذبة و لذا احجمت صاحبة الدعوة الكاذبة عن المباهلة لما علمت صدق الطرف الآخر.

الثالث: ان الأمر لو كان كذلك- و كانت الآية المباركة تدل على فضلهم و كرامتهم- لاشتركوا مع الرسول في النبوة لان الدعوة التي كانت مختصة به انما كانت كذلك لان اللّه اوحى اليه.

و فيه ان الاشتراك في الدعوة لا يستلزم اشتراكهم في النبوة فإنها غير الدعوة بل هي من شئونها و لوازمها.

الرابع: ان الآية الشريفة تأمر الرسول (صلى اللّه عليه و آله) ان يدعو المحاجين و المجادلين في عيسى من اهل الكتاب إلى الاجتماع رجالا و نساء و أطفالا، و يجمع هو المؤمنين رجالا و نساء و أطفالا و يبتهلوا إلى اللّه تعالى بأن يلعن الكاذب، و لا تدل الآية الشريفة على اجتماع الفريقين في مكان واحد بحيث يشتمل على النساء و الأولاد و الأنفس مع ان الآية المباركة نزلت في النصارى و لم يكن معهم نساؤهم و لا أولادهم.        

و فيه: ان ما ذكر خلاف ظاهر الآية الشريفة فإنها تدل على دعوة رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) إلى اجتماع المتخاصمين و المجادلين من الفريقين إلى المباهلة مع الأولاد و النساء و الأنفس فكأنه قد جمع اهل بيته مع وفد النصارى الموجودين حين الابتهال و اما ان النصارى لم يكن معهم الأولاد و النساء فهذا مطلب آخر و قد ذكرنا ان المفهوم من الآية المباركة شي‏ء و المصداق شي‏ء و الخلط بينهما أوجب الالتباس.

السادس  : ذكرنا ان الآيات الشريفة والاستعمال الفصيح يدلان على صحة استعمال النساء في البنات، و لكن استبعد بعض المفسرين ذلك و ذكر في معرض كلامه: «ان كلمة نسائنا لا يقولها العربي و يريد بها بنته لا سيما إذا كان له ازواج و لا يفهم هذا من لغتهم

و المناقشة في ما ذكره واضحة بعد الاحاطة بما ذكرناه في تفسير الآية الشريفة و الشواهد القرآنية و الشعر العربي الفصيح تدلان على صحة استعمال الكلمة في البنات و لم يستشكل احد من فرسان البلاغة و الفصاحة على القرآن الكريم في استعماله هذا لا سيما إذا كان قصد المتكلم الاحتشام من التصريح بابنته، مع ان الروايات الكثيرة المتواترة التي تدل على ان المراد من النساء ابنته (صلى اللّه عليه و آله) فاطمة الزهراء (عليه السلام) كافية في رده.

 و أحسب ان الأمر أوضح من ان يخفى إلا ان يراد عدم صحة استعمال الجمع في الواحد. و لكنه مردود بما ذكرناه من ان الآية المباركة تدل على استعمال الجمع مقابل الجمع من دون النظر إلى الإفراد. و الاشتباه انما حصل من خلط المفهوم بالمصداق.

السابع : انما ذكر سبحانه و تعالى النساء مع ان بناء القرآن على الكناية عنهن و التحفظ عليهن مهما أمكن لأمور:                 

منها: الأعلام باشتراك النساء في امور الدين اصولا و فروعا إلا ما خرج بالدليل.

و منها: الاهتمام بالدين و الاعتناء بشريعة سيد المرسلين (صلى اللّه عليه و آله

و منها: جعلهن في سياق المتدينين بتعلمهن الأعمال الصالحة و تلبسهن بالمعارف الحقة. و غير ذلك من المصالح.

الثامن : انما أخر سبحانه و تعالى «أنفسنا» و ذكرها بعد تفدية الأبناء و النساء لبيان اهمية المباهلة و التفدية للّه جلت عظمته لإثبات الحق و إظهاره بتفدية جميع العلائق حتى علاقة الأهل.

التاسع : ان كلمة «أنفسنا» تدل على شمولها لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) تنزيلا له منزلة نفس رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) لا لأجل ان الداعي لا بد ان يكون غير المدعو كما ذكره بعض المفسرين بل لان وجود علي (عليه السلام) في الأثر و المزايا و الفضيلة و الصفات بمنزلة وجود رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) لا سيما إذا كان التنزيل بأمر من اللّه تعالى و لم يوجد احد غير علي (عليه السلام) يكون واجدا لتلك المزايا التي تؤهله لهذه المنحة الإلهية و يكون كنفس رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و لا يمكن ان يكون احد نفس شخص آخر إلا إذا كان مشتملا على مزايا كبيرة يكون ثانيا في مزاياه أو الوجود المكرر له في الخصال و نحوها.

 

و يستفاد من الآية المباركة المنزلة الجليلة و المنقبة العظمى لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، و هذا ما يستفاد من سيرة رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) بالنسبة إلى علي (عليه السلام) في مواطن كثيرة تكون مبنية لمعنى «أنفسنا» في هذه الآية المباركة و مع ذلك فقد أشكل على دلالة الآية الشريفة بوجوه:

الاول: ان المراد بالأنفس في الآية المباركة من يتصل بالقرابة و القومية و استشهد لذلك بقوله تعالى: «فَتُوبُوا إِلى‏ بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ» البقرة- 54 و قوله تعالى: «وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ» البقرة- 84 و قوله تعالى: «هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ» البقرة- 85.

و فيه: ان اطلاق الأنفس باعتبار رابطة القرابة و القومية صحيح و لا بأس به و لكن هذا الاستعمال في الآية الشريفة بعيد فان جعل الأنفس مقابل الأقرباء مثل النساء و الأبناء لا يراد منها إلا المعنى الحقيقي الواقعي و الادعائي التنزيلي و نظير ذلك في القرآن كثير قال تعالى: «الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ» الشورى- 45 و قال تعالى قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً» التحريم- 6

الثاني: إن المراد من النفس القريب و قد عبر عن علي (عليه السلام) بالنفس لما كان له (ع) اتصال بالنبي (صلى اللّه عليه و آله) في النسب و المصاهرة و اتحاد في الدين.

و فيه: ان التنظير لو كان في القرابة فقط لما كان في علي (عليه السلام) خصوصية فان العباس عم الرسول و أولاده و بني هاشم كانوا من قرابته (صلى اللّه عليه و آله) و من المسلمين و المهاجرين.

مع انا ذكرنا انه ليس المراد من هذه الكلمة على (عليه السلام) بل المراد انه بمنزلة الرسول (صلى اللّه عليه و آله) و لذا لم يأت في مقام الامتثال غير علي (عليه السلام) و انه المصداق الوحيد لأنفسنا فلعل الاشتباه نشأ من الخلط بين المفهوم و المصداق.

الثالث: انه لو كانت الآية الشريفة دالة على المساواة بين علي (عليه السلام) و بين النبي (صلى اللّه عليه و آله) لزم كون علي (عليه السلام  نبيا. و انه أفضل من الأنبياء و المرسلين (عليه السلام

و فيه: انه لا ملازمة بين كون علي (عليه السلام) نفس الرسول (صلى اللّه عليه و آله) و بين مشاركته في النبوة، و قد تقدم ما يتعلق بذلك، و اما افضلية علي (عليه السلام) من الأنبياء و المرسلين فهي ثابتة مستفادة من قوله تعالى: «إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» البقرة- 124 و ادلة اخرى تقدم بعضها و يأتي بعضها الاخرى.

العاشر : الآية الشريفة تدل على صحة نبوة رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) بل هي من أجلاها   و قد اعترف الخصم بها بإبائهم عن المباهلة لما دعاهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) إليها و أحجموا عنها و رضوا بالجزية

المصدر : مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج‏6، ص: 21_  6  بتصرف

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=606
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 10 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 19