• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : المؤمنون بين الوئام والخصام _ ادب الاختلاف .
                          • رقم العدد : العدد الثاني والثلاثون .

المؤمنون بين الوئام والخصام _ ادب الاختلاف

 

المؤمنون بين الوئام والخصام _ ادب الاختلاف

إعداد هيئة التحرير

من اللازم على المؤمنين أن يتأدبوا بآداب عامة وخصوصا أدب الاختلاف لان الاختلاف سُنة كونية فينبغي للمختلفين أن يراعوا هذا الأدب ليعذر بعضهم بعضاً فالمؤمن يطلب المعاذير والا صار الخلاف شرًّا محضًا وسببا للشحناء والقطيعة

وليس مقبولا ان يكيل كلّ طرف للآخر أسوأ الاتّهامات والتوصيفات، دون أيّ ضوابط شرعية أو منطقية لمجرد الاختلاف في الرأي او في تشخيص الموضوعات والمصالح او ادارة بعض الشؤون الحياتية العائلية والمجتمعية.

فمن الآداب المطلوبة عند الاختلاف:

أولاً: الرجوع إلى الكتاب وسنّة المعصومين، قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}الشورى: 10

ففيهما اضافة الى الكثير من وسائل رفع  الاختلاف توجيهات  للحفاظ على حقوق الاخوّة والوئام والابتعاد عن القطيعة وعن التدابر وبما يتواءم مع تعاليم الدين، ومكارم الأخلاق.

روى الشيخ المفيد، أنّ أبا الحسن الرضا عليه السلام أوصى بعض أصحابه قال:

«يا عبد العظيم! أبلغْ عنّي أوليائي السّلامَ وقل لهم: أنْ لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلًا، ومُرْهم بالصّدق في الحديث وأداء الأمانة، ومُرْهم بالسّكوت وترك الجدال فيما لا يَعْنيهم، وإقبالِ بعضهم على بعض والمُزاوَرة، فإنّ ذلك قربة إليَّ. ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضًا، فإنّي آليتُ على نفسي أنّه مَن فعل ذلك وأسخط وليًّا من أوليائي دعوتُ الله لِيعذّبه في الدنيا أشدّ العذاب، وكان في الآخرة من الخاسرين»

وفي ذلك تأكيد مشدّد من الإمام الرضا على التزام أتباع أهل البيت أعلى القيم الدينية فيما بينهم.

فوجود حالة الاختلاف في الآراء والأفكار لا يُبرّر بأيّ حالٍ بروز حالة التمزّق والاحتراب والتسقيط فيما بينهم. فذلك خلاف أوامر الله سبحانه وتعالى، وتوجيهات الأئمة، وخلاف ما يرشدنا إليه العقل السليم.

 فالاختلاف لا يسقط حقوق الاخوّة التي يجب مراعاتها حتى مع الاختلاف من قبيل:

_ احترام الآخر قال تعالى: {لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ}

_ وعدم سوء الظن بالآخر قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} بل أن نحسن الظن فيمن اختلفنا معه، وأنه ما أراد إلا إصابة الحق، ولكنه أخطأه عن حسن قصد، فلا تحمل عليه في قلبك غلاً ولا ضغينة.

_ عدم الغيبة قال تعالى: {أيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ}

_ عدم تتبع العثرات: فالاختلاف لا يصيّر كل طرف عدواً لدوداً للآخر!! وليس مبرراً لتتبّع العثرات واسقاط الحرمات والتشهير فتتبع العثرات ليس من دأب المؤمنين فقد ورد عن النبي محمد(ص) من تتبع عورة أخيه المؤمن تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في بيته.

المودة في الله فعن الإمام علي عليه السلام: المودة في الله أقرب نسب.

وعنه عليه السلام: المودة في الله آكد من وشيج الرحم.

- وعن الإمام الصادق عليه السلام: من حب الرجل دينه حبه إخوانه.

 

 

 

المؤمن لا يبرأ من أخيه المؤمن

في الكافي عن يعقوب بن الضحاك عن رجل من أصحابنا سرّاج، وكان خادمًا لأبي عبدالله جعفر الصادق عليه السلام قال: «جرى ذكر قوم، فقلت: جعلت فداك، إنا نبرأ منهم، إنّهم لا يقولون ما نقول، فقال الإمام: يتولّونا ولا يقولون ما تقولون، تبرأون منهم، قال: قلت نعم، فقال الإمام: فهو ذا عندنا ما ليس عندكم فينبغي لنا أن نبرأ منكم، قال قلت لا ـ جُعلتُ فداك ـ، قال: وهو ذا، عند الله ما ليس عندنا، أفتراه اطّرحنا، قلت: لا والله، جعلت فداك، إذًا ما نفعل؟، قال: فتولّوهم ولا تبرأوا منهم» 

وقد علّق الشيخ المجلسي على هذه الرواية بقوله: إنّ قول الفريق الأول («إنهم لا يقولون ما نقول» أي من مراتب فضائل الأئمة وكمالاتهم ومراتب معرفة الله تعالى، ودقائق مسائل القضاء والقدر، وأمثال ذلك مما يختلف تكاليف العباد فيها، بحسب أفهامهم واستعداداتهم)

فالإمام يشدّد على أن لا حقّ لأحدٍ في أن يتبرأ من مؤمن، لأنه اختلف معه في رأيٍ ما مع ان الرواية مرتبطة بأمور لها ارتباط بأصول العقيدة فكيف بما هو دون ذلك من حيث الاهمية.

 

الخلاف لا يبرر الحقد

فحصول الخلافات وسوء التفاهم يكاد يكون من طبيعة البشر، ولكن على الإنسان أن لا يبقي آثار أي مشكلة في قلبه على نحو دائم. فعن الإمام الصادق عليه السلام: حقد المؤمن مقامه، ثم يفارق أخاه فلا يجد عليه شيئا.

وفي رواية أخرى عن الامام الصادق عليه السلام: المؤمن يحقد ما دام في مجلسه، فإذا قام ذهب عنه الحقد.

 المؤمن يطلب المعاذير

فأي خلاف او اختلاف ينبغي ان نلتمس فيه العذر للمخالف في الرأي او تشخيص المصالح او غير ذلك اذا كان صادرا من اهله.

_ كالمجتهد في الامور الفقهية  فإن  مقتضى فتح باب الاجتهاد قيام حالة التنوع في الآراء والأفكار، ومن حقّ أيّ أحدٍ أن يطرح آراءه شريطة الموضوعية، وتوخّي السُّبل العلمية، وان يناقش الآراء شريطة التزام الأخلاقيات الدينية، والنأي عن الاتهام والتشكيك في الطرف الآخر قال سبحانه: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}

وكذلك الرأي الصادر من اهل الخبرة  الامناء في أي مجال من  مجالات اختصاصهم لا ينبغي اتهام صاحبه ولا تسفيه رأيه بل يحترم ويناقش حتى يستبين ما هو الحق والا فالاعتماد على موازين الترجيح الشرعية والعقلائية.

_  الرفق في التعامل: والرفق أصل من أصول  التعامل، ومبدأ من مبادئ الشريعة، فقد قال الله لموسى عليه السلام لما أمره أن يذهب لدعوة فرعون: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}طه: 44

- وعن رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله عز وجل رفيق يحب الرفق في الأمر كله.
وعن الإمام علي عليه السلام: عليك بالرفق فإنه مفتاح الصواب وسجية اولي الألباب

 

_ أن لا يتكلم المرء بغير علم، قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}الإسراء: 36

وعن الإمام علي عليه السلام: لو سكت الجاهل ما اختلف الناس.

فكلما تكلّم من ليس له علم او تدخّل في ما لا يعنيه زاد في الشقاق والاختلاف.

صيانة المجتمع عن هذا الاختلاف

ينبغي قبول الاختلاف بالطريقة المؤدبة وعدم إثارة التشنّج في مجتمع المؤمنين بسبب الاختلاف في مسائل جزئية فرعية بل أن يقبل الاختلاف كاختلاف فكري علمي لا أثر له على سلوك ولا على تماسك المجتمع. كما لا ينبغي ان يسمح العلماء واهل الاختصاص للجاهلين الخوض في ما لا يعنيهم والا يستثيروا عامة الناس ليخوضوا في المسائل المختلف فيها فتزداد الاختلافات تشعباً ويزيدوا الطين بلة.  

 

سيرة أهل البيت في التعامل مع من اختلفوا معهم

حينما انشق قسم من الناس على الإمام علي بعد قضية التحكيم في صفين، وأعلنوا معارضتهم للإمام، وهم الذين عرفوا بالخوارج، قام رجل من الخوارج فقال: لا حكم إلا لله، فسكت علي، ثم قام آخر وآخر، فلما أكثروا عليه قال: كلمة حق يراد بها باطل.

لكم عندنا ثلاث خصال: لا نمنعكم مساجد الله أن تصلوا فيها، ولا نمنعكم الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدؤكم بحرب حتى تبدؤونا به. 

_ وبعد واقعة النهروان سمع بعض أصحاب الإمام شخصاً يقال له أبا العيزار الطائي وهو يجهر برأي الخوارج، فجاءوا به للإمام علي، قائلين: إن هذا يرى رأي الخوارج، ونقلوا حديثه، فقال: ما أصنع به؟ قالوا: تقتله  

قال الإمام: أقتل من لا يخرج علي؟

قالوا: تحبسه

قال: وليست له جناية، أحبسه عليها خلّو سبيل الرجل.

_ والإمام الحسن الزكي خالفه جماعة من أهله من فعرض عليهم أسباب صلحه مع معاوية بن أبي سفيان فاقتنعوا بكلامه وساروا على طريقه.

- والإمام الحسين عليه السلام خالفه الحر بن يزيد الرياحي تعامل مع الحر بأدب الاختلاف حتى أستوعبه وحوله من شخص مناوئ إلى شخص فدائي للحسين.

 

هل أراد الامام الصادق عليه السلام أن نتعامل بأدبه مع غير الشيعة ولا نتعامل بأدبه مع الشيعة؟!

والإمام جعفر يحثنا على أن نكون مظهرًا له، مظهرًا لأدبه مع إخواننا من المسلمين، فكيف مع إخواننا من أبناء المذهب الواحد الذين يجمعنا ولاية امير المؤمنين واولاده المعصومين؟!

فقد كان الامام جعفر الصادق عليه السلام يدعو، شيعته إلى تعميق العلاقات مع المخالفين  ويقول "اوصيكم بتقوى الله عزّ وجلّ والورع في دينكم والاجتهاد لله وصدق الحديث واداء الامانة... صلوا عشائركم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فانّ الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدّى الأمانة وحسن خلقه مع الناس، قيل: هذا جعفري فيفرّحني ذلك ويدخل عليّ منه السرور وقيل، هذا ادب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل عليّ بلاؤه وعاره وقيل: هذا ادب جعفر".

 ونهى عليه السلام عن التعصّب لأنه أحد أهم أسباب وعوامل التشاجر والتناحر والاختلاف والفرقة بين المسلمين لأنه يمنع من اللقاء والاجتماع.

قال عليه السلام: "من تعصّب أو تعصِّب له، فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه".

ودعا الإمام الصادق عليه السلام إلى اصلاح العلاقات بين الناس والتقريب بينهم، ليكونوا أخوة متآزرين متعاونين فقال: "صدقة يحبها الله إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا.

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=801
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 09 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28