• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : قرانيات .
                    • الموضوع : كلمات وردت في القرآن الكريم مادة (ط ه ر ) بهيئاتها المختلفة .
                          • رقم العدد : العدد الثالث والثلاثون .

كلمات وردت في القرآن الكريم مادة (ط ه ر ) بهيئاتها المختلفة

 

كلمات وردت في القرآن الكريم مادة (ط ه ر )  بهيئاتها المختلفة

 

إعداد الشيخ سمير رحال

 مادّة (ط هـ ر)

طهر الشّيء طهرا وطهارة وهو مأخوذ من مادّة (ط هـ ر) الّتي تدلّ على نقاء وزوال دنس، ويقال طهّرته فتطهّر وطهر واطّهّر فهو طاهر ومتطهّر.

والطّهر، نقيض الحيض ونقيض النّجاسة، واسم الماء: الطّهور. وكلّ ماء نظيف: طهور، وماء طهور أي يتطهّر به.

والتّطهّر والتّطهير: التّنزّه والكفّ عن الإثم وما لا يجمل , وهم قوم يتطهّرون أي يتنزّهون عن الأدناس ورجل طهر الخلق وطاهره.

 

واصطلاحا:

قال الرّاغب: الطّهارة ضربان: طهارة جسم وطهارة نفس، ولكلّ معناه الاصطلاحيّ.

فطهارة النّفس: ترك الذّنب والعمل للصّلاح وتنقية النّفس من المعايب.

وطهارة الجسم: رفع حدث أو إزالة نجس أو ما في معناهما وعلى صورتهما .

 

من معاني كلمة «الطهارة» في القرآن الكريم:

ذكر أهل التّفسير أنّ الطّهارة في القرآن على أوجه:

 (1) الطّهارة من  الرّذائل الأخلاقية

كقوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها التوبة/ 103).

وكقوله تعالى فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ (المجادلة/ 12).

فهي تطهرهم من الرّذائل الأخلاقية، ومن حبّ الدنيا وعبادتها، ومن البخل وغيره من مساوئ الأخلاق .

وكقوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً الأحزاب:33  

(2) الطّهارة من الأوثان

 كقوله تعالى: أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ (البقرة/ 125)

والتطهير هو التنزيه عن كل ما ينافي حرمة البيت.

قيل: إنه التطهير من لوثة وجود الأصنام.

وقيل: إنه التطهير من الدنس الظاهر كالدم وأحشاء الذبائح التي كان يلقي بها الجهلة في البيت.

وقيل: إنه يعني إخلاص النية عند بناء البيت.

ومن حذف المتعلق يستفاد التعميم فيشمل جميع أنحاء الرجس والخبائث المعنوية- كالشرك، والكفر، والإلحاد أو الحسية الظاهرية كالنجاسات، والقذارات وغيرهما, أو الحكمية كالجنابة والحيض، وحدوث النفاس.

لذلك نجد بعض الروايات فسرت التطهير في الآية بأنه تطهير الكعبة من المشركين، وبعضها بأنه تطهير البدن وإزالة الأدران.

  فعن الصادق (ع) : في قوله تعالى: أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ‏ الآية- يعني «نح عنه المشركين».

وفي الكافي عن الصادق(ع) قال: ...فينبغي للعبد أن لا يدخل مكة إلا وهو طاهر قد غسل عرقه، والأذى، وتطهر.

(3) الطهارة  بمعنى النزاهة  من الباطل ولغو القول والشك والتناقض:

- كقوله تعالى لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (2) فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) البيّنة: 1- 3

 

- وكقوله تعالى كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرامٍ بَرَرَةٍ (16)

مطهرة عن الباطل وهي كقوله: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ‏ [فصلت: 42]

وعن التناقض لقوله تعالى «وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِاللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً» (4: 82)

ومطهرة عن الذكر القبيح فإن القرآن يذكر بأحسن الذكر والثناء.

ومطهرة أي ينبغي أن لا يمسها إلا المطهرون، كقوله تعالى: فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ* لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏ [الواقعة: 78، 79].

فهذه الصحف مرفوعة عن وحي الأرض، فإنها وحي السماء، مرفوعة عن أن تنالها أيدي الدس والتحريف والنسخ و التزييف. وهي مطهرة من قذارة الباطل ولغو القول والريبة والتناقض ومطهرة من الخلط والكذب، والشبهات والكفر، والتحريف و اللّبس، بل فيها الحق الصريح وفيها الآيات والأحكام المكتوبة المستقيمة ، دون زيغ عن الحق، وإنما هي صلاح ورشاد، وهدى وحكمة.

 

 (4) ومنها: الحلال، كقوله تعالى: هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ (هود/ 78) أي أحلّ.

انّ كلمة «اطهر» لا تعني بمفهومها انّ عملهم المخزي والسي‏ء كان «طاهرا» ولكن الزواج من البنات «اطهر»، بل هو تعبير شائع في المفاضلة والمقايسة بين أمرين.

5 ومنها: الطهر عن كلّ شي سوى الله

كقوله تعالى :عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً  الإنسان: 21

عبارة طهور لم ترد في القرآن إلّا في موردين: أحدهما في مورد المطر (الفرقان 48) والآخر في مورد الآية وهو الشراب الخاص بأهل الجنّة.

إنّ «الطهور» هو الطاهر والمطهر، فإنّ هذا الشراب يطهر جسم الإنسان وروحه من كل الأدران والنجاسات ويهبه من الروحانية والنورانية حتى‏ ورد في حديث عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال: «يطهرهم عن كلّ شي‏ء سوى اللّه»

وفي حديث روي عن النّبي صلّى اللّه عليه وآله قال: «فيسقون منها شربة فيطهر اللّه بها قلوبهم من الحسد! ... وذلك قول اللّه عزّ وجلّ‏ وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً  (نور الثقلين، ج 5، ص 485 ذيل الحديث 60.)

 

 

 

 (6) ومنها: طهارة القلب من الرّيبة

 كقوله تعالى: ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ (البقرة/ 232) أطهر لقلب الرّجل والمرأة من الرّيبة.

وقوله تعالى (ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) (الأحزاب/ 53) أي من الرّيبة والدّنس.

وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ...وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ  الأحزاب: 53  

‏حيث ان الاختلاط وإزالة الحجاب بين النساء والرجال يؤدي الى الفساد والفتنة، فالقلب يتأثر بالكلمة والنظرة والاختلاط، فإذا ابتعد عن ذلك إلا في نطاق الضوابط والحواجز التي تضع لهذه الأشياء حدودا، كان أقرب إلى طهارة قلوبهم وقلوبهنّ.

 

(7) ومنها: الطهارة من الأدناس الظاهريّة والأقذار المعنويّة ومن الفاحشة

 كقوله تعالى ( يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ (آل عمران/ 42)

وظاهر الآية الشريفة أن الطهارة في المقام أعمّ من الطهارة من الأدناس الظاهريّة والأقذار المعنويّة , او الطهارة المختصّة بالطهارة عن الأدناس التي تلحق بالنساء، مثل الحيض والنفاس، حتّى تكون صالحة لخدمة المسجد او الطهارة من السفاح.

وكقوله تعالى...وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ  « البقرة: 25»

والأزواج المطهّرة من جميع الرذائل ومبرّأة من كلّ عيب وذم ونقصان، خلقا وخلقا بما يلائم طبع الإنسان، فهي في غاية الملاحة والبشاشة والسرور، وفي ذلك تمام النعمة.

في تفسير العياشي في قوله تعالى: وأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ عن الصادق عليه السّلام: «لا يحضن ولا يحدثن. وهذا من مصاديق الطهارة، وإلا فهنّ طاهرات من كلّ خبث  دنس ورذيلة.

 

 

8 الطهارة من الحدث:

_ كقوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ البقرة: 222- 223  

«وَلا تَقْرَبُوهُنَّ» بالجماع‏ «حَتَّى يَطْهُرْنَ» أي ينقطع الدّم عنهنّ؛ ومن قرأ «حتّى يطّهّرن» فإنّما هو يتطهّرن أي يغتسلن، «فَإِذا تَطَهَّرْنَ» أي اغتسلن؛ وقيل: توضّأن أو غسلن الفرج بعد انقطاع دم الحيض‏ «فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ» أي من الجهة الّتى يحلّ أن يؤتين منها. تفسير جوامع الجامع    ج‏1    122

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ‏ من الذنوب‏ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ‏ بالماء والمتنزهين عن الأقذار.

- وكقوله تعالى : ... وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ  المائدة: 6

 

- اقتران الطهارة بالتوبة

اما اقتران الطهارة والتوبة في الآية أعلاه يمكن أن يكون إشارة إلى أنّ الطّهارة تتعلّق بالطّهارة الظاهريّة والتوبة إشارة إلى الطّهارة الباطنيّة.

ويحتمل أيضا أنّ الطهارة هنا عدم التلوّث بالذنب، يعني أنّ اللّه تعالى يحب من لم يتلوّث بالذنب، وكذلك يحب من تاب بعد تلوّثه.

موصوفون بالطهر

عيسى بن مريم عليه السلام

قال تعالى : وَمُطَهِّرُكَ‏ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران/ 55]

والمراد هنا الطهارة من رجس الكافرين وكفرهم وابتعاده عن مخالطتهم ومكائدهم، وعن مجتمع استولت عليه كلّ رذيلة وكفر وجحود، وتنزيهه عن شبههم فطهّره اللّه تعالى من مجالسة الّذين كفروا به ورفع ذكره و نزّهه عن الفسقة والعصاة.

الماء

كما في قوله تعالى : وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً  [الفرقان/ 48].

والطّهور لغة ورد لأمور:

أحدها: مبالغة في الطّاهر فيكون صفة للماء وسبب الوصف أن يعلم أنّ الطّهارة صفة ذاتيّة له. والطّهور بفتح الطاء من أمثلة المبالغة في الوصف بالمصدر كما يقال: رجل صبور.

وثانيها: اسم لما يتطهّر به كالبخور لما يتبخّر به والوقود لما يتوقّد به.

وثالثها: بمعنى الطّهارة كقوله عليه السّلام: «لا صلاة إلّا بطهور»

وماء المطر بالغ منتهى الطهارة إذ لم يختلط به شي‏ء يكدره أو يقذره و هو في علم الكيمياء أنقى المياه لخلوه عن جميع الجراثيم فهو الصافي حقا.

ووصف الماء بالطهور يقتضي أنه مطهّر لغيره إذ العدول عن صيغة فاعل إلى صيغة فعول لزيادة معنى في الوصف كقوله تعالى: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ‏ الأنفال:11

اهل البيت عليهم السلام

قال تعالى : «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً».

والرجس‏- بالكسر فالسكون- صفة من الرجاسة وهي القذارة، والقذارة هيئة في الشي‏ء توجب التجنب والتنفر منها.

 وتكون بحسب ظاهر الشي‏ء كرجاسة الخنزيرقال تعالى: «أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ»،: الأنعام: 145

وبحسب باطنه- وهو الرجاسة والقذارة المعنوية- كالشرك والكفر وأثر العمل السيئ

فالرجس لغويا هو كل قذر مادي او معنوي، ما يستقذره الإنسان ماديا أيا كان، او معنويا أيا كان، فهو أعم من النجس إذ يخص القذر المادي.

ولذلك فإنّ هذه الكلمة أطلقت في القرآن على الشرك والخمور والقمار والنفاق واللحوم المحرّمة والنجسة و أمثال ذلك.( انظر الآيات: الحجّ- 30، المائدة- 90، التوبة- 125، الأنعام- 145.)

وإذهاب الرجس- واللام فيه للجنس- إزالة كل هيئة خبيثة في النفس تخطئ حق الاعتقاد والعمل فتنطبق على العصمة الإلهية التي هي صورة علمية نفسانية تحفظ الإنسان من باطل الاعتقاد و سيئ العمل.

وإطلاق هذه الكلمة ينفي انحصارها وكونها محدودة بالشرك والكفر والأعمال المنافية للعفّة وأمثال ذلك، فإنّها تشمل كلّ الذنوب والمعاصي والمفاسد العقائدية والأخلاقية والعملية.

وبملاحظة أنّ الإرادة الإلهيّة حتمية التنفيذ والوقوع، وأنّ جملة: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ‏ دليل على إرادته الحتمية، وخاصّة بوجود كلمة (إنّما) الدالّة على الحصر والتأكيد، سيتّضح أنّ إرادة اللّه سبحانه قد قطعت بأن يكون أهل البيت منزّهين عن كلّ رجس وخطأ، وهذا هو مقام العصمة.

 

القلوب

قال تعالى : وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ‏. الأحزاب: 53

فالحجاب أطهر وأطيب للنفس، وأبعد عن الريبة و التهمة و الفتنة، وأكثر طمأنينة للقلوب من الهواجس و الوساوس الشيطانية

وقال تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عظيم المائدة 41[1]

أي: أنّهم بلغوا في الغي والضلال مبلغا لم تتعلّق إرادة اللّه تعالى أن يطهّر قلوبهم من الكفر والنفاق والخبث والضلالة، فهي باقية على قذارتها وختم عليها بالكفر.

الثياب

قال تعالى : وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ

قيل: كناية عن إصلاح العمل؛ لان العمل بمنزلة الثياب للنفس بما لها من الاعتقاد فالظاهر عنوان الباطن، وكثيرا ما يكنى في كلامهم عن صلاح العمل بطهارة الثياب.

وقيل هو اللباس الظاهر، لأنّ نظافة اللباس دليل على حسن التربية والثقافة.

وقيل: كناية عن تزكية النفس وتنزيهها عن الذنوب والمعاصي.

وقيل: وقيل: الكلام على ظاهره والمراد تطهير الثياب من النجاسات للصلاة

وقيل المراد تقصير الثياب لأنه أبعد من النجاسة  وفي ذلك وردت الروايات :

-  عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ‏ غَسْلُ الثِّيَابِ يُذْهِبُ الْهَمَّ وَالْحَزَنَ، وَهُوَ طَهُورُ الصَّلَاةِ، وَتَشْمِيرُ الثِّيَابِ طَهُورُهَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ‏ «وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ» أَيْ فَشَمِّرْ.

وقيل: المراد تطهير الأزواج من الكفر والمعاصي لقوله تعالى: هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ‏ البقرة 187

وقيل: المراد بتطهير الثياب التخلق بالأخلاق الحميدة و الملكات الفاضلة.

الروح

من مميزات الإسلام في التشريع انه يؤكد على حماية الإنسان من كل قذارة ماديّة ، أو قذارة روحيّة تسي‏ء إلى روحه وأخلاقيته وسلوكه الفرديّ والمجتمعيّ.

يقول آية الله آملي : الطهارة هي سر العبادة وحكمتها ولكن ليس المراد بها الطهارة الظاهرية، فلا يزعم البعض حين أمرنا الله بالوضوء من أجل الطهارة بأنّ الماء يُطهّر ظاهر البدن ويضفي على الإنسان طهارة ظاهرية لأنه يذكر هذا المعنى في التيمم أيضاً حيث أمرنا بالتيمم وتعفير الوجه بالتراب من أجل الطهارة، فمن الممكن أن يطهر الماء البدن طهارة ظاهرية وأما وضع اليد على التراب ومسح الوجه بها تسوق الإنسان إلى الطهارة المعنوية.

 إذ يقول الله في بيان التيمم: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} المائدة6

وقد اعتبر بعض الفقهاء عدم كفاية وضع الإنسان يده على حجر أملس ومسحه على وجهه مستدلين بقوله {منه} فلا بدّ من تعفير الوجه بالتراب والتصاق غبار الأرض على الوجه.

ثم قال: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}، فيظهر أن الإنسان حين التيمم يتطهر بتعفير وجهه بالتراب، ولكن من أي شيء يتطهّر؟

مما لا شك فيه أن هذا العمل يسلب من الأنسان الغرور والكبر ويُطهّره بذلك وعندها سيرتدع عن الاعتراض على إرادة الله وعن الإدلاء برأيه، إذن فالطهارة المطلوبة لدى الله هي التطهّر من الغرور والكبر.

ويقول حفظه الله : تكمن حكمة الوضوء في الطهارة من كل رجاسة ونجاسة تلوّث الإنسان، وإنّ المتوضئ بوضوئه يُطهّر نفسه من النجاسة والرجاسة المختصة بالروح.

يقول القرآن الكريم: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}   لقمان/13

 ويقول أيضاً: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}   التوبة/28

 ويقول كذلك: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} يوسف/106

 فالمراد بالنجاسة في هذه الآيات هي النجاسة والقذارة الباطنية، وإن كانوا متصفين بالطهارة من حيث الظاهر، لأن رؤية ما سوى الله والاتكال على غيره ونسبة الأقوال والأفعال والأحوال إلى غيره شرك باطني مخالف للتوحيد الخالص.

 ومن يريد الوضوء يبغي الطهارة من هذا الرجس والنجس الباطني ليكون موحداً مخلصاً للمناجاة مع الله. (انتهى)

 عن الإمام الرّضا عليه السّلام: «إنّما أمر بالوضوء وبدئ به لأن يكون العبد طاهرا إذا قام بين يدي الجبار عند مناجاته إيّاه، مطيعا له فيما أمره نقيا من الأدناس والنجاسة، مع ما فيه من ذهاب الكسل، وطرد النعاس، وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبار»

روى الشيخ الصدوق عن الإمام الثامن عليه السلام أنه قال  : "ان علة الوضوء التي من أجلها صار غسل الوجه والذراعين ومسح الرأس والرجلين فلقيامه بين يدي الله تعالى واستقباله إياه بجوارحه الظاهرة وملاقاته بها الكرام الكاتبين فغسل الوجه للسجود والخضوع وغسل اليدين ليقلبهما ويرغب بهما ويرهب ويتبتل ومسح الرأس والقدمين لأنهما ظاهران مكشوفان مستقبل بهما في كل حالاته وليس فيها من الخضوع والتبتل ما في الوجه والذراعين. [1] وسائل الشيعة، ج 1 ص 395

المصادر

مجموعة من التفاسير

حكمة العبادات لآية الله عبد الله جوادي آملي



.


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=826
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 03 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28